هل انتهى الرئيس محمد خاتمي، من دون أن يسقط على طريقة أبو الحسن بني صدر ويضطر الى الهجرة والملاحقة؟ سؤال بدأ يطوف في ارجاء الجمهورية الاسلامية وسط أجواء من التشاؤم والقلق والخوف من أن تكون "جمهورية خاتمي" قد "اغتيلت" على يد المحافظين، قبل أن تقف على رجليها وترسي أسس المجتمع المدني وتصون الحريات واضعة القانون فوق الجميع. ويرى المتشائمون في طهران، ان معركة انتخابات مجلس الخبراء 23/10/98 كشفت المستور من المعلوم في خطة المحافظين لضرب خاتمي. وأن هذه العملية تمت بهدوء على الجبهتين الداخلية والخارجية. ويضيفون ان أعداء "جمهورية خاتمي"، عملوا على تطويق نجاحاته في الخارج، بحيث بدا انفتاحه مجرد نيات بلا خطوات تنفيذية، وقاموا بقضم ساحته الداخلية عبر توجيه الضربة تلو الضربة الى "حصونه الاجتماعية والفكرية"، واشتغلوا على تفتيت "المروحة" التي تشكلت منها جبهته بحيث يأخذ كل طرف موقعاً له لحماية نفسه بدلاً من التزام الوحدة لحماية "الجمهورية الخاتمية"، وحول كل هذه "الخطة" التي ينفذها المحافظون بنجاح يعدد أنصار جبهة الاصلاح وقائع عدة، داخلية وخارجية، تؤكد مخاوفهم وقلقهم، وهي على الصعيد الداخلي الآتية: - انتخابات مجلس الخبراء، فقد أصبح واضحاً ان المجلس المقبل سيكون مجلس اللون الواحد أي لون المحافظين، لأن "مجلس أمناء الدستور" حسم الأمر، فأبعد جميع المرشحين المحسوبين على خط الرئيس خاتمي. وبذلك لم يبق من أصل 396 مرشحاً سوى 167 ينتخب من أصلهم 86 عضواً لمجلس الخبراء. وبذلك اكتملت حلقة التصفية، فمن رفض ترشيح نفسه حتى لا يتعرض لامتحان لا يليق بموقعه أو بعلمه مثل آية الله كروبي، أُبعد واعتبر "غير مؤهل"، مهما كان موقعه. ولعل المثل الصارخ على هذا "الابعاد السياسي"، رفض ترشيح حجة الاسلام موسوي خوئينها أقرب مستشاري خاتمي، وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام والرئيس السابق للمحكمة العليا. كذلك رفض ترشيح السيد هادي خامنئي شقيق المرشد علي خامنئي الذي يعمل مستشاراً لشؤون الاعلام لدى الرئيس خاتمي. كما رفض ايضاً ترشيح وزيري الداخلية السابقين عبدالله نوري ومحمد علي محتشمي، اضافة الى رفض ترشيح تسع نساء و40 مدنياً. والمعلوم ان أبرز أعضاء مجلس أمناء الدستور هما آية الله جنتي وآية الله خزعلي المعروفان بخطهما المتشدد بين المحافظين. انحياز رفسنجاني - انحياز هاشمي رفسنجاني "قلعة النظام الحصينة" ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الى جانب المحافظين. فقد أكد رفسنجاني في مقابلة مع التلفزيون الايراني رفضه احتجاجات الشخصيات البارزة من الاصلاحيين والراديكاليين على دور "مجلس أمناء الدستور" وتحذيرهم من انعكاس هذا الموقف سلبياً على الاقبال على الانتخابات. وشدد رفسنجاني على أن المجلس هو "المؤسسة المؤهلة لتحديد كفاءة المرشحين واهليتهم" وذهب الى حد ادانة الاعتراضات معتبراً ان "اثارة الاشكالات تخدم أعداء الشعب والاسلام...". ويرى كثيرون ان رفسنجاني لم يعد يخفي رغبته في رئاسة مجلس الخبراء، مما يجعله مفصلاً أساسياً في النظام بعدما وجد ان مجلس تشخيص مصلحة النظام لا يلبي طموحاته ولا قدراته. فهو يصبح من خلال هذا الموقع، في حال تدهور صحة المرشد خامنئي، مشاركاً حقيقياً في الولاية مما يمهد له الطريق لخلافة خامنئي إذا ما حصل أي تطور. ومما يعزز هذا الرأي ان صحيفة محلية في اقليم اذربيجان أكدت ان آية الله مشكيني الرئيس الحالي للمجلس لن يرشح نفسه للرئاسة، وقد سارعت صحيفة "ايران" الى نقل الخير المحلي، خصوصاً ان الصحيفة تابعة لوزير الارشاد عطاء الله مهاجراني الذي هو من بين المؤسسين الستة لكوادر البناء، التنظيم المباشر لرفسنجاني. الموازنة والنفط - عدم إقرار ملحقات الموازنة، على رغم مرور أكثر من اسبوعين عليها في مجلس الشورى. ويرى الاصلاحيون ان المحافظين يسعون في ظل الأزمة الاقتصادية الى الوصول الى حال لا تستطيع فيها الحكومة دفع رواتب الموظفين في نهاية الشهر مما يدفع الايرانيين الى القاء المسؤولية على خاتمي. ومما يزيد من ضخامة القضية ان الأزمة الاقتصادية تزداد حدة، خصوصاً مع انخفاض سعر النفط الى نصف سعر العام الماضي، وتدني صادرات السجاد بسبب الأزمة الآسيوية. - الاستمرار في ضرب حرية الرأي والتعبير عبر العمل على خنق الصحافة. وبعد اغلاق "طوس" وسجن هيئة تحريرها وعلى رأسها محمود شمس واقفال صحف أخرى بينها واحدة تابعة لابنة رفسنجاني، اقفلت مجلة "عصرما" هذا العصر لمدة ستة أشهر وهي المحسوبة على اليسار الراديكالي وحكم على رئيسها علي سلامتي بغرامة مالية قدرها ألف دولار، كما منعت مجلة "صبح" القريبة من أنصار "حزب الله" لمدة أربعة أشهر وغرم رئيس تحريرها مهدي ناصري بمبلغ ألف دولار. واستمرار هذه الحملة ضد الصحف على مختلف ميولها، محاولة للحد من عملية الحوار المفتوح والعلني لمعظم التيارات والقوى السياسية على مختلف القضايا، بما فيها مسألة ولاية الفقيه. ولا يستطيع أحد تأكيد أو نفي استمرار هذه الحملة بانتظار انتهاء انتخابات مجلس الخبراء، علماً أن الرأي السائد انها ستستمر، خصوصاً مع اقتراب استحقاق الانتخابات البلدية في الربيع المقبل. - العمل على ضرب شريحة الشباب التي تفتحت على السياسة والتي تشكل أكثر من نصف المجتمع الايراني، وتقضي الخطة التي تنفذ بدقة، باقرار مشروع قانون يرفع سن الانتخاب من 16 إلى 18 سنة، وذلك قبل الانتخابات التشريعية، وتطويق تنظيم "تحكيم وحدت" الراديكالي القوي في الجامعات لمصلحة "أنصار حزب الله". وكان "تحكيم وحدت" أصدر بياناً حاداً حول استبعاد القوى المؤيدة لخاتمي من انتخابات مجلس الخبراء تساءل فيه "كيف يمكن أن يكون الحكم والمتسابق شخصاً واحداً ويحافظ الحكم على رغم ذلك على حياده؟". اغلاق الانفتاح وعلى الصعيد الخارجي يعمل المحافظون على إعادة اغلاق دائرة الانفتاح التي حققها خاتمي، وذلك بملاحقة كل نقطة حقق فيها النجاح وضربها، والوقائع كثيرة ومنها: - إعادة فتح ملف سلمان رشدي والفتوى بقتله من خلال رفع قيمة المكافأة من 2.5 مليون دولار الى 2.8 مليون دولار واعلان حسن صانعي الذي يرأس "هيئة 15 خرداد" ان هذا القرار هو لتشجيع تنفيذ الفتوى. وكان يمكن القول إن هذا القرار لا يلزم الحكومة الايرانية ولا يعرضها لمساءلة لولا أن وزير الخارجية كمال خرازي الذي سبق أن التقى نظيره البريطاني روبن كوك في نيويورك واتفق معه على اغلاق ملف رشدي وإعادة العلاقات الديبلوماسية، عاد فأعلن في مؤتمر صحافي "ان ايران لم تتراجع بشيء عن الفتوى وأن البريطانيين لم يحصلوا على شيء وهم قبلوا بفصل علاقاتهم الديبلوماسية مع ايران عن ملف رشدي". - تأكيد الحكم على الألماني هلموت هوفر بالاعدام لمعاشرته ايرانية، في محكمة الاستئناف بعد الحكم في المحكمة الابتدائية، مما يعرض العلاقات مع بون للدخول في دائرة التوتر بعدما كانت الجهود الديبلوماسية قد نجحت في ارجاع قضية ميكونوس الى حجمها القضائي. - ارتفاع حرارة الوضع العسكري على الحدود مع افغانستان، من خلال مصادمات بالمدفعية في وقت يتابع فيه الأخضر الابراهيمي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جولته في المنطقة لتخفيف حدة التوتر. والمعروف ان خاتمي يرفض الدخول في أي مبادرة عسكرية ضد "طالبان" الى حين فشل كل المساعي الديبلوماسية. اوراق الرئيس لكن على رغم هذا الهجوم الناجح للمحافظين على "جمهورية خاتمي"، فإن "الواقعيين" الذين يرفضون تسميتهم بالمتفائلين يرون أن خاتمي لم ينته ولن يكون بني صدر - 2، ولن ينهي ولايته من دون انجاز شيء من برنامجه السياسي. وإذا كان هؤلاء يعترفون بدقة موقف خاتمي وصعوبته فانهم يرون انه لا يزال يملك أوراقاً عدة باستطاعته استخدامها واستثمارها في حركته السياسية. ويعيد "الواقعيون" قوة خاتمي الى كونه لا يزال حتى الآن فوق الأحزاب والقوى السياسية وانه وصل الى الرئاسة بفعل المد الشعبي لا بفعل القوى السياسية، وان هذا المد لا يزال كما كان، بل وأقوى مما كان. ويضيف هؤلاء، ان مجرد عدم رضوخ خاتمي للضغوط وترشيح نفسه لعضوية مجلس الخبراء لسحب البساط من تحت اقدام جبهة المحافظين هو قوة له. وإذا ما جرت المقاطعة الشعبية، إذ تتوقع مختلف المصادر الايرانية ألا تصل نسبة الاقتراع الى أكثر من 10 في المئة، فإن مجلس الخبراء سيفقد "شرعيته الشعبية". وإذا كان المحافظون يرددون بأن ممارسة مجلس الخبراء لعمله من دون معارضة داخلية أفضل من هذه الشرعية، فإن مجرد دعوة آية الله خامنئي للاقتراع "حتى يخيب أمل العدو كما خاب في الماضي"، وتأكيده ان اقبال الناخبين على الاقتراع "يؤمن مستقبل الجمهورية الاسلامية"، يعني ان القيادة الايرانية تدرك جيداً الآثار السلبية لهذه المقاطعة على النظام من أساسه. ان هذا "الوعي" من القيادة للمخاطر التي تحيق بالجمهورية، هو الذي يشكل السلاح الأقوى في يد خاتمي لمتابعة ضغوطه في الداخل، يعاونه في ذلك عدد من رجاله، أصبح في مقدمهم وزير الداخلية حجة الاسلام لاري وعبدالله نوري وزير الداخلية السابق ونائبه الحالي، وأمين سر الرئاسة محمد علي أبطحي. وبهذا تكون المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات، وسيكون الشتاء الايراني القارس هذه السنة حاراً جداً على الصعيد السياسي