بدأت قبل عامين قصة تأسيس حزب "الوسط". وهي ما زالت تثير الجدل والخلاف. فكلما هدأت القضية وتصور المتابعون أنها انتهت عادت لتشتعل من جديد. في هذا الحوار يفتح أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط النار على التنظيم الدولي ل"الإخوان المسلمين"، ويقول إنه وهم كبير ضرره أكثر من نفعه، وإنه لم يعد سوى شكل يهتم به فقط الجماعات الإخوانية المتصادمة مع حكوماتها. أما الآخرون فلا يعتبرونه اهتماماً. ويقول إن القضية التي رفعها "الإخوان المسلمون" لإبطال عملية حل "الجماعة" موجه للداخل لتسكين الأصوات الإخوانية التي تطالب بتشكيل حزب علني، وان لا فائدة عملية حتى لو صدر الحكم لمصلحة "الإخوان". معتبراً أن هدف حزبه ليس إحداث انشقاق داخل الإخوان، أو إخراج الأعضاء منها. ويؤكد ماضي أن شخصيات مؤثرة من "الإخوان" انضمت إليه، وأنه سيعلن ذلك حينما يتقدم بأسماء المؤسسين إلى محكمة الأحزاب التي تنظر في الطعن الذي تقدم به الحزب. ويكشف وكيل مؤسسي حزب "الوسط" عن الفكرة الأساسية التي دفعته مع آخرين إلى تأسيس شركة لإصدار صحيفة. وفيما يأتي نص الحوار: على ماذا تختلفون مع الإخوان؟ هل الخلاف فكري أم سياسي أم على ممارسات بعض القيادات؟ - أحب أن أطرح مشروع حزب "الوسط" كمشروع مستقل، وهذا ما ثبت مع الأيام. حزب "الوسط" حزب مدني ذو مرجعية إسلامية يجمع في عضويته وتركيبته أبناء الوطن الواحد مسلمين وأقباطاً. أما "الإخوان" كحركة دينية إصلاحية فكل أعضائها من المسلمين فقط. وهذا اختلاف مهم لطبيعة الوظيفة وطبيعة المهمة. "الوسط" ينتمي للمشروع العربي الحضاري الإسلامي، حاول أن يكون مشروعاً يخاطب الواقع ويتعامل معه، وأيضاً كمخرج من الأزمة التي تعيشها دول عربية كثيرة منها مصر، ألا وهي مشكلة التعبير عن الحالة الإسلامية في الحياة العامة والسياسية، وتصورنا هو أن ما قدمناه يمثل مخرجاً. الأمر الثاني هو أن "الوسط" جزء من التطور الفكري والعملي والتاريخي في الحركة الإسلامية. فلا شك أن كثيراً من مؤسسيه مارسوا العمل العام منذ السبعينات. وأصبحت رؤيتهم واستيعابهم للأمور الآن مختلفة عنها في الثمانينات وبطبيعة الحال عن السبعينات. لقد حدث تطور فكري يمكن وصفه بأنه درجة من درجات النضج في استيعاب المشروع الإسلامي ورؤية الآخر والتعامل مع الواقع. لقد شارك كثير من المؤسسين في العمل العام كطلاب خلال السبعينات وفي الحركة النقابية في منتصف الثمانينات والتسعينات. والمرحلة التي تلت هذا هي العمل الحزبي والسياسي العام من خلال الحزب الذي يجمع كل تشكيلة المجتمع، وهو نشاط أوسع من النقابة ذات المهنة الواحدة. أفهم من هذا أن الخلاف الوحيد بينكم و"الإخوان" خلاف تنظيمي يتعلق بضم الأقباط للتنظيم، هل هذا هو الخلاف الذي دارت حوله كل هذه المعركة؟ - دائماً أحب أن أقول التعريف الذي ينطبق عليها، واترك للآخرين أن يستنتجوا ولا أحب أن اسميه خلافاً. وما قلته فيه أشياء كثيرة توضع تحت هذا العنوان. حينما أقول إنه تطور تاريخي يخاطب الواقع، أو مخرج من الأزمة، أو تطور فكري وتاريخي وعملي، أتصور أنه تعريف أدق ويعبر بشكل أوسع عن هذه الفترة. ماذا تقصد بالخروج من الأزمة؟ - هناك حالة إسلامية موجودة، كما سماها الاستاذ فهمي هويدي "موجودة بشكل قوي في الشارع السياسي المصري بشكل عملي لكن غير معترف بها بشكل قانوني". ومسألة عدم الاعتراف هذه لها أسباب من كلا الطرفين. أسباب من الحركة نفسها، وأسباب من النظام، الأسباب التي تخص الحركة خاصة بالأطر التي تطرح نفسها من خلالها والشكل والطريقة. والتخوفات المقابلة من النظام تجعلها تمنع منح التراخيص للعمل السياسي الحزبي. حاولنا أن نكون حلاً وسطاً أيضاً وليس مجرد حزب "وسط". فنحن أكثر اقتراباً من النظام ونعمل من خلاله للدولة. إننا، إذا صح التعبير، معارضون لا مناهضون. نشارك في العمل العام، ولا نريد أن نكون بديلاً، ففكرة التخوفات التي لدى النظام جوهرها فكرة البديل، أي أن تأتي لكي تتخلص مني، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن أقاومك، وهذا ما نسميه الخروج من الأزمة. إننا عندما نعبر عن أنفسنا نريد أن نكون ممثلين لقطاع من الشعب نعمل من خلال نظام الدولة وقانونها ودستورها، أن نكون مشاركين لا بدلاء. هل تقصد أزمة الحركة الإسلامية وليس أزمة الإخوان؟ - نعم هذا ما أقصده. ألم يكن هناك في أزمتكم خلافات على قيادات بعينها، ألم يكن هذا جزءاً من خلافاتكم داخل "الإخوان"؟ - لا أظن أن هناك تنظيماً في الدنيا يخلو من خلاف على بعض قياداته، ونفي هذا قفز على الواقع، والمبالغة فيه تضخيم في الحقيقة. ألم يكن هناك خلاف على السلوك السياسي ل "الإخوان" في علاقتهم مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى؟ - أحب دائماً أن أقول بعض قيادات "الإخوان"، ولا أحب أن يكون مضمون الحوار عن "الإخوان". "الإخوان" كجسم فيه آلاف من الناس الاتقياء الصالحين الذين تربطنا بهم صداقة وأخوة عالية جداً، وأحب أن أسمي دائماً الأمر على أنه خلاف مع بعض قيادات الإخوان، وبهذا المعنى بالتأكيد حدث هذا. ما هي القصة الحقيقية لخروجكم من "الإخوان"؟ هل أقلتم أم استقلتم؟ - الموضوع تجاوزناه عملياً، وأصبح من دون قيمة في الوقت الحاضر، أما معلومة وضعي فقد استقلت فعلاً. ما تقييمكم للتفاعلات التي حدثت بعد خروجكم من "الإخوان" في ضوء ما قيل إنكم ثلاثة أو أربعة أفراد، فإن ما حدث أمر غير مؤثر ولا يحمل دلالات؟ - أحب أن أوضح شيئاً وهو أنه لم يكن هناك صراع على ضم أعضاء أو إخراج الناس من تنظيم "الإخوان". الحالة الحقيقية كانت تبني فكرة ومشروع لا تحتاج إلا إلى عدد قليل لإخراجها للوجود. وعندما يتم الحصول على الرخصة والشرعية ويظهر هذا الحزب، يبدأ في طرح نفسه أمام الآخرين للانضمام إليه. لم يكن الأمر متعلقاً بإحداث انشقاق أو هدم بناء أو كيان أو إخراج الناس، هذا الأمر لم يكن مطروحاً وبالتالي فإن هذه التعليقات في غير موضعها يغلب عليها طابع الاستفزاز لنا أكثر من كونها مناقشة موضوعية للأمر، لكن ثبت أن بعضاً ممن خرجوا معكم عادوا وسحبوا توكيلاتهم من الحزب، فهل يفهم من ذلك أنه لم يحدث تفاعلات بسبب طرحكم الجديد داخل "الإخوان"؟ - هذه التفاعلات والتغيرات سابقة على قضية الحزب، لكنها كانت مكتومة أو ضعيفة، لكن قضية حزب "الوسط" كانت - كما يقال - القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد طرحت الأسئلة الرئيسية أو كما سماها الاستاذ خالد الحروب، أسئلة البداعة. ما هو السبيل؟ ما هو العمل؟ ما هو المستقبل؟ وكيف سنحل الأزمة التي تمر بها الجماعة؟ فتفجر الموضوع. وجرت محاولات للخروج من الأزمة ووجهت بحالة من الحرب الشديدة. لكن قيل إن هناك آخرين انضموا لحزب "الوسط" أثناء عرض القضية أمام محكمة الأحزاب؟ - هذا صحيح.. هناك أسماء مهمة انضمت للحزب، وسنعلن عن أسماء بعض العناصر المؤثرة حينما نتقدم بقائمة المؤسسين للمحكمة، لكن كما قلت، لم يكن مقصوداً ولا مطلوباً التحدي أو إخراج الناس من "الإخوان". لكنه رد فعل تلقائي من بعض الأفراد، خصوصاً من ذوي الحيثية تضامناً مع المشروع، ونتيجة رفضهم للطريقة التي تم التعامل بها معنا من قبل قيادة الجماعة. وما أثر خروجكم من السجن والصراع على فكرة حزب "الوسط" على علاقتكم بالقيادات المحبوسة حالياً من الجماعة؟ - ما قلته ينطبق على إخواننا في السجن، كما ينطبق على الآخرين، البعض كان متعاطفاً والبعض الآخر كان معترضاً على هذه الخطوة. هل تتوقع أن يعيد خروجكم من السجن طرح قضية "الوسط" مجدداً داخل "الإخوان"؟ - أنا أحب أن أطرح الموضوع من زاوية أخرى، يجب أن يطرح الجميع القضية من منظور المطالبة بالإفراج عن كل المسجونين، هذه قضية إنسانية، خصوصاً أن كثيرين منهم أمضوا أكثر من نصف المدة المحكوم عليهم بقضائها في السجن، عموماً هم الآن في ظرف لا يجب أن يوضعوا في مجال نزاع أو تصادم، أنهم قيادات وطنية محبوسة لها تاريخها وجهادها المشرف، وبعضهم أقرب إليّ من نفسي وإخوتي في الدم، وهذه مناسبة أضم فيها صوتي إلى أصوات كثيرة تطالب بوجوب الإفراج عنهم جميعاً، وأن لا يكونوا طرفاً في هذه القضية، فهم في وضع يجب أن يتعاون فيه الجميع لإخراجهم مما هم فيه. ألا ترون أنكم في المأزق نفسه ل "الإخوان" من حيث عدم الحصول على الشرعية؟ - هناك خلاف كبير بين الحالتين، نحن اخترنا استراتيجية العمل السلمي القانوني، وأعتقد بأن "الإخوان" أيضاً والنضال من خلال العمل القانوني نضال طويل، لكن لا بد من أن يشمل جهوداً عدة ومتنوعة، وبالتالي فالإطار ليس جامداً ولا واحداً، نحن نعمل من جل الحزب، لكن إذا تعذر سنبحث عن إطار غيره، ونعالج الأسباب التي جعلته متعذراً، وعلى أي حال، فإن معاناتنا أمام المحكمة هي بسبب موقف الإخوان، فالمشكلة التي نواجهها أمام المحكمة الآن هي انسحاب الأعضاء، وإذا لم تقبل المحكمة دفوعنا وما سنتقدم به من أسماء سنعالج هذا الأمر، ونعيد التقدم بحزب جديد بشكل لا يعترض عليه. أيضا يمكن العمل لخدمة المشروع من خلال أطر أخرى كثيرة، فليس معنى أن الإسلام دين شمول أن يكون التنظيم شمولياً بالتبعية. بمعنى أنك تستطيع أن تقوم بمهمات كثيرة منفصلة من دون أن يكون هناك تنظيم جامع لكل هذه الأنشطة، يمكنك أن تؤسس أشكالاً ثقافية وفكرية واجتماعية، وأن تصدر نشرات خاصة بالمرأة وحقوق الإنسان والعمل النقابي والطلابي. توجد اطر كثيرة يمكن العمل من خلالها، وأخرى يمكن استحداثها من خلال القوانين القائمة. والحقيقة أنني أفضل الحديث عن تيار "الوسط" وليس حزب "الوسط"، لأن الحزب إذا تعثر سنتقدم بطلب آخر ويمكن تغيير الاسم، فليس عندنا عقدة "الاسم"، كما هو الحال عند الآخرين. يقول "الإخوان" إنهم يناضلون قانونيا، وإنهم رفعوا قضية ضد قرار حل "الإخوان"، أليس هذا شكلاً من أشكال التماس وليس الاختلاف؟ - لعلك تقصد القضية التي رفعها "الإخوان" أمام القضاء الإداري منذ أكثر من 20 عاماً. أنا أعتقد بأن هذه القضية توضع تحت عنوان "الوهم الكبير"، وهذا ليس اكتشافاً حديثاً، فهو رأي قديم، ما هي القضية المرفوعة؟ انها قضية ضد حل جماعة "الإخوان" في العام 1956 خلال التصادم مع قيادة الثورة بعد حادث المنشية حيث لم يحدث أن صدر قرار رسمي بالحل، وإنما تم الحل بشكل عملي، وهو على خلاف القرار الرسمي الذي صدر في عام 1954 بحل "الإخوان"، هذا هو الطعن المنظور أمام المحكمة، ولو افترضنا جدلاً أن المحكمة أخذت برأي "الإخوان" بأنه لا يوجد قرار بالحل، وبالتالي يعتبر الحل لاغياً، ما هو الأثر الذي سيترتب على صدور مثل هذا الحكم؟ أولاً لقد تم تغيير الدستور الذي كان معمولاً به منذ وقت وجود "الإخوان" مرتين. وثانياً لقد تغيرت القوانين المنظمة للعمل العام مرات عدة. ومن ثم فالشيء الطبيعي أنه حتى في حال الحكم لمصلحة "الإخوان"، فإنهم سيوفقون أوضاعهم وفقاً للدستور الحالي دستور 1971 وحسب القوانين المنظمة، وذلك في شكلين: إما جمعية خيرية تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية، وإما كحزب سياسي، ومن ثم فإن الحكم لن يغير من الأمر شيئاً، والفعل الإيجابي الذي كان - في رأيي - يجب أن يتخذ، هو السعي من خلال هذه الأطر وبشكل إيجابي منذ لحظة إدراك هذه الحقيقة. أما القول بأن هناك قضية منظورة أمام المحاكم، فهو نوع من أنواع التسكين لكثير من المطالبين بالعمل من خلال الشرعية القائمة، أن كثيراً من جسم "الإخوان" هم من الشباب الذين ليست لديهم خصومة مع الدولة ولا مع النظام ولا مع القانون. ومن ثم يطرح كثيراً السؤال: لماذا لا نسعى لتأسيس حزب علني؟ فتكون الإجابة هي نحن نسعى ولهذا رفعنا قضية، هذه القضية وهمية ولا يترتب عليها أي أثر، ويجب أن يكون هناك سعي مباشر لحل المشكلة قبل أن يصدر الحكم الذي لن يصدر. ترددت أنباء عن خلافات داخل التنظيم الدولي بسبب إعلانكم تأسيس حزب "الوسط"، كيف تقيمون وضع التنظيم الدولي؟ وما هي حقيقة التماس بين استقالة الاستاذ كمال الهلباوي من هذا التنظيم مع قضيتكم؟ - أولاً في شأن ما نشر عن خلافات داخل التنظيم الدولي، فأنا قرأتها في الصحف مثل الذين قرأوها. وبعض أعضائه كتب في الصحافة ونشر رأيه، بأن هذا المشروع "الوسط" يجب تأييده. أما في شأن الأمر الخاص بالاستاذ كمال الهلباوي، فقد قرأنا ما نشر عن موقفه، ونبأ استقالته صحيح، لكن التفاصيل يرجع فيها للاستاذ كمال نفسه. الوسائل السلمية أما بصدد تقييمي للتنظيم الدولي، فأنا أقول في شأن القاعدة الفقهية بأن "ضرره أكثر من نفعه". فهو من ناحية تنظيم دولي غير قانوني، وهذا الكلام رأي قديم لي. مثل هذه الأطر تضخم وتستفز أطرافاً كثيرة، وإذا قدر لك أن تطلع على حقيقة ما يفعل هذا الهيكل، تجد أنه يكاد يقترب من الصفر من الناحية العملية، أو من ناحية إيجابية الفعل، وتجد أن أضراره أكثر من منافعه، أنا أيضاً أشعر بأن كثيراً من الأقطار التي لا مشكلة قانونية لها في شرعية الوجود والعمل لا تعطي أي اهتمام لهذا التنظيم ولا تتعامل معه. ومن ثم أصبح تجمعاً لبقايا تنظيمات مهاجرة في حالة تصادمية مع أنظمتها. ربما باستثناء مصر التي يمثل المصريون غالبية في تشكيله، وأشعر من خلال كثير من الناس بأن القائمين على تفعيله أشبه بالقائمين على تفعيل الجماعة في مصر. وهو يكاد أن يتحول عملياً إلى جناح مصري أكثر مما هو شكل دولي، في شأن التمثيل. أنا أتصور أن العنوان المناسب لوضع التنظيم الدولي للإخوان أيضا، هو أنه "وهم كبير". والأصح أن تجتهد الحركات الإسلامية المنضمة إليه في حل مشاكلها في اقطارها وفق الأنظمة المعمول بها حتى وإن مورس ضدها اضطهاد، فلتعمل من خلال الوسائل السلمية والمتاحة بغض النظر عن ارتباطها بمثل هذا الشكل المعوق من وجهة نظري. كيف هي علاقتكم بالتيارات الإسلامية الأخرى، حزب العمل يطرح رؤية إسلامية فعلى ماذا تختلفون معه؟ - أنا دائماً، كما قلت سابقاً، أفضل ألا أطرح الخلاف، أحب أن أطرح وجهات نظرنا ولك أن تقيسها على وجهات نظر الآخرين، فإن اتفقنا وضح الاتفاق، وإن اختلفنا الأمر نفسه. ولا شك أن حزب العمل من الأحزاب المؤثرة والمهمة، وله دور إيجابي وفاعل ونحن نثمن كثيراً مواقف الحزب وقياداته وتاريخها وعلى رأسها المجاهد الكبير إبراهيم شكري والمجاهد الكبير عادل حسين والأخ والصديق مجدي حسين، وكل القيادات التي تعمل في الحزب. لكن بالتأكيد كل محاولة جديدة ترى في نفسها أنها تمثل إضافة وليست تكراراً، هي محاولة للإضافة وليس للطرح من الآخرين. تقدمت مجموعة من مؤسسي "الوسط" بطلب تأسيس شركة لإصدار صحيفة، ولوحظ أن بعضاً ممن تقدموا معكم بالطلب ليس لهم ارتباط واضح بالحركة الإسلامية. فهل هذا نوع من التكتيك السياسي المرحلي، أم أنكم غيرتم وجهة نظركم؟ - الفكرة أن ذلك هو أحد ملامح النضج الفكري، إن صح التعبير، نحن أصحاب مشروع، ونؤمن في الوقت ذاته بأن الوطن يحتاج لجهود كل الناس، ومن ثم لا بد من العمل في اتجاهين، طرح هذا المشروع، والعمل لإيجاد أنصار له، وفي الوقت نفسه التعاون مع باقي المشاريع والأفكار والتيارات لمصلحة هذا الوطن. والجريدة التي تحدثت عنها تدخل في الباب الأخير، ونحن نقوم بأعمال كثيرة مشتركة مع كل القوى والتيارات الأخرى، والجريدة نموذج للتعاون مع كل التيارات، والفكرة الرئيسية فيها أنها ستعبر عن مشروع الاستقلال الحضاري، وليس المشروع العربي - الإسلامي الذي يطرحه "الوسط". وإذا أردنا التعبير عن مشروعنا نحن، فستكون هناك جريدة أخرى تعبر عنه باسم آخر ومؤسسين آخرين. إننا نؤمن بأنه لا يمكن لتيار واحد أن يحمل وحده أعباء إخراج الوطن من مشاكله، إذ لا بد أن يتكاتف الجميع. جيل السبعينات ترددت أنباء عن حوار بينكم والتيارات الأخرى من جيل السبعينات، ما حقيقة ذلك وما هي النتائج التي توصلتم إليها؟ - حوار جيل السبعينات ينطلق من ضرورة بعث روح جديدة في الحياة السياسية في مواجهة الركود في الحياة العامة. بعضهم يقول إن هناك تجاوزاً في "سن القدرة على العطاء في بعض الأماكن". لذلك طرحت فكرة جيل السبعينات الذي شارك في الحركة الطلابية من مختلف التيارات الإسلامية والناصرية واليسارية التي حدث بينها - خلال السبعينات - تصادم شديد، لكنهم الآن، وبعد مرور 20 سنة، اكتشفوا جميعاً، أن أبناء هذا الجيل بالذات يجب أن يحدث بينهم نوع من الحوار والتفاعل وقبول الآخر. حيث استبعد الجميع فكرة إقصاء الآخر. لقد اثبتت التجربة أن هذا الوطن لا يمكن أن يستغني عن أي تيار، لقد حدث تلاق حول المواضيع التي يمكن التفاهم عليها، تمهيداً لتفاهم وطني عام، خصوصاً بين الأجيال التي لا يوجد بينها ثأرات تاريخية، فإذا تكلمت عن الإسلاميين والناصريين مثلاً، فجيلنا لم يكن طرفاً في ما تعرض له "الإخوان" في عهد عبدالناصر. لم يكونوا هم الفاعلون، ولم نكن نحن المجني علينا. هذه الثأرات التاريخية لم نعايشها، واكتشف الجميع أنه لا يجب توريثها، فتوريث الثأرات عمل ضار بالعمل السياسي. وهدف الحوارات أيضاً هو التخلص من الثأرات التاريخية، بإدانة التجاوزات، فأنت ترى حمدين صباحي الناصري يقول الشهيد سيد قطب ويدين التصرفات التي جرت. وترى بعضنا من الناحية الأخرى يدين التجاوزات التي قام بها النظام الخاص ل "الإخوان" والاعتداءات التي تمت على الأفراد في فترات سابقة. لقد أصبح كل طرف يدين التجاوزات التي حدثت من المنتمين للتيار الذي ينتمي إليه. وهذا مدخل صحيح. الأمر الثاني أنه حدث تجاوب كبير حول قضية الديموقراطية وحرية العمل العام وحرية التعبير. أما الأمر الثالث، فهو الإحساس بجسامة الأخطار المحدقة بالوطن، خصوصاً بالنسبة إلى المشروع الصهيوني. ولذلك كان هناك تعاون في لجنة الدفاع عن سجناء الرأي، كما كان هناك تعاون في الحركة الشعبية لمكافحة الصهيونية والتطبيع. وكان هناك كذلك تعاون أقل في الدفاع عن مستأجري الأراضي. كذلك حدثت ممارسات عملية مشتركة، فعندما تعرض بعض رموز هذه التيارات لحالات انتقاص الحرية، من اعتقال أو غيره، تكاتف الجميع في الدفاع عنه. وقد حدث هذا معي عندما حقق معي في القضية العسكرية، كما حدث مع حمدين صباحي ومجموعة من الناصريين واليساريين ومنهم كمال خليل حيث تجاوب الجميع معهم حتى تم الإفراج عنهم. سؤالي الأخير عن الاتهام الذي وجه إليكم من قبل بعض قيادات "الإخوان" بأنكم أبلغتم أجهزة الأمن عن التقدم بأوراق حزب "الوسط"، قبل أن تبلغوا المرشد العام ل "الإخوان"؟ - مثل هذه الاتهامات نحب أن نتجاوزها، من حيث الموضوع فهذا كلام غير صحيح. أما عن مثل هذه الاتهامات، فهي توضع تحت لافتة "التخريجات" الجاهزة المنتشرة في الأدبيات الإسلامية. فحينما يريد بعضهم أن يهرب من مواجهة الحقيقة، يبحث عن تخريجات، مثل أن فلاناً يعمل مع الأمن أو على علاقة بالأمن، أو أنه ضَعُف أو جَبُن، أو أحب الأضواء، أو إنها فتنة نجانا ونجاكم الله منها. هذه "كليشيهات" جاهزة تطرح في مثل هذه المواقف للهروب من الموضوع الحقيقي، وعاجزة عن مواجهة الحقيقة.