سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ندوة "الوسط" عن التطرف والمتطرفين : اعطاء شرعية العمل للتيار الاسلامي المعتدل يضعف ويحجم حركات العنف والغضب والاحتجاج - من المسؤول عن "أزمة الثقة" بين التيار الاسلامي وبعض الانظمة؟ الاخيرة
هذه هي الحلقة الثالثة والاخيرة من ندوة "الوسط" عن التطرف والمتطرفين في العالم العربي والاسلامي وعن الحركات الاسلامية "المتطرفة" في منطقتنا. الحلقة الاولى تناولت التعريف بهذه الظاهرة وتطرقت الى نفوذ المتطرفين ومدى تأثيرهم وأسباب لجوئهم الى العنف وأعمال الارهاب، والى الفارق بين المتطرف والارهابي، كما توقفت عند ادوار بعض الشخصيات الاسلامية، ومنها الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية في السودان وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية المنحلة والشيخ عباسي مدني زعيم الجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة في الجزائر. الحلقة الثانية من الندوة تناولت الحديث عن العلاقة بين التيارات الاسلامية والديموقراطية ونظرة الاسلاميين الى الديموقراطية، وتطرقت الى معالجة قضايا مختلفة تتعلق بالتطرف والمتطرفين. هذه الحلقة الثالثة تعالج بشكل خاص العلاقة بين الانظمة والحركات الاسلامية. وقد عقدت هذه الندوة في مكتب "الوسط" في القاهرة وأدارها مدير المكتب عمرو عبدالسميع وشارك فيها 3 مفكرين وخبراء في الشؤون الاسلامية هم: فهمي هويدي وهو كاتب وصحافي مصري متخصص منذ سنوات في كل ما يتعلق بالقضايا الاسلامية، الدكتور محمد عمارة وهو مفكر اسلامي مستقل، ونبيل عبدالفتاح رئيس وحدة البحوث الاجتماعية في مركز الدراسات الاستراتيجية في صحيفة "الاهرام". وفي ما يأتي الحلقة الثالثة والاخيرة من الندوة: استاذ فهمي الى أي مدى، في تصورك، يستطيع - أو استطاع - الاسلاميون المعتدلون استيعاب حركات الاحتجاج الشبابية الاسلامية او توجيهها؟ - فهمي هويدي: حتى الآن لم ينجح المعتدلون في ذلك، والذي يحدث هو ان الخطاب الاعلامي يضع الجميع في سلة واحدة ويعتبرهم جميعاً متورطين في تدبير مؤامرة واحدة. - محمد عمارة: وصل الأمر الى حد اتهامنا بالتحريض على قتل فرج فودة. - فهمي هويدي: أريد أن اسأل: ما هي مصلحة الخطاب العام في ان يلغي هامش الاصلاح والاعتدال؟ عندما أؤكد ان هناك مسافة تفصل بيني وبين أهل العنف والاغتيال يردون بقولهم: "بل أنت جزء منهم، أنت تؤدي وظيفة الكلام وهم يخاطبون بالسلاح والهدف واحد، والمؤامرة واحدة". أهل العنف لا يقرأون ما أكتبه او ما يكتبه الدكتور عمارة وهم لا يشاهدون التلفزيون، الشخص الذي قتل الدكتور فرج فودة من المؤكد انه لا يعرفني ولم يسمع حتى باسمي او باسم الدكتور محمد عمارة، والضغوط السياسية والامنية والثقافية تمنع وجود جسور للحوار، الحوار قيمة مهدورة في الواقع المصري، وكل ما في الامر ان هناك فرقاً تتحارب من دون ان يكون ثمة امل في ان يحل الحوار بينها محل الرصاص. الدولة تحاور رموزاً فكرية مثل حضرتك ومثل الدكتور عمارة لكن الذي يحدث هو ان الحوار يتوقف عندما يصل الى نقطة معينة بحجة ان المسافة التي تباعد بين طرفيه كبيرة. - فهمي هويدي: ليس مطلوبا الغاء المسافات، ولكن ايضا ليس من المعقول ان اصبح انا والحكومة والدولة شيئاً واحداً، نحن نريد الاصل، الاختلاف. والتحدي هو كيف يمكن ان نتعايش ونتحاور حول هدف مشترك ونحن مختلفون، وأنا الاحظ في كثير من الاحيان ان غالبية امراض الحالة الاسلامية هي جزء اصيل من امراض الواقع المصري. - محمد عمارة: استيعاب التيار الاصلاحي المعتدل لظاهرة العنف بغرض تحجيمها يعوقه ان هذا التيار محروم اصلا من حق العمل عبر قنوات شرعية، وهذا يدفع تيار العنف الى التمسك اكثر بشعار ان "لا حل سوى العنف". سأحكي لكم تجربة شخصية، حدث ان التقيت بأحد الوزراء في مصر وسألته لماذا لا تسهل الدولة للتيار الاصلاحي الاسلامي مهمة التحاور مع تيار العنف عبر القنوات الشرعية؟ فقال لي: الاخوان دخلوا مجلس الشعب ولم يفعلوا شيئاً. فقلت له: ان منصة المجلس لم تمكنهم من ان يفعلوا شيئا ومن ثم اعطت الفرصة لعبود الزمر ان يقول: "ان القنوات الشرعية عبث". وهذه الحجة هي السائدة الآن. فلو أننا اعطينا للمعارضة الاسلامية فرصة العمل الجاد من خلال المؤسسات لكان الحوار عبر القنوات الشرعية هو السائد في هذه المرحلة. حرمان التيار المعقول من العمل الشرعي يساعد على نمو ظاهرة العنف. - نبيل عبدالفتاح: اذا كان التيار الاسلامي المعتدل يرغب في انشاء حزب سياسي فهذا يعني انه يقبل بفكرة الديموقراطية قبولاً كاملاً بقيمها ومؤسساتها. اذا كان الامر كذلك فأنا اعتقد انه لن يكون هناك خلاف كبير اذ ان من حق الجميع ان يوجدوا على الساحة السياسية، وهذا الحق يستند الى اعتبارات عدة ذات طابع تاريخي، وأنا أزعم ان المجتمع لم يبلور اجماعاً سياسياً حول القيم الاساسية للنظام السياسي في مصر منذ بناء الدولة الحديثة. ولعل ذلك هو احد الندوب في جسم شرعية الدولة اذا كانت هذه الفكرة صحيحة. وأرجو ان تكون كذلك. اذن القبول بالديموقراطية يعطي للجميع بما فيها الاتجاه السياسي داخل جموع الاقباط، في تكوين احزاب سياسية. انا مع ذلك بشرط ان لا يكون هناك خروج على قواعد الممارسة الديموقراطية والقانون الحديث والدستور، اما اذا كان الاطار الديموقراطي وإنشاء الحزب السياسي هما مجرد وسيلة لحيازة الورقة الاجرائية اللازمة للعصف بالنظام الديموقراطي فإن هذا من شأنه ان يدخل المجتمع في حلقة من حلقات الحرب الاهلية، فالأمر سيتجاوز حتماً مجرد التنافس الفكري او السياسي او الايديولوجي. بعض رموز التيار الاسلامي يؤكد حاجة التيار الى طرح فكره على ساحة التطبيق عن طريق انشاء حزب سياسي وينكر ان لدى الآخرين ايضا فكرهم، والسؤال الآن هل يمكن القبول بظهور حزب للاقباط؟ - فهمي هويدي: اذا وافقنا على انشاء حزب للاقباط سيقال اننا نرغب في شق وحدة البلد، وإذا لم نوافق يقال اننا نقهر الآخر. كل من لديه مشروع سياسي ينبغي ان يعطي فرصة للتعبير عن نفسه ما دام ابدى موافقته على شروط الممارسة الديموقراطية التي تحدث عنها قبل قليل الاخ نبيل، وقبل الالتزام بقواعد القانون والدستور. اساس المفاضلة هنا لن يكون في مجرد السماح بظهور حزب يمثل هذا الطرف او ذاك، وإنما سيعتمد على وجود المشروع السياسي من عدمه. - فهمي هويدي: نفترض ان طرفاً قبطياً يرى في الليبرالية مشروعاً سياسياً له، لا غبار على ذلك، وهنا انا لا اتفق مع من يخشى من ظهور حزب اسلامي حتى لا تكون هناك ذريعة لانشاء حزب قبطي في المقابل، انا لا احب طبعاً ان نقسم البلد الى طوائف ومعسكرات مختلفة عقائدياً، وأعتقد ان البابا شنودة قال غير مرة انه ضد اقامة حزب مسيحي. ليست هناك مصلحة في هذا، ولكن اذا كنا على طريق تقرير المبادئ فلا بد ان نتيح فرصة التبلور والتعبير امام كل رؤية سياسية لها جمهور. - نبيل عبدالفتاح: لا مانع من ان يكون هناك حزب اسلامي وآخر قبطي، المهم ان لا ينطوي مشروع اي منهما على طابع تقسيمي للأمة المصرية، لأن اهم ما يميز مصر - في تصوري - امام العالم هو هذا التنوع الفكري، وكونها دولة مركزية، ووحدة الامة المصرية، هذه سمات اجتماعية موضوعية وثقافية تفرض نفسها على اي خطاب. ان توسيع الاطار الديموقراطي والاطار السياسي سيغير موازين اللعبة السياسية تماماً، قد تكون هناك محظورات لدى الصفوة السياسية الرسمية في هذا البلد او ذاك لكن خطورة المسألة الطائفية تكمن في انها في احد ابعادها جزء من غياب توزيع المصريين على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية على احزاب او اتجاهات سياسية، وعندما يكون النظام تعبوياً وشمولياً فان الانقسامات هنا لا تأخذ الطابع الديني والطائفي، عندما تكون هناك حياة سياسية خصبة ومؤسسات يتوزع الناس عليها بحسب انتماءاتهم السياسية فلن يكون هناك حينئذ اي فارق بين مواطن مصري فلاح قبطي او مسلم، الاثنان قد ينضمان الى تنظيم نقابي فلاحي لأن مصالحهما مشتركة، ولكن عندما يكون هناك فراغ سياسي كبير في المجتمع وعجز في المؤسسات العامة بحيث لا يمكنها استيعاب الحركة الاجتماعية في اطارها، فان الناس غالباً تعود الى التحيزات او الانقسامات الاولية في المجتمع. وانني اربأ بمجتمع عريق مثل المجتمع المصري ان تتوزع الامور فيه على هذا النحو، ففي تقديري ان جزءاً من ميراث الشمولية في مصر يتمثل في اعتماد النظام على مجموعة من الوجهاء، وجهاء الحياة العامة كل مجموعة منهم تمثل تياراً سياسياً معيناً، انني اعتبرهم "مقاولين سياسيين" لعبوا دوراً خطيراً ساهم في افساد الحياة السياسية المصرية، وهدم اية امكانية لنمو ديموقراطي حقيقي في المجتمع، هذه ظاهرة مستمرة الى الآن على مختلف الجبهات وليس فقط على الجانب السياسي، بعض هؤلاء تم اعتمادهم كممثلين للاقباط من دون ان يكون للاقباط رأي في ذلك، والامر نفسه حدث بالنسبة الى التيار السياسي الليبرالي والتيار السياسي الناصري والتيار السياسي الاسلامي، ولم يكن لأي من هذه التيارات رأي في توكيل هؤلاء الوجهاء، لا بد ان يتسع الاطار ليسمح لجميع المصريين بالتعبير عن تحيزاتهم ومصالحهم، فمن شاء ان يدخل حركة الاخوان المسلمين عندما تتحول الى حزب سياسي فليفعل ومن شاء ان ينضم الى حزب علماني فلينضم، المهم ان تكون هناك منظومة من المؤسسات السياسية والثقافية والاجتماعية قادرة على التعبير عن تنوع الخريطة السياسية والاجتماعية لكن هذا مع الاسف الشديد غير موجود، وهذه الظاهرة موجودة ايضاً في بلدان اخرى، والمشكلة هي في منطق الاستبعاد الذي ادى الى هذه "المونولوجات" المختلفة التي يزخر بها المجتمع المصري والمجتمعات العربية القائمة على الخطاب الاحادي النظرة. التيار المعتدل يحجم العنف - فهمي هويدي: "الاخوان المسلمون" لم ينجحوا في تحقيق الكثير من اهدافهم، لكن ما يحسب لهم هو انهم نجحوا سنة 1948 في اقامة علاقة ايجابية مع الاقباط، حتى ان مكرم عبيد السياسي القبطي البارز تصدر جنازة حسن البنا، وكان يتم استدعاء بعض رموز الاقباط لالقاء دروس الثلثاء في المركز العام للاخوان المسلمين في ضاحية الحلمية، وحسن البنا عندما رشح نفسه في انتخابات سنة 1942 كان وكيله في دائرة الطور مسيحياً، وكان للاخوان لجنة استشارية سياسية تضم شخصاً مسيحياً، وعندما نتحدث عن كيان سياسي اسلامي فهذا لا يعني انه سيكون طارداً بالضرورة للطرف القبطي، ولكن يمكن في ظل مناخ ايجابي وفي ظل ادارة رشيدة ان يتشكل جسر لعلاقة ايجابية وحميمة بين الطرفين كما حدث قبل قيام ثورة تموز يوليو 1952 عندما ساهم المسيحيون بأموالهم في مركز جماعة الاخوان المسلمين في منطقة الحلمية في القاهرة. وفي اسيوط كانت العلاقة بين المسيحيين وقيادة الاخوان هناك - وكان يمثلها حامد ابو النصر المرشد الحالي للجماعة - جيدة جداً، والآن تروج بعض وسائل الاعلام لمغالطات كثيرة فيقال ان وصول التيار السياسي الاسلامي الى الحكم سيؤدي الى معاملة المسيحيين على انهم مواطنون من الدرجة الثانية او انهم سيفصلون من الجيش. التجربة التاريخية اثبتت ان وجود حركة سياسية اسلامية لا يقسم البلد الى معسكرين. - نبيل عبدالفتاح: اذكاء نار الخلاف ربما يرجع الى اعتبارات سياسية ولكن لا ينبغي ان نغفل توقف حركة الاجتهاد الاسلامي التي كان بدأها الامام محمد عبده. وأعتقد ان هذه الحركة الاجتهادية توقفت منذ وفاة الشيخ محمود شلتوت وربما كانت اللغة التي تقدم بها الاجتهادات اليوم تمثل عائقا امام التواصل لا نريدها سلعة ثقافية قابلة للاستهلاك العام بقدر ما نريد ان تخلق نوعاً من الحوار حول القبول الحسن للمشروع الاسلامي، وفي تقديري اللغة عامل مهم وليس من المستحب ان تظل نخبوية، فدلالات المصطلحات الاسلامية تحتاج لفهمها ان لا يتعامل معها سوى دارسي اصول الفقه وخريجي كليات الحقوق والشريعة. - محمد عمارة: من مصلحة الاقلية القبطية - في تصوري - ان تكون هناك شرعية لعمل التيار الاصلاحي المعتدل الاسلامي، لأننا نخشى على هذه الاقلية من تيار العنف، تيار الغضب والاحتجاج والغلو، وأكرر ان السبيل لتحجيم ظاهرة العنف والغضب يتمثل في السماح للتيار الاسلامي المعتدل بالعمل في اطار القنوات الشرعية. وأحب ان اضيف الى ما ذكره الاخ فهمي عن العلاقة المثالية بين الاقباط وجماعة "الاخوان المسلمين" في الاربعينات، انه لم تثبت مشاركة التيار الاسلامي المعتدل، والاخوان على وجه التحديد، في اي حوادث طائفية سواء في الماضي او الحاضر، وأنا اتفق مع ما قاله الاستاذ نبيل من ان فرصة العمل الشرعي في وضح النهار يجب ان تتاح لأي صاحب مشروع بصرف النظر عن دينه، بمعنى انه اذا رأى بعض الاقلية القبطية ان لديه مشروعاً علمانياً ليبرالياً فليس ثمة ما يمنع من تقديم هذا المشروع من خلال حزب سياسي، بشرط ان يكون المشروع للأمة وليس لطائفة بعينها، وعندما يعد التيار الاسلامي مشروعاً لنهضة الامة من منطلق المرجعية الاسلامية، فان هذا المشروع يظل مفتوحاً للمسيحيين وحتى لليهود المصريين، اذا كان هناك يهود مصريون للمشاركة فيه. انا لا احب ان نغمض اعيننا عن الواقع الذي نعيش في ظله، حرمان التيارات السياسية المختلفة من حرية الحركة حوّل الكنيسة المصرية الى حزب سياسي بالمعنى الدقيق لكلمة حزب، وهذا يحدث منذ ولاية البابا شنودة. واني اقول، وأجري على الله، ان معارضة البابا شنودة لقيام حزب قبطي ترجع الى انه لا يريد منافساً في الساحة القبطية، وكثيرون من الاقباط كتبوا هذا الكلام، مثل جمال اسعد الذي اخذ على التيارات الكهنوتية في مقالة نشرتها له اخيراً صحيفة "الشعب" انهم يلعبون ادواراً سياسية، فعندما يتحدث البابا شنودة عن انه مع او ضد تطبيق الشريعة الاسلامية في مصر فانه بذلك يشتغل بالسياسة، بينما الكنيسة ضد هذا، ليس له كقيادة دينية تناول الدستور والحقوق والواجبات والاقليات، وهكذا تحول التيار العلماني او المدني في اطار الاقباط الى تيار هامشي بالمقارنة مع تيار القيادة الكهنوتية. نحن نغمض اعيننا، مطلوب ان نتيح الفرصة اذا كان هناك من الاقباط من يريد ان يقدم مشروعاً لنهضة الامة، هذا بحكم حق الانسان في التفكير والتعبير عن آرائه وأفكاره، وأكرر ان من مصلحة الاقباط ان يكون للتيار المعتدل الاسلامي اطار مشروع لتحجيم ظاهرة العنف التي تخيفهم. انا لا ازعم اننا فرغنا من الاجتهاد او ان الاطروحات واضحة لكني ازعم ان لدينا تراكماً في الفكر التجديدي. نحن ابناء مشروع حضاري واحد ابناء قومية واحدة، عبدالرزاق السنهوري، ابو القانون المدني الحديث، ذكر في اوراقه الشخصية ان الشريعة الاسلامية هي شريعة الشرق وانها ميراث لكل ابناء الشرق. المستوى الاجتهادي يتضمن ما يطمئن من ناحية رؤية النظام السياسي، هناك مواثيق عن دساتير اسلامية لكن الاعلام لا يسلط عليها الضوء، هذه المواثيق تتضمن حقوق الانسان الاسلامية بشكل واضح، وشكل المؤسسات وحقوق الاقليات، سواء كانت اقليات دينية او اقليات قومية، ومع ذلك اقول ان هذا لا يعني اننا فرغنا من الاجتهاد، عندما يتفق الناس على الليبرالية فانهم يتفقون على خيار ومظلة، يجتهدون في اطار الليبرالية اذا اتفقنا على ان مرجعيتنا في مشروع النهضة هي الاسلام فاننا يمكن على ارضية الاسلام ان نتفق وان نختلف. - نبيل عبدالفتاح: ان يعمل الجميع من فوق ارضية واحدة هي ارضية الاسلام، كما تقول، الا يعني النية في نفي مبدأ التعددية؟ - محمد عمارة: ارضية الاسلام مظلة للتعددية لو اتفقنا على ان المرجعية هي الشريعة الاسلامية فان حرية الاعتراض ستكون متاحة لكل من يرغب في الاعتراض. هل تقصد ان الاتفاق يمكن ان ينعقد في ظل نصوص الدستور الراهن؟ - محمد عمارة: نعم، فعندما نتفق على خيار حضاري فان التعددية ستكون متاحة. وأنا اقول ان على الاقلية القبطية ان تساهم مع الاغلبية في بلورة المشروع الحضاري، وليس المطلوب ان نفصل مشروعاً ثم نفرضه على الآخرين لأن الآخرين جزء من الامة ومفروض ان يساهموا في انجاز مشروع لنهضتها من منطلق ديموقراطي، وهذه المساهمة يجب ان تكون من خلال مؤسسات سياسية وليس من خلال افراد. - فهمي هويدي: عندما لا يكون هناك مشروع يستوعب الوطن فان كل واحد يسعى الى البحث عن وطن او مظلة يحتمي بها، واحد يحتمي بمظلة الكنيسة وآخر يحتمي بمظلة الحزب او الجماعة او النخبة، القضية الأساسية يجب ان تكون واضحة عند الحديث عن الخرائط السياسية، هذه الخرائط لا تتشكل من فراغ. الانظمة والحركات الاسلامية ما الذي أدى الى تدهور العلاقة بين الانظمة العربية والحركات الاسلامية؟ - محمد عمارة: وأريد ان اقول انه في ظل غياب المشروع المشترك فان التيار العلماني المتطرف - في التركيبة المحلية - يطرح القضية بشكل مزعج بالنسبة الى التيار الاسلامي بل وبالنسبة الى التيارين الوطني والقومي، انا سمعت بأذني من بعض اليساريين والعلمانيين انه اذا قدر لهم الاختيار بين حكم التيار الاسلامي وحكم اميركا فانهم سيقفون مع الخيار الثاني، اي انهم يفضلون ان يحكمهم اميركيون على ان يحكمهم اسلاميون. - نبيل عبدالفتاح: هؤلاء فرقة من "وجهاء" الحياة العامة. - محمد عمارة: وأنا اعتبر انها اصوات مزعجة. وماذا عن التدهور في العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس وتأثير ذلك على التسوية السلمية في الشرق الاوسط؟ ثم هل لا يزال بعد كل الاحداث المتبادلة بين كل الانظمة العربية والتيار الاسلامي مجال لحوار ما؟ - فهمي هويدي: نبدأ من الآخر، انا اقول انه لا مفر من اجراء هذا الحوار، وإذا سدت كل السبل فينبغي ان "تخترع" الاطراف المعنية جسراً لانجاز ذلك الحوار لأن التيار الاسلامي حالة لا يمكن تجاهلها، والمؤسسات السياسية في المقابل طرف لا بد من التعامل معه. هناك ازمة ثقة كبيرة ولا استطيع ان احدد حجم دور عناصر الداخل وعناصر الخارج في احداث تلك الازمة، ولكن ينبغي الا نستبعد ان يكون للخارج دوره، احد الذين قابلوا ميخائيل غورباتشوف قبل انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، ذكر لي انه سمع من غورباتشوف شخصياً كلاماً عن وجود اتفاق بين الاميركيين والروس على ان ينسحب السوفيات من افغانستان في مقابل ان تتعهد واشنطن بعدم السماح للمجاهدين بالوصول الى السلطة في كابول. وهذا يدعوني الى عدم استبعاد العامل الخارجي في صنع ازمة الثقة بين الانظمة العربية والتيار الاسلامي. وما حدث في الجزائر عقب الجولة الاولى من الانتخابات الاشتراعية التي فازت فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ بغالبية الاصوات يوحي بأن للدوائر الفرنسية والاميركية دوراً في ضرب الجبهة والحيلولة دون توليها السلطة. وعموماً هنا عنصر ثانوي. والعنصر الأساسي يتمثل في غياب الحوار في الساحة العربية، وبالمناسبة انا لا اريد الحديث في موضوع العلاقة بين منظمة التحرير وحركة حماس لانه يعكس قضية مختلفة عن قضية الخلاف القائم بين الجماعات الاسلامية والمؤسسات السياسية في مختلف الاقطار العربية، الا ان حال الاشتباك بين الانظمة والجماعات الاسلامية في بعض الدول العربية ترجع الى الخلاف حول تسوية مشكلة الشرق الاوسط والصراع مع اسرائيل، فالتيار الاسلامي في الاردن لديه تحفظات بشأن مشاركة الحكومة في عملية السلام، ولكن لم يحدث صدام عنيف بين الطرفين بسبب هذه القضية، عموماً ازمة الثقة بين المؤسسات السياسية الحاكمة والقوى الاسلامية ترجع في احد اهم اسبابها الى ان الاسلاميين لم يعبروا عن انفسهم بشكل جيد يساهم في صنع جسر من الثقة مع السلطة. والاختلاف القائم في تقييم اداء "الاخوان المسلمين" حتى الآن هو حول الجهاز السري لهذه الجماعة وقتل النقراشي باشا، ونحن نذكر هذه الحقيقة يجب ان نشير الى ما ورد على لسان حسن البنا حيث قال عن القتلة "ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين". حسن البناء ادان عملية قتل كل من النقراشي والخازندار، البعض يقول ان الجهاز السري للاخوان انشئ اساساً لمحاربة الانكليز في مصر واليهود في فلسطين، والبعض الآخر يرى انه استخدم في اعمال عنف ضد بعض الرموز الوطنية في الداخل، عموماً قادة الاخوان يؤكدون ان العنف الذي مارسه جهازهم السري في الداخل لم يكن في اطار الخط المرسوم للجماعة، لكن المحصلة النهائية تؤكد ان مجموعة الجهاز السري تسببت بممارساتها في نشوء ازمة الثقة، في ظل غياب الحياة السياسية السوية التي تتيح للجميع حق العمل العلني. ظهرت الجماعات السرية، تيارات من داخل الاخوان انخرطت في تنظيمات سرية لهذا السبب، وخصوصا في المرحلة الناصرية، وفي السبعينات ظهر جناح صالح سرية الذي نفذ عملية اغتيال الشيخ حسين الذهبي، جزء من الاداء الاسلامي لم يكن ناجحا خصوصاً لجهة بناء جسر تفاهم مع النظام، وأخشى ان يكون ذلك قريباً من اشكالية: "البيضة اولاً ام الدجاجة؟"، بمعنى: هل امتنع على الاسلاميين ان يقيموا جماعات سياسية شرعية فلجأوا الى العمل السري، وهذا ادى الى اشتباكهم مع الشرطة؟ انا لا استطيع ان اعفي النخبة العلمانية من مسؤوليتها في احداث وقيعة دائمة بين الاسلاميين والسلطة السياسية، و"الاهرام" نشرت اخيراً مقالا للدكتور يونان لبيب رزق يعد نموذجاً لاداء بعض العلمانيين لهذه الوظيفة، والدكتور رزق على رغم انه مؤرخ فانه لا يتورع عن اتهام التيار الاسلامي في مصر بالعمل لحساب النظام السوداني من دون ان يقدم ما يثبت ادعاءه. - نبيل عبدالفتاح: لا نريد ان نعطي لمقالات يونان لبيب رزق هذه الاهمية، فمعروف انها تنطوي دائماً على اخطاء علمية فادحة. - فهمي هويدي: الدكتور فرج فودة الذي اعتبرته الصحافة بعد مقتله واحدا من رموز الليبرالية طالب السلطة غير مرة بمنع الاسلاميين من الكتابة في الصحف، هناك ناس حريصون في كل مرحلة على قطع الجسور بين الحالة الاسلامية والمؤسسة السياسية. في العشرينات اسس محب الدين الخطيب في مصر جمعية "الشبان المسلمين" على غرار جمعية "الشبان المسيحيين"، وأصدر جريدة تنطق بلسان الجمعية، لكن العلمانيين الذين يباهون بثقافتهم الليبرالية وقفوا له بالمرصاد، وحرضوا السلطة السياسية ضده، الى ان حوكم بدعوى ان جريدته نشرت موضوعاً يتضمن - كما قيل - اساءة بالغة لملك افغانستان، اساءة لملك دولة صديقة، والمحاكمة استمرت اشهراً عدة. - نبيل عبدالفتاح: هذه القضية ترتبط بوجود بعض الاطراف التي يزعجها وجود حوار بين اطراف المجتمع، سواء مع المؤسسات الرسمية او مع جماعات خارج الاطار الرسمي، للأسف هذه الاطراف منذ الخمسينات تسيطر ليس فقط على الاعلام الرسمي، ولكنها تسيطر ايضاً على الحياة الثقافية والسياسية، ومن ثم فانهم يدافعون عن مواقعهم في المجتمع وفي النظام السياسي، انهم "وجهاء القوم" ووجودهم يحول دون اجراء حوارات حقيقية في المجتمع، هؤلاء "الوكلاء" لا يمثلون في واقع الامر التيارات التي يدعون انهم الناطقون باسمها. اما في ما يتعلق بالخلاف بين الانظمة السياسية والحركات الاسلامية فان في مصر - خصوصاً في الحقبة الناصرية - كان صراع الدولة مع "الاخوان المسلمين" ذا طابع اجتماعي، وكان صراعاً على حيازة الرموز، بمعنى ان النظام الناصري كان يوظف الدين، ويستخدم رموزه استخداماً سياسياً مباشراً للقيام بأدوار رئيسة، منها تبرير الخطاب السياسي، وإثبات عدم تعارضه مع الدين، وتعبئة الرأي العام، ويكفي الاحالة في هذا الشأن الى كل التراث الصادر عن وزارة الاوقاف، والمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية وكبار الفقهاء الازهريين، والسادات ايضا كان يوظف الدين لاضفاء الشرعية على نظام حكمه، وظهر ذلك جليا في خطاباته المعلنة، وفي الطقوس التي كان يقوم بها، ومنذ ولاية الرئيس حسني مبارك لم يستطع النظام ان ينفي ان الاسلام هو مصدر من مصادر الشرعية، ولكنه لم يستخدم النص الديني في تبرير خطابه او سلوكياته، هو يحاول ان يبدي قدراً من المصالحة مع رؤية اعتدالية محايدة لدور الدين في الحياة السياسية. المرحلة الراهنة مرحلة مواجهة وعنف متبادل في الجزائر وتونس ومصر، وربما امتدت المواجهة الى دول اخرى. غياب الحوار هو السبب، ضغوط الحالة الاجتماعية هي ايضا احد الاسباب، معدلات البطالة في مصر عالية، والتركيبة الاجتماعية تغيرت بسبب السفر والهجرة هربا من البطالة وتدني الاجور، فئات اجتماعية تخلت رغما عنها عن مواقعها القديمة، وانتقلت الى مواقع متدنية تحت خط الفقر. ايضاً هناك وهن ثقافي عام في المجتمع، وهناك حديث عن "غياب المشروع"، واستخدامي لهذا التعبير لا يحمل اية دلالة شمولية، المقصود بالمشروع هنا طرح مسألة الديموقراطية مثلا للنقاش والحوار، فالديموقراطية تصلح لأن تكون مشروعاً اجرائياً وقيمياً وثقافياً يسمح بتنظيم الخلاف داخل المجتمع وترشيده ليس بمعنى وضع ضوابط وقيود، وإنما على الاقل قدرة النظام على استيعاب ضغوط التدافع والتصارع والتنافس بين الافكار والمؤسسات المختلفة بشكل سلمي، اي اقرار قيمة الطابع السلمي للخلاف في المجتمع، فمن حسنات النظام الديموقراطي انه قادر على اعادة توزيع الاتجاهات وفق شبكات مختلفة بحسب تطور حالة التنافس، وحالة الجدل الفكري والاجتماعي. وما يدفع الى المواجهة كذلك التغير السريع والعاصف في العالم، نحن في مرحلة انتقالية شهدت في بدايتها سقوط توازن تقليدي كان ينعكس الى حد ما على مختلف الانظمة الاقليمية في العالم، وقدرتها على المناورة، وتنظيم الصراع الاجتماعي والسياسي في بلدانها، المرحلة الانتقالية هذه تتجه نحو احداث قطيعة ليس فقط مع النظام الدولي القديم وانما ايضا مع الحضارة الغربية المعاصرة. "العدو" الجديد - نبيل عبدالفتاح: اعتقد ان الامر يختلف، فواقع الشمال يتغير بسرعة بالغة، وشكل الجديد لا يزال غامضاً. في الغرب هناك "عسر" في التكيف مع الآخر: مع الملونين ومع العرب والاقليات عموماً، والتكيف مع التحولات الجديدة لا يزال صعباً ايضاً، صراعات قومية، صراعات عرقية، صراعات ذات طابع ديني، هذا كله ينعكس على طبيعة العلاقة بين النظم السياسية العربية وحركات الاسلام السياسي وغيرها من الحركات ايضاً. فكرة "صناعة العدو" لها وظائفها الداخلية في الشمال، ومنها شحذ الهمم والملكات والمواهب والكفاءات، في السابق هذه التعبئة كانت موجهة ضد الماركسية والشيوعيين، واليوم هناك خلط في عملية "صناعة العدو" الجديد بين الاسلام كدين والاسلام كحضارة، وبين تيار احادي في الخريطة الاسلامية هو التيار الذي يوظف العنف لأسباب اجتماعية واحتجاجية خاصة. وهذا اتوقع ان يكون له رد فعل يتمثل في تدمير الاسس التقليدية التي قامت عليها التوازنات الاجتماعية والفكرية في مجتمعاتنا نتيجة للبث التلفزيوني الغربي، وعدم قدرة انظمة الرقابة والضبط الاجتماعي والسياسي في بلادنا على مواجهة هذا الهطول العاصف للأفكار والرموز والصور. - محمد عمارة: نحن امام ظاهرة تصاعد التوتر وفقدان الثقة بين التيار الاسلامي عموماً وبين عدد من الانظمة. وأنا اقول ان بعض الانظمة السياسية في عالمنا العربي فاسد، كما انه يتسم بقدر كبير من العجز عن مواجهة المشاكل الموجودة، التيار الاسلامي بشكل او بآخر يقدم البديل، ومشروعه متحيز ولا اقول انه يعادي النموذج الغربي، ولكن اقول انه يتميز عنه بمرجعيته الاسلامية، ومن هنا يتشابك العامل الخارجي مع العامل الداخلي في هذا التوتر بين الانظمة القائمة وبين المشروع البديل الذي يطرح نفسه على الساحة الداخلية، ومن الأسباب التي صعّدت التوتر ثبوت ان الحركة الاسلامية تحظى بتأييد جمهور واسع في مواجهة نخب علمانية او نظم سياسية ليست لها هذه الجماهيرية، وهذا زاد من نسبة الانزعاج لدى النظم، وأيضا لدى القوى الغربية. وينبغي ان نتحدث ايضاً عن نجاح الحركات الاسلامية في افغانستان والسودان والجزائر، هذا ضاعف من توجس الانظمة من ان هذا البديل يحقق نجاحات ملحوظة على أرض الواقع، الازمة الاقتصادية وعجز النظم عن حل هذه الازمة يجعل من الصعب الوقوف امام المعارضة الاسلامية التي تلعب على وتر عجز الانظمة عن توفير حاجات الناس الأساسية، انا اعتقد ان التناقض بين الهيمنة الغربية وبين النظم العربية والاسلامية اكثر حدة وخطراً من التناقضات القائمة بين التيار الاسلامي وبين هذه النظم، ولهذا فانني اود ان يحافظ التيار الاسلامي على هدوئه ليدخل في حوارات واتفاقات وسطية تاريخية مع كثير من هذه النظم ليبصرها بأن مصلحتها الذاتية كنظم حاكمة هي في اقامة نوع من العلاقة مع التيارات الجماهيرية تدعم من قوتها واستقلاليتها ومركزها التفاوضي مع النظم الغربية، الهول القادم من الشمال لن يستثني طرفاً من اطراف الجنوب.