برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    الهلال: الأشعة أوضحت تعرض سالم الدوسري لإصابة في مفصل القدم    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي في الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة "الوسط" عن نهاية عصر التطرف السياسي وبداية عصر التطرف الديني . هناك من يحاول "تأميم" الاسلام والتفرقة بين المسلمين والأسلمة التيار القومي في انحسار لكن تصفيته مستحيلة 3
نشر في الحياة يوم 07 - 06 - 1993

هذه هي الحلقة الثالثة والأخيرة من الندوة التي عقدتها "الوسط" في القاهرة وأدارها عمرو عبدالسميع وتناولت المسائل الآتية:
هل سقطت الراديكالية العربية؟ هل انتهى عصر التطرف السياسي العربي وأصبحت ظاهرة "الاسلام السياسي" او "التطرف الديني" هي سمة هذه المرحلة من تاريخنا؟
وقد شارك في هذه الندوة:
1 - فهمي هويدي، كاتب ومفكر سياسي متخصص في الفكر الاسلامي وله مؤلفات عدة.
2 - تحسين بشير، سفير سابق ومتحدث رسمي باسم الحكومة المصرية في مطلع السبعينات وخبير في الشؤون الدولية.
3 - محمد سيد أحمد، كاتب ومفكر سياسي له مؤلفات بارزة عدة.
4 - سعدالدين ابراهيم، استاذ جامعي وكاتب وخبير سياسي معروف.
5 - احمد يوسف، استاذ النظم السياسية في جامعة القاهرة وله مؤلفات عدة.
وفي ما يأتي الحلقة الثالثة والأخيرة من هذه الندوة.
تحدثنا في بداية الندوة عن الأعذار او المبررات التي يجدها التيار القومي او التيار الاسلامي في الغرب احياناً، وفي الشيوعية الدولية سابقاً، ليبرر بها بعض جوانب القصور او بعض الأخطاء التي يقع فيها. ولكن على الجانب الآخر يبدو وكأن الغرب وجد أخيراً عدواً في "الاسلام السياسي" بعد سقوط الشيوعية. ما هو تقييم السفير تحسين لهذه الفكرة؟
- تحسين بشير: في اميركا الآن وفي الغرب عموماً موجة فكرية ذات طابع شعبي ترى ان "الاسلام يمكن ان يكون العدو الجديد" بعد غياب الشيوعية. وتجد بعض الدوائر الصهيونية بالذات ان الحركات الاسلامية، ممثلة في "حماس" الفلسطينية، تعارض اي تفاهم سلمي. وكنت ألقي محاضرة في الولايات المتحدة عن الاسلام اخيراً، ووجهوا اليّ سؤالاً عن هذا الموضوع، فقلت لهم ان ياسر عرفات اصله من الاخوان المسلمين، فسألوا كيف يكون الموقف لو حصل حل للقضية الفلسطينية، فقلت عندما تقدمون حلاً يقبله الفلسطينيون فستجدون فتوى تؤكد ان المهم هو مصلحة المسلمين. ولكن هناك تخوف شديد من الحركات الاسلامية التي قتلت السادات في مصر وهبت كموجة رهيبة في الجزائر، ويدعم ذلك ما يحدث الآن في افغانستان التي ساعدتها اميركا وساعدتها جميع الدول العربية والاسلامية، وهذه العملية غير مفهومة، ومن هنا كان رد الفعل المتباطئ والضعيف لموضوع البوسنة ومأساة الصومال. فالمشكلة ان صورة الاسلام الآن صورة متناقضة، بين صورة المختطفين من أيام الثورة الايرانية الى صورة من يقتلون بعضهم بعضاً ويجوعون. وفي الوقت نفسه بعض الباحثين الذين يبحثون في امور الاسلام يجدون ان في الحركات الاسلامية، على رغم تطرف عدد منها، شيئاً جديداً، وهو الاعتماد على النفس. فهي الحركات الوحيدة التي لا تريد معونة خارجية. وهذا ما فشّل التيار القومي والتيار الحكومي والتيار البيروقراطي في تقديمه. وأعود الى الموضوع الذي طرحه الدكتور أحمد يوسف عن الديموقراطية وان غيبتها كانت ضرورية في مواجهة الاستعمار. الحقيقة ان التيار القومي وافق على ذلك واستخدم بعض اساليب وآليات الديموقراطية، فمصر قبلت مع السودان حق تقرير المصير بالاتفاق مع الانكليز، لكن بعد ان تسلموا السلطة لم يلجأوا الى هذا حتى في الحكم المحلي. المثل الوحيد الذي انطوى على نوع من الديموقراطية الغربية في المسائل القومية كان عندما جُوبه عبدالناصر بمشكلة السودان وقال ان مصر لا تحارب السودان. والمثل الآخر في رصيده وفي رصيد مصر هو الانفصال السوري بحكم الدستور، حالة الانفصال كانت توجب قمعها بالقوة، لكن جمال عبدالناصر آثر الا يسيل أي دم عربي. في غير هذا لا نجد ان الاطار الديموقراطي بمعناه المعمم وليس فقط الانتخابات كان جزءاً من التقليد قبل الخمسينات. لكن عندما ننظر الى حزب البعث من الداخل لا نجد ديموقراطية، وهذا يعني ان نوع الحكم الديموقراطي الذي كان موجوداً في العصر الذي يطلق عليه شبه الليبرالي في الثلاثينات والاربعينات انتهى، في ذلك العصر شهدنا قبول الخسارة في الانتخابات، سعد زغلول كان يقبل ذلك حتى عندما يكون الاجراء غير قانوني، ويلجأ الى الشعب، فكان الشعب هو المرجع لكننا حالياً لا نلجأ الى الشعب. وبالنسبة الى التيار الاسلامي، الاستاذ فهمي هويدي معه حق في وجود تفكير مضيء لكننا نحن مجتمع اسلامي اساساً، ومع ذلك فهناك من يحاولون ان "يؤمموا" الاسلام واحداث تفرقة بين المسلمين والأسلمة. وهذا في حد ذاته تكفير للمسلمين، ليس بالضرورة تكفيراً كاملاً، ولكن وضع غالبية المسلمين في مرتبة اقل اسلامياً كلام غير اسلامي. أعتقد ان في التراث الاسلامي طاقة جبارة لأنها لغة الجماهير، ولكن هذه الطاقة الجبارة في قيمتها الاعتراضية ضد الغير وضد الآخرين لا تكفي، نحن نريد مفكرين من نوع محمد عبده في الماضي بعد فشل الثورة العرابية، نحتاج الى تفسير للقيم الاسلامية في اطار رشيد وعقلاني يبعد عن الاسلام جميع نواحي الخلاف وما تراكم عليه من افكار المسلمين ويضعه في أصول سمحت لنا بقيام الحركة التي قادت نشوء الوفد والأحزاب الأخرى في الفترة الليبرالية. نحن نريد فكراً جديداً يأخذ القيم الاسلامية في متنها وأصولها السابقة ويصبها في أصول تتماشى مع العالم.
استغلال الجانب الاحتجاجي
- فهمي هويدي: أريد أن أعلق على قضية الاسلاميين والمسلمين فهي تقابل التمييز بين القوميين العرب والعرب، ولا ينبغي ان تحمّل بمعنى لا تكفير ولا تناقض ولا اقلال من الانتماء. هناك اناس يعيشون ذواتهم كمسلمين وآخرون يعملون للفكرة الاسلامية. كما اننا كلنا عرب لكن البعض منا يدافع عن الفكرة العربية والبعض الآخر لا. وأنت عندما تقول الحزب الديموقراطي فليس معنى هذا أن الآخرين غير ديموقراطيين، ولا الحزب الوطني يعني ان الآخرين غير وطنيين، في ادبيات كثير من الكتّاب الاسلاميين ان هناك مسلمين أفضل منهم، لكن هناك اناس يعملون للفكرة الاسلامية ويدعون اليها وليسوا أفضل من غيرهم في شيء.
- سعدالدين ابراهيم: اذا كان هناك جانب اعتراضي احتجاجي في الموجة الاسلامية او التيار الاسلامي ضد اوضاع يعتبرها كثير من الناس أوضاعاً عقيمة أو فاسدة أو عاجزة، فهناك ايضاً الجانب الخدمي، وهذان الجانبان ينبغي دائماً أخذهما في الاعتبار في تفسير حركة المد او قدرة التيار الاسلامي على اختراق بعض مؤسسات المجتمع المدني او الهيمنة عليها، وفي مقدمتها النقابات المهنية. اولاً لا بد ان نقول للحق، ان التيار الاسلامي يلعب ضمن قواعد اللعبة التي وضعها الآخرون، فهو بهذا المعنى ديموقراطي، ولذلك حتى كلمات مثل اختراق او هيمنة او سيطرة هي كلمات لا بد ان توضع بين قوسين، لأن الاسلاميين يتنافسون في هذه المؤسسات طبقاً لقواعد اللعبة المعمول بها والتي وضعت بواسطة غيرهم. وهم في هذه اللعبة يستغلون الجانبين: الجانب الاحتجاجي وتذمر عدد كبير من اعضاء هذه النقابات او المنظمات على القيادات الموجودة وعلى الوضع السياسي الاجتماعي العام في المجتمع. فالطرح الاسلامي بما فيه من نفس احتجاجي يلبي حاجة نفسية وجدانية عند عدد كبير جداً من الشبان حتى من غير الاسلاميين. كما ان هذا التيار يقدم لجمهور هؤلاء الشباب في المنظمات المهنية خدمات. يعني لا ننسى انه في نقابة الاطباء، وهي اولى مؤسسات المجتمع المدني التي استطاع التيار الاسلامي ان يسيطر عليها في مصر، هناك كثير من الخدمات التي تقدمها قيادة هذه النقابة من الاسلاميين الى شباب الاطباء، مثل مساعدتهم في فتح عيادات، وفي مشاريع للاسكان، وفي مشاريع للتأمين الصحي، والاطباء انفسهم وأسرهم كانوا يشكون من مشكلة العلاج، يعني هناك الكثير مما تفعله القيادات الاسلامية المهنية النقابية، وهنا ينبغي الا ننسى ان النقابات المهنية هي مرآة للمجتمع ككل، يعني كل هذه النقابات التي نسمع ان الاسلاميين تغلغلوا او هيمنوا او سيطروا عليها ضمن اللعبة الديموقراطية، 60 في المئة من اعضائها هم دون سن الخامسة والثلاثين: وهي السن التي يحددها علماء الاجتماع لمرحلة الشباب. يعني الفئة الشبابية التي هي دون 35، وهي في حالة النقابات المهنية قد تكون بين سن 21 و35، وهؤلاء يمثلون الآن 60 في المئة من اعضاء النقابات المهنية، وهم شأنهم شأن اغلبية الطبقة الوسطى في المجتمع يعانون من التمايز المهني داخل مهنتهم، في كل مهنة هناك مجموعة من القمم الصغيرة او عدد محدود يسيطر على أمور المهنة، وهذا ليس فيه اي مبالغة سواء بالنسبة الى الاطباء او بالنسبة الى المحامين او المهندسين بينما الپ60 في المئة من القاعدة الشبابية لا تزال متعثرة سواء في ممارسة المهنة او في الحصول على دخل مجزٍ من هذه المهنة، او في وظائفها الحكومية في دولة عاجزة او فاسدة.
التيار القومي في حالة انحسار
ما تصوركم لمستقبل الحوار بين التيارين الاسلامي والقومي؟
- سعدالدين ابراهيم: هناك تيار قومي في حالة انحسار ولكنه موجود وسيظل موجوداً ولا يمكن تصفيته. كما ظل التيار الاسلامي موجوداً على رغم كل محاولات التصفية. كان في حالة انحسار في الخمسينات والستينات بحكم عوامل كثيرة لكنه ظل موجوداً. ومن هنا الدرس الأكبر هو عدم القدرة على تصفية التيارات الاصيلة في المجتمع. كل محاولات تغييبه وحجبه لمدة 26 سنة التي هي عمر الحكم الناصري مثلاً وبعد السنوات الخمس او الست الاولى من الحكم الساداتي لم تنجح. وثبت بالتجربة ان هذا التيار أصيل وموجود وله جذور. وكذلك لا يمكن تصفية التيار الاسلامي ولا يمكن تصفية التيار القومي، ولا تصفية التيار الاشتراكي المنادي بالتغيير والعدالة، فهناك تيارات اصيلة موجودة على الساحة وان تفاوتت في احجامها وفي قدرتها على الحركة والتأثير، الا انها موجود وستظل موجودة. وبالتالي هناك حاجة حقيقية الى مناخ الحركة والحوار لأن الذي سيرشد كل تيار من داخله هو هذا الحوار او هذا المناخ الديموقراطي العام، فربما تكون نقطة البداية في اي حوار بين التيارين القومي والاسلامي ما بينهما من أرضية مشتركة كبيرة لا يتسع الوقت للحديث عنها. انما ضمن الاهداف الواردة في الخطاب القومي هناك هدف او مطلب الاصالة، وعلى رغم ان تعريف الاسلاميين لم يكن شيئاً مختلفاً عن تعريف القوميين، فهناك ارضية مشتركة، وكذلك في محاربتهم الاستبداد على الاقل في خطابهم السياسي او الديموقراطي، او العدالة في مواجهة الاستغلال، او الاستقلال في مواجهة التبعية، او التنمية في مواجهة التخلف، او الوحدة في مواجهة التجزئة وحتى قضية الوحدة قضية مطروحة قومياً بقدر ما هي مطروحة اسلامياً. اذن هناك مسائل كل منهما يضعها في أجندته. وربما بداية من مسألة الديموقراطية وضمان مناخ من الحرية لكي تتحاور هذه التيارات اولاً في ما بينها ولكي يدور حوار في داخلها، يمكّننا فعلاً من معرفة وزن الفصائل التي تنتمي لكل تيار، الاستاذ فهمي ذكر انه في الحركة الاسلامية هناك فصائل كثيرة، لكنه لا يعرف وزن كل منها، انما في مناخ من الحرية والتعددية يسمح لهذه التيارات في داخل كل فصيل بمعرفة أوزانها الفكرية، ومدى استجابة الناس لطموحاتها وقابليتها حتى للتنفيذ، من خلال المحاولة والخطأ والتصحيح والنقد والنقد الذاتي، كل هذه الأمور لا يمكن ان تتم ولا يمكن بالتالي ان تخرج من الدائرة المفرغة التي عشنا فيها على مدى 40 او 60 عاماً الا بمثل هذا المناخ، وقد تكون هذه هي البداية للحوار بين التيار الاسلامي والتيار القومي، ناهيك عن الحوار بين التيارين وبقية التيارات مثل التيار الليبرالي الذي يمثله الوفد مثلاً في بلد مثل مصر، والتيار الاشتراكي.
عقبات أمام الحوار
تحسين بشير: الاستاذ فهمي هويدي يطالب بتوفير جو يسمح بالديموقراطية ويقول ان الاخوان ظلوا 45 عاماً في السجون، وهذا صحيح، ولكن من الذي يوفر هذا الجو من الديموقراطية؟ الديموقراطية لا يوفرها طرف منفرداً، لا الحكومة ولا الاخوان ولا اليسار ولا الوفد ولا اليمين ولا المستقلون. الديموقراطية موضوع معقد وصعب، ونحن نتكلم عن الديموقراطية بسهولة، وأحياناً تطرح كما لو كانت "اسبرين" لعلاج ازمة. لكن العملية اعمق بكثير من هذا، الديموقراطية لن تُمنح لنا على صينية من ذهب او فضة، ثم ان معظم الذين يطرحون هذه الفكرة نجد ان النظم او التيارات التي يدافعون عنها لا تتوافر لها الديموقراطية. وأريد ان اعقب الآن على المناقشة التي دارت حول التمييز بين اسلاميين ومسلمين، وما قيل من انه يشبه التمييز بين قوميين وعرب. ان الامر مختلف لأن القوميين العرب فكرة محددة، لكن عندما نأتي الى الاسلام والأسلمة نجد اننا ازاء مفهوم ديني جديد، اي ارتداء ثوب الدين لتغطية خلاف سياسي. وهذا فرق كبير جداً. ويتحدث البعض باسم الاسلام، وأحياناً يكفّر الآخرين، وهذا لا يجوز فالذين نطقوا الشهادتين لا يمكن ان يكفّروا، لكن الذي حدث ان هناك ألفاظاً ومعاني جديدة بدأت تتسلل الينا، وهي غريبة عن الاسلام، وهذه عملية جديدة يجب ان نفهمها في داخل السياق الاجتماعي والاقتصادي والاحباط السائد. وكذك ارى ان الحل لا يتحقق بالحوار بين التيارات، انا اشجع الحوار، ولكن لم يحدث في اي مكان من العالم الاسلامي او الغربي او الشرقي او الجنوبي او الشمالي ان مجرد الحوار بين التيارات يحل الامور، في الحوار بين التيارات يتفقون على المشاركة في الحكم، ولكن هذا لا يحل الامور الفكرية. الامور الفكرية تُحل بوجود تعميق للفكر الاسلامي بحيث يضم ويستوعب متغيرات الزمان.
يبدو ان من معوقات الحوار بين الطرفين الاسلامي والقومي ليس من مسهلات هذا الحوار ادعاء كل منهما انه يمثل الأغلبية الساحقة في الشارع العربي. هل يتصور الدكتور احمد يوسف ان لأي منهما تفوقاً واضحاً على الآخر في هذا المجال؟
- احمد يوسف: اذا توخينا الموضوعية يبدو لنا من قراءة الخريطة السياسية ان التيار الاسلامي الآن يحوز على تأييد من الشارع العربي اكثر مما يحوزه التيار القومي، اذا ربطنا هذا التأييد بمفهوم حركة سياسية محددة. لكن اذا عممنا فعلاً، كما قال الاستاذ فهمي، اي اننا كلنا عرب وكلنا مسلمون، فهنا ستكون الاغلبية للجميع. يعني لا يوجد تمايز. فاذا سألت عربياً هل انت مع العروبة سيقول لك نعم، وإذا سألت عربياً مسلماً هل انت مسلم، فسيقول: نعم، ولكن انا اقصد الارتباط بحركات سياسية تنظيمية محددة. فاذا تحدثنا بصفة عامة قد توحي النظرة الاولى غير المدققة ان التيار الاسلامي يحوز على تأييد أكثر مما يحوزه التيار القومي الآن. لكن الظاهرة اللافتة للنظر انني اعتقد ان كليهما ما زال في دائرة الأقلية او دائرة النخبة، بمعنى انه عندما ننظر، على سبيل المثال، الى انتخابات بعض النقابات في مصر فلا شك ان اقوى قوة منظمة هي الاخوان المسلمون، لكن ما هي نسبة هذه القوة الى المجموع العام؟ هذا أخفق وذاك أخفق ايضاً في ان يحرك الاغلبية الواسعة. طبعاً اعتقد ان من معوقات الحوار ميزان القوى بينهما، وأحب ان نكون في منتهى الواقعية. نحن نتحدث عن حركات سياسية وليس عن قيم نبيلة. اذا كنا نتحدث عن قيم وعن مفكرين فلا يوجد أي معوق للحوار، لكن عندما نتحدث عن حوار بين حركات سياسية يجب ان نكون واقعيين، فأنا أبحث، بغض النظر عن التقائي معك في الافكار، عن موقعي المقبل في الحركة السياسية وقيادتها ثم في السلطة المنشودة، وبالتالي اعتقد ان الخلل الظاهر الآن في ميزان القوى لمصلحة الحركة الاسلامية هو من معوقات الحوار، لأنه بصراحة اذا كنت انا في صعود فلماذا آخذ بيد الذي يعاني من تراجع؟ وهذا الاخير يكون متشككاً ومتخوفاً من ان يلتقي اليوم مع شريك له في المعركة ضد العدو المشترك، لكن في المستقبل قد يضحي به. فلا شك ان هذا معوق حقيقي من معوقات الحوار. وقد طرحت فكرة ان هناك قضايا مشتركة يمكن العمل على اساسها، وبعبارة اخرى لماذا لا ينتقل الحوار من المستوى الفكري والمستوى السياسي حول الموائد الى مواقف عملية؟ يعني نحن نواجه في الساحة العملية مواقف محددة، حتى لتكن مواقف انسانية مثل اغاثة الصومال، لماذا لا تكون نموذجاً للتعاون بين هذا وذاك؟ مواقف مشتركة في قضايا سياسية داخلية، كحقوق انسان، لماذا لا تكون نموذجاً؟ وهكذا... بمعنى ألا ينحصر الأمر فقط في قضية الحوار الفكري والحوار بين قادة سياسيين، ولكن نحاول ان نترجم هذا في شكل تحرك عملي لعل هذا التحرك يزيل شك الأضعف، وفي الوقت نفسه يجعل الاقوى يتفهم ان الطرف الأكثر انحساراً الآن ستكون له فائدة في الساحة العملية.
الوسطية العربية
- محمد سيد احمد: في مرحلة عبدالناصر كان هناك تسليم من جانب الماركسيين، حتى بعد مرحلة السجون والمعتقلات والتعذيب، بفكرة حل التنظيمات والانضمام الى نظام عبدالناصر. ولكن عندما ننظر الى التاريخ الآن نجد ان العملية لم تكن صافية، وربما كان هذا من العوامل التي أساءت في الأمد الأطول الى مصداقية واستقلالية أو تمايز الحركة الماركسية. في ما يتعلق بالوقت الحاضر هناك اعتقاد ماركسي بأن التيارين الاساسيين اللذين يتزاحمان في الساحة هما التيار الليبرالي الغربي والتيار الاسلامي، والمأخذ النظري على الجانبين ان الطرفين في مجال السياسة لا يعتمدان على الذات من الناحية الفكرية. وليس معنى هذا العداء المطلق لأي من الطرفين، فالماركسيون مفروض ان يكونوا مع الاتجاه الليبرالي في قضية الديموقراطية، وضد الاتجاه الليبرالي في قضية التبعية للغرب، ومع التيار الاسلامي او الديني او غيره في ما يتعلق بقضايا الهوية، ولكن ضده في ما يتعلق بقضايا التعصب. مفروض ان يشكل التيار الماركسي لنفسه، من خلال الوحدة والصراع مع الطرفين معاً، موقعاً مستقلاً، ولكن من الناحية العملية اعتقد ان التيار الماركسي الآن قد يكون منقسماً بين تيار يرى تغليب التوجه نحو اتجاه الدولة في المواجهة مع التيار الاسلامي الراديكالي او المتعصب او ما يراه كتيار متعصب، بينما تيار آخر من داخله او رموز سابقة له تنطلق في الاتجاه المعاكس. وبعد ذلك اطرح نقاطاً قد يكون من المهم ان نضيفها في ختام الحوار. من الصعب التغلب على الراديكالية استراتيجياً لأسباب كثيرة تتعلق بالتفاوتات وعدم تكافؤ الفرص بيننا وبين قطاعات اخرى من العالم، ولكن لا يمنع هذا من ضرورة السعي باستمرار لأن نجد حلولاً للمآزق وتكون لنا مواقف واضحة لبعض المآزق التي تواجهنا حالياً، وأحدد ثلاث نقاط اعتقد انها ذات أهمية، في ضوء الخبرة السياسية في الفترة الاخيرة:
النقطة الأولى: تجربة الجزائر، ولا يجوز ان ادعي ولا استطيع ان ادعي انني ديموقراطي متسق مع نفسي، وعندما اختبر في الواقع اتخلى عن ديموقراطيتي حتى لو سلّمنا بالحجة التي قيلت كثيراً وان الطرف المتمتع بالاغلبية في الشارع يسير في اتجاه غير ديموقراطي، وانه بمجرد توليه الحكم يتخلى عن الديموقراطية. وأزعم ان الاستعانة بهذه الحجة مسألة غير منسقة من قبل ناس يدعون انهم ديموقراطيون، فالمفترض في مثل هذه الظروف ان تمنح الفرص وتحاسب الطرف الثاني على خروجه على الديموقراطية عندما يخرج عليها. وهذه نقطة جوهرية تنسحب على الجزائر وعلى غير الجزائر، وهي من النقاط التي ينبغي ان يكون لنا موقف مستقر منها. فلا أتحدث عن الديموقراطية عندما تكون لصالحي فقط، الديموقراطية لك وعليك، والديموقراطية ليست تكتيكاً موقتاً، فلا تستطيع ان تتبنى مبدأ وتحوله في النهاية الى مجرد اداة للاستفادة الموقتة. والمحك الذي يميز بين هذا وذاك هو ما جرى في الجزائر والذين سقطوا فيه هم من ادعوا انهم الديموقراطيون.
والنقطة الثانية تتعلق بمشكلة الاقتصاد وازدواجيته، فنجد ان أوروبا تندمج على رغم انها لا تدعي انها أمة واحدة، ولكن دواعي العالم المعاصر الحديث جعلتها تندمج، ونحن ندعي اننا ننتمي الى امة واحدة وظروف الاقتصاد تتسبب في حروب بيننا، هذه معادلة غير مقبولة، لا نستطيع ان نجمع بين الادعاءين او بين الحقيقتين، ان الأمور تصل أحياناً الى حد الحرب وتترك آثاراً واسعة النطاق، فيما ندعي وجود اتجاه قومي او اتجاه الانتماء الى امة واحدة، هذه قضية ينبغي ان تُحسم، بمعنى انه اذا اردنا ان نتمسك بهذا المنطلق القومي فله ثمن، وثمنه ان نجد حلاً لمشكلة التباينات الاقتصادية.
النقطة الثالثة والاخيرة التي أثيرها: هي التباس موقفنا من قضية اسرائيل، فالنظم، بما في ذلك القومية، تقول ان الاستراتيجية هي استراتيجية سلام، وفي الحقيقة هي قضية هدنة حتى الآن، وهذا الالتباس في المواقف تتعدد صوره، وهو من الأسباب الأساسية في التوتر بين التيار الديني والتيار القومي او بعض من ينتسب الى التيار القومي. هذه قضية سيظل الغير يتحكم فينا ما لم يكن هناك وضوح استراتيجي حقيقي، وأزعم ان هذه المواقع الثلاثة الاساسية ذات صلة مباشرة بقضية الراديكالية ولن تكون هناك حتى محاولة في اتجاه تجاوز المشاكل التي تثيرها الراديكالية ما لم تكن لها حلول واضحة.
لكن لماذا لم تنجح الوسطية العربية؟ نحن نتكلم عن الراديكالية القومية، وعن الراديكالية الاسلامية، لماذا لم تنجح الوسطية العربية في ان تخلق لنفسها تعبيراً سياسياً واضحاً يستطيع الصمود او الظهور وسط هذه التيارات على الساحة؟
- محمد سيد احمد: لأن الوسطية الى الآن رد فعل لهذه التيارات بدلاً من ان تكون فعلاً متغلباً عليها وحاكماً لها، يعني هذه الاتجاهات أكثر أصالة في التعبير عن الشارع العربي، ومعطيات الشارع العربي في الظرف الحالي من الوسطية تحاول ان تحد من الضرر، لكنها لا تأتي بمشروع بديل كفيل بتجاوز الاوضاع القائمة.
- تحسين بشير: رأيي ان المشكلة الرئيسية هي ان جميع التيارات الراديكالية وغير الراديكالية، اي النشيطين سياسياً، لا يتجاوزون 15 الى 20 في المئة من الشعب. المشكلة الرئيسية في المجتمع العربي الحديث تتعلق بضرورة اعطاء الضمانات الى الشعب ليزيل محاولة عدم المبالاة التي ترجع الى كونه لا يثق في ان ما يوعد به سيأتي، فالمشكلة الرئيسية ان غالبية الشعب بعيدة عن الملعب، والى ان يندمج الشعب بدرجات متزايدة ونسب متزايدة سيظل المجتمع السياسي العربي، سواء كان قومياً او اسلامياً او حكومياً، مجتمعاً مضطرباً لأنه لا يقوم على حيوية التأييد الشعبي.
- فهمي هويدي: أريد ان أعرف في النهاية هل الراديكالية ظاهرة جيدة ام رديئة؟ وهذه قضية خلافية، لكن عندي ثلاث نقاط: النقطة الأولى ان الاسئلة التي طرحت على الاستاذ محمد سيد احمد واجاباته عليها مهمة جداً، ولكن، كما قلنا، الاسلاميون ليسوا شيئاً واحداً، والقوميون ليسوا شيئاً واحداً، وهذا ينسحب بدوره على الماركسيين. وما قاله الاستاذ محمد سيد احمد هو تعبير عن فصيل من المفكرين الماركسيين لا يعبر بالضرورة عن آخرين لهم مواقف متمايزة، واثبات التمايز القائم بين الفصائل او القوى الماركسية المختلفة شيء مهم. والنقطة الثانية انه لا بد ان يكون واضحاً في الحقيقة ان مسألة الراديكالية فيها نسبة كبيرة، يعني مثلاً تحرير فلسطين الآن. الراديكالية مستنكرة جداً على عكس الحال في القضية نفسها منذ 20 عاماً، ففي قياسنا للراديكالية يجب ان نعتمد على المواقف المبدئية وليس التكتيكات السياسية، ومن هنا فان قضية تحرير فلسطين ذات دلالة جوهرية، فالحديث في هذا الموضوع الآن يقود الى معسكر التطرف الشديد، بينما كان قبل 20 عاماً خطاباً سياسياً عادياً وكان غيره يكاد ان يكون خيانة عظمى. والنقطة الثالثة انني أعني ان لا يتناقض هذا الموضوع منفصلاً عن خريطة الواقع الراهن، لأننا بصدد تحديات حقيقية تتجاوز أطروحات القوميين والاسلاميين وغيرهم، يعني الآن العالم العربي يواجه ثلاث قضايا مهمة، قضية الاستقلال وقضية الديموقراطية وقضية اسرائيل. ربما قضية اسرائيل داخلة في موضوع الاستقلال، لكن هناك مسائل لا يختلف عليها مواطن عربي، اياً كان انتماؤه القومي او الاسلامي او الماركسي، فأنا أتمنى ان لا نستغرق في خلافاتنا الفكرية وتمايزاتنا التي هي في النهاية طبيعية وصحية، والا يصرفنا هذا عن تحديات حقيقية ينبغي ان يستعلي كل فصيل على ذاته وحساسياته الخاصة لينتبه الى ان المركب الذي يحمل الجميع معرض للغرق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة