ترامب: الجميع «يحبون» مقترحي بشأن غزة    القبض على نيبالي في الشرقية لترويجه الحشيش    25 شركة مجرية تتأهب للاستثمار بالسعودية في «التقنية والرقمنة»    ناشئات القادسية يتوّجن بكأس الاتحاد السعودي لكرة القدم    «السوق»: 30 يوماً لاستطلاع الآراء لتطوير البيئة التنظيمية للصناديق الاستثمارية    رصد التربيع الأول لشهر شعبان في سماء المملكة    إسرائيل تقتحم منازل في الضفة وتشرّد 3200 عائلة فلسطينية    جازان تحصد الذهبي والفضي في جسور التواصل    جلطات الزنجبيل تستنفر الصحة وتحيل مدعي الطب البديل للجهات المختصة    "تكامل" تواصل ريادتها في قطاع التكنولوجيا بمشاركة في مؤتمر ليب التقني 2025    واشنطن: العجز التجاري يرتفع.. والواردات لمستوى قياسي    أمير الرياض يتوج الفائزين في مهرجان خادم الحرمين للهجن في نسخته الثانية    "مكتبة المؤسس" والهيئة الملكية لمحافظة العلا توقعان مذكرة تفاهم    التنافس يشتعل على «هداف الدوري»    طلاب وطالبات جامعة الملك سعود يُتوجون ببطولة الجامعات التنشيطية للبادل    موسم الرياض يرعى حفل الزواج الجماعي ل 300 عريس    سعود بن مشعل يدشّن 179 مشروعًا تعليميًا في جدة ومكة    أمانة الشرقية والسجل العقاري يقيمان ورشة رحلة التسجيل العيني للعقار    أمير الشرقية يرعى توقيع اتفاقيات لتعزيز التنمية المستدامة ودعم القطاع غير الربحي    إنطلاق المؤتمر ال 32 لمستجدات الطب الباطني وأمراض الكلى بالخبر    هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024.. أكثر من 1500 مسلم جديد خلال العام    سماحة المفتي يستقبل الأمين العام لجمعية رفد لرعاية مرضى زراعة الأعضاء    "شتانا ريفي" يصل إلى المدينة المنورة ويعرض أجود منتجات الريف السعودي    الدوسري يعلن رغبته في البقاء مع «الأزرق»    أمين القصيم يلتقي مستشار معالي رئيس الهيئة السعودية للمياه    محافظ الأحساء يشهد ملتقى "المدن المبدعة" في اليونسكو العالمية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بوروندي بذكرى يوم الوحدة لبلاده    خطط أمريكية لسحب القوات من سورية    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    البديوي يؤكد أهمية تفعيل التعاون الأمني بين الجانب الخليجي - الأوروبي    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    طالبتان من الطائف يحصلن على المستوى الذهبي وطالبتان تفوزان في مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    رابطة العالم الإسلامي تثمِّن عاليًا تأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ من قيام دولة فلسطين وعاصمتها "القدس الشرقية"    مقترح بتحويل «بني حرام» إلى وجهة سياحية وربطها ب «المساجد السبعة» بالمدينة المنورة    الكويت: صدور مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل "الداخلية" و"الدفاع"    الرياض تحتضن «بطولة المملكة المفتوحة» للكيك بوكسينغ.. غداً    السماح للشركات الأجنبية الخاصة ب«الطلب» بنقل الركاب    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    في ختام الجولة 20 من" يلو".. الباطن يواجه النجمة.. والجندل في ضيافة العربي    ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطوير التعاون    الاقتصاد السعودي.. أداء قوي واستدامة مالية    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    بيئة حيوية    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    تطبيع البشر    بئر بروطة    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس مجلس النواب اللبناني يتذكر . نبيه بري : الإمام الصدر لم يغادر ليبيا ومسؤولان عربيان نصحاه بعدم زيارتها الحلقة الأخيرة
نشر في الحياة يوم 26 - 05 - 1997


ذهبنا لتهنئة الخميني بالثورة
ومصطفى شمران عاد بناء على طلبه
لا تكتب قصة "أمل" ورئيسها نبيه بري من دون العودة إلى المؤسس الإمام موسى الصدر. كيف كانت البدايات؟ وما هي قصة العلاقة بين بري والصدر؟ وكيف تعامل الإمام مع "حرب السنتين"؟ وماذا يعرف رئيس مجلس النواب اللبناني عن رحلة الصدر إلى ليبيا وتغييبه؟ أسئلة كثيرة طرحناها على رئيس مجلس النواب اللبناني وهنا نص الحلقة الخامسة والأخيرة:
كيف بدأت علاقتكم مع الامام موسى الصدر؟
- في 1963 كنت طالباً في السنة الأخيرة في كلية الحقوق - الجامعة اللبنانية، ورئيساً لرابطة الطلاب في الكلية والجامعة معاً. وكنت في الوقت نفسه رئيس اتحاد الطلاب الجامعيين في لبنان، وهو كان عضواً في الاتحادين العالميين للطلاب الغربي والشرقي. وشهدت تلك السنة سلسلة تحركات احتجاج، ندوات واضرابات. ونظمنا الاضراب الشهير من اجل وضع حجر الاساس لبناء الجامعة اللبنانية في الشويفات. في تلك السنة توفي احد اقاربي في تبنين وجاء الامام الصدر للتعزية. وجرى نقاش في منزل الوالد بيني وبين الامام اتسم احياناً بشيء من الحدة. وللتاريخ اقول انني وجدت فيه ليس رجل دين كبيراً فقط بل وجدته ايضاً مصلحاً اجتماعياً عظيماً. واستغرق الحوار اكثر من ساعتين.
علام دار النقاش؟
- كانت لي ملاحظات على تحركات الامام الصدر والانقسامات التي كانت قائمة آنذاك. كان موضوع الناصرية مطروحاً بقوة في تلك المرحلة فسألته لماذا تبتعد عن عبدالناصر ولماذا لم تزر مصر بعد... واسئلة اخرى. تضايق والدي من صراحتي لكننا في نهاية الاجتماع اتفقنا على ان نبقى على اتصال، وفكرت ملياً في الاجوبة التي ساقها رداً على اسئلتي.
بعد فترة وجيزة حصلت حادثة المثلجات البوظة في صور. والقصة هي ان مواطناً مسيحياً فتح محلاً لبيع المثلجات، وربما لأسباب تتعلق بالمنافسة او الحساسيات الشخصية جاء من يدعو الى مقاطعة صاحب المحل لأنه مسيحي. ادى الامام الصدر صلاة الجمعة وتوجه الى المحل المذكور ووراءه جمع من الناس وتناول المثلجات امام الناس كلها. عندما سمعت بهذه الحادثة ركبت سيارتي ونزلت من تبنين الى صور ودخلت على الامام الصدر وجلست الى جانبه وكانت بداية علاقتي به.
قبل انشاء حركة "أمل" او حركة "المحرومين" كما سميناها اردنا وضع ميثاق او وثيقة سياسية يتم على اساسها اداء اليمين والانخراط. وكنت من الاخوان الذين اختارهم الامام الصدر ليكونوا النواة من أجل وضع الوثيقة ومناقشتها. عقدت سلسلة اجتماعات معظمها في منزل الرئيس حسين الحسيني وفي حضور الشيخ عبدالأمير قبلان واحمد اسماعيل والمرحوم احمد قبيسي. وافقنا على الوثيقة وكنت بين أول من اقسموا اليمين وراء الامام الصدر.
حركة المحرومين هي الحركة الاجتماعية التي قادها الامام الصدر وحركة "امل" تعني "افواج المقاومة اللبنانية" التي تنبثق من حركة المحرومين.
بيار الجميل المتشدد
أين كنت في 13 نيسان ابريل 1975 وهل توقعت ان تكون تلك الرصاصات شرارة لحرب طويلة؟
- في 13 نيسان كنت في بيروت عندما حصلت حادثة البوسطة في عين الرمانة. استدعاني الامام الصدر وجرت عملية تداول في الحاث وابعاده. شعر الامام بأن الحادث خطير وينذر بعواقب سيئة على الوضع العام، خصوصاً ان الاجواء السياسية كانت مشحونة قبل ذلك التاريخ. واعتبر ان الوضع يستدعي تحركاً عاجلاً لمنع الفلتان والاحتكام الى السلاح. وشدد على ضرورة القيام بمسعى لجمع الشمل بين اللبنانيين والفلسطينيين.
جرت هذه المشاورات في مقر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية، وتبلورت فكرة ترتيب اجتماع موسع بين الجهات اللبنانية والفلسطينية لأن الاجواء توحي بوجود مؤامرة كبيرة تستهدف دفع لبنان نحو كارثة. وطلب من بعض الاشخاص التوجه للتحدث مع الفلسطينيين وانتدبت انا واحمد قبيسي للتحدث الى الشيخ بيار الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية. ذهبنا وكان الشيخ بيار متشدداً ومتشنجاً. وقلت له مرات عدة خلال الحديث "نحن ام الطفل وواجبنا ان نحرص عليه. نحن أم الصبي". وكنت أقصد أن على اللبنانيين التنبه الى ما يجري نظراً الى ما يمكن ان يلحق ببلدهم. وكان الشيخ بيار يرد: "اذا ارادوا احتلالنا فليفعلوا"، ويقول "اما نحن وإما هم". كان موقفه متشنجاً جداً من الفلسطينيين.
في طريق العودة كان الرصاص ينهمر بغزارة على ساحة البرج خصوصاً في محيط سينما شهرزاد. تمهلنا قليلاً الى ان خف الرصاص وتابعنا سيرنا الى الحازمية. واطلعنا الامام الصدر على الاجواء لكنه أصر على ضرورة القيام بشيء لاحتواء التوتر واجرى اتصالات مكثفة جداً انتهت بعقد ما سمي "اجتماع ال 77" الذي ضم فصائل فلسطينية وأطرافاً لبنانية. كان الغرض من الاجتماع التشديد على ضرورة ابقاء باب الحوار مفتوحاً وتسوية الامور عبر الاتصالات والمناقشات، لكن المؤامرة كانت اكبر بكثير من الجهود المبذولة في مواجهتها.
وأصر الامام الصدر على البقاء في الحازمية وكنا نصعد يومياً الى هناك على رغم الوضع الامني، وتعرضنا مرات عدة لخطر الموت والاغتيال خصوصاً مع شيوع ظاهرة القنص. وفي احدى المرات كنت مع الامام الصدر وكان يقود السيارة موظف في الأمن العام اسمه محمد عيسى. بدأ الرصاص ينطلق فبطحت الامام في السيارة ونمت فوقه الى ان عبرنا المكان الذي يستهدفه الرصاص. وفي مرة اخرى تعرضت لمحاولة اغتيال وكنت وحيداً احاول انقاذ رجل مخطوف اسمه خطار حدثي الموجود الآن في "طيران الشرق الأوسط".
الوسيط يخطف ايضاً
حفلت تلك المرحلة بممارسات الخطف. وكان الغرض فرز المناطق وقطع الاتصال بينها وترسيخ اجواء التشنج وردود الفعل. لم نستطع منع التدهور فسعينا الى تخفيف الآلام وتركز اهتمامنا على انقاذ المخطوفين المسيحيين والمسلمين. كل مساء وفي السادسة تماماً كان يحصل اتصال بيني وبين داود ابو جودة، شقيق الكاتب والصحافي الراحل ميشال ابو جودة. كنت اعطيه اسماء المسلمين الذين خطفوا في الشرقية ويعطيني اسماء المسيحيين الذين خطفوا في الغربية. ونتبادل المعلومات عن نتائج الجهود لاطلاق هذا المخطوف أو ذاك. وكانت عملية التبادل تتم في مقر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية.
وحضر الرئيس السابق امين الجميل كان نائباً آنذاك مرتين عملية التبادل اذ كان يحضر مع داود ابو جودة اناساً خطفوا في الشرقية ونحضر اناساً خطفوا في الجهة الأخرى ويتم التبادل.
وتحول منزلي في بربور، في تلك الايام، مكتباً لتلقي شكاوى اهالي المخطوفين. كان الاتصال مع داود في الموعد المحدد جزءاً من البرنامج اليومي. وكنا نتعمد ان لا نشغل خطينا الهاتفيين في الموعد المحدد، ولم يكن الخليوي دخل العمل. ذات يوم انتظرت ولم يتصل ومر بعض الوقت فراودتني الهواجس. اتصلت به واذ بهم يقولون لي ان شقيقه ميشال على الخط وسارع الى ابلاغي بصوت متهدج ان داود خطف ورحت أعمل من اجل الافراج عنه. انها حكايات مؤلمة فعلاً، لكن هذه الحادثة كانت طريفة على رغم طابعها المأسوي ككل عمليات الخطف.
الدويلات و"السبت الأسود"
ما هي قصة الاعتصامات التي نفذها الامام الصدر خلال حرب السنتين؟
- كان الغرض التعبير عن الموقف المناهض للحرب والتنبيه الى المخاطر المتزايدة التي تلوح في الافق. اقيمت اعتصامات عدة بينها الاعتصام في جامع الصفاء التابع للكلية العاملية في رأس النبع. اعتصم الامام الصدر هناك وصام وتوافدت الناس من رؤساء ووزراء ونواب وشخصيات. اعتصام وصيام من اجل وقف الحرب. خلال الاعتصام تلقى الامام نبأ وقوع احداث طائفية في البقاع فألقى كلمة شهيرة قال فيها ان من اعتدى على مسيحي فقد اعتدى عليّ وعلى قلبي ودير الاحمر بلدي. وفك الاعتصام وتوجه الى المنطقة لمعالجة الموضوع.
وهكذا كنا كلما داوينا جرحاً سالت جروح. كانت المؤامرة اكبر بكثير.
في وقت آخر عقد الامام الصدر اجتماعاً عاماً في منزل الشيخ عبدالأمير قبلان في بئر حسن جمع فيه عدداً من الشخصيات ليشرح ابعاد المؤامرة وليتداول مع المجتمعين في سبل التصدي لها. كان اليوم يوم سبت. وقف الامام قرب خريطة وراح يشرح كيف تحاول المؤامرة تقسيم لبنان الى دويلات، دويلة مارونية ودويلة شيعية ودويلة سنية ودويلة درزية. في هذا الوقت رنّ الهاتف وكان الامام يتحدث فأخذت الاتصال واذ بالمتحدث الحاج مرتضى حمود وهو تاجر في المرفأ - اطال الله عمره - يخبرنا عن المذابح التي كانت تحصل هناك في ذلك اليوم الذي عرف ب "السبت الاسود". دخلت على الامام وقلت له ماذا تشرح فالاوضاع على الأرض سالكة وغير آمنة، اي ان المؤامرة مستمرة في اندفاعها.
افهم من كلامك انه لم يكن لك في "حرب السنتين" دور المحارب وان دورك يندرج في خانة جهود الامام الصدر لوقف الحرب؟
- تماماً. كما قلت لك بقينا في مقر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى شرق بيروت على رغم الاخطار. كنت عند الامام بعدما خلّصت خطار حدثي من الخطف، ووقفت لمغادرة المكان نحو الحادية عشرة ليلاً، فألح الامام علي لأنام في الحازمية فقلت له انني دعوت الدكتور حسني المجذوب الى العشاء ووصل الى منزلي. وحسني اليوم مستشار للرئيس الحريري. قال عدني إذاً انك ستذهب عن طريق الجبل فقلت له ان شاء الله. لم أتصور ان يستهدفني الرصاص وأنا أجهد لاطلاق المخطوفين من الجانبين. ما ان وصلت الى قرب بن عازار في الحازمية حتى انهمر الرصاص وراح يلاحقني. سمع الامام الرصاص فنزل حافياً بلباس النوم الدشداشة البيضاء ومشى حتى وصل الى مستديرة الصياد حيث رده رجال الدرك وقالوا له ان السيارة اصيبت لأنها اصطدمت بحائط اثناء اطلاق الرصاص. اعتقدوا بأنني اصبت، فعاد الامام وبدأ الاتصال بمنزلي الى ان وصلت وابلغته انني نجوت بأعجوبة. كان هشام الشعار مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. جاء وكشف على السيارة ووجد فيها عشرات الرصاصات. بعدها قلت للامام ان البقاء في مقر المجلس لم يعد جائزاً. الححنا عليه كي يغادر فوافق واتخذ حينها من منزلي في بربور مقراً لعمله.
هل كان الامام الصدر يحبك؟
- أفضل ان تطرح هذا السؤال على غيري. كان الامام يعتبرني من المقربين.
الطائفة والوطن
كرئيس لحركة "امل" وزعيم للطائفة الشيعية...
- مقاطعاً دعني أصحح اولاً، انا لست زعيماً للطائفة الشيعية. انا مسؤول لبناني.
تقول التجربة ان الزعامة على المستوى الوطني تبدأ دائماً بزعامة داخل الطائفة تكون ركيزة الانطلاق، هذا ما حصل مع كل الزعامات اللبنانية.
- منطلقاتنا كانت واضحة. لو قرأت ميثاق حركة "امل" لما عثرت فيه على كلمة مسلم او شيعي. دعني أصحح امراً مؤسفاً: لكل شيء في لبنان ترجمة ترجع الى الولادة. في لبنان لا يعترفون ابداً بتطور بين الولادة والوفاة. هذه مشكلة بل مأساة. وأقول لك صراحة انا نبيه بري لو ولدت من أب وأم مسيحيين لكان لدي الشعور نفسه ولكانت لدي العواطف والمواقف نفسها. أقول بأسف وألم: في لبنان لا يقرأون الشخص الا في ضوء ولادته.
هل يعني هذا انك لست متعصباً؟
- أفضل ان تسأل سواي عن هذه النقطة. لكنني سأقول لك لماذا لست متعصباً، لأنني، والحمد لله، متدين ولم أر رجلاً مؤمناً حقاً بالدين ومتعصباً في الوقت نفسه. جوهر الدين مناقض للتعصب. راقب على مدى العصور والادوار، المتعصب لا يدخل المسجد او الكنيسة. هل رأيت مسلماً حقيقياً لا يؤمن بقسم كبير من المسيحية وبالسيد المسيح عليه السلام وبسيدتنا مريم ويدخل الجنة؟ اذا تنكر لذلك يكون تنكر لعشرات الآيات من القرآن الكريم بل المئات.
وفي "حرب السنتين" تمسكنا بالبقاء في الحازمية الى أقصى حد ممكن انطلاقاً من ايماننا بوحدة لبنان ولم نغادرها الا مضطرين. والمتعصب يهتم بالخطف لا باطلاق المخطوفين. الموقف الثابت الذي لم نتزحزح عنه هو تمسكنا الكامل بوحدة لبنان.
رحلة الامام
كنت أريد السؤال عما تملكه كرئيس لحركة "أمل" من معلومات عن تغييب الامام الصدر في 31 آب اغسطس 1978 خلال زيارته لليبيا؟
- تلقى الامام الصدر دعوة الى ليبيا، وكان يريد ان يرافقه اثنان اختارهما هما أنا ومالك بدر الدين. لم يتمكن بدر الدين بسبب آلام الديسك في ظهره فاعتذر، اما انا فكنت مضطراً الى الذهاب الى الولايات المتحدة لاسباب عائلية واعتذرت. هكذا اصطحب الامام الصدر معه فضيلة الشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين. ودعني أقل لك ان مسؤولين عربيين نصحا الامام بعدم زيارة ليبيا، وقد كشفا لي ذلك. طبعاً لم يكن المسؤولان يتوقعان ان يحصل ما حصل لكنهما اعتبرا ان هذا الرجل معمر القذافي يقدم على تصرفات ليست عادية وان لا فائدة من الزيارة. التقيت احد المسؤولين قبل خمسة أشهر وكان صديقاً للامام وكرر لي "والله انا نصحته بعدم الذهاب".
وكان الامام الصدر قام قبل ذلك بجولة عربية لدعم فكرة عقد مؤتمر الرياض لحل الازمة في لبنان. نعم الامام الصدر هو الذي سعى الى عقد قمة الرياض. كانت ليبيا في "حرب السنتين" تمول وتسلح اطرافاً كثيرة في لبنان، واعتبر الامام ان زيارته لليبيا يمكن ان تساهم في ترسيخ الاستقرار في لبنان. وتلقى دعوة الى حضور احتفالات الفاتح من سبتمبر ولباها. نزل مع رفيقيه في فندق الشاطئ ولم يكن وحيداً هناك وشاهده عدد من اللبنانيين المقيمين في الفندق والتقوه. وفي 31 آب اغسطس بعد تأخير حدد للامام موعد مع القذافي، وابلغ من التقاهم في ذلك النهار انه ذاهب للقائه. وصعد الى السيارة من امام الفندق ولم يعد.
التحقيقات تؤكد
المسألة لا تحتاج الى جهد او تفسير. طلع القذافي بقصة مفادها ان الامام الصدر ورفيقيه غادروا ليبيا الى ايطاليا، علماً ان الامام لم يعد ابداً الى فندق الشاطئ ليأخذ امتعته... وفجأة يعثر على حقائب الامام مفتوحة في فندق في ايطاليا وجواز موجود بداخلها ولا اثر في الفندق له ولرفيقيه. والقصة هي ان شخصين يعتمران عمامتين صعدا الى طائرة تابعة لشركة "اليطاليا" اقلعت من طرابلس الى روما وأوصلا الحقائب الى الفندق الايطالي. وبدأت التحقيقات واذ بالمضيفة على الرحلة التي وصلت الى روما تتعرف الى الامام الصدر من خلال الصور التي قدمت اليها لأنه كان سافر معهم في احدى الرحلات، وقالت انا أعرفه شخصياً ولم يكن على الرحلة بين الركاب.
اعتقد بأن الامر واضح وكاف ولا يحتاج الى المزيد: القذافي يتحدث عن لجنة تحقيق كأن الأمر يتعلق بحادث سيارة. انهم يحاولون بكل الوسائل التخلص من هذا الموضوع والموضوع لا يحتاج الى نقاش. الدولة اللبنانية اهتمت بالأمر وأرسلت اللواء نبيه فرحات رئيس جهاز أمن الدولة حالياً وكان حينها في مخابرات الجيش اللبناني وحصلت تحقيقات وقدم المدعي العام الايطالي مطالعته في هذا الموضوع وكل الأمور ثابتة. لهذا لا اتوقف عند ما تروجه وسائل الاعلام الليبية بين وقت وآخر.
عندما حصل ذلك كنت في طريقي من ديترويت الى نيويورك التي وصلت اليها ونزلت عند صديق لي اسمه ايلي عساف. تلقيت اتصالاً من عائلتي في ديترويت اخبرتني فيه بأن الامام الصدر اختفى. اتصلت فوراً بلبنان فطلب مني الرئيس حسين الحسيني البقاء في نيويورك لاجراء اتصالات في هذا الموضوع في الامم المتحدة. وكان الاستاذ غسان تويني مندوب لبنان لدى الامم المتحدة فاتصلت به وعملنا معاً في هذا المجال واطلعنا الدول الكبرى على ما حصل.
كانت هناك صداقة مع تويني وكانت له علاقة مع الامام الصدر منذ ايام وثيقة المحرومين والنقاشات التي دارت في شأنها قبل توقيعها. مكثت خمسة ايام وشعرت بأن الوقت طال فعدت الى بيروت. في غيابي اختير الرئيس الحسيني اميناً عاماً لحركة "امل" واخترت اميناً عاماً مساعداً واعتبرنا الاجراء موقتاً في انتظار عودة الامام لاننا تصورنا انه لا يعقل ان تصل الشهامة العربية الى هذا الحد.
الخميني والزيارة
وما قصة اللقاء مع الامام الخميني؟
- بعد انتصار الثورة الاسلامية ذهبنا في اول طائرة حطت في طهران للتهنئة. طبعاً ياسر عرفات سبق الجميع. كنا وفداً كبيراً بين اعضائه الشيخ محمد مهدي شمس الدين والرئيس حسين الحسيني وحسين كنعان وحسن يتيم وصدري نجل الامام الصدر. كنا طائرة كاملة وذهب معنا مصطفى شمران، احد ابطال الثورة الايرانية، وكان المسؤول التنظيمي في حركة "امل". ومصطفى شمران فيزيائي جاء ذات يوم الى الامام الصدر ومعه كتاب توصية من الامام الخميني فاحتضنه الصدر وسلّمه المدرسة المهنية في جبل عامل وراح يشرف على تخريج الكوادر.
وصلنا الى طهران وتوجهنا الى الفندق وحدد لنا موعد مع الامام الخميني في اليوم التالي. ولاحظت صباحاً صوراً للقذافي في الصحف الايرانية فسألت عن السبب فقيل انه قد يصل غداً الى طهران. عندما حان الموعد دخلنا مجموعة صغيرة من نحو خمسة اشخاص وطلبت من صدري الصدر ان يتولى الترجمة فالامام الخميني كان يفهم العربية ويجيدها لكنه كان يتحدث دائماً بالفارسية. قلت للامام الخميني: رأيت صور القذافي هنا وهو خطف الامام الصدر. مجيئه الى هنا سيعتبر بمثابة صك براءة له. نتمنى الا يأتي الى طهران وان لا تستقبله الا اذا جاء بالامام الصدر معه. عندئذ اطلق الامام الخميني تلك الكلمة: "الامام الصدر هو ابني وتلميذي وصديقي" موضحاً ان القذافي لن يأتي اذا لم يكن الصدر معه وهذا ما حصل.
وعندما تطرق البحث الى موضوع الامام الصدر لم يشأ صدري الترجمة فتولى مصطفى شمران المهمة، فانتبه الامام الخميني الى صوته ثم وضع يده عليه وابتسم. بعدما خرجنا لحق بنا رئيس الوزراء يومها مهدي بازركان وقال ان الامام الخميني يريد الا يعود مصطفى الى لبنان، فهو يريده قريباً منه ولمركز كبير. كان شمران منظماً وانضباطياً، قال "هذا شرف لي لكنني أريد اذناً من الأمين العام للحركة ومن الأمين العام المساعد". وسألني الرئيس الحسيني ما رأيك؟ فأجبت "اتكل على الله فليبق وهو يمكن ان يساعدنا هنا". وبقي شمران واذا به يصبح ممثلاً للامام الخميني ثم وزيرا للدفاع واستشهد في المعارك مع العراق.
هل يمكن القول ان دور مصطفى شمران في "امل" كان كبيراً؟
- نعم. وكما ذكرت لك كان نظام الشاه يضطهده، وجاء الى الامام الصدر مع كتاب من الامام الخميني فعينه مديراً للمؤسسة المهنية وعندما اسس حركة "امل" عينه مسؤولاً تنظيماً.
يحكى ان علاقة الامام الصدر مع بعض الجهات في ايران كانت مضطربة؟
- انتزع منه الشاه جواز سفره.
قصدت مع مرجعيات دينية؟
- ممكن، وهو أمر طبيعي. وحتى الآن لا يمكن القول ان كل المرجعيات في جو واحد.
هل كنت في حزب البعث العربي الاشتراكي عندما كنت طالباً في الجامعة؟
- هذه مسألة لا انكرها او اؤكدها. كنت في تلك الموجة العربية التي كانت تشمل البعث والقوميين العرب والناصريين. كنت مؤيداً لهذا الخط دائماً. وعندما ترشحت لرئاسة الاتحاد في الجامعة اللبنانية خضت المعركة باسم العروبيين. وكما رويت لك في لقائي الأول مع الامام الصدر حصل عتاب اذ انني سألته لماذا لم تزر مصر بعد ولماذا لم تلتق عبدالناصر. هذا كان موقفي العربي دائماً وكنت مؤيداً للخط البعثي وللخط القومي، وما زلت على قناعتي، اي انني لا ازال كما كنت.
ألم تكن عضواً؟
- لا، لم أكن عضواً بمعنى العضوية والانتساب.
الصدامات بين "أمل" والفلسطينيين بدأت باكراً؟
- كان الرئيس حسين الحسني اميناً عاماً وحصل اعتداء على منزله في عرمون. واطلقت قذائف "ار. بي. جي" على المنزل وكانت عائلته فيه. يومها اتهم الملازم احمد الخطيب وجيش أحمد الخطيب "جيش لبنان العربي". اي في النتيجة ان حركة "فتح" وراء القصة. حصلت اشكالات كثيرة حاولت مع الرئيس الحسيني وقفها، لكنها استمرت متقطعة الى ان عقد اجتماع في طلعة شوران في مكان ليس بعيداً من هنا، وكان لخليل الوزير ابو جهاد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" منزل هناك. اجتمعنا وتكثفت الجهود، وأوقفنا الاحتكاكات، ولكن حصل بعض المشاكل خصوصاً في منطقة الاوزاعي.
رئاسة "امل"
في 1980 انتخبت رئيساً لحركة "امل"؟
- توليت رئاسة "امل" في 4 نيسان ابريل 1980. وجرى الانتخاب قبل عشرين يوماً لكن موعد تسلمي مسؤولياتي كان الرابع من نيسان.
وهل كان هناك انسجام بينك وبين الرئيس الحسيني عندما عملتما معاً؟
- لا شك في ذلك. كان هناك انسجام وكان كاملاً والمشكلة التي طرأت بالنسبة الى رئاسة الرئيس الحسيني للحركة كانت جوانبها قانونية او تنظيمية ولم تكن المشكلة مني ابداً. مركز الأمين العام لم يكن موجوداً واخترع لأن الامام غائب وكانت القصة موقتة. في ذلك الوقت اجتمعت الاقاليم وكانت الاجواء مشحونة خصوصاً من اقليم البقاع الذي كان ضد الرئيس الحسيني.
من كانت الاسماء البارزة في تلك المرحلة؟
- يمكن الحديث عن عدد من الاسماء بينها حسين الموسوي رئيس حركة "امل الاسلامية" الآن، وحسن هاشم كان بارزاً في الجنوب والمسؤول عن الاقليم هناك، وكذلك الشهيد محمود فقيه، رحمه الله، والمرحوم عباس مكي وهو كان عقيداً متقاعداً وموفق بيضون. كانت هناك اسماء كثيرة. في تلك الفترة كانت هناك هيئة تنفيذية الى جانب الامانة العامة. اجتمعت الاقاليم في مدينة الزهراء، اي في المكان الذي شهد لاحقاً أول مواجهة مع الاسرائيليين وانطلاق المقاومة. عقد اجتماع استمر نهاراً وليلاً الى ان صاغت الاقاليم صيغة مجلس قيادة حركة "امل" وبرز توجه لانتخابي رئيساً له. انا شخصياً ترددت. ذهبت مع احمد اسماعيل الى منزل الامام الصدر وحاولنا اقناع عائلته بأن يكون نجله صدري رئيساً لمجلس القيادة واكدت استعدادي لأن اكون مساعداً له. ورفضت عائلة الامام الصدر لاعتبارات نفسية واعتبارات اخرى، وتمسكت ام صدري، زوجة الامام، بموقفها الرافض. وظهر في الاقاليم شبه اجماع لا بل اجماع على اسمي فانتخبت رئيساً لمجلس القيادة على ان اتسلم مسؤولياتي عندما تنتهي مهمات الرئيس الحسيني في 4 نيسان وهذا ما حصل.
الصدام مع المقاومة
بين 1980 و1982 اصطدمتم بالمقاومة الفلسطينية.
- هذه القصة أريد توضيحها: قبل أيام من تسلّمي مهمات منصبي. وجاء خبر مفاده ان صدام حسين قتل السيد محمد باقر الصدر وشقيقته الكاتبة بنت الهدى، فحصلت تظاهرة في منطقة الغبيري احتجاجاً على قتل عالم اسلامي كبير ومفكر اسلامي بارز يعتبر من المرجعيات الكبيرة. لم تقتصر التظاهرة على حركة "امل"، بل شارك فيها اناس ارادوا التعبير عن احتجاجهم على الجريمة وبينهم بالطبع اناس من "امل". وتعرضت التظاهرة لاطلاق نار وأصيب اثنان من المتظاهرين اعتقد بأن احدهما استشهد. وذكر وقتها ان مصدر النار كان من المبنى الذي يضم جريدة "بيروت" في الضاحية.
هكذا بدأت المشاكل بين حزب البعث الموالي للعراق وحركة "امل" قبل ان اتسلم مسؤولياتي. وكان لحزب البعث انتشار واسع في الضاحية الجنوبية وكانت "جبهة التحرير العربية" جناحه الفلسطيني ووقفت الى جانبه في الاشتباكات فاصطدمت "امل" بالجبهة، وحين وقفت المنظمات الفلسطينية الى جانب "جبهة التحرير" اتسع الصدام ليتحول صداماً بين "أمل" من جهة والمنظمات الفلسطينية من جهة اخرى.
هل طلبتم آنذاك مساعدة من الجيش اللبناني؟
- لم نطلب مساعدة من احد واتحدى كل الذين يقولون ذلك ان يقدموا دليلاً واحداً. في أي حال جوني عبده مدير المخابرات في الجيش اللبناني آنذاك حي يرزق وباستطاعتك ان تسأله. الحقيقة اننا رحنا نبحث عن حلول وعقدنا اجتماعات مع أبو عمار والحركة الوطنية اللبنانية. وتوصلنا في النهاية الى صيغة فولدت هيئة التنسيق وكانت تضم اربعة افرقاء: "أمل" و"الحركة الوطنية" والمقاومة الفلسطينية وسورية. وكنا نجمع في حضور المسؤول في الأمن السوري آنذاك العقيد محمد غانم. عقدنا سلسلة اجتماعات وكنا نلتقي كلما حصلت اشكالات وبقينا على هذا الوضع الى ان حصل الاجتياح الاسرائيلي.
... واصطدمتم مع الشيوعيين ايضاً.
- كان حزب البعث جزءاً من "الحركة الوطنية" التي وقف بعض احزابها الى جانبه، في حين كان هناك رأي آخر داخل "الحركة الوطنية" يرفض الصدام مع أمل" ويستغرب الموقف المسبق منها ويقول: اذا كانت لدى "امل" اخطاء فلدى غيرها اخطاء ايضاً. مثلاً لم يحصل اشكال بيننا وبين الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكذلك مع التنظيم الناصري اتحاد قوى الشعب العامل بزعامة كمال شاتيلا، وانضوى هؤلاء ومعهم حزب "رزكاري" الكردي و"امل" في "الجبهة القومية" فيما بقي الآخرون في "الحركة الوطنية". "الجبهة القومية" ولدت في منزلي في بربور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.