ماذا ستكون عليه السياسة الخارجية الاميركية، خصوصاً في الشرق الأوسط، عندما يصبح كولن باول رئيساً للولايات المتحدة؟ لقد درج الصحافيون الاميركيون على توجيه الاسئلة نفسها الى الجنرال باول، مرات ومرات، واستمر باول في الرد على الاسئلة نفسها بالطريقة ذاتها. الا ان الاسئلة كلها كانت عن مسائل لا يعرف عنها باول الكثير، وهي الشؤون الداخلية. فقد شغل باول منصب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، وكان رئيساً لجميع القوات المسلحة الاميركية في عهد الرئيس الجمهوري المعتدل جورج بوش وهذا ما ساعده على ان يصبح على علاقة وثيقة بقضايا الاستخبارات والدفاع والشؤون الخارجية. ولأنه كان ضابطاً في الجيش حيث يمنح الشخص وظيفة دائمة ومسكناً وغذاء وملابس ورعاية صحيّة مجانية وتعويض تقاعد، فان اهتمامه بالشؤون الداخلية التي ستهيمن على الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في العام المقبل هزيل جداً. ومن المؤكد ان باول العضو الملتزم التزاماً تاماً افكار الطبقة "المتوسطة جداً" لن يكون "مختلفاً اختلافاً طفيفاً" عن الرئيس كلينتون. وقد تكوّنت لدى شخصيتين سياسيتين كانا رئيسين لباول وضابط سابق عمل تحت امرته طوال عشر سنوات انطباعات متشابهة عن شخصيته السياسية. ويقول احدهم: "استطيع ان اتصوّره يفعل الكثير مما يفعله كلينتون وكريستوفر في الشرق الأوسط الآن، كما يمكنني ان اتصوره يرسم الحدود لاسرائيل كما فعل ايزنهاور عام 1956 وكما فعل الرئيسان فورد وبوش ولو بطريقة اكثر لباقة، في ما بعد". اربعة خيارات ومن اللافت ان هؤلاء الرؤساء الذين قد يخلفهم باول هم جمهوريون معتدلون. فما هو باول؟ هل يعرف؟ الآن هو صاحب كتاب من الكتب الأكثر مبيعاً، في اميركا، وهو الشخصية السياسية الأكثر شعبية في اميركا. وهو يواجه احد الخيارات الأربعة الآتية: - إما ان يخوض انتخابات الرئاسة بصفته الحقيقية أي كديموقراطي محافظ. - وإما ان يخوض الانتخابات كجمهوري معتدل على طريقة روكفلر، ما يعني الأمر نفسه، الا انه في الوقت نفسه يجنّبه منازلة رئيس حاكم ويستفيد من عدم وجود مرشحين جمهوريين اقوياء في الوقت الحاضر. - وإما ان يخوض المعركة كمستقل، وهو ما قد يعني انشاء حزب ثالث حتى يضمن بذلك حق استخدام اموال الحملة الانتخابية الفيديرالية، وحتى يمكنه ان يرفع راية ينضوي تحتها بعض اعضاء الكونغرس الحاليين من ديموقراطيين وجمهوريين. إ واما ان يصرف النظر عن خطط الترشيح للانتخابات ويتحول الى "زائر ثقيل الظل" لبرامج التلفزيون وحفلات الاستقبال التي تقام لأغراض الترويج التجاري، كما هو حال كيسنجر الآن، فيتقاضى مبلغاً مقداره 60 الف دولار أو ربما أكثر عن كل ظهور له في مقابل الخمسين الف دولار التي يتقاضاها كيسنجر، فهو يتفوّق على وزير الخارجية السابق في ناحيتين: الأولى انه يستطيع ان يتحدث في القضايا المحلية والقضايا الدولية وشؤون الدفاع على السواء، والثانية انه شخصية اكثر جاذبية من كيسنجر. وتظهر استطلاعات الرأي ان كلينتون يتقدم على ابرز المرشحين الجمهوريين الآن وهو السناتور بوب دول الذي كان قد خسر مرتين في معركته لنيل ترشيح الحزب الجمهوري له كمرشح للرئاسة. الا ان الاستطلاعات تشير ايضاً الى ان باول يتقدم الاثنين معاً في مستوى الشعبية التي يتمتع بها. كما تشير الى انه اذا خاض باول الانتخابات كمستقل فانه سيجتذب اصواتاً من مؤيدي دول اكثر مما سيجتذب من مؤيدي كلينتون. ولذلك يبدو من الطبيعي ان يؤيد قادة جمهوريين مثل رئيس مجلس النواب الاميركي نيوت غينغريتش ترشيح باول عن الحزب الجمهوري، حتى ولو كان ذلك يعني ان باول سيفوز بتمثيل الوسط والابتعاد عن اليمين الجمهوري الذي ينتمي اليه غينغريتش او اليسار الديموقراطي الذي تنتمي اليه زوجة كلينتون هيلاري، ذات النفوذ الواسع. اسود في نادي البيض وعلى رغم ان زوجة باول تعارض ترشيحه للرئاسة لأنها تعتقد بأنه قد يقتل لأنه أسود، فان المقربين منه يقولون ان من غير المحتمل ان يتمكن من مقاومة الهتاف الصاخب الذي يواجهه من الجمهور الذي يطالبه بترشيح نفسه. ورداً على مخاوف السيدة باول، فإن هؤلاء المقربين يشيرون الى انه لن يكون "مرشح السود" لأن استطلاعات الرأي تشير الى ان كلينتون يتمتع بشعبية أوسع في أوساط السود، بينما يرى معظم السود ان باول هو عضو أسود في "نادي البيض". ولا تختلف وجهة نظر باول في مسألة العرق كثيراً عن وجهة نظر مؤلف آخر ذائع الصيت هو دينش دسوزا الذي يقول في كتابه "نهاية العنصرية" ان قوانين "البيض" الرعائية المصمّمة لمساعدة السود هي ذاتها من يعاملهم على انهم أحداث. كما يتهم دسوزا المساعدة الاقتصادية "البيضاء" لدول العالم الثالث بأنها تمد في عمر العنصرية باثارة حنق الغالبية البيضاء الفقيرة. ودسوزا ولد في مستعمرة غويا البرتغالية السابقة في الهند هو عضو بارز في مركز الدراسات "أميركان انتربرايز انستيتيوت" في واشنطن. وهو يقول ان اجبار أرباب العمل الأميركيين على تفضيل السود على البيض الأعلى كفاءة هو ما يدفع الليبيراليين البيض الى الانضمام الى صفوف المحافظين الغاضبين. وما يتفق عليه الجميع تقريباً هو انه من غير المحتمل ان يرشح باول نفسه لمنصب نائب الرئيس أو ان يقبل بدور الرجل الثاني. وتتفق مواقف باول من القضايا الداخلية مع مواقف الأميركيين المعتدلين، فتقدّم حلولاً وسطاً لمشاكل الاجهاض وضبط بيع الأسلحة ورفاهية المعوزين والتأمين الصحي للعجائز. وحتى الآن لم يعلن موقفه من قضية اصلاح ضريبة الدخل التي أصبحت حالياً القضية الرئيسية في الحملة الانتخابية. ولم توجّه اليه اسئلة محرجة تتعلق بالشؤون الخارجية، وهو أمر يشبه توجيه أسئلة الى مايك تايسون عن كرة المضرب والسباحة لا عن الملاكمة. ويعود عدم الاهتمام بتوجيه اسئلة عن الشؤون الخارجية بصورة رئيسية الى ان نهاية الحرب الباردة لم تترك سوى بعض الأشباح المخيفة خلفها وهي الخوف من الاتجاه الامبريالي للصين وعدم الاستقرار في روسيا. ولكن ماذا يعرف الذين عملوا معه، سواء كرؤساء أو مرؤوسين والذين غطوا نشاطاته وتحدّثوا اليه عن آرائه السياسية الخارجية والحربية؟ في الطليعة كولن باول جندي محترف تقليدي، ولذلك فهو بلا شك يؤمن بأن تبقى اميركا "في الطليعة" وتتمتع بدفاع قوي. وعلى خلاف ما يقوله عنه كثيرون في الحزب الديموقراطي فإنه لا يؤمن بأن تصبح أميركا مثل السويد أو سويسرا حتى ولو كان ذلك يعني ان يرتفع مستوى المعيشة. وفي حين يؤمن باول بضرورة خفض حجم الوجود العسكري الاميركي في اليابان وكوريا الجنوبية، بصورة تدريجية، وانه ينبغي ان تلعب اليايان دوراً أكبر في احتواء الصين والاخطار الاخرى، فإنه في كل مرة يذكر الشأن الدفاعي يشير الى انه يفضل ان يبقي على قوات عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط أو على مقربة منه. وهو يعارض استخدام القوات الأرضية الاميركية بطريقة تسمح ل "ضعف الارادة في الكونغرس" او الدعاية المضادة بتحويل تلك القوات الى "أضاحٍ" كما في فيتنام. وهو يحبذ استخدام مثل هذه القوات فقط في اعداد ضخمة جداً كما في مواجهة العراق حتى يمكن ضمان التفوق على الخصم. وهذا هو موقفه الواضح من قضية البوسنة. اما في ما يتعلق بنزع السلاح فإن وجهة نظر باول موازية لوجهة نظر كلينتون، وهي المطالبة بأقصى حدود نزع السلاح ومنع الانتشار النووي، بينما تحتفظ الولاياتالمتحدة بأكبر نسبة تفوق ممكنة، فإذا سئل في الأمر أجاب: "ولم لا؟ أنني قرأت مذكرات يوليوس قيصر". ومن الجائز ان يكون لدى باول، كما لدى كلينتون، شعور الكراهية تجاه سياسات الصين الخارجية والمحلية وكذلك خشية كلينتون من إغضاب السوق التجارية الصينية. وكرئيس ستكون لباول كما لسابقيه صلاحية الاطلاع على ملفات الاستخبارات، ويتوقع ان يستمر في انتهاج سياسة الحذر حيال ايران، كما هو حال الادارة الحالية، الا انه قد يتخذ موقفاً اكثر انفتاحاً تجاه العراق وسورية. وربما سيكون أقل استعداداً لقطع العلاقات الديبلوماسية مع البلدان غير الصديقة وأكثر حماساً لاعادة العلاقات التي قطعت. واذا انتخب كرئيس عن الحزب الجمهوري، فلن يكون متسامحاً ازاء مماطلة اسرائيل في عملية السلام كما كان حال الرؤساء الديموقراطيين، خصوصاً أكثرهم تسامحاً كلينتون. وإذا أجرى الرئيس باول تغييرات في سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، فسيظهر ذلك بصورة مبكرة في التعيينات التي سيصدرها. ويبدو ان التعيين الوحيد شبه المؤكد هو المجيء بالكولونيل بيل سمالن اللطيف المعشر والطيب المزاج لوظيفة رئيس الموظفين في البيت الأبيض. وقد يبقي باول - إذا أصبح رئيساً - على وليام بيري في منصب وزير الدفاع اذا رغب بيري في البقاء. الا انه من المؤكد سيجيء بوزير جديد للخارجية أكثر ميلاً الى الجمهوريين، يشبه جيمس بيكر وزير الخارجية في عهد بوش، وهو أمر سيقابله العاملون من اجل السلام في الشرق الأوسط بالترحاب، وكان باول معجباً بوزير الخارجية في عهد كارتر سايروس فانس، كما صوت باول نفسه لكارتر عام 1976 ورافق الرئيس الاميركي السابق الى هايتي في العام الماضي في اطار مهمة وساطة ناجحة. ولكن على رغم ان طبيعته تفضل التصريحات الديبلوماسية، الا انه شخص عسكري تروق له صفات الحزم واتخاذ القرارات الحاسمة والتمسك بها كما كان تشرشل وايزنهاور وبوش من قبل. وينقل عنه انه تلقى تقريراً يعرض لكل الخيارات والبدائل من دون ان يوصي بتبني واحد منها، فاستعار عبارة لتشرشل قال فيها "هذا البودنغ الحلوى بلا فكرة". ومن غير المحتمل ان يبقي باول على مستشار الأمن القومي انطوني ليك أو على مساعد وزير الخارجية ريتشارد هولبروك مبعوث كلينتون الى البوسنة، ويسأل البعض: هل سيرسل باول الى الشرق الأوسط موفداً يهودياً كما فعل كريستوفر عندما عين دنيس روس منسقاً للشرق الأوسط، أو كما فعل كلينتون عندما عين مارتين انديك سفيراً له في تل أبيب؟ ويقول احد مساعدي باول المقربين في معرض الاجابة: "لعل رد فعله الأول سيكون: "أليس الأمر شبيهاً بإرسال شاب اشقر ذي عينين زرقاوين ليحل مشكلة عنصرية في الجنوب؟". الا ان رد فعله التالي سيكون : "كيف سيكون رد فعل الذين سيلتقيهم؟".