الأضواء كلها تتركّز على الحزب الجمهوري الذي فاز، بشق النفس، في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعلى الرئيس جورج دبليو وتعييناته. لكن ماذا عن أولئك القابعين في خلفية الصورة ممن نالوا نصف اصوات المقترعين؟ المرجح ان تقوى "حروب المؤسسات" في الفترة المقبلة، وان يشتد معها لا الفرز السياسي فحسب بل الفرز الايديولوجي أيضاً. وهذا لا يعود فقط الى شعور الديموقراطيين بالمرارة لنتيجة الانتخابات، بل ثمة أسباب خمسة أخرى، على الأقل، تقف وراءه: 1ً- ان انتخابات الكونغرس في 2002 ستدفع الحزب الديموقراطي الى اقصى تمايُز ممكن عن الحكم الجمهوري. وانما في ظل هذا التمايز يمكن خوض المعركة والرهان على تحقيق كسب كبير في المجلسين. 2ً- ان تجربة ترشيح رالف نادر للرئاسة والأصوات التي نالها، علّمت كثيرين من الديموقراطيين ضرورة التمسك ببعض القضايا التي تعني الفئات الاجتماعية المتضررة. 3ً- ان التوقعات في صدد الاجندة الداخلية للحكم الجمهوري، لا سيما الاعفاءات الضريبية، تضعف كل أمل في التوصل الى تسويات معه. 4ً- ان العنصر الأسود في الحزب الديموقراطي تزايدت جذريته كثيراً، رداً على عدم احتساب الاصوات السوداء في فلوريدا. ولن يخفف من هذا، أقلّه في المدى المنظور، بروز سود ككولين باول في وزارة الخارجية وكوندوليزا رايس في مستشارية الأمن القومي. 5ً- ان مرارة الهزيمة الاخيرة "غير المقنعة" في نظر ديموقراطيين كثيرين، تملك خلفية سابقة عليها من الاحقاد. وقد عبّرت الاحقاد عن نفسها احسن تعبير في الحرب الجمهورية على كلينتون وهيلاري من الذي لا يذكر شلل المؤسسات المديد عام 1995 بنتيجة مقاطعة رئيس المجلس يومها نيوت غينغريتش للادارة الديموقراطية؟ ومن الذي لا يذكر المدعي العام ستارت؟.... لكن هل سيكون آل غور من يقود الحزب في طوره المعارض الجديد؟ وهل سيتحول، بالتالي، مرشحاً للديموقراطيين في انتخابات 2004 الرئاسية... مكرراً تجربة الجمهوري ريتشارد نيكسون الذي انهزم في 1960، وهو نائب الرئيس دوايت أيزنهاور، ليعود وينتصر في 1968؟ أغلب الظن أنْ لا. فنيكسون خاض معركة ممتازة في 1960 وهو كان مرشحاً للفوز امام اي منافس ما خلا... جون كينيدي. ذاك ان الاخير مثّل للاميركان الشبابية والتفاؤل المطلوبين في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية، قياساً ب"ديك" نيكسون الذي ارتبط اسمه بالحرب الباردة. ومع هذا كله جاء الفارق بينهما طفيفاً. أما آل غور فخاض معركة سيئة جداً، متحاشياً ان يستخدم الرصيد الاقتصادي الباهر لادارة كلينتون لئلا يُذكّر بالرصيد الاخلاقي غير الباهر للادارة نفسها. وهو، فضلاً عن افتقاره الى كل جاذب شخصي، يعاني مشكلة أخرى اسمها: بيل كلينتون. فاذا ما قرر الاخير ان يبقى العرّاب ويمارس تأثيره في الحزب وسياساته، نال ما أراده بسهولة. فالرئيس الحالي ذو جاذب شخصي. وهو 54 عاماً ثاني أصغر رئيس اميركي لحظة مغادرة منصبه الأول هو ثيودور روزفلت الذي ترك البيت الابيض في 1909 وكان عمره خمسين. وهو يتمتع بشعبية كاسحة في حزبه، كما يتمتع بشعبية كبيرة على الصعيد الوطني: ففي آخر استقصاء اجرته جريدة "وول ستريت جورنال" ومحطة "إن. بي. سي"، حظي كلينتون بموافقة 66 في المئة، وهي نسبة لم ينلها ريغان ولا نالها ايزنهاور عند مغادرتهما. وهو، فوق ذلك، متفوق في حملاته الانتخابية وصاحب نجاح مشهود في جمع المعونات والتبرعات للحزب. وأخيراً فكلينتون هو زوج هيلاري، اي انه يملك المَعبَر الفاعل والنشط الى صلب القرار الحزبي. هذا كله ما لا يملكه آل غور. لهذا بدأ يدور الكلام عن صراع "الجناحين"، ولو ان الصراع يتغذّى، حتى الآن، على الشخصي اكثر كثيراً مما على السياسي او الايديولوجي. ويشار، في هذا السياق، الى الضغوط الخفية التي يمارسها كلينتون لايصال صديقه الحميم تيري ماكأوليف وهو من انجح جامعي التبرعات الى رئاسة الحزب. ومن يدري فقد يكون بيل الناخب الاكبر في معركة الترشيح الديموقراطي للعام 2004. وفي حال كهذه يصعب ان يُلدغ من الحجر مرتين، فيختار من سبق ان اختاره نائباً له فكافأه بالانكار والتنكّر!