خلال الدورة الاخيرة ل "أيام قرطاج المسرحية"، عبّرت ميراي معلوف للاصدقاء والزملاء الذين جمعتهم بها المناسبة بعد طول فراق، عن رغبة ملحّة في العودة الى بيروت للوقوف مجدداً على احدى خشباتها. فالممثلة اللبنانية البارزة مقيمة، كما هو معروف، في باريس منذ سنوات، حيث نالت شهرة عالمية، وتكويناً استثنائياً، من خلال عملها الطويل مع المخرج الكبير بيتر بروك، منذ "منطق الطير" وحتى "المهابهاراتا"... واعتبر الذين استمعوا الى ميراي معلوف يومها، وكانت عضوة في لجنة تحكيم المهرجان المذكور، أن مثل هذه العودة ستكون اشارة لا تخطئ على عودة الروح الى المسرح اللبناني، بعد السنوات الصعبة. فالفنانة ستحمل بلا شك نفساً وزخماً جديدين، وطاقة بكراً، وخبرة واسعة من شأنها أن تساهم في رفع مستوى حركة مسرحية تعاني، مهما قيل، من بعض الركود. ذهبت معلوف فعلاً الى بيروت، لكن أحلامها تكسّرت على صخرة الواقع الصلبة ربما، أو أنها سرعان ما فقدت عزيمتها وتفاؤلها باستئناف مسيرة المسرح الطليعي والجاد عندما لمست الحالة الثقافية العامة، وموجة الاحباط التي قادت الجمهور الى المسرح الاستهلاكي. وها هي ميراي معلوف تقع بدورها في فخ السهولة، فتلعب دور البطولة الى جانب الممثل الكبير فيليب عقيقي، في مسرحية "فودفيل" عنوانها "فلتانة عَ الآخر"، وذلك على خشبة مسرح "جورج الخامس" في أدونيس شمالي بيروت، حيث شاهد العرض ل "الوسط" الزميل هنري زغيب. المسرحية طبعاً من النوع القائم على المفارقات والقفشات والمقالب والمواقف المضحكة التي لا تعكس أي رؤية أو شعور أو احساس. لكننا نظلم معلوف اذا اعتبرنا العمل، مجرد مسرحية سهلة بين عروض المسرح التجاري الذي يعرف حركة اقبال واسعة في لبنان. إذ أن الممثلة لعبت على الرغم من غياب أية معاناة أو خطاب، ورقة الاتقان والمهارة الشكلية. فهي أولاً قبلت أن تمثل بادارة مخرج شاب يوقع هنا عمله الاول: غبريال يمين. والنص عملت جيزال بويز على اقتباسه عن الانكليزية بلغة سلسة وقريبة من الناس، كما وقّعت الديكور المتقن، المتحرك، الفنانة نيلي شمالي. ويقوم العرض على لعبة مشهدية طريفة، تعكس حب المسرح واستغلالاً مرهفاً لامكاناته. على طريقة الفرنسي جيروم دي شان في عمله ما قبل الاخير الذي عرف شهرة عالمية "لابان شاسور"، ينقسم عرض يمّين الى جزئين: في الأوّل نشاهد الكوميديا الخفيفة كما هي بعنوان "خبيصة"، وفي الثاني تنفتح لنا أبواب الكواليس، فاذا بنا نتفرّج على الممثلين خلال جلسة تدريب على "خبيصة". أي أننا نعيش في قلب اللعبة المسرحية، شهوداً على أسرارها وخفاياها. ويكتشف المُشاهد، في تنقله بين الحقيقة المفترضة والحالة المركبة، بين الوجه والقناع، مقدرة ميراي معلوف اللافتة في اقتناص اللحظة الكوميدية، وفي الانتقال من دور مدام عبير الى دور الممثلة دنيا علاّب. لكننا لا زلنا ننتظر العودة الفعلية لميراي معلوف...