قرار تحديث أسطول "طيران الشرق الاوسط" الميدل ايست مؤجل حتى اشعار آخر. أو على الاقل الى حين انجاز التقرير الذي تشكلت لجنة حكومية في كانون الثاني يناير الماضي لاعداده، ومن غير المتوقع الانتهاء منه قبل نهاية الشهر الجاري لرفعه الى مجلس الوزراء الذي سيتولى درس التوصيات الواردة فيه، ثم اتخاذ الاجراءات التي تكفل تنفيذه، ما يعني ان عملية التحديث ستكون مسألة مؤجلة أقله حتى أوائل الصيف المقبل، ان لم يكن اوائل العام المقبل، هذا إذا بقي هناك خطة، او حتى اذا بقي المجلس الحالي للادارة، كما يقول مصدر رفيع المستوى في الشركة التي تملكها الحكومة، ولو بصورة غير مباشرة. وكانت "طيران الشرق الاوسط" اقرت العام الماضي خطة لتحديث اسطولها الجوي بما تصل كلفته الى 100 مليون دولار لمساعدة الخطوط التي تعاني من منافسة الشركات الاجنبية على زيادة قدرتها التنافسية، بعدما أظهرت نتائج التشغيل تراجع حصة الشركة الوطنية الى حوالي 50 في المئة من سوق السفر من والى مطار بيروت الدولي، وهي نسبة متدنية بالمقارنة مع ما كانت تطمح اليه سابقاً، وهو الاّ تقل حصتها عن 65 في المئة. الاّ أن تحديث الاسطول، تبين انه يحتاج الى زيادة الرأسمال الذي لا يزيد حالياً عن 150 مليون ليرة 85 الف دولار اميركي. وبدأت الاتصالات مع كبار المساهمين، وهما شركة "انترا للاستثمار" التي تملك 62.5 في المئة، وشركة "اير فرانس" التي تملك 28.5 في المئة، الى جانب مجموعة من صغار حملة الاسهم. وفي الوقت الذي توصلت فيه المفاوضات مع المساهم الفرنسي الى اقناعه بالاكتتاب بزيادة رأس المال بصورة عينية عن طريق تقديم 3 طائرات ل "الميدل ايست"، بدا ان اكتتاب الحكومة اللبنانية بالزيادة بات مسألة سياسية، بقدر ما هو مسألة مالية واقتصادية. وتقول مصادر تابعت الاتصالات الجارية ان الاعتبارات السياسية دفعت الامور باتجاه آخر، عندما أثار رئيس الحكومة السيد رفيق الحريري امكان تعيين لجنة لادارة الشركة، و"الاستغناء عن خدمات" مجلس الادارة، لأسباب عدة، كان من أكثرها اثارة، هو ان مجلس الادارة يضم بين اعضائه ال 12 ستة من الموظفين، في حين ان المفترض ان يمثل مجلس الادارة المساهمين بالدرجة الاولى، كل بحسب نسبة مساهمته. وكاد الاقتراح ان ينفذ، عندما نجح الحريري في كسب موافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري عليه، وهي موافقة ضرورية لاعتبارات عدة اولها "مونة" رئيس المجلس على الدكتور محفوظ سكيني، رئيس ادارة "انترا"، الشركة المالكة ل "طيران الشرق الاوسط". وفي الواقع انتقل الاقتراح من مرحلة الموافقة المبدئية عليه الى مرحلة اختيار الاسماء. وطرح اسم السيد محمد الدويري، وهو أحد المسؤولين الماليين السابقين في "الميدل ايست"، لكنه انتقل الى العمل في احدى الشركات التي يملكها الحريري في باريس منذ الثمانينات، كرئيس للجنة التي لم تستطع هي الاخرى ان ترى النور بسبب تفجر الخلافات بين الاعضاء. الخطوط الكويتية على الخط في هذه الاثناء، بدأت ادارة "طيران الشرق الاوسط" مفاوضات تمهيدية مع بعض شركات الطيران. وتلقت عروضاً من شركات صانعة، ومن شركات تأجير. وعرضت الخطوط الجوية الكويتية بيع "الميدل ايست" 5 طائرات "ايرباص" بكلفة بلغت قيمتها 24 مليون دولار للطائرة الواحدة، على أن تقوم شركة تملكها "الكويتية" بتمويل الصفقة وتكون فترة السداد 10 سنوات، بفائدة سنوية تبلغ 6.5 في المئة. كما عرضت "الكويتية" توفير التمويل التشغيلي عن طريق قرض تصل قيمته الى 15 مليون دولار، وبمعدل 3 ملايين دولار لكل طائرة. وبعدما دخلت المفاوضات مرحلة التفاصيل التقنية والمالية، تبلغ الجانب الكويتي توقف البحث في الصفقة، أقله في الوقت الحاضر. كذلك، جمدت "الميدل ايست" صفقة اخرى مع الخطوط الجوية الهولندية "ك. أل. أم" التي كان من المقرر أن تعمد الى تأجير الشركة اللبنانية 3 طائرات "ايرباص" لتسييرها على بعض الخطوط، مع خيار الشراء لاحقاً على اعتبار الاقساط المدفوعة عن فترة التأجير دفعات من الثمن النهائي للطائرات، في حال قررت "طيران الشرق الاوسط" استخدام حقها في الشراء. وبدلاً من ان تستخدم "الميدل ايست" القرض الذي حصلت عليه من مصرف لبنان لاستئجار طائرات جديدة، تضمنت اتفاقية القرض منع الشركة من استخدامه في اية ارتباطات او التزامات طويلة الاجل، ما يعني حرمانها من امكان التعاقد على شراء او استئجار طائرات. وفي الواقع، وبحسب رئيس مجلس ادارة "طيران الشرق الاوسط" السيد عبدالحميد فاخوري، وهو مدير سابق في الشركة، فإن "الميدل ايست" تبلغت قراراً واضحاً من الحكومة بعدم الارتباط بأية التزامات طويلة الاجل، قبل مراجعة مجلس الوزراء الذي ينتظر بدوره تقرير اللجنة التي شكلها في كانون الثاني يناير الماضي برئاسة السيد شفيق محرم، الرئيس الاسبق لشركة "انترا"، وأحد المقربين من الرئيس الحريري. وتقول مصادر عاملة في سوق الطيران اللبناني، ان تقرير اللجنة التي سميت ب "لجنة دراسة أوضاع الطيران المدني"، لن يقتصر على مراجعة أوضاع "طيران الشرق الاوسط"، بل سيشمل ايضاً مراجعة اوضاع شركتين أخريين، هما شركة "عبر المتوسط"، المتخصصة بالشحن الجوي والتي اشترتها مجموعة جديدة قبل حوالي السنة برئاسة الوزير السابق فريد روفايل، القريب هو الآخر من الحريري، وشركة "الهيليكوبتر اللبنانية"، التي تعمل في مجال النقل الداخلي، واشترتها اخيراً مجموعة لم يسبق لأحد من أعضائها أن عمل في مجال النقل الجوي. وفي الواقع، ثمة توقعات في بيروت حول امكان ان يعيد تقرير اللجنة التي يرأسها شفيق محرم، والذي سبق له ان استقال من رئاسة "عبر المتوسط" التي تسلمها طوال شهرين، بسبب انفجار الاضرابات النقابية فيها، ان يعيد هذا التقرير احياء مشروع الدمج بين الشركتين الوطنيتين للطيران، عن طريق خلق شركة قابضة تملك الاثنتين او الثلاث معاً، وتتولى احتكار سوق الطيران المدني في لبنان اقله في السنوات العشر المقبلة. وفي الاطار نفسه تتصاعد الانتقادات الموجهة الى الحريري بسبب ما يتردد عن محاولات للسيطرة على القطاعات الاقتصادية الاساسية في البلاد خصوصاً ان محرم وروفايل مقربان منه. وفي الواقع وأياً كانت صحة هذه الاتهامات، الاّ أنه من الاكيد ان موضوع تحديث اسطول "الميدل ايست" بات موضوعاً سياسياً قبل أن يكون اقتصادياً او مالياً. ومن الصعب في ظل التداخلات السياسية القائمة في لبنان حالياً الكلام عن خطط وبرامج زمنية للتحديث او التطوير. فهل تدفع "الميدل ايست" من حصتها في السوق ثمن استمرار الخلافات السياسية؟