سيكون على الجزائر في العام 1993 ان تسدد 10 مليارات دولار مستحقات الديون الخارجية المتوجبة عليها، اضافة الى 3 او 4 مليارات دولار لتغطية واردات البلاد من السلع الغذائية الاساسية والادوية، الى جانب 7 او 8 مليارات دولار حجم الاستثمارات والتوظيفات الجديدة التي يحتاجها الاقتصاد الوطني لكسر حالة التردي التي يعاني منها. بالمقابل، فإن العائدات لن تتجاوز وفق اكثر التوقعات تفاؤلاً، مستوى 14 مليار دولار، وهو مبلغ بالكاد يغطي قيمة الديون والاقساط المستحقة عليها، اضافة الى تغطية واردات البلاد من السلع الاساسية. هذه هي المعادلة الصعبة والدقيقة التي يتوجب على حكومة بلعيد عبدالسلام ان تواجهها هذا العام، في ظل تزايد الشكوك الخارجية بصلابة الاستقرار السياسي والامني في البلاد، وكفاءة برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي قررته الحكومة للخروج من دوامة التردي الاقتصادي القائم منذ سنوات. وليس من الواضح بصورة نهائية حتى الآن، اذا كانت الحكومة الجزائرية مصرة على موقفها السابق بعدم اللجوء الى ناديي باريس ولندن ولاعادة جدولة الديون والاقساط المستحقة، واتباع سياسة تقشف اكثر صرامة تسمح لها بالوفاء بالتزاماتها، علماً انها رفضت حتى الآن اللجوء الى اعتماد اعادة الجدولة، او انها ستجد نفسها مضطرة، تحت ضغط المتوجبات عليها، للقبول بالجلوس الى طاولة واحدة مع دائنيها والبحث عن صيغة لتقليص الاعباء المتراكمة، ويقول مراقبون اقتصاديون في الجزائر وخارجها، ان الحكومة الجزائرية تراهن في الوقت الحاضر على سياسة بيع حصص في حقولها النفطية للشركات الاجنبية لتحقيق هدفين على الاقل: الاول الحصول على عائدات كافية لتغطية جزء من الديون المستحقة، والثاني تقديم حوافز تجارية ومعنوية لحكومات المصارف الدائنة للقبول باتفاقات اعادة الجدولة من خلال اعطاء الشركات النفطية في هذه الدول افضليات في الحصول على الحصص النفطية المعروضة للبيع. وينظر الى هذه السياسة الجزائرية على انها تستهدف بالدرجة الاولى ترغيب كبار الدائنين، مثل فرنسا وايطاليا واليابان، التي تملك ما يزيد عن 65 في المئة من حجم الديون الخارجية المتوجبة على الجزائر بالضغط على المصارف الدائنة لتليين موقفها. الا ان المؤسسات المصرفية الدائنة، خصوصاً الاوروبية، تبدو اكثر تحفظاً في الدخول في صفقات جديدة لاعادة الجدولة، بسبب ما تعتقد، زيادة في المخاطر السياسية القائمة في البلاد، نتيجة استمرار الحوادث الامنية واعمال العنف، وعدم احراز نجاح حاسم في مواجهة الفئات المتطرفة، الى جانب تقلص هامش الانفتاح الاقتصادي وتراجع برنامج تحرير الآليات الاقتصادية من سيطرة الحكومة بالقياس مع ما كان قائماً او مخططاً له في عهد الحكومة السابقة برئاسة احمد سيد غزالي. وتقول مصادر مصرفية على صلة بالمفاوضات الدائرة حالياً مع الحكومة الجزائرية، ان المصارف الدائنة تظهر تشدداً لم تعتمده العام الماضي، عندما نجح كريدي ليونيه في ترتيب قرض دولي لسداد جزء من المستحقات، في مقابل جزء آخر سددته الحكومة. وتركز الجزائر في الوقت الحاضر على اهمية مساعدتها على اعادة جدولة ديونها، ودعم برنامج النهوض الاقتصادي الذي يشرف عليه صندوق النقد الدولي، على اعتبار ان فشل مثل هذا البرنامج سيفتح الباب امام انهيار سياسي لا يستطيع احد معرفة المدى الذي يمكن ان يصل اليه، والانعكاسات التي يمكن ان يولدها في المنطقة، وفي العلاقات السياسية والاقتصادية مع الآخرين. وليس من الواضح بعد بصورة كافية اذا كان صندوق النقد الدولي يدعم توجهات السياسة الاقتصادية في الجزائر، وموقف الحكومة من مسألة اعادة تقسيط الديون. وعندما زار مدير عام الصندوق ميشال كامديسو الجزائر في نهاية العام الماضي، كان الانطباع الذي تركته تصريحاته ان صندوق النقد يبدي تفاؤلاً حذراً، سواء بالنسبة الى اعادة تقسيط الديون، او بالنسبة الى برنامج الاصلاح الاقتصادي. ويقول مراقبون اقتصاديون في الجزائر ان كامديسو بدا اكثر حذراً في زيارته الاخيرة، بالمقارنة مع تفاؤل واضح ظهر قبل ذلك بأشهر عندما تحدث عن دعم غير محدود لبرنامج الاصلاح الذي أقرته حكومة السيد غزالي. واللافت في نتائج زيارة كامديسو الى الجزائر ان الاعلان الذي كان متوقعاً حول الافراج عن 100 مليون دولار، هي الدفعة الاخيرة من القرض الذي حصلت عليها الحكومة الجزائرية في تموز يوليو 1991 لم يتم. لذلك فإن الموقف النهائي من القرض الذي تسعى حكومة بلعيد عبدالسلام الى الحصول عليه منذ الصيف الماضي، لم يتم الاعلان عنه ايضاً، في اشارة واضحة الى ان برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي قررته الحكومة وحظي على ما يبدو بموافقة ادارة الصندوق في واشنطن، بدأت ترتسم حوله الشكوك. وأهمية الموافقة التي يمكن ان تحصل عليها الجزائر من صندوق النقد الدولي هي انها تساعد على فتح الباب امام تنفيذ قروض اخرى، من بينها القرض الاوروبي 400 مليون دولار الذي قررته مجموعة دول السوق الاوروبية الموحدة وتم تجميده العام الماضي، الى جانب قرض آخر حصلت الجزائر على وعد به من البنك الدولي. وتجمع تقديرات مختلفة على ان الحكومة الجزائرية ستواجه في العام 1993 امتحاناً هو الاكثر قساوة حتى الآن، اذ يتوجب عليها ان تحافظ على سمعتها الدولية من خلال سداد القروض والمتأخرات المستحقة، في مقابل توفير الاعتمادات الكافية لسد احتياجات البلاد من السلع الاساسية، الا ان الاهم، لكنه الاكثر صعوبة على ما يبدو هو اجتذاب الاستثمارات الكافية لتحريك عجلة الاقتصاد، وتقليص معدلات البطالة بالاستمرار في سياسة التقشف ولو الى حين.