اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    أغرب القوانين اليابانية    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    أكثر من 92 ألف طالب وطالبة في مدارس تعليم محايل    سعرها 48 مليون دولار.. امرأة تزين صدرها ب500 ماسة    «مَلَكية العلا»: منع المناورات والقيادة غير المنتظمة في الغطاء النباتي    منتخبنا فوق الجميع    في دوري الأمم الأوروبية.. قمة تجمع إيطاليا وفرنسا.. وإنجلترا تسعى لنقاط إيرلندا    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ابنتي التي غيّبها الموت..    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طائرة ميتران الكونكورد خرقت جدار الصوت ... فاستنفرت صنعاء . اليمن : اهتز مجلس الرئاسة فاهتزت الوحدة الحسم متعذر والرئيس ينبه الى الخطوط الحمر
نشر في الحياة يوم 01 - 11 - 1993

كانت الساعة نحو الخامسة بعد ظهر يوم الخامس عشر من تشرين الأول اكتوبر الماضي، عندما دوّى صوت انفجار ضخم في كل ارجاء صنعاء... فتوقفت كل المقايل عن الكلام المباح: "انه التفجير الذي سيحول دون اداء اعضاء مجلس الرئاسة اليمين الدستورية في اليوم التالي"، اي في السادس عشر من الشهر نفسه.
وظن اهل العاصمة اليمنية، او كل فريق منهم، ان الانفجار وقع في حيّه، فازداد الخوف الذي كان دفع بالكثيرين الى تخزين المواد الغذائية استعداداً لأيام صعبة قد تلدها الازمة السياسية المستفحلة بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي، بعدما ولدت "حرب الدولار" الذي راح يرتفع كل يوم تقريباً.
وتحرك بعض المسؤولين لتحديد مكان الانفجار، فيما كانت اذاعة عدن - استناداً الى ما نقلته صحف المؤتمر في اليوم التالي - تبث النبأ متوقعة انفجارات اخرى. وتخوف هؤلاء ان يكون احد قادة الاشتراكي في العاصمة تعرض لمحاولة اعتداء. ولم يتردد عدد من اصحاب الخيال الواسع في القول ان صاروخاً اطلق من صنعاء في اتجاه عدن!
ولم تتوقف الاشاعات والتكهنات الا بعدما بثت اذاعة صنعاء بياناً لوزارة الداخلية قالت فيه ان الانفجار نجم عن خرق طائرة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران الكونكورد جدار الصوت وهي تعبر اجواء صنعاء، في طريقها من جدة الى جزر سيشيل.
... ولم يكن هذا "الانفجار الفرنسي" الوحيد الذي وضع العاصمة اليمنية في حال تشبه الاستنفار، اذ سبقه "انفجار" سياسي اخف وطأة لكن اليمنيين توقفوا امام ابعاده ولا يزالون يتداولون اصداءه عندما يتناولون المواقف الاقليمية والدولية من استمرار الأزمة السياسية واحتمال تعريضها الوحدة الوليدة للخطر. فقد قال الرئيس الفرنسي عندما زار العاصمة اليمنية انه يتمنى "ان تستكمل مسيرة الوحدة في هدوء وبرضا الجميع". و"رضا الجميع" هذه توقف عندها اليمنيون ولا يزالون بعدما تكاثر الخوف مما يسمونه "اجواء انفصالية" او على الاقل اجواء ما قبل الوحدة شطرية.
هذه الاجواء دفعت الرئيس علي عبدالله صالح الى التنبيه الى "ان هناك خطوطاً حمراً لا يمكن تجاوزها ابداً مهما كان الاختلاف والتباين".
صنعاء التي تنكفئ بعد ظهر كل يوم الى الداخل، الى المقايل، خلف بوابات الصفيح وأسوار الدور، يظنها الزائر تنكفئ على اسرارها ومشاكلها ومشاغلها... لكن ما يدور في المقايل لا يدع ستراً او غطاء الا ويكشفه، وما تنشره الصحف - وهي لا تقل عن 140 مطبوعة - ليس الا النزر القليل من الكلام الكبير الذي يردده الكبار والصغار بلا تحفظ... لكنه لا يخلو من القلق والمرارة.
ولم يغير القلق والخوف من عادات صنعاء التي تنام باكراً، ويتوزع رجال الامن بحواجزهم عند مفترقات طرقها الرئيسية ليلاً. وليس فيها نهار او ليل، ما يشير الى توتر يسبق الانفجار، مع انها المدينة - الترسانة التي تختزن السلاح... ويطوقها السلاح من كل جانب. لكن المتجول في ارجائها يشعر بأن ثمة نوعاً من الارتباك لم تعرفه من قبل. فاعتكاف نائب الرئيس اليمني السيد علي سالم البيض في عدن يختلف هذه المرة عن اعتكافيه السابقين الأول في كانون الثاني/يناير 1992 والثاني في ايلول/سبتمبر 1992. تشعر كما يشعر المواطن العادي بأن الادارات والمؤسسات الرسمية عانت سلباً من الخلاف داخل مجلس الرئاسة فأحدث في داخلها اهتزازاً وأثر على قدرتها في الاداء.
هذا الاهتزاز خلف ازمة ادارية واقتصادية تجلت في ارتفاع مضطرد للاسعار وانخفاض في القيمة الشرائية للريال اليمني في مقابل العملات الاجنبية، خصوصاً الدولار، في السوق السوداء ارتفع سعر الدولار الاميركي في الاسبوعين الاخيرين من الشهر الماضي من 49 ريالاً الى 60 مع تصاعد يومي". وهذا فضلاً عن الجانب الخارجي اي الشروط التي يفرضها البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية الاخرى لمساعدة اليمن وهي شروط قاسية لا تبدو البلاد مستعدة لتنفيذها الآن.
ويبدو الجانب الاقتصادي من الازمة كبيراً اذا قيس بتبرم المواطنين وضيقهم، الى حد ان بعض المسؤولين لا يخفي خشيته من تكرار اعمال الشغب التي حدثت في كانون الأول ديسمبر 1992، يوم قامت تظاهرات في صنعاء وعدن وتعز ومدن اخرى احتجاجاً على تدهور الاحوال المعيشية. خصوصاً ان برنامج الاصلاح الذي وضع اثر تلك التظاهرات لم ينفذ منه شيء الى الآن، بل اضيفت الى اسباب الاضطراب اسباب اخرى. فالمواطنون كانوا يأملون بطي الظروف السيئة والصعبة التي شهدتها المرحلة الانتقالية، بمجرد انتهاء الانتخابات وقيام السلطات الدستورية. وهم الآن يكادون يفقدون الامل بالمستقبل، فيما احوالهم المعيشية الى تدهور.
مضاربون ومتعاونون وأيادٍ
ويتفق الجميع على خطورة الجانب الاقتصادي من الازمة، لكنهم يختلفون في تعليل اسبابه. فالحكومة تردها، كما قال رئيس الوزراء المهندس حيدر ابو بكر العطاس لپ"الوسط"، الى "تجار الازمات، من المضاربين المحليين وبعض التجار والمتعاونين معهم من المؤسسات". وأضاف ان قيمة صرف الدولار ليس سعره الحقيقي والواقعي، "فهناك استغلال غير وطني، كما ان البنك المركزي عاجز عن ممارسة دوره الرقابي المسؤول في حدود القانون والنظام والسياسة المرسومة. ولا شك في ان العناصر التي تتاجر بالعملة تضعف دور هذا البنك".
لكن ثمة قيادات حزبية لا تنفي هذه الاسباب، بل تضيف اليها اسباباً اخرى ربما تعتبرها اهم وأكثر اثراً في "حرب الدولار"، فتشير الى "متعاونين مع أياد خارجية لانهاك الوضع الاقتصادي وتعميق الازمة السياسية"، وتفضل عدم تحديد هذه الايادي.
ويظهر من حديث رئيس الوزراء عن عجز البنك المركزي، نوع من وضع اللوم والمسؤولية على عاتق شريكه في الحكم المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل احد عناصره حاكمية البنك السيد محمد احمد الجنيد محافظ البنك المركزي.
والاخطر، او "الآتي الاعظم" الذي يخشاه المواطن اليمني انه يسمع المسؤولين في الدولة واحزاب الائتلاف الحاكم يتحدثون عن اسباب الازمة باسهاب، لكنه لا يسمع حلولاً عملية لمعالجتها. ويتوقع الاسوأ، ذلك ان حل الجانب الاقتصادي متوقف حتماً على حل الجانب السياسي، خصوصاً ان التجار والمضاربين و"المتعاونين" الذين اشار اليهم رئيس الوزراء يعتبرون حديث السياسيين عن التدهور الاقتصادي مؤشراً الى استفحال التدهور واستعصائه على الحل، فيلجأون الى كل الاحتياطات، بما فيها رفع اسعار السلع وسحب العملات الصعبة من الاسواق.
مرحلة ركود
وما جعل الحديث عن التدهور الاقتصادي طاغياً، هو ان التدهور في الازمة السياسية توقف الاسبوع الماضي، بعدما شارفت الوحدة على الانهيار او وصلت الى شفير الهاوية. ووصف مرجع وزاري الازمة الآن بأنها تمر في مرحلة ركود، وان بدأ البحث جدياً عن حل لها. لكنه اضاف ان مرحلة الخطر لم تزل، اذ قد تتبعها انتكاسة جديدة مثلما قد يتبعها تراجع في حدة الخلاف بين اركان الرئاسة تمهيداً لترسيخ الهدوء في صفوف المواطنين اولاً.
ولم تخفف اللقاءات بين اركان الائتلاف الثلاثي المؤتمر الشعبي والاشتراكي والتجمع اليمني للاصلاح من تشاؤم ديبلوماسي يمني عتيق قال لپ"الوسط" ان الحوار متوقف، ويسود الاوساط السياسية ان المساعي المحلية لم تعد تجدي، وان الامل الوحيد معقود على الوساطات الخارجية ولا سيما منها الوساطة العمانية والوساطة الاردنية.
لكن اركان الائتلاف يرون غير ذلك. وقد ابلغ وزير الداخلية السيد يحيى المتوكل "الوسط" ان الحوار تقوده الآن لجنة تضم من المؤتمر الدكتور حسن مكي والدكتور عبدالكريم الارياني والسيد اسماعيل الوزير، ومن الاشتراكي المهندس العطاس رئيس الوزراء والدكتور سعيد نعمان رئيس هيئة سكرتارية الحزب والسيد جار الله عمر وزير الثقافة عضو المكتب السياسي. وبدأت اللجنة اجتماعاتها الاثنين الماضي بلقاء في القصر الرئاسي، وامامها نقاط عدة للبحث.
ويعتقد رئيس الوزراء بأن حل الازمة يمني. لكنه رأى في حديث الى "الوسط" ان ضمان التوصل الى الحل "هو استعادة الثقة" بين الاطراف المختلفة الآن. ويتفق مع الوزير المتوكل على ان عامل الوقت مهم جداً، اذ كلما طال الحوار والاخذ والرد تعقدت الاوضاع واستعصت وفتحت مزيداً من المنافذ امام المستفيدين من الازمة واستفحالها.
غير ان "استعادة الثقة"، في رأي بعض المراقبين المحايدين باتت مستحيلة. ويتساءل هؤلاء كيف سيجلس الرئيس ونائبه وجهاً لوجه - كذا الى هذا الحد - بعدما تنافست صحف الاشتراكي "الثوري" و"صوت العمال" و"المستقبل" وصحف المؤتمر "الميثاق" و"22 مايو" وتبارت في تبادل الاتهامات وتوجيه اقذع الكلام الذي لم يسلم منه الرئيس علي عبدالله صالح وأركان حزبه، وكذلك البيض الامين العام للاشتراكي وبعض المسؤولين في حزبه.
وحتى النقاط التي وضعها الحزبان اساساً للحوار وتسوية الازمة راجعها في مكان آخر تخفي بنودها مآخذ كل طرف على الطرف الآخر بقدر ما تشكل شروطاً للحل.
المقايل... المقايل
وما لا تقوله الصحف و"النقاط" تجده في المقايل التي وحدها تحافظ على مواعيدها وقواعدها وتقاليدها. والتي وحدها لم تتأثر، حتى يبدو لزائر صنعاء وهو يجوب الشوارع في السيارة بين ارتال من باصات الاجرة الصغيرة، ان السائقين وهؤلاء الركاب المكدسين في المقاعد كيفما اتفق والابواب مشرعة للغبار في عاصمة دهمتها اشارات سير حديثة وبعض طرقها وأحيائها الفرعية ينتظر الاسفلت، ربما كانوا يستعجلون الوقت... ليستريحوا في المقايل حيث يقتلون الوقت لساعات. لكن الوفاء لهذه الجلسات المفتوحة داخل اسوار مغلقة لا يبرر هذه الطريقة العشوائية في القيادة، حتى تكاد تعجب كيف ان السيارات لا تتطاحن في صدامات قاتلة، وحدها "اللحظة المناسبة" تنقذ الموقف.
في المقايل حيث تسقط الحواجز بين الرسمي وغير الرسمي، وتسود اعراف لا علاقة لها بالقوانين المكتوبة او الرقابة التي تفرضها لقاءات فيها من التكلف ومن "آداب الحديث"... الحديث الطارئ ما فيها، تسمع تشريحاً لابعاد الازمة وجذورها. ويلقى الكلام بلا ضوابط مباحاً الى ان يسكت المضخ ويتوقف، ليستأنف في اليوم التالي.
الجيش والحياد
كلام "كبير" تسمعه عن اجواء التشطير والخوف من العودة الى ما قبل 22 ايار مايو 1990، يوم اعلان الوحدة بين الشمال والجنوب. وهي عودة تحمل في طياتها مشروع تفتت البلد الى اكثر من شطرين هذه المرة. كلام قاس وجاف كطقس صنعاء التي لا تعرف الرطوبة.
وحين تسمع عن حوادث مضايقات لهذا المواطن او ذاك من هذه المحافظة او تلك، والتي لم يسلم من بعضها افراد من الجيش او الشرطة، تخشى ان تكون البلاد في طريقها الى مرحلة من الصراع يتجاوز الخطاب السياسي المحموم والمتبادل... لكنك تسمع في المقابل اكثر من مراقب او مصدر مسؤول يستبعد الانجراف وراء العنف. وحتى الذين تراود مخيلاتهم احتمالات لجوء طرف من الاطراف الى الحسم بالقوة، يجدون من يجمع على القول ان التوازن بين القوى العسكرية يقف رادعاً حاسماً في هذا المجال. انه "توازن الرعب" على لغة ايام الحرب الباردة بين الجبارين.
صحيح ان معظم وحدات الجيش لم يستكمل وحدته ودمجه وبعضه لم يبدأ هذه الوحدة، لكن اطراف الصراع، وممثليها في اركان القوات المسلحة، اثبتوا حتى الآن انها تقف على الحياد. وليس ما يؤشر الى خروجها عن هذا الموقف، على رغم ان قوانين منع الحزبية في المؤسسة العسكرية لم تجد طريقها الى التنفيذ.
لكن هذه الايجابية، في رأي مرجع حكومي، تقابلها سلبية هي ان هذا التوازن، او الحياد، لا يمكن استثماره في الجهود المبذولة لحل الازمة. بل هناك من يرى انه قد لا يحول دون تطور الازمة نحو الاسوأ او السقوط في هاوية التفتت. كما ان بقاء الوحدات على هيكلياتها السابقة للوحدة يجعل احتمال اي تحرك عسكري او اية اجراءات عسكرية امراً بعيد الاحتمال ان لم يكن مستحيلاً ومتعذراً.
الاشتراكي والامن
وعلى رغم ان معسكرات الجيش تحيط بصنعاء، وان بعض الحواجز ينتشر عند المفترقات الاساسية لطرقها واحيائها، يتحدث اليمنيون عن الامن في هذه المدينة التي يتكدس فيها السلاح "الحزبي" و"العشائري" و"القبلي" و"الشعبي".
الحزب الاشتراكي يطرح هذه المشكلة كأنها اولوية الاولويات. وأصر قبل ايام على ان ثمة خطة لاغتيال قادة الحزب. وعندما نفت دوائر المؤتمر وجود مثل هذه الخطة، طلب الاشتراكي نفياً رسمياً من شريكه في السلطة، لكنه رفض. وقال مصدر مطلع ان وزير الداخلية اصدر نفياً بصفته مسؤولاً عن الامن. الا انه ابلغ "الوسط" ان صدور تهديدات عفوية عن بعض المواطنين في هذا الجو المشحون يجب الا ينسب الى خطة او نيات مبيتة. وأعرب عن اعتقاده بأن اي طرف لا يملك القدرة على تهديد الطرف الآخر.
ويتحدى مسؤولون في المؤتمر ان يكشف الاشتراكي مصادر حصوله على هذه الخطة وتفاصيلها و"ابطالها" وأسماءهم... لكن رئيس الوزراء اشتراكي اعرب لپ"الوسط" عن امله بأن تكون هذه التصريحات صحيحة، او اشاعات كما يقول المؤتمر، ولا يكون نصيبها ما كان نصيب كلام مماثل لم يمنع تعرض قيادات الاشتراكي للاغتيال او لمحاولات الاغتيال، منذ المنتصف الثاني لعام 1991 وحتى نهاية 1992.
وذكّر العطاس بأن قنبلة القيت على داره في صنعاء في ايلول سبتمبر الماضي اثر توجهه الى عدن للمساهمة في حل الازمة وانهاء اعتكاف البيض.
وكشف ان حراس منزله قبضوا قبل ايام على "احد الرواد من الامن السياسي تسلل الى المنزل، وسُلم الى الامن... وحتى الآن لم يصلني اي تقرير عن التحقيق معه". وأضاف: "يقولون انه مريض ومجنون، لكن تحقيق حراسي معه اثبت انه عاقل ومثقف ويحمل شهادة ماجستير".
وعندما سألته "الوسط" عما تقوله عناصر في المؤتمر عن اقامة الاشتراكي موقعاً عسكرياً في منطقة العند منع عدداً من العسكريين ورجال الشرطة المتوجهين من صنعاء الى المحافظات الجنوبية، اجاب "ان تصرفات فردية تحصل هنا وهناك، فتعطى تفسيرات شتى، ويسبغ المفسر دائماً رأيه وموقفه على ما يحدث".
وذكر ان صحيفة "22 مايو" المؤتمر كتبت قبل مدة عن اجراءات لمحافظ عدن السيد صالح منصر السييلي "بوصفها اجراءات الدولة المستقلة... فنبهنا الى ما يمكن ان تحدثه مثل هذه الكتابات".
اتجاهات انفصالية؟
ويرد بعض مراجع المؤتمر بالاشارة الى انزال صور للرئيس علي عبدالله صالح رفعت في حفلة اقيمت في الضالع منطقة جنوبية، بينما رفعت اعلام الحزب الاشتراكي بنجمته الحمراء، ما ازعج الكثيرين، خصوصاً ان ما جرى كان في اطار الاحتفالات بثورة 14 اكتوبر وشارك فيها البيض وألقى فيها خطاباً انتقد فيه سلوك الجانب الآخر، مبرراً اعتكافه بتدهور الاوضاع الادارية والاقتصادية والامنية في العاصمة. وأثار ذكرى اغتيال الرئيس ابراهيم الحميدي في 11 تشرين الأول اكتوبر 1977... كأنه كان يعبر عن خوفه من المصير نفسه.
وتذكر المراجع نفسها ان ثمة تعبئة في المحافظات الجنوبية، حتى يكاد يشعر زائرها من الشمال بأنه بات خارج بلاده!
ويعلق العطاس على هذا بالقول ان "الهدف من اشاعة هذه الاجواء هو التهرب من معالجة المشكلة". ويؤكد "ان الوحدة اندماج وتكامل كل الطاقات والامكانات، وليست اهمالاً او تعطيلاً او تجميداً لبعض هذه الطاقات. وان الوحدة تعني بعد توحيد كل الطاقات المساواة والتمايز في اطار المنافسة الشريفة في عملية البناء الاقتصادي والسياسي". وشدد على "ان قدر الشعب اليمني هو حماية الوحدة" و"ان الديموقراطية هي السبيل والطريق".
اما وزير الاعلام السيد حسن اللوزي فقد ابدى تفاؤلاً كبيراً. وأكد لپ"الوسط" ان لا خطر على الوحدة مدللاً على ما حصل في لبنان. وقال ان الوحدة صنعها الشعب اليمني وتحمل في المرحلة الانتقالية ما تحمل. ورد موجة التشاؤم الى اسباب خارجية "معادية للوحدة ولليمن".
ويقول مراقبون محايدون ان هذه الاتهامات المتبادلة تشكل مادة خصبة للصحف الحزبية والمقايل، وهي تنم عن انعدام الثقة بين طرفي الصراع. حتى ان المغالاة في تفسير بعض جوانب الأزمة تكاد تسد آفاق البحث عن التسوية. ويشير هؤلاء الى ان الطرفين ارتكبا اخطاء أدت الى الأزمة واستعصائها.
ويعتقدون بأن أركان المؤتمر بالغوا في تفسير "خفايا" جولة البيض التي قادته الى الولايات المتحدة حيث اجتمع منفرداً بآل غور نائب الرئيس الأميركي، ورفض حضور السفير اليمني في واشنطن هذا الاجتماع، بعدما كان قطع زيارته للقاهرة وعاد الى مقر عمله. وتدور قصص وروايات عن "أسرار" ما دار في هذا اللقاء. ويعزو بعضهم رفض نائب الرئيس حضور السفير اللقاء الى استيائه من غيابه عن العاصمة الأميركية، اذ كان يتوقع ان يرتب له بعض اللقاءات.
ويشير هؤلاء المحايدون الى المغالاة في تفسير استقبال البيض ووداعه رسمياً كرئيس دولة في عُمان، في حين ان هذا الاجراء بروتوكولي ويتطابق مع المراسم المتبعة في اليمن نفسها. والمعروف عن اليمنيين، كما قال ديبلوماسي عربي، انهم يبالغون في الحديث عن "طرف خارجي" في أي أزمة يواجهونها.
قد تبدو هذه مسائل ثانوية ومحاولة للابتعاد عن الأسباب السياسية للأزمة، لكنها متداولة وتكاد تطغى على السياسة، وهي سلسلة طويلة لا تنتهي. كأن تسمع من يقول، في سياق تعداد الأخطاء المتبادلة، ان الرئيس علي عبدالله صالح لم يدعُ نائبه الى الحضور عندما أدت الحكومة اليمين الدستورية. كذلك لم يدعه الى مرافقته في احدى جولاته، كما اعتاد ان يفعل!
ويروي أحد أقطاب تكتل أحزاب المعارضة ان البيض شكا لوفد من التكتل زاره في عدن للمساعدة في اقناعه بالعودة الى صنعاء وأداء اليمين الدستورية التي أداها أعضاء مجلس الرئاسة الأربعة الرئيس علي عبدالله صالح، عبدالعزيز عبدالغني، سالم صالح محمد، عبدالمجيد الزنداني، من انه يعامل في صنعاء معاملة الرجل الخامس وليس الرجل الثاني في السلطة. واتهم المؤتمر بأنه يلجأ الى وسائل للتنصت عليه وعلى لقاءاته في منزله في العاصمة.
أزمة في الاشتراكي؟
... هكذا يتعمق انعدام الثقة بين الطرفين، حتى يكاد يبدو للمراقب انه وليد اهواء شخصية أو طباع، على حد وصف أحد الديبلوماسيين اليمنيين المخضرمين، ملاحظاً نرجسية مفرطة في شخصية البيض، من دون أن يغفل ما سماه مشاعره العاطفية الشديدة الحساسية. وملاحظاً أيضاً طغيان شخصية الرئيس في السلطة، أو مجلس الرئاسة، وميله الى "تكتيكات" أصاب في بعضها واخطأ في البعض الآخر، واعلانه تصريحاً وتلميحاً الى ان صيغة مجلس الرئاسة اثبتت فشلها.
لكن أهل المؤتمر يتجاوزون هذه "الشكليات"، وان اعترف بعضهم بالعامل الشخصي المؤثر في السياسة احياناً، ويعزون أسباب الأزمة الى خلافات أو صراع أجنحة داخل الاشتراكي نفسه. ويسهبون في الشرح في عودة الى البدايات. فيذكرون بأن الأمين العام للاشتراكي كان وراء اجراء الانتخابات، وانه لم ينس لاعضاء في المكتب السياسي لحزبه معارضتهم مشروعه للدمج بين المؤتمر والاشتراكي. وكانت نتيجة الانتخابات مخيبة لآماله في حصد عدد أكبر من المقاعد، فلم يفز الا ب 67 مقعداً من أصل 301 كان نصيب المؤتمر منها 143 والتجمع اليمني للاصلاح بزعامة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر 63... والباقي لقوى وأحزاب أخرى.
ويتابع هؤلاء ان البيض واجه ضغوطاً للعودة عن اتفاق مع شريكه في الحكم على توزيع الحقائب، اذ أصر أعضاء في المكتب السياسي للاشتراكي على وجوب الحصول على عدد أكبر من المقاعد الوزارية... وكان لهم ما أرادوا ولكن بعدما ارتفعت حصة الاصلاح من 2 ثم 3 الى 6 وزراء بمن فيهم نائب رئيس الحكومة.
... وهكذا عندما وقع السيد سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للاشتراكي الاتفاق بين أطراف الائتلاف الثلاثي على صيغة التعديلات الدستورية، خصوصاً في الجانب المتعلق منها بالنص على ان يختار الرئيس نائبه، وكل ذلك في غياب البيض، شعر الأمين العام للاشتراكي بعد عودته بأنه "طعن". خصوصاً انه كان يطمح الى تعديلات تنص على تحديد صلاحيات نائب الرئيس حتى يبدو كأن في قمة السلطة رأسين.
لذلك يقول "المؤتمرون" ان زعيم الاشتراكي وجدها فرصة للانتقام من خصومه أو مناوئيه في حزبه ورد لهم الصاع صاعين. واستطاع بأسلوبه العاطفي في خطابه السياسي ان يؤلب أهل المحافظات الجنوبية ويحشدهم حوله. ويعترفون بأنه نجح فعلاً في جرّ قيادات الحزب الى موقفه، خصوصاً ان مخالفتهم اياه كانت ستهدد الاشتراكي بالانفراط والانقسام، الأمر الذي يضعفهم ويهدد مواقعهم في السلطة. وهكذا أكد أنه الرأس الوحيد في الحزب "ان لم يكن هو الحزب". واستفاد طبعاً من الأوضاع الاقتصادية المتردية بفعل ما ترتب على موقف اليمن من حرب الخليج الثانية.
ويشير أهل المؤتمر الى انه كان من السهل أن يفيد بعض المتشددين في الاشتراكي من الأزمة الاقتصادية وما جرته من تأخير في انعاش عدن، العاصمة الاقتصادية للبلاد، ليلقوا بتبعة ذلك على صنعاء. كما ان بعضهم وجدها مناسبة لتأجيج الجو، اذ أدرك ان اتجاه السلطة، أو مجلس الرئاسة، الى الغاء التأميمات للممتلكات والمنازل في عدن، سيفقده ما كان حصل عليه أيام ما كان دولة الجنوب.
ويرفض العطاس مقولة الصراع داخل الاشتراكي، لكنه يؤكد وجود تباين في الآراء، وهذه ظاهرة صحية ديموقراطية لولاها كان الوضع غير طبيعي. ويعزو عدم رضا البيض على اتفاق التعديلات الدستورية الى تغييرات وتعديلات ادخلها أركان المؤتمر على ما اتفق عليه، خصوصاً ان نصوصاً تفصيلية لم تكن وضعت بكاملها... "وتبين من خلال الحوار مع المؤتمر ان هذه التغييرات كانت تكتيكات خاطئة أدت الى الأزمة".
العطاس: التنفيذ
وعندما سألت "الوسط" رئيس الوزراء عن الحل وشروط الاشتراكي لانهاء الأزمة، أجاب ان النقاط التي طرحها الحزبان تناقش. واقترح ان يسعى الائتلاف الثلاثي الحاكم الى "وثيقة سياسية تكون بمثابة برنامج عمل للقضايا المحورية والمركزية التي يعتمد على اقرارها وتثبيتها مستقبل بناء دولة النظام والقانون والأمن والاستقرار".
وشدد على ان الحل هو باستعادة الثقة. وكيف تستعاد الثقة؟ اجاب: "من خلال البدء بممارسات حقيقية وتنفيذ قرارات مجلسي الرئاسة والوزراء بالقبض على المتهمين الذين اثبتت التحريات والتحقيقات اشتراكهم في عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال قيادات الاشتراكي. ان هذه العناصر معروفة بالاسم، ومواقع عملها ومناطق اقامتها معروفة. ان قيادات الجنوب نفذت الجزء المتعلق بها. وقبضت على عنصر في شبوه أدلى باعترافات خطيرة... لكن قيادة الشمال لم تقم بالعمل نفسه".
وتابع العطاس في تركيز على الجانب الأمني: "ان هناك قضية لا تزال موضع خلاف. فثمة من يرى ان تستمر أعمال الثأر القبلي، وهي عادات من مخلفات العصور الجاهلية". وأوضح "ان الثأر استخدم غطاء لتبرير حوادث عدة ومجالاً لابتزاز الدولة وأموالها". واستغرب "ان تظل هذه القضية موضع خلاف"، متسائلاً: "كيف تبنى دولة القانون في ظل تزايد تأثير هذه العادة؟".
وأصر على وجوب وضع جدول زمني لتنفيذ ما يتفق عليه من قرارات واجراءات، منطلقاً للخروج من الأزمة.
كونفيديرالية؟
الرئيس اليمني، الأمين العام للمؤتمر، أعلن اثر انتخاب مجلس الرئاسة بدء مرحلة جديدة، اعلاناً عن فتح باب المناقشة لكل النقاط والأفكار. وحدد بالذات القائمتين اللتين قدمهما الاشتراكي 18 نقطة والمؤتمر الشعبي 19 نقطة. وخص بالذكر أكثرها إلحاحاً وسبباً للخلاف وهي: التعديلات الدستورية، ونظام اللامركزية في المحافظات، وانتخاب المجالس المحلية، بلهجة تميل من حيث المبدأ الى شيء من التطابق من وجهة نظر الحزب الاشتراكي.
لكن أوساطاً في المؤتمر تشكك في امكان التوصل الى حل، وتعتقد بأن الرئيس تحلى ويتحلى بصبر واسع، وان القضية تتجاوز النقاط ال 18 التي طرحها الاشتراكي. وتسوق الى البيض طموحه وسعيه الى سلطة برأسين أو بالأحرى رئيسين... واما الفيديرالية أو الكونفيديرالية، اذا لم يخطئ أحد في دفع الآخر الى التخلي عن الوحدة والعودة الى التشطير.
وترفض هذه الأوساط مقولة العطاس ان تغييرات ادخلها المؤتمر على اتفاق التعديلات الدستورية. وتقول ان التعديلات اتفق عليها الحزبان اللذان حكما في الفترة الانتقالية، ولكن عندما افرزت الانتخابات قوة ثالثة الاصلاح بات الائتلاف ثلاثياً، وطلب الطرف الجديد اعادة النظر في التعديلات وحصل ذلك بالتفاهم بين الأطراف الثلاثة، خصوصاً بين الاصلاح والاشتراكي. وتأخذ على الاشتراكي تمسكه بالديموقراطية في حين يمارس السياسة بعيداً عنها، ولذلك يبدي انزعاجاً عندما يعلن الرئيس، في أي خلاف، وجوب الاحتكام الى مجلس النواب والتزام رأي الأكثرية. والأكثرية للمؤتمر.
وهنا يرى مراقبون في صنعاء، محليون وديبلوماسيون، ان الرئيس، أو بعض أركان المؤتمر، اخطأ في الحساب منذ البداية. اخطأ عندما ترك للاشتراكي عشية الانتخابات حرية ترتيب الأوضاع في المحافظات الجنوبية فحصد معظم مقاعدها. واخطأ عندما قدم التنازل تلو التنازل في تشكيل الحكومة، اذ بعدما اتفق مع البيض على 15 حقيبة للمؤتمر و9 للاشتراكي و3 للاصلاح، ضغط بعض الاشتراكيين على زعيمهم للمطالبة بحقيبتين اضافيتين... وانتهى الأمر بعد أخذ ورد - وتذكير الرئيس بالاحتكام الى الديموقراطية ليأخذ كل طرف حجمه - قامت حكومة من 30 أفاد منها الاصلاح برفع عدد وزرائه الى ستة.
ويتابع هؤلاء ان المؤتمر اخطأ في التوقيع على اتفاق التعديلات في غياب البيض. وربما استعجل بعض المسؤولين في المؤتمر ذلك لاغضاب نائب الرئيس من دون ان يتوقع وصول الأزمة الى هذا الحد، ظناً منه انه يزيد في تأجيج الصراع داخل الاشتراكي ويباعد بين الرئيس ونائبه اللذين كانت علاقاتهما قبل رحلة البيض الخارجية من الودّ ما يثير خوف الخائفين على مواقعهم.
أين تقف الأحزاب الأخرى من الأزمة؟ يقول مراقبون ان الاصلاح هو المستفيد الأول. فعندما لم يتم الاندماج بين المؤتمر والاشتراكي قبل الانتخابات، حصد التجمع مقاعد لا بأس بها أهلته لدخول الائتلاف الحاكم والمشاركة في السلطة. وعندما قامت المشكلة على صيغة الحكومة انتهت التسوية بارتفاع حصة الاصلاح الى ستة وزراء بعدما كان راضياً باثنين ثم بثلاثة. أما أحزاب المعارضة فأقامت تكتلاً وطرحت ورقة للحوار من 16 نقطة. وبعضها يميل الى المؤتمر وبعضها الآخر الى الاشتراكي.
... يبقى ان الأزمة بلغت مرحلة تهدد البلاد ووحدتها الطرية العود، وتجاوزت حسابات الربح والخسارة لبعض الذين ظنوا أنها كالأزمات السابقة، أو الاعتكافات السابقة. لذلك يسعى بعض الاشتراكيين الى تهدئة البيض و"محاولة اعادته من النفق الذي قد لا يعرف هو نهايته"، كما قال أحد أركان المؤتمر. ولذلك يسعى بعض المؤتمرين الى التهدئة بحثاً عن تسوية لا تقوم على أساس الاحتكام الى ممثلي الشعب في مجلس النواب.
وإذا كان هؤلاء يعتقدون بأن الاشتراكي يمارس سياسة حافة الهاوية، فانهم يعتقدون أيضاً بأن أياً من الأطراف لا يملك القدرة على حسم الأزمة بالقوة، كما لا يملك أهل الشمال القدرة على منع عودة التشطير الذي ربما أدى الى أكثر من دويلة.
أميركا أبلغت البيض مساندتها الوحدة
كشفت مصادر ديبلوماسية ل "الوسط" ان السفير الأميركي في صنعاء آرثر هيوز أوفد القائم بالأعمال في بعثته الى عدن حيث التقى نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض، وأكد له مساندة واشنطن وحدة البلاد التي أيدتها منذ قيامها.
وأضافت ان أحد المسؤولين في صنعاء عبر للسفير الأميركي عن مخاوفه من تدخلات خارجية قد تؤدي الى انهيار الوحدة، فكان ردّ السفير أن لا مصلحة لدول المنطقة في المدى البعيد أن تعود اليمن الى عهد التشطير.
18 نقطة للاشتراكي
وضع المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني في 20 أيلول سبتمبر الماضي ورقة من 18 نقطة تحدد وجهة نظره في الأزمة السياسية. وهنا النقاط:
1- القبض على المتهمين في حوادث الاغتيالات والتفجيرات والتقطع والارهاب وغيرها من القضايا المخلة بالأمن العام وتقديمهم الى المحاكمة الفورية والعلنية.
2- إخلاء المدن من المعسكرات وبالتحديد المدن الرئيسية خلال فترة محددة.
3- نقل السلطة الى المحافظات ومنح المحافظات الصلاحيات وتطبيق اللامركزية المالية والادارية، وتحديد تاريخ لاجراء انتخابات المجالس المحلية بما يضمن نقل السلطة الى المحافظات ويحقق اللامركزية المالية والادارية.
4- ابتعاد الأشخاص الأوائل عن أحزابهم وبالتحديد الرئيس ونائب الرئيس ورئيس مجلس النواب خلال فترة تحملهم مسؤوليتهم، والابتعاد عن قيادة الائتلاف من أجل رعاية الوحدة والديموقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية.
5- اتخاذ خطوات عملية لتصحيح أوضاع القضاء والنيابة العامة.
6- تعيين مجلس الشورى بالتساوي بين محافظات الجمهورية ال 18 تمهيداً لانتخابه مستقبلاً.
7- الوقوف أمام الأوضاع الاقتصادية والمالية واتخاذ التدابير لضبط عملية الايراد. وتقليص الانفاق وزيادة الايرادات وتصحيح الأوضاع المالية والادارية والقضاء على الفساد والرشوة والتسيب الاداري واجراء اصلاح مالي وإداري وتطبيق قانون التقاعد.
8- وضع موازنة عامة سنوية والتقيد بها وعدم تجاوزها أو الخروج عنها، والعمل على إخضاع البنك المركزي لقرارات مجلس الوزراء وتوجيهاته فقط.
9- العمل على أساس خطة للتنمية وبرنامج استثماري سنوي لتأمين تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة.
10- إصدار العملة الجديدة فوراً.
11- وضع برنامج تنفيذي زمني لتحويل القرارات المتخذة الى واقع عملي في ما يتعلق بتحويل عدن الى منطقة حرة.
12- احترام الهيئات وعدم التدخل في مهماتها.
13- اجراء تقسيم إداري سريع لمحافظات الجمهورية بما يؤمن إزالة آثار التشطير ويعزز الوحدة الوطنية، وبما يمنع تدخل المؤسسات العسكرية وقياداتها في الشؤون المدنية.
14- إعادة ترتيب القوات المسلحة والأمن على أساس وطني يعتمد على التأهيل والخبرة والكفاءة واعادة ترتيب وضع الأمن السياسي ووظائفه على أساس الخيار الديموقراطي.
15- الموافقة من حيث المبدأ على التعديلات الدستورية على أن تشكل لجنة وطنية لمناقشتها ولاستفتاء الشعب عليها.
16- انتخاب مجلس رئاسة على أساس 2-2-1 مع التزام مبدأ العمل من خلال الهيئات ووفقاً لخطط وبرامج محددة.
17- العمل على اتخاذ الاجراءات لتنفيذ الاتفاقات الوحدوية وتحديد جدول زمني لتنفيذها.
18- العمل على تبني الدولة عملية صلح شاملة لمدة خمس سنوات وإشراك القوى والشخصيات السياسية والاجتماعية كافة لتحقيق هذا الهدف على أن ترصد الدولة الامكانات الكافية لحل ما بقي من قضايا الثأر تحت إشراف مجلس الوزراء.
19 نقطة للمؤتمر
قدم المؤتمر الشعبي العام في 6 تشرين الأول اكتوبر ورقة من 19 نقطة هي خلاصة موقفه من الازمة، وتشكل مع نقاط الاشتراكي والنقاط الپ16 لاحزاب "التكتل الوطني للمعارضة" مواضيع الحوار لحل الازمة. وهنا النقاط الپ19:
1 - اعتماد الخيار الديموقراطي الذي ارتضيناه لأنفسنا جميعاً يوم قيام دولة الوحدة في 22 مايو أيار 90م الوسيلة المثلى للحوار بين كل القوى السياسية على الساحة اليمنية، والابتعاد عن المهاترات والتحريض الذي يضر بوحدة الوطن ويعرض الوحدة الوطنية للانشقاق والتصدع.
2 - التقيد بمبدأ التداول السلمي للسلطة وبالنهج الديموقراطي واحترام ارادة الشعب.
3 - التزام الدستور الذي تم استفتاء الشعب عليه باعتباره المرجعية لسلطات الدولة المختلفة ومصدر الشرعية الدستورية.
4 - التزام ارادة الشعب ممثلة في نتائج الانتخابات النيابية الحرة في 27 من ابريل نيسان الماضي، واعتبار الخروج عنها مخالفة للنهج الديموقراطي والسلوك الحضاري لشعبنا.
5 - محاسبة كل مرتكبي الفساد المالي والاداري وبخاصة خلال الفترة الانتقالية والفترة التي تلتها.
6 - التقيد بالقوانين التي اقرتها السلطة التشريعية نصاً وروحاً.
7 - احترام الحريات العامة وحقوق الانسان طبقاً للدستور والقوانين والمواثيق الدولية.
8 - تحريم استخدام اجهزة الاعلام الرسمي للتعبير عن الخلافات الحزبية والسياسية.
9 - عودة الممتلكات والأراضي المصادرة والمؤممة ورد الحقوق الى اصحابها.
10 - عودة اية مبان او اراض وزعت بصفة هبات على نحو مخالف للقوانين والدستور منذ قيام الجمهورية اليمنية. ولا يتم التصرف بها او بغيرها الا وفق سياسات متفق عليها بين سلطات الدولة المعنية وطبقاً للدستور والقوانين.
11 - امتناع كبار مسؤولي الدولة عن التشكيك في سياساتها المالية والنقدية والأمنية.
12 - الاتفاق على الصلاحيات المالية المخولة الى كبار مسؤولي الدولة.
13 - انهاء هيمنة الاحادية الحزبية على سلطات الدولة وهيئاتها في المحافظات الجنوبية، والشرقية، وتمكين مسؤولي الدولة فيها من ممارسة صلاحياتهم، وأداء اعمالهم لمصلحة الوطن والمواطنين من دون ضغوط او تدخلات وعدم اعاقة الاندماج الوطني.
14 - التحقيق مع المحرضين والذين وقفوا وراء اعمال النهب التي جرت يومي 9 و10 ديسمبر كانون الاول سنة 1992 م وتقديم من يثبت تورطه سواء بالفعل او بالتحريض الى المحاكمة.
15 - استكمال دمج القوات المسلحة على اسس وطنية بعيدة عن المناطقية والقروية والسلالية والمذهبية كونها الدرع الواقي لسيادة الوطن والحامي للشرعية الدستورية.
16 - التزام تطبيق قانون حظر الحزبية في القوات المسلحة وقوات الامن. نظراً الى اهمية ذلك في تأمين استقرار الوطن والحفاظ على سيادته واستقلاله ومسيرة الديموقراطية حاضراً ومستقبلاً.
17 - عدم الالتفاف على السلطة التشريعية بأي اتفاقات جانبية مخالفة للدستور والقوانين، واحترام حق ممثلي الشعب المنتخبين في ممارسة سلطاتهم وصلاحياتهم ممارسة حرة من دون ضغوط او تدخلات.
18 - كشف مهربي الاسلحة والمخدرات وتجارها في اي مرفق من مرافق البلاد أياً كانت مراكزهم او مواقعهم، نظراً الى ما في ذلك من اضرار بأمن الوطن ومن افساد للناشئة من ابناء شعبنا.
19 - الاتفاق على اصدار قانون يحدد حقوق كبار مسؤولي الدولة وامتيازاتهم في موعد اقصاه نهاية العام الحالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.