مرة أخرى تقف القوى السياسية اليمنية أمام «الحوار الوطني»، وهذه المرة عبر «لجنة رئاسية» تم الحديث عنها في «شكل هامشي». فوفقاً لمصادر رسمية، فإن الرئيس علي عبدالله صالح كلف حزبه تشكيل لجنة مشتركة من المؤتمر الشعبي العام والحكومة ل «ترتيب حوار واسع قد ينتهي بمؤتمر وطني» مع «كل الفرقاء، بمن فيهم أبرز تحالفات المعارضة، أي اللقاء المشترك». المصادر نفسها قالت ل «الحياة» إن «اللجنة تم تشكيلها وأنها تعدّ حالياً وثائق أولية للحوار»، لكنها تنتظر «الاتفاق على كيفية التعامل مع اللقاء المشترك»، حيث «يتجاذبها رأيان، الأول: يقول إن اللقاء المشترك يجب أن يدعى مثل غيره من القوى الاجتماعية والسياسية، فيما يرى الثاني أهمية أن يبدأ الاتصال به ثنائياً للاتفاق على إطار للحوار». يخشى الطرف الأول «رفض المشترك للحوار مما قد يعني إفشال اللجنة مبكراً»، أما أصحاب الرأي الثاني فيقولون إن «أي حوار لا يدار بالتوافق بين المؤتمر والمشترك لن يكتب له النجاح». أما كيفية الدعوة الى الحوار وما هو برنامجه وما إذا كان سيُدعى اليه ممثلون عن الحراك الجنوبي والحوثيين في صعدة، فتلك «قضايا لم تحسم بعد»، مع بقاء خيار أن «يتحول عملها الى إدارة حوار داخل مؤسسات السلطة نفسها، من مجالس محلية، وحكومة، وحزب حاكم». لكن «المؤتمر» و «المشترك» لا يبدوان قادرين – حالياً - على العودة الى حوارهما باعتبارهما «قوى البرلمان». فالأخير قد تحالف أخيراً مع شخصيات من خارجه تحت مسمى «لجنة التشاور الوطني» التي انتخب لرئاستها محمد سالم باسندوه (من مواليد 18 كانون الثاني - يناير 1935) وهو من مناضلي «ثورة 14 تشرين الأول - أكتوبر» قبل أن ينتقل الى الشمال هرباً من صراعات دولة الاستقلال حيث شغل مناصب عدة في مختلف عهود الحكم في صنعاء انتهاء بتعيينه وزيراً للإعلام بعد حرب 1994. وأعلن أخيراً أن دولة الوحدة اليمنية بحاجة الى تعديل نظامها السياسي أخذاً بالفيديرالية. ويدرك المؤتمر أن كل حلفائه هم خارج المؤسسة الدستورية «البرلمان»، كما أن قيادة مجلس النواب غير مؤهلة لإدارة أي حوار سياسي من هذا النوع. إذ وباستثناء علاقتهما برئيس الدولة – رئيس المؤتمر الشعبي العام (علي عبدالله صالح)، فإن رئيس ونائب رئيس البرلمان لا يتمتعان بأي حضور سياسي في المكونات الحزبية، لا اتفاقاً ولا اختلافاً. ومنذ وفاة الشيخ عبدالله بن حسن الأحمر تحولت قيادة البرلمان الى شبه هيئة تنظيمية إدارية. وكان مستشار رئيس الجمهورية اليمني عبدالكريم الارياني توقع بدء الحوار الوطني بين الأحزاب السياسية «قريباً»، ول «فترة زمنية محددة». الارياني، قال «ان الحوارات الاخرى «حوارات انقاذية» ليس الهدف منها ان تحل محل الحوار الذي يجب ان يتم بناء على اتفاق موقّع بين الأحزاب الممثلة في مجلس النواب ويشمل إصلاح النظام السياسي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل أوضاع سياسية ملائمة، عبر تعديلات دستورية، وقانون انتخاب جديد، ولجنة عليا للانتخابات جديدة، وحكم محلي كامل الصلاحيات». عبدالوهاب الآنسي – أمين عام الإصلاح، اعتبر «تبني السلطة لمؤتمرات المحافظات بمثابة التفاف على ما تم الاتفاق عليه لتأجيل الانتخابات». الأهداف تُفشل الحوار انتخابات نيسان (ابريل) 2003 شهدت آخر «توافقات اليمنيين» على ما سمي في حينه «الاصطفاف الوطني»، والذي على رغم منعه التصعيد بين الفرقاء، الا أنه لم يقدم شيئاً على مستوى الأزمات الوطنية، فهو لم يحدث أي تغيير على أرض الواقع ولا حتى في الخطابات بين الخصوم. فاستمر المؤتمر والمشترك – كأبرز طرفين - على خطابهما ضد الآخر. ومنذ الانتخابات الرئاسية في 2006، وحتى اليوم، وعلى رغم بعض جولات حوار، وأهمها التي أنتجت اتفاق شباط (فبراير) 2009 القاضي بتأجيل الانتخابات البرلمانية، فقد فشل المشترك والمؤتمر في إجراء أي حوار، بخاصة أنهما لم يعودا يقبلان بتكرار «تجربة 2003». يتبادل الطرفان الدعوة والرفض للحوار، فحينما يدعو الرئيس أو المؤتمر الى الحوار، يقلل المشترك من جدية الدعوة وصولاً الى رفض أي مبادرات رئاسية عن جدول له، وحينما يدعو المشترك يتهمه المؤتمر ب «محاولة الالتفاف على المؤسسات الدستورية ورفض نتائج الانتخابات». وأهم أسباب الفشل اختلاف أهداف كل منهما من الحوار، إذ يريد كل طرف حواراً يحقق له مكاسب على حساب الآخر أولاً، وليس تقليص مساحة الخلاف والتنازل. المؤتمر - كما حاله الآن - ظل يسعى بالحوار الى «تشكيل اصطفاف وطني»، وهو ما تعتبره المعارضة مجرد استغلال للحوار ل «دعم سلطة المؤتمر» التي تتهمها باعتماد سياسة الإقصاء والاستقواء بالانتخابات التي - وفقاً للمعارضة - «لا تدار بنزاهة كافية تجعلها آلية مناسبة لمنح السلطة المشروعية». «المشترك» ظل يركز في مطالبه من الحوار على أولوية تغيير مهمات او قوام «اللجنة العليا للانتخابات»، المناط بها إدارة الانتخابات في البلد، وصولاً الى الحديث عن «حكومة وحدة وطنية». ووفقاً للمؤتمر، فإن الأولى تمثل محاولة لتعطيل حصوله على الغالبية، والثانية تمثل التفافاً على حق تلك الغالبية في الحكم. في آب (أغسطس) عام 2008 توصل الفريقان الى «نقطة متقدمة» تمثلت في تعديل قانون الانتخابات بما يكفل تشكيل اللجنة بأفضل الخيارات المطروحة، غير أن عدم جاهزية المشترك من ناحية حيث لم يسلّم البرلمان أسماء مندوبيه ليتم اختيارهم في التشكيل الجديد للجنة العليا وفقاً للتعديل، وتسرع المؤتمر من ناحية أخرى بإسقاط التعديلات بحجة عدم صدقية المعارضة، وتحذير صالح من ناحية ثالثة من جانب فريق حكمه من ان «المشترك قد يدخل البلد في فراغ دستوري عبر تعطيل إعلان نتائج أي انتخابات إذا لم تتوافق مع مصالحه»، كل هذا أدى الى تعطيل التعديل القانوني وأعاد البلد الى نقطة الصفر، مما اضطر الفريقين الى عقد اتفاق 23 شباط (فبراير) الماضي الذي أجل الانتخابات لمدة عامين، بخاصة مع تصاعد الحراك في الجنوب، وعدم حماسة المجتمع الدولي لإجراء انتخابات من دون المعارضة. ومع أن ذلك ضمن للمؤتمر المحافظة على غالبيته البرلمانية بالتوافق مع معارضيه، وهو يعني إبقاء شرعية سيطرته على المؤسسات التنفيذية للدولة، وأهمها الحكومة، فإن الاتفاق أجل «الحوار» بين الطرفين، جدولاً وقضايا. وعلى رغم مرور أربعة أشهر على اتفاق التأجيل، فإن المؤتمر والمعارضة لا يزالان من دون «طاولة حوار». وبدلاً من «نصب هذه الطاولة»، اتجه المشترك الى ما يسميه «التشاور الوطني»، وهو هيئة تصنع اصطفافاً ضد الرئيس صالح بين أحزاب اللقاء المشترك وشخصيات متعددة الانتماءات لها ثقل وحضور في مجالات مختلفة. ويقف المؤتمر أمام مشكلتين: الأولى ان اتفاق شباط، حمى الشكل المؤسسي للدولة حيث نُفذ تحت سقف البرلمان بما يعنيه من التزام بالانتخابات والوثائق الناظمة لعمل الدولة. غير أنه اليوم بحاجة الى أطراف أخرى الى جانب «المشترك»، ولو من باب مواجهة اصطفافات الأخير والدعوة الى مشاركة «مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني» في الحوار. والمشكلة الثانية، تتمثل في أن المؤتمر هو من يسعى الى تجاوز ما يشدد عليه من العمل تحت «سقف المؤسسات الدستورية»، وهو ما يعني «فتح الخيارات على مصرعيها»... وهي المخاوف التي أجّلت قبول مطالب المشترك بتغيير اللجنة العليا طوال أكثر من عام ونصف عام. رؤية صنعاء من الخارج قبل أن يزور المملكة العربية السعودية، اتجه الرئيس علي عبدالله صالح الى «تعز» المحافظة الحدودية للدولة الجنوبية قبل 1990، وما يمكن تسميته «محافظة الفضاء المشترك للشطرين قبل الوحدة»، إذ إن غالبية سكان محافظة عدن هم من أبنائها، فعدن ومنذ عقود تشكل «البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي حقق فيها رموز تعز حضورهم العام»، فشغلوا مناصب سياسية منها رئاسة دولة الجنوب قبل الوحدة. ومع أن هناك اتهامات لأولئك «الرموز» بأنهم وراء مختلف الصراعات التي عرفتها عدن ودولة الشطر الجنوبي، كما هو الحال بالنسبة الى الصراعات في دولة الشمال، فإن الحقيقة تقول إنهم لم ينشطوا في عدن ولا في صنعاء ك «كتلة جغرافية» خلافاً لكتل أبين أو الضالع أو حتى حضرموت التي تصارعت في «عدن» طوال عهد الدولة الجنوبية وما بقي من تبعات لتلك الصراعات حتى الآن. كما ان تعز تعد أكبر محافظة يمنية مصدرة للعمالة الى المحافظات المختلفة. وبسبب اهتمام سكانها بالتعليم، وغياب العصبيات القبلية في غالبية مناطقها، وسلمية نشاط سكانها، فإن أبناءها أكثر اندماجاً مع مختلف المحافظات الأخرى على امتداد الجغرافيا والوظائف في اليمن، وهو ما يعطي هذه المحافظة أهمية في «ترسيخ الوحدة وحمايتها من صراعات التشطير». وفي الوقت الذي بدأت لجانه التي شكلها في صنعاء الإعداد للحوار، اتجه صالح الى تعز، موجهاً خطابه باتجاهات مختلفة، إذ تحدث عن الحوار «حول أي مطالب»، ولكن «عبر المؤسسات الدستورية»، منتقداً محاولات العودة الى «مربع مؤتمرات الحوبان وخمر وعمران وغيرها»، في إشارة الى مؤتمرات التشاور الوطني التي ينفذها اللقاء المشترك وحلفائه ضد صالح برئاسة حميد الأحمر. وقال صالح: «هذه عقلية قديمة رجعية متخلفة». ولهذا رد عليه «المشترك» بحدة معتبراً الخطاب «وجه رسائل نزقة». ومع حديثه عن دور «إخواننا وزملائنا في الحزب الاشتراكي اليمني ممن نادوا بالوحدة ودعوا من اجل تحقيقها»، فقد ذكّر بحربه ضد «الجبهة الوطنية» وهي الذراع الشمالية للحزب الاشتراكي حين كان حاكماً في الجنوب، والتي تغلّب عليها صالح بتحالفه مع القبائل والإخوان المسلمين في 1982. ومع تذكيره بأن «الشطر الجنوبي كان يشهد كل 5 أو 6 سنوات، جولة صراع ومجازر وحشية»، وتأكيده أن دولته تعرف «تبعات إشعال الحرائق». فقد أعاد التذكير بحديثه «في جامع الجند» إبان الأزمة التي فجرت حرب 1994. وقال: «سنحاصر المرتدين عن الوحدة بالشرفاء والمخلصين وبحراس الوحدة، ولن نسمح لفيروس التآمر والتمزق بأن ينتشر أبداً، وكما تصدينا له عام 1994 سنتصدى له اليوم ونحن أكثر قوة وأكثر ثباتاً». وعبر رأس المال «التعزي» وهو الأكثر انتشاراً في محافظات اليمن وبخاصة الجنوبية والشرقية منها، خاطب صالح المستثمرين وقال: «استثمروا بين أهلكم وإخوانكم لتجدوا منا كل التشجيع والرعاية». مؤكداً للجميع «أن البلد سيظل موحداً وعليكم أن تطمئنوا على استثماراتكم ولا تقلقوا، فالبلد في خير». وقائع خطاب الرئيس في تعز، ووفقاً لمصادر رفيعة جاء بعد تعديل استراتيجي على أداء دولة الرئيس صالح. فوفقاً لتلك المصادر، فإن الرئيس كان بدأ مناقشة خطة «إعلان حرب عسكرية للدفاع عن الوحدة في ثلاث مناطق كلها في محافظتي لحج والضالع، مستندة الى تقارير عسكرية تتخوف من «استهداف مسلح» لثلاثة معسكرات أهمها «العند» أكبر معسكرات المحور الغربي الجنوبي لليمن. غير أن «ضغوطاً داخل السلطة، وبرعاية مباشرة من الرئيس تمكنت من إيقاف خطة الحرب»، واعتماد «إجراءات أمنية بديلة وحلول اجتماعية شارك في تنفيذها في عدن ولحج والضالع، كل من نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقائد المحور علي محسن الأحمر، وقائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح، والمبعوث الشخصي للرئيس عبدالقادر هلال، والقائد العسكري ثابت مثنى جواس (من ردفان) بالتعاون مع رموز المناطق». ومما ساعد على التوجه الجديد، مساندة رموز إصلاحيين واشتراكيين في تلك المناطق – خلافاً لخطاب قياداتهم المركزية - لجهود «تجنب الحرب» التي كان «نشطاء من بعض فصائل الحراك الجنوبي يدفعون نحو تفجيرها». وفيما بدأ اللقاء المشترك تصعيد لهجته ضد «علي سالم البيض» الذي عاد الى العمل السياسي معلناً «قيادة ثورة الجنوب السلمية لاستعادة الدولة الشطرية»، عبر تصريحات رئيس اللقاء أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري «سلطان العتواني»، و «حميد الأحمر» أمين عام التشاور الوطني. ويتواصل الجدال بين سلطة صالح وعلي ناصر محمد في الوقت الذي لم يعلن حيدر العطاس أي موقف حتى الآن منذ خروج البيض. ويبدو حديث المؤتمر عن الخلاف «بعيداً من اللجوء إلى العنف والقوة أو الخروج على قواعد النهج الديموقراطي التعددي»، لكنه لم يحقق أي انفراج في ما يخص سياسة الاعتقالات التي تواصلها الأجهزة الأمنية ضد نشطاء كلهم من محافظات حضرموت ولحج والضالع بالترتيب من حيث العدد، ولا تزال ست من أهم الصحف المستقلة ممنوعة من الطباعة. «المشترك» أعلن مطابقته بين «خطاب الانفصال» و «سياسات الدولة»، لكنه لم يعلن حتى الآن كيف سيرفضهما معاً، وضد من سيعمل أولاً، وهو ما يعني أيضاً السؤال: وهل سيعمل ضد أحدهما عبر الوقوف الى جانب الآخر، أم سيستخدم أحدهما للضغط على الآخر. وبانتظار جديد علي سالم البيض الذي لم يعلن حتى الآن هوية وثائقه الشخصية التي يتحرك بها، بعد سحب عمان جنسيتها منه، وهل يحمل جوازاً يمنياً مجدداً أم أنه يحمل جنسية دولة أخرى، ينتظر اليمنيون، سماء الحوار، فإما ان تمطر «اصطفافاً» أو «يبدأ سباق من نوع آخر بعيد من خيارات الانتخابات التي أجّلت لعامين.