علمت "الوسط"، من مصادر رفيعة المستوى في صنعاء، ان علي سالم البيض نائب الرئيس اليمني، الامين العام للحزب الاشتراكي شريك حزب المؤتمر في السلطة. وضع شرطين جديدين لانهاء اعتكافه السياسي الذي بدأ مطلع آب اغسطس الماضي والعودة الى صنعاء لممارسة مسؤولياته، الشرط الاول تحديد موعد الانتخابات النيابية، والشرط الثاني تحديد موقع الحزب الاشتراكي، من خلال الاحتكام الى صناديق الاقتراع، قبل الخوض في اي حديث عن تحالفات الاشتراكي في مرحلة الشرعية الدستورية التي ستلي انتهاء الفترة الانتقالية في 22 الشهر المقبل. وناقش البيض هذين الشرطين مع اعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الذين زاروا عدن في 18 تشرين الأول اكتوبر الجاري في مهمة وساطة لاقناعه بالعودة الى صنعاء، لا سيما وان الانتخابات النيابية على الابواب. في الوقت نفسه، وقبل وصول قياديي الحزب الاشتراكي الى عدن بيوم واحد انطلقت مسيرة شعبية حاشدة من مدينة كريتر في محافظة عدن تقدمها عدد من الفعاليات الثقافية والمهنية، حاول ايصال مذكرة احتجاجية الى البيض في مقره في عدن. غير انهم فشلوا في ذلك بسبب الاجراءات الامنية المشددة حول منزل البيض. وحصلت "الوسط" على أبرز ما جاء في مذكرة اهالي محافظة عدن الاحتجاجية. شرطا البيض الجديدان لانهاء اعتكافه السياسي أعادا الكرة مجدداً الى ملعب حزب المؤتمر الشعبي العام، شريك الاشتراكي في السلطة، الذي يرأسه رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح. وبحركة مناورة سياسية ذكية اخرج البيض خلافه مع رئيس مجلس الرئاسة اليمني من "الخاص" الى "العام". فالحيثيات القانونية اللازمة لاجراء الانتخابات النيابية متوفرة في قانون الانتخابات الذي اجازه مجلس النواب اليمني في الصيف الماضي. وثمة بند في القانون الانتخابي يحتم الاعلان عن موعد الانتخابات النيابية قبل ستين يوماً من اجرائها. واذا كانت اتفاقية الوحدة اليمنية في 22 ايار مايو 1990 نصت صراحة على اجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء الفترة الانتقالية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وجب القول ان القيادة السياسية في الجمهورية اليمنية تجاوزت منطوق القانون الانتخابي، ونصوص اتفاقىة الوحدة، حين تغاضت عن انقضاء غالبية الفترة الزمنية التي حددها القانون من دون الاعلان عن موعد اجراء الانتخابات النيابية المقررة. ولا تستطيع السلطة اليمنية ايجاد المبررات المقنعة لهذا التجاوز، فالرئيس اليمني دعا الناس صراحة الى الذهاب الى صناديق الاقتراع، كذلك نائبه المعتكف في عدن. والامور الاجرائية انيطت مسؤوليات الاشراف عليها باللجنة العليا للانتخابات المكونة من ممثلين عن كل الاحزاب السياسية. وبكلمة دقيقة اصبح تحديد موعد الانتخابات قضية سياسية بحتة تتحمل مسؤوليتها القيادة السياسية بمجلسيها: الرئاسي والوزاري. ومواصلة البيض اعتكافه السياسي في عدن، بعد حضرموت، يمكن اعتباره اجتهاداً، بمثابة "غسل اليدين" من اية تجاوزات اخرى لمنطوقي اتفاقية الوحدة والقانون الانتخابي. في وقت يكثر البيض من تصريحاته السياسية عن اهمية الانتخابات النيابية المقبلة لانها اول انتخابات نيابية بعد اعلان الوحدة اليمنية التي طبقت مبدأ التعددية السياسية. الشرط الثاني الذي يطرحه البيض لانهاء اعتكافه السياسي، اي تحديد موقع الاشتراكي وحجمه من خلال الاحتكام الى صناديق الاقتراع، يؤشر على رغبة الامين العام للحزب الاشتراكي في تحديد حجم الحزب الذي يرأسه وموقعه في الشارع الشعبي، قبل الخوض في طبيعة العلاقة او "التحالف" الممكن مع حزب المؤتمر الشعبي العام، في مرحلة الشرعية الدستورية التي ستلجها الجمهورية اليمنية مباشرة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في 22 الشهر المقبل واجراء الانتخابات النيابية. ويبدو الشرط الذي يطرحه البيض كأنه تحد للحزب الاشتراكي قبل ان يكون لحزب المؤتمر، ما يبعد الامين العام للاشتراكي عن موقع المناورة والتسويف لحسم طبيعة علاقته المقبلة مع شريكه في خيار الوحدة. فالحزب الاشتراكي راغب، كما يبدو من كلام امينه العام، في تبين موقع الحزب في الجمهورية اليمنية الاولى التي انهت عهد التشطير. واذا كان الحزب الاشتراكي لم يتمكن، لاسباب عدة، من عقد مؤتمره العام الرابع، فإن تحقيق الوحدة، بعد ان كانت من ابرز ادبياته السياسية قبل الوحدة، يعتبر ذروة مكاسبه السياسية. ولهذا يتعامل الامين العام للاشتراكي مع الانتخابات النيابية المقررة وكأنها استفتاء شعبي على انجازات الحزب وطروحاته التي يمثلها "برنامج البناء الوطني والاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والاداري"، كما قدمته حكومة حيدر ابو بكر العطاس بوصفه "مانيفستو" اول حكومة يمنية بعد تحقيق الوحدة. وفي هذا الاطار يفهم اصرار البيض وشروطه السابقة لانهاء اعتكافه السياسي: "الامن قبل اي شيء". فالتسيب الامني وظاهرة الثأر السياسي يعتبرهما الاشتراكي ضربة قاضية ضد "المشروع الحضاري" الذي اختارته دولة الوحدة والذي على اساسه تحالف الاشتراكي مع المؤتمر. ومن هذا المنطلق يتعامل البيض مع الانتخابات النيابية المقبلة بوصفها بوصلة سياسية، معززة بتفويض شعبي، لتحديد طبيعة تحالفاته السياسية، سواء مع شريكه الحالي في السلطة حزب المؤتمر او مع الاحزاب الاخرى. وحديث الامين العام للاشتراكي عن رغبة حزبه في تبين موقعه من خلال صناديق الاقتراع يطوي صفحة الحديث عن الخيارين اللذين طرحهما حزب المؤتمر على الاشتراكي للتنسيق بينهما قبل اجراء الانتخابات النيابية، وفي فترة التحضير لها، وهما: الاندماج او التحالف. فالاشتراكي سيخوض معركة الانتخابات النيابية بمفرده من دون الاندماج مع حزب المؤتمر. والا فإن التحالف هو "الخطوة القصوى" التي قد يخطوها الاشتراكي نحو حزب المؤتمر. بما يمكن البيض "المعتكف" من ارضاء مختلف التيارات داخل حزبه والمتراوحة بين الدمج والتحالف والتنسيق. المذكرة التي رفعتها المسيرة الشعبية الاحتجاجية في مدينة كريتر في محافظة عدن تعتبر بمثابة تحدٍِ للحزب الاشتراكي في عقر داره، لا سيما وقد تقدمها نخبة من مثقفي عدن ومهنييها وفعالياتها السياسية. وابرز ما جاء فيها الامور الاتية: - ان سكوت الدولة عن ارتفاع الاسعار يعتبر نهباً للناس ويهز استقرارهم المعيشي، ويؤدي الى خلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي. - ان ملاعب الاطفال والاماكن العامة من حدائق وشواطئ بيعت بطريقة عشوائية في اكبر عملية لاستباحة الارض وتخريب كل ما هو جميل لهثاً وراء مكاسب غير مشروعة. في حين توزع المساكن الحكومية والاراضي، التي سدت منافذ المدينة، بطريقة غير عادلة وظالمة، ولذا تطالب المسيرة بتشكيل لجنة من القضاة والمحامين والاشخاص المستقلين لكي توقف كل ما صرف على اساس باطل بعد الوحدة. - تطالب المذكرة بمنع دخول السلاح الى محافظة عدن، منعاً لاشاعة العنف والارهاب. وتطالب فعاليات المسيرة بحكم محلي ديموقراطي وبالغاء القوانين التي صدرت بمراسيم جمهورية، تتعارض مع المكاسب التي حققتها المرأة اليمنية، في اشارة الى قانون يمنح الحرية للراغبين في تعدد الزوجات صدر بعد تحقيق الوحدة بأشهر عدة من رئاسة الجمهورية اليمنية. - طالبت المذكرة بتسريع مشروع اقامة المنطقة الحرة في عدن، ونددت بتردي الخدمات العامة في المحافظة من مجار وطرقات ومدارس ومستشفيات.