تواجه الجمهورية اليمنية حاليا 3 تحديات داخلية أساسية على شكل تساؤلات هي: هل يمكن إتمام وإنجاح تجربة الوحدة اليمنية؟ هل يمكن تحقيق الديموقراطية فعلا، وعلى الصعيدين التطبيقي والعملي. وكيف يمكن وضع حد نهائي للعنف السياسي وتفاقم ظاهرة الاغتيالات وحوادث الثأر؟ وهل يمكن الإفادة من الثروة النفطية لتطوير وتنمية المجتمع اليمني؟ حين أعلن عن ولادة الوحدة اليمنية في 22 أيار مايو 1990 مثلت الوحدة، كشعار، السقف الأعلى لطموحات اليمنيين. ومع تحول الشعار إلى حقيقة مجسدة في اتفاقيات وحدوية أنهت القسمة على اثنين بين شطري اليمن، وشعر الشعب اليمني بأن الشعار أكثر بهاء من الواقع العملي لمفهوم الوحدة، وساهم في خلق حالة الإحباط لدى المواطن اليمني تزامن إعلان الوحدة اليمنية مع أول اختبار تواجهه الجمهورية اليمينة الوليدة على مستوى السياسة الخارجية، وهو احتلال العراقالكويت وموقف اليمن من الأزمة التي نشأت، وهو موقف أدى إلى تفاقم الحالة الاقتصادية في البلاد. وعبر رئيس الوزراء اليمني السيد حيدر أبو بكر العطاس ل"الوسط" عن الفارق الكبير بين الرؤى والتطلعات وبين الحقائق العملية للشعار، حين يوضع على محك التطبيق والاختبار. حدة الفارق بين ما كان مرجوا في الوحدة اليمنية وكيفية تطبيقها، وبين النتائج التي حققتها الجمهورية اليمنية، بعد عامين من إعلان الوحدة، حملت رئيس الوزراء اليمني على القول: "تمت الوحدة عن طريق تقاسم الحزبين الكبيرين للوظائف، في حين افترض ان تكون الوحدة في توحيد الرؤى، واستقطاب الأحزاب الأخرى". ومنذ بدأت الفترة الانتقالية، قبل عامين، عمل الحزبان الحاكمان المتقاسمان للسلطة الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام على ابتكار صيغة مناسبة لإشراك أحزاب سياسية أخرى في مهمة تحمل المسؤولية الوطنية. وشكلت لجنة رباعية لصياغة معادلة التنسيق بين المؤتمر الاشتراكي والأحزاب الأخرى. لكن الفترة الانتقالية تكاد تنتهي إذ تبقى منها خمسة أشهر، من دون أن تتبلور صيغة المشاركة والتنسيق مع الأحزاب الأخرى، وأبرزها حزب التجمع اليمني للإصلاح. ولهذا تصدت الحكومة لهذه المهمة ووضعت برنامج "البناء السياسي والإصلاح الاقتصادي". وعقد رئيس الوزراء اليمني اجتماعات مكثفة مع الأحزاب السياسية لصياغة أرضية مناسبة لميثاق التعاون والتنسيق بين الأحزاب اليمنية. مع هذا يتواصل الحديث عن إمكان خلق تحالف جبهوي عريض يؤطر الأحزاب الرئيسية قبل الشروع في التحضير للانتخابات التشريعية. وفي مواجهة عجز حزبي السلطة عن صياغة معادلة ملائمة، تتيح للأحزاب اليمنية الأخرى فرصة المشاركة في تحمل المسؤولية تبدو الديموقراطية في اليمن وقد زجت في مأزق صعب. فإذا كانت "القسمة على اثنين" لم تحسم إشكالياتها بعد بين الحزبين الكبيرين، حيث عاد نائب رئيس الجمهورية عضو مجلس الرئاسة علي سالم الأبيض حديثا من عدن بعد اعتكاف سياسي استمر أسابيع طويلة تزامنت مع إحياء صنعاء الذكرى الثانية لإعلان الوحدة، فان القسمة على "المجموع"، ومشاركة الأحزاب الأخرى، تبدو في مأزق أصعب، وربما شبه مستحيلة. ويحلل رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر تعثر السلطة في سعيها إلى إشراك الآخرين بقوله: "يتحملون هم المسؤولية كل شيء في اليمن يتسم بطابع الآنية، الموظف لا يؤدي عمله كما يجب، والمسؤول لديه شعور عميق بضرورة الحفاظ على مكاسبه فحسب. ونحن نحمل القيادة السياسية مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد". الانتخابات النيابية سيحين موعدها في غضون أشهر قليلة. وهذا الاستحقاق الانتخابي يسبب مزيدا من القلق والتوتر لدى المعنيين بمستقبل اليمن. ويرافق هذا كله تفاقم ظاهرة الاغتيال السياسي، التي يصفها رئيس الوزراء حيدر أبو بكر العطاس "بالثأر المسيس". وفي حين تتهم رموز في القيادة السياسية قوى دولية بالتربص بالجمهورية اليمنية، تنظر فعاليات حزبية من خارج السلطة إلى "منطق المؤامرة" كشماعة مناسبة تعلق عليها اخفاقات الحكومة اليمنية في تنفيذ ما وعدت به. الحكومة اليمنية والقيادة السياسية يقران علانية بصعوبة المرحلة وضخامة التحديات المفترض مواجهتها. وفي حين تقف الحكومة خلف "متراس" "برنامج البناء الوطني والإصلاح الاقتصادي"، محاولة الاهتداء به لتنفيذ الخطة الأمنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، تقف بعض القيادات السياسية المؤثرة موقف التشكيك من الكيفية المعتمدة لتنفيذ "البرنامج" الذي "تورطت" القيادة السياسية في الموافقة عليه، في غياب خطة عملية واقعية لتنفيذه. وهكذا تجد حكومة حيدر أبو بكر العطاس نفسها في المواجهة وسط خندقين: خندق السلطة من جهة، وخندق الأحزاب غير المشاركة في الحكومة. وتعتقد حكومة العطاس أن غياب الثقة والازدواجية في التفكير من أخطر الأسباب التي تعرقل تنفيذ خطط الدولة. وترى الحكومة اليمنية أن المبالغة في الحديث عن الديموقراطية هي الصفة الغالبة للتعاطي في الشؤون اليمنية، في حين لم تتبلور بعد ميثاق التعاون والتنسيق بين السلطة والأحزاب المعارضة. في الوقت نفسه تعاني الحكومة اليمنية، وهي في الموقع التنفيذي، من الازدواجية داخل أجهزة السلطة. صحيح أن التشطير، ممثلا بمدرستين سياسيتين، انتهى نظريا بإعلان الوحدة. غير أن التشطير، بما يعني ازدواجية الرؤى والنظرة، لم ينته بعد... ويبدو النفط، المرفق الحيوي الأول في اليمن إلى جانب خامات طبيعية أخرى، في طليعة المرافق المتضررة من تفاقم ازدواجية النظرة والتفكير والأداء. ولهذا أوكلت حكومة العطاس أمر النفط والصناعة والتعدين إلى أحد أبرز البراغماتيين اليمنيين: الدكتور محمد سعيد العطار وزير الصناعة والتنمية اليمني وهو يحاول بدوره تجنيب هذا المرفق الحيوي إشكالات الأداء السياسي المزدوج وبيروقراطية دوائر الدولة. ويعتقد العطار، ويشاركه الرأي وزير الخارجية عبد الكريم الأرياني، أن انتهاج سياسة حسن الجوار والدعوة إلى التعايش أبرز الشروط الضرورية التي تتيح للجمهورية اليمنية فرصة توظيف النفط لصالح تطوير الدولة في اليمن. وفي هذا الإطار يراهن البراغماتيون اليمنيون على اتفاق ترسيم الحدود مع سلطنة عمان، ونتائجه المحتملة.