لا شك ان خروج الاتحاد السوفياتي في منتصف الثمانينات من منطقة القرن الافريقي - تلك المنطقة الفقيرة التي شكلت عبئا ثقيلاً عليه - سمح للولايات المتحدة بادارة مصالحها وترتيب اولوياتها في المنطقة بعيدا عن اجواء المنافسة الاستراتيجية، وبدرجة عالية من الانفراد بدول المنطقة. فالمراقب للدور الاميركي يلاحظ ان هذا الدور اهتم أولاً بتطورات الوضع في اثيوبيا، ثم ثانياً بتطورات الوضع في جيبوتي، بينما اتسم الاداء الاميركي تجاه الصومال بالتراخي، خوفاً من التورط في الرمال الصومالية المتحركة، وانتظاراً لما قد يرتبه الاهتمامان الأول والثاني وحركات الاحداث على الساحة الصومالية، في وقت لم تتبلور فيه بعد أية معالم لنظام بديل في الصومال. وفي المقابل اوقفت الولاياتالمتحدة مساعداتها لنظام منغيستو هايلي مريام وحثت كلا من الاتحاد السوفياتي واسرائيل على الامتناع عن امداد النظام الاثيوبي بالاسلحة، وقدمت العون للجبهات الاثيوبية المعارضة ونظمت مفاوضات لندن في ايار مايو 1991 بينها وبين الحكومة الاثيوبية. وسهلت اخيراً مهمة استيلاء الجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا على السلطة بعد سقوط منغيستو. هذا الاداء الاميركي الكثيف في التعامل مع اثيوبيا، قابله اهتمام متريث، سواء بفصائل المعارضة الصومالية او بنظام سياد بري الذي نصحته بالتخلي عن الديكتاتورية واعتناق نظام اكثر ديموقراطية، في الوقت الذي منعت عنه المعونات المالية والعسكرية. ويعكس تصريح هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية الاميركي في أول تموز يوليو 1991 جوهر الموقف الاميركي حين قال ان بلاده "في حاجة الى تسهيلات في ميناء بربرة الصومالي، لكنها ترى ضرورة وجود حكومة مركزية للاتفاق معها في هذا الشأن". ويبدو ان الدور الاميركي ازاء الصومال ارتبط بتصور لنظام امني في المنطقة، تلعب فيه اثيوبيا الدور الفاعل الاكثر اهمية، لذلك سعت الادارة الاميركية آنذاك لتسوية نزاعات المنطقة بالقدر الذي يحافظ على اثيوبيا قوية وموحدة، نظراً الى اهميتها الاستراتيجية، سواء في القرن الافريقي او البحر الاحمر او منابع نهر النيل الحيوي بالنسبة الى مصر والسودان. ولاقى الموقف الاميركي تجاه الصومال منذ منتصف الثمانينات وحتى النصف الثاني من عام 1992، ريبة اوروبية فعلى رغم انشغال أوروبا بمشكلات وحدتها والمعضلة اليوغوسلافية الا انها لا ترحب بهيمنة اميركية، وتخشى تهميش دورها في مناطق نفوذها القديمة والتقليدية، ومع ذلك نظرت فرنسا بقلق بالغ الى الاهتمام الاميركي بجيبوتي المتمثل في كثافة الزيارات الاميركية، او في زيادة المساعدات الاميركية من صندوق الدعم الاقتصادي الاميركي، وحول ذلك صرح هيرمان كوهين في زيارة لجيبوتي في 12/4/1991: "ان المساعدات الاميركية لجيبوتي ستزداد لأن هذه الدولة لم تقف معنا فقط ابان ازمة الخليج، وإنما دخلت الآن ضمن الدول التي لنا فيها مصالح متعددة الاوجه". وقد حرص السفير الاميركي في جيبوتي اثناء الزيارة نفسها ان يبدد شكوك فرنسا، فأكد "ان واشنطن لا تنوي قط ان تحل محل باريس في هذا الجزء من القرن الافريقي وتحديداً في جيبوتي". وقد سمح هذا الموقف الاميركي للدول الاوروبية، خصوصاً ايطالياوفرنسا صاحبتي المصالح الاساسية في تلك المنطقة الملتهبة، بأن تتعامل مع الازمة في القرن الافريقي وفق تصورات تقوم على اعادة ترتيب المنطقة في اطار اثني. غير ان هذا المنظور نفسه حجّم دور ايطاليا، المستعمر السابق للجنوب الصومالي، في التعامل مع الازمة الصومالية فتورطت بارتباطات متشعبة مع القبائل الصومالية الامر الذي افقدها مصداقية للعب دور المساعي الحميدة، او للقيام بدور الوساطة، بما في ذلك الفصل بين القوات المتصارعة. ومن جانب آخر تعاطفت فرنسا مع مخاوف جيبوتي من انعكاسات الازمة الصومالية على صيغة الدولة الجيبوتية التي تقوم منذ الاستقلال على اساس عرقي، وتعطي سيطرة سياسية لقبائل "العيسى" المنتشرة في شمال الصومال على قبائل "العفر" التي تمتد فروعها في كل من اريتريا وأثيوبيا. فرئيس الجمهورية من العيسى ورئيس الوزراء من العفر، لكن سلطاته محدودة، ويخشى النظام في جيبوتي على ذلك التوازن من تطورات الاحداث في كل من اثيوبياوالصومال. فمطالب العفر في التمثيل المتساوي في الجيش والحكومة وتعديل الدستور على نحو يجعل لرئيس الوزراء العفري سلطات حقيقية، قد تجد فرصة مواتية للتحقق بدعم كل من عفر اثيوبيا واريتريا لاقرانهم. وتزداد هذه المخاوف بمطالبة العفر في كل من اثيوبيا واريتريا بالحكم الذاتي واحتمالات انتشار تلك العدوى الى عفر جيبوتي. ومن ناحية اخرى تخشى جيبوتي ان يؤدي استقرار الاوضاع في شمال الصومال تحت سيطرة "الحركة الوطنية الصومالية" ذات العلاقة المميزة بأثيوبيا الى ازدهار كل من ميناءي بربرة وزليع، الامر الذي ينعكس سلباً على اهمية ميناء جيبوتي الحيوية والاقتصادية. وذلك نتيجة انتقال مسار التجارة الاثيوبية عبر تلك الموانئ، وفي هذا السياق يمكن فهم سعي جيبوتي لدعم ومساندة قبائل العيسى في شمال الصومال، ودفعهم لعدم التعاون والارتباط بالحركة الوطنية الصومالية، ولعل ذلك ما يفسر الصراع بين جمهورية ارض الصومالوجيبوتي حول مناطق الشمال الصومالي حيث الاحتمالات قوية باكتشاف النفط فيها. لذلك تتعاطف فرنسا مع مخاوف جيبوتي، وخوفاً من احتمالات تدهور الوضع الداخلي فيها، الامر الذي قد يؤثر على مصالحها الاستراتيجية في استمرار القاعدة العسكرية الفرنسية الوحيدة بالمنطقة. وزادت فرنسا من مساعداتها اقتصادياً، ودعمت جهودها سياسياً ومالياً، لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية في جيبوتي في تموز يوليو 1991. غير ان قرارات المؤتمر واتفاقاته تعثر تنفيذها بسبب استمرار المعارك حولها، وبرفض قيادات الشمال لها ولنتائجها واصرارهم على المضي في "الاستقلال" الذي اعلنته الحركة الوطنية الصومالية في 17/5/1992، وبذلك فقدت كل من ايطالياوفرنسا راعيتي مؤتمر جيبوتي حصانهما الرابح في ادارة الازمة الصومالية. العرب اضاعوا فرصة على رغم تداعيات حرب الخليج الثانية وأثرها على اداء النظام العربي والجامعة العربية تجاه الازمة الصومالية والذي تمثل في تعطيل وإرجاء تشكيل اللجنة الوزارية العربية الخاصة بالصومال من قبل الدول الاعضاء، الا ان اهتماماً خاصاً ظهر لدى الامين العام للجامعة، اذ بادر منذ اندلاع الازمة الى ارسال مبعوثين الى الصومال لمتابعة الوضع عن كثب، وعرض الموضوع على مجلس الجامعة في دورات عادية وطارئة اكدت قراراتها وحدة الصومال الوطنية والترابية، كما دعت الى بذل الجهود من اجل عودة الاستقرار الى ربوع الصومال، اضافة الى دعوة الدول الاعضاء والمجالس الوزارية والصناديق والهيئات العربية، الى تقديم معونات اغاثة فورية وتم افتتاح صندوق خاص باغاثة الصومال في اطار الجامعة، وان كان لم يتلق حتى الآن سوى مساهمات رمزية من الدول الاعضاء. ومن جانب آخر، حرص الامين العام للجامعة على التعاون الوثيق مع الأممالمتحدة والمنظمات الاقليمية المعنية بالازمة الصومالية. فقد شهد الصومال منذ اوائل هذا العام تحركاً مشتركاً قامت به الأممالمتحدة مع تلك المنظمات الجامعة العربية، الوحدة الافريقية، المؤتمر الاسلامي اسفر عن التزام الطرفين المتنازعين في مقديشو بوقف اطلاق النار، وبداية توزيع مواد الاغاثة في العاصمة ومحيطها. ان تجربة البعثة المشتركة، ممثلة في التعاون بين الأممالمتحدة والمنظمات الاقليمية، كشف بالفعل عن دور كبير يمكن ان يقوم به المفاوض الاقليمي العربي بين مختلف الفصائل الصومالية، واذا كان هذا التعاون ارتكز على منطوق الفصل الثامن من ميثاق الأممالمتحدة المعني بدور المنظمات الاقليمية في صياغة الامن والسلم الدوليين، فان الدول العربية عجزت عن تطوير هذا التعاون بحيث يمكن ان يكون مثالاً يمكن تطبيقه في حالات ومشكلات اخرى في منطقتنا خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي وقضايا المياه وغيرها من المشكلات التي من الممكن ان تكون مصدراً للنزاعات في المستقبل. غير ان مصلحة اداء النظامين العربي والافريقي تجاه الازمة الصومالية كشف اموراً عدة منها: اتساع الفجوة بين اتخاذ القرار وبين تنفيذه عملياً، فقد اصدرت المجالس الوزارية لكل من الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية قرارات عدة حول حل الازمة الصومالية في النطاق الاقليمي للنظامين، اضافة الى الاغاثة الفورية لشعب الصومال، غير ان حصاد هذه القرارات كان "قبض الريح". ان تراخي النظامين العربي والافريقي وعجزهما عن ملء الفراغ السياسي الناشئ عن الازمة الصومالية أفسح المجال لقوة اقليمية اخرى بعيدة جغرافياً لان تلعب دوراً مناهضاً لمصالح النظامين العربي والافريقي، حيث بدأت ايران نسج شبكة علاقات بالفصائل الصومالية، اضافة الى دعمها الواضح لحزب الاتحاد الاسلامي الصومالي وتنسيقها مع السودان في هذا الشأن. ان الانتقاد الموجه الى ضعف الدور العربي والافريقي والاسلامي في المجالين السياسي والغوثي لم يقتصر على الفعاليات والمنظمات الصومالية، بل امتد اخيرا ليشمل الأممالمتحدة ومنظماتها ومبعوثيها، وترتب على ما سبق اهتزاز التعاون الوثيق بين الأممالمتحدة والمنظمات الاقليمية في حل القضية الصومالية، مما ساعد على تعقد الازمة السياسية الصومالية وساهم في الانتشار المروع للمجاعة التي راح ضحيتها حتى الآن اكثر من 350 ألف مواطن صومالي، اضافة الى تهديد حياة ما يربو على مليونين آخرين. لقد ضاعت بالفعل فرص تاريخية امام العرب لممارسة ديبلوماسية وقائية لحماية الامن القومي، حيث لم يكن الامر يتطلب - حينما اندلعت الازمة الصومالية في بادئ الامر - غير ارادة سياسية فاعلة للدول العربية، وتمويل عربي كاف لادارة الازمة، من منظور يحفظ مصالح دولة عضو في الجامعة ويؤمن المصالح العربية العليا في منطقة القرن الافريقي وساحل البحر الاحمر. وبالمقابل فان على منظمة الوحدة الافريقية ان تدرس بعمق المحنة الصومالية الذي تمثل نهاية المطاف لطريق يسير فيه العديد من الدول الافريقية، وبات ضرورياً تطوير آلية المنظمة الافريقية بما يسمح لها بادارة ازمات مشابهة ستواجهها في المستقبل المنظور. انتشار الاصوليين منذ النصف الثاني من هذا العام اعلنت الادارة الاميركية، في خطوة مفاجئة ابان المعركة الانتخابية الرئاسية، تقديمها معونات اعانة انسانية الى الصومال بپ185 مليون دولار خلال عامي 92 و1993 وقامت الطائرات الاميركية بعمليات نقل الاغاثة من ميناء مومباسا الكيني الى المناطق الاكثر تضرراً بالمجاعة في الجنوب الغربي للصومال. والواقع ان الموقف الاميركي من الازمة الصومالية تغير تغييراً جذرياً، وربما يعود ذلك الى الأسباب الآتية: 1 - عجز كل من أوروبا والنظامين العربي والافريقي عن ادارة الازمة الصومالية افسح المجال لايران لتمد علاقاتها الى دول القرن الافريقي منفردة، وعبر السودان، مما قد يؤثر مستقبلا على المصالح الاستراتيجية الغربية في تلك المنطقة، اضافة الى ان انتشار الاصوليين على الساحة الصومالية في الآونة الاخيرة قد لا يسمح بقيام نظام تعددي في الصومال عند أية تسوية سياسية للأزمة. 2 - ارتباطاً بما تقدم، فان عدم المبادأة الاميركية في هذه القضية قد يعرض قيادة الولاياتالمتحدة للنظام الدولي الجديد لانتقادات قد تؤثر على مصداقية هذه القيادة. كما ان هذا النظام في حاجة الى تأكيد طابعه الانساني، خصوصاً اذا تعلق الامر بانقاذ شعب من مخاطر مجاعة مروعة لم تشهدها البشرية المعاصرة من قبل. 3 - ان معركة انتخابات الرئاسة الاميركية شجعت الادارة الاميركية على القيام بدور واسع في الصومال حيث تعرض موقف الرئيس بوش ازاء الصومال لنقد شديد من قبل كلينتون، قبل فوزه بالرئاسة، مما هيأ الشعب الاميركي للقبول بعملية عسكرية واسعة وسريعة في الصومال. 4 - قدم الامين العام للأمم المتحدة بطرس غالي خلال شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي تقريرين الى مجلس الامن، يتضح منهما ان الحالة في الصومال تردت لتتجاوز الحد الذي يمكن عنده معالجتها عبر عمليات حفظ السلام من خلال الفصل الثامن لميثاق المنظمة الدولية. وركز على ان الوضع في الصومال لا يمكن معالجته في الوقت الراهن الا من خلال استخدام القوة العسكرية للدول الاعضاء لحفظ الامن والسلم الدوليين، ووفقا لمنطوق الفصل السابع من الميثاق. ودار نقاش حول قيادة هذه القوات، هل تكون خاضعة لاحدى الدول ام باشراف مجلس الامن وبقيادة الأممالمتحدة. ويتطلب الاقتراح الثاني ان تكون الدول الاعضاء التي تساهم بقوات في هذه العملية مستعدة لقبول قيادة الأممالمتحدة هذه العملية والسيطرة علىها، وان تقبل ان يتلقى افراد هذه القوات في الميدان اوامرهم من الأممالمتحدة وليس من سلطاتهم الوطنية. وذلك ما رفضه مجلس الامن وفقاً لقراره رقم 794، وقبل المبادرة الاميركية التي قدمها وزير الخارجية الاميركي الى بطرس غالي والقاضي بارسال قوات متعددة الجنسية الى الصومال، بقيادة اميركية وصلاحية دولية لانشاء "بيئة آمنة" تضمن عمليات الاغاثة الاساسية وتعزز عملية المصالحة الوطنية واعادة التعمير في الصومال. وبذلك يكون مجلس الامن سجل سابقة اعطاء مجموعة من الدول صلاحية استخدام القوة العسكرية لتطبيع وضع دولي معين، ومعالجة حالة انسانية مأسوية داخل دولة هي عضو في الأممالمتحدة من دون التنسيق مع حكومتها. ووفقاً لتوازنات مجلس الامن، وتجنباً لامتناع الصين عن التصويت، ورغبة الدول الاعضاء خصوصاً الافريقية، في اعطاء صلاحية معينة للأمين العام، وافقت الولاياتالمتحدة على تعديلات على مشروع قرارها بصيغته الاولى شملت التنازل عن النص الصريح في الاشارة الى القيادة الاميركية للعملية، عن طريق دعوة مجلس الامن الولاياتالمتحدة الى تعيين قائد لها، ووافقت الولاياتالمتحدة على تعديل اخر اعطى الأمين العام للأمم المتحدة صلاحية رمزية تمثل في مشاركته في اتخاذ القرارات المرتبطة بالعملية المتعددة الجنسية، لجهة وضع الترتيبات لها وللقيادة الموحدة واستخدام الاجراءات الضرورية لتوفير "البيئة الآمنة" المنشودة، وتحديد الوقت الملائم لانهاء العملية لتحل محلها القوة الدولية لحفظ السلام في الصومال. وفي مقابل الدور الرمزي للأمين العام والتنسيق الفني المحدود بين القوات المتعددة الجنسية ومجلس الامن، حصلت الولاياتالمتحدة على انتداب من مجلس الامن للقيام بعملية حرة من القيود الزمنية والارتباط العملي بمجلس الأمن والتعريف المحدد والدقيق لها. كما تم انشاء صندوق لعملية الصومال تساهم في تمويله مجموعة من الدول، على رأسها الدول الخليجية العربية واليابان والمانيا، على نسق المساهمات في عملية "عاصفة الصحراء". 5 - على عكس ما قدره الرئيس الاميركي بوش في ان يتم انجاز العملية قبل نهاية ولايته في 20 كانون الثاني يناير المقبل، فان أغلب المراقبين العسكريين يرون انها ستتجاوز ذلك بكثير، لأن ايجاد بيئة آمنة يتطلب نزع سلاح الافراد والجماعات غير النظامية، والاسلحة الثقيلة التي تملكها الفصائل المنظمة تحت رقابة دولية. اضافة الى الدخول في حوارات مطولة مع الممثل الشخصي للامين العام للأمم المتحدة السفير عصمت كتاني، من اجل تعزيز عملية المصالحة الوطنية على النحو الذي أشار اليه تقرير الامين العام والذي على أساسه صدر القرار. وعلى رغم اعلان الطرفين الرئيسيين المتنازعين في العاصمة الصومالية علي مهدي محمد ومحمد فارح عيديد ترحيبهما بالقوات الاميركية، فان انتشار السلاح بمختلف انواعه بين كل فئات الشعب الصومالي يجعل السيطرة على الوضع العسكري وإزالة مصادر التهديد، تمهيداً لتسوية سياسية صومالية، امر لا يبدو سهل المنال. اذ لا يستبعد مطلقاً دخول القوات الاميركية في مواجهات عسكرية مع الاصوليين الاسلاميين المتمركزين في مناطق معينة في الشمال والجنوب والمسلحين تسليحاً جيداً. وعلى رغم ترحيب دول الجوار الجغرافي للصومال بالخطوة الاميركية وقرار مجلس الامن فان من صالحها ان يظل الصومال ضعيفاً ومقسماً حتى لا تعاوده فكرة المطالبة باقليمين في كل من اثيوبيا وكينيا. لقد لعبت اثيوبيا دوراً رئيسياً في دعم ومساندة وتدريب مختلف الفصائل الصومالية، وأبقت حتى الآن على علاقات جيدة معها، ولا يستطيع قرارا اثيوبيا وكينيا باغلاق حدودهما مع الصومال ان يمنع حصول الفصائل الصومالية على الدعم والمساندة، اذا ما حدثت المواجهة العسكرية. فالحدود يصعب مراقبتها لاتساعها. وإذا كان الصوماليون عجزوا منذ سقوط نظام سياد بري عن انشاء نظام سياسي بديل، فانهم لجأوا الى نظامهم القبلي القديم والمعروف جيداً لديهم والذي يلزمهم حماية ونصرة أي فرد في القبيلة في مواجة أي أجنبي، ولا تحتفظ ذاكرة المواطن الصومالي للولايات المتحدة سوى انها ناصرت سياد بري وقدمت له الدعم الذي مكنه من التنكيل بهم. وإذا كان الكثير من دول العالم النامي ينظر بقلق الى خطوة مجلس الامن - على رغم ترحيبها بالمحتوى والهدف الانساني للعملية العسكرية - خوفاً من احتمالات ان يمارس ذلك ضدها مستقبلاً تحت دعاوى حفظ السلام والامن الدوليين او حفظ حقوق وحريات الانسان، فان ما يزيد شكوكها صعوبة تكرار ذلك السيناريو في البوسنة. ولعل موقف كل من ايران والسودان والبرلمان الاردني يعكس تلك التخوفات. ويظل امام الشعب الصومالي تحدي تقصير عمر التدخل الدولي بايجاد مناخ ملائم لتوزيع معونات الاغاثة بوقف الاقتتال فوراً تمهيداً لحل الخلافات بالطرق السلمية في اطار من الحوار والوفاق الوطني اللذين يشكلان السبيل الوحيد الى حقن دماء الشعب الصومالي وصيانة مصالحه الوطنية العليا. * باحث مصري في الشؤون العربية والافريقية.