ولي عهد الكويت يستقبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عملية "اعادة الامل" تطرح سؤالاً كبيراً في المنطقة : أين ستتدخل أميركا بعد عملية الصومال ؟
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1992

عملية "اعادة الأمل"، المتمثلة بتدخل قوات من الولايات المتحدة ودول اخرى في الصومال لتأمين المواد الغذائية وإمدادات الاغاثة الى مئات الآلاف من الصوماليين المهددين بالموت جوعاً، أكبر من الصومال ومن كونها مجرد عملية انسانية.
هذه العملية، الاميركية في أساسها، تشكل، بجوانبها المختلفة، عملية سياسية - استراتيجية تطال ابعادها وأهدافها غير المعلنة ليس فقط منطقة القرن الافريقي والبحر الاحمر بل أيضاً الشرق الأوسط ومناطق اخرى من العالم. والعملية تتضمن تحذيراً اميركياً مبطناً الى دول وأنظمة أخرى مفاده أن الولايات المتحدة اذا كانت قادرة على التحرك عسكرياً - وبغطاء دولي - في بلد لا يهدد السلام العالمي ولا المصالح الحيوية والاستراتيجية للدول الكبرى ومن اجل انقاذ الصوماليين من الموت جوعاً، فانها ستكون قادرة على التحرك عسكرياً لمنع دول معينة من الاخلال بموازين القوى أو ممارسة سياسة التوسع والهيمنة أو القيام بأعمال "خطرة"، في مناطق حيوية وذات اهمية كبرى بالنسبة الى المجتمع الدولي. والعملية تتضمن رسالة اخرى الى عدد من دول العالم - سواء في الشرق الاوسط أو افريقيا او مناطق اخرى - مفادها ان العالم يتغير وان الولايات المتحدة قادرة - بصفتها القوة العظمى الوحيدة في الساحة الدولية - على ايجاد "مبررات" و"أعذار" للتحرك ضد هذا البلد أو ذاك، اذا اراد هذا البلد أو ذاك تجاوز "الخطوط الحمر" أو احداث هزات في مناطق ومواقع حيوية ومهمة.
والاطلاع على الجوانب والأبعاد المختلفة لعملية "اعادة الأمل" - كما سمتها الولايات المتحدة - تجعلنا ندرك ونستوعب حقيقة اهداف هذه العملية الاميركية. ونتوقف عند النقاط والحقائق الآتية:
أولاً: للمرة الأولى منذ انشائها عام 1945 تعطي الأمم المتحدة تفويضاً رسمياً لقوات من دول اعضاء في المنظمة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة للتدخل عسكرياً وبالحجم الذي تريده في دولة اخرى لم تطلب هذا التدخل هي الصومال، وذلك لانقاذ مواطنيها من الموت جوعاً. وهذا ما نص عليه قرار مجلس الامن الرقم 794 الذي تم تبنيه بالاجماع يوم 4 كانون الأول ديسمبر الجاري، ودعا في ما دعا اليه، الى "استخدام كل الوسائل اللازمة لايجاد بيئة آمنة لعمليات الاغاثة الانسانية في الصومال في اسرع ما يمكن". وصحيح ان الصومال ليست فيه حكومة مركزية أو سلطة حقيقية، الا ان قرار مجلس الامن، الذي صدر نتيجة طلب اميركي، يشكل سابقة في تاريخ الأمم المتحدة. وهو يهدف، عملياً، الى "منع الصومال من الانتحار الجماعي" والى "انقاذ الصومال بالرغم عنه"، على حد قول احد الديبلوماسيين.
ثانياً: تشكل العملية العسكرية الاميركية وقرار مجلس الامن الذي اعطاها شرعية دولية، توسيعاً لدور الأمم المتحدة وتطبيقاً لنظرية "حق التدخل الانساني" في دول اخرى، حين يبرز وضع انساني "استثنائي" يبرر هذا التدخل. وينطبق ذلك تماماً الآن على الصومال، ويمكن ان ينطبق على دول اخرى في المستقبل. "فلم يسبق ان غرق بلد في دوامة العنف المجاني كالصومال، وما يجري في هذا البلد أشبه بالانتحار الجماعي"، على حد قول منظمة "اطباء بلا حدود". فمن أصل 7 ملايين و700 ألف نسمة مات في الصومال 300 ألف شخص جوعاً خلال هذا العام، وهناك مليون صومالي لاجئ وأكثر من مليون ونصف مليون صومالي مهددين بالموت جوعاً اذا لم تصل اليهم امدادات الاغاثة. وعلى حد ما قاله ديبلوماسي أوروبي زار الصومال اخيراً: "سكان الصومال ينقسمون الى فئتين: المقاتلون والجائعون. الجميع يقاتلون الجميع من اجل المال والسلطة". هذا الوضع مكّن الرئيس بوش وكبار المسؤولين الاميركيين وبينهم خصوصاً وزير الدفاع تشيني ورئيس أركان القوات المشتركة الجنرال كولين باول من تحديد الهدف العلني والرسمي لعملية "اعادة الامل"، وهو: سيطرة القوات الاميركية بسرعة، وابتداء من هذا الاسبوع، على المناطق المتأثرة بالمجاعة - أي عملياً على معظم مناطق الصومال - ويشمل ذلك العاصمة مقديشو والمطارات والموانئ والمدن الساحلية الرئيسية، وتأمين وصول امدادات الاغاثة والمواد الغذائية الى جميع الصوماليين، ومنع المجموعات المسلحة من الاستيلاء عليها، كما كان يحصل حتى الآن. والتعليمات المعطاة للقوات الاميركية التي سيبلغ عددها هناك أكثر من 28 ألف جندي تقضي بمواجهة أية قوى تعترضها، وستقوم هذه القوات إما بتجريد بعض المجموعات من اسلحتها أو بشراء الاسلحة من الصوماليين أو تقديم مكافأة مالية للذين يسلمون اسلحتهم في اطار عملية ضبط الامن في البلاد. ووفقاً للهدف المعلن فان هذه القوات - مع قوات الدول الاخرى المنضمة الىها - ستبقى في الصومال "بضعة اشهر فقط" حتى تتمكن من انشاء "مناطق وطرق امدادات آمنة" لتوزيع مواد الاغاثة، ثم تنسحب وتسلم البلاد لقوات اخرى تابعة للأمم المتحدة. واللافت للانتباه ان قائد عملية "اعادة الأمل" هو الجنرال روبرت جونسون 55 سنة الذي حارب في فيتنام وكان قائداً لقوات البحرية الاميركية في لبنان بين عام 1982 و1984 ورئيساً لأركان الجنرال شوارتزكوف خلال حرب الخليج. وقد أكدت مصادر اميركية مسؤولة ان الجنرال جونسون كان يعد منذ بضعة اشهر "خططاً" للتدخل العسكري في بعض الدول الافريقية.
"انتهى زمان السيادة المطلقة"
ثالثاً: نظرية "حق التدخل الانساني" هي، أساساً، نظرية اطلقها الفرنسيون قبل اكثر من 3 سنوات، وجرى تطبيقها، قبل الصومال، في العراق بعد تحرير الكويت. وهذه النظرية اصبح لها انصارها ومؤيدوها، سواء في الأمم المتحدة أو في الساحة الاميركية. فالدكتور بطرس غالي الامين العام للأمم المتحدة قال في تقرير له في حزيران يونيو الماضي: "ان زمان السيادة المطلقة والكاملة للدول انتهى". وفي الولايات المتحدة عدد من الخبراء والمفكرين والمحللين السياسيين الذين يشكلون تياراً يعتبر "ان هناك دولاً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية سابقاً ومناطق اخرى، لا تستطيع، أو لم تستطع، المحافظة على نفسها كأمة واحدة أو كدولة موحدة تملك مقومات الاستمرار، ولم تستطع ان تكون فعلاً جزءاً من المجتمع الدولي. هذه الدول غارقة حالياً في موجات من العنف والفوضى والحروب الداخلية الدامية مع ما ينتج عن ذلك كله من عدم استقرار لها وللدول المجاورة، ومن سقوط ضحايا وتدفق اعداد كبيرة من اللاجئين الى الخارج. هذه الدول يجب عدم تركها تعالج مشاكلها بنفسها، لأنها غير قادرة على ذلك، بل يجب التدخل فيها ليس فقط لانقاذ شعوبها، بل أيضاً لتطويق ومحاصرة الاخطار النابعة منها والتي يمكن ان تمتد الى دول اخرى". ويعطي اصحاب هذا التيار امثلة عدة على الدول التي تنطبق عليها هذه المواصفات ومنها السودان وأفغانستان وليبيريا وتوغو وهايتي والبوسنة والهرسك وجمهوريات اخرى في يوغوسلافيا السابقة.
رابعاً: عملية "اعادة الأمل" تشكل سابقة، أيضاً، في التاريخ الاميركي الحديث. فللمرة الأولى يرسل رئيس الولايات المتحدة قوات عسكرية، بأعداد كبيرة، الى بلد من دون ان يتلقى أية دعوة رسمية من هذا البلد، وهو يقوم بذلك ليس من اجل دعم نظام صديق أو حليف، وليس لأن هذا البلد يهدد مصالح الولايات المتحدة الحيوية والاستراتيجية أو يعرض السلام العالمي للخطر، بل لتأمين الطعام للناس ومنع مئات الآلاف من الموت جوعاً. هذا، على الأقل، هو الهدف العلني الرسمي لعملية التدخل في الصومال، اذ يشدد المسؤولون الاميركيون على أن "العامل الانساني" لعب دوراً أساسياً في دفع بوش الى اتخاذ قرار ارسال القوات الى هذا البلد.
خامساً: اذا كان "العامل الانساني" لعب دوراً أساسياً في قرار بوش، فان هناك عوامل اخرى شجعت الرئيس الاميركي على التدخل في الصومال. فالمسؤولون والمخططون الاميركيون يعتبرون ان التدخل العسكري في الصومال لا يتضمن مجازفات كبرى: فالصومال يختلف عن العراق اذ ليس فيه سلطة مركزية موحدة وجيش قوي مجهز بأسلحة ومعدات حربية متطورة، بل تتنازع على الساحة الصومالية، منذ العام الماضي، مجموعات عدة متقاتلة مجهزة بأسلحة ومعدات حربية قديمة. وهذه المجموعات لا تجمعها "قضية كبيرة"، كما هو الحال حالياً في البوسنة والهرسك حيث يسعى الصرب الى انشاء "صربيا الكبرى" او كما كان الحال في فيتنام. وبين هذه المجموعات ثلاث بارزة هي الآتية: الاولى مجموعة الجنرال محمد فارح عيديد رئيس المؤتمر الصومالي الموحد، وتسيطر قواته على اجزاء من مقديشو وعلى مناطق في وسط وجنوب الصومال. الثانية مجموعة علي مهدي "الرئيس الموقت" للصومال منذ سقوط الرئيس محمد سياد بري ومغادرته البلاد الى كينيا في كانون الثاني يناير 1991، وهي تسيطر على شمال مقديشو. الثالثة مجموعة مرتبطة بسياد بري ويقودها زوج ابنته الجنرال مورغان وتسيطر على بعض المناطق في الصومال. هذه المجموعات هاجسها الوصول الى السلطة، لكن أية مجموعة منها عاجزة عن تحقيق ذلك، وهي منذ مطلع هذا العام تركز جهودها على الاستيلاء على امدادات الاغاثة الدولية لأن هذه الامدادات "هي القطاع الاقتصادي الوحيد المزدهر في الصومال" ولأن "الغذاء هو السلطة وهو مصدر المال في الصومال"، على حد قول مسؤول أوروبي بارز مطّلع على شؤون هذا البلد. ومن الناحية الجغرافية، فالصومال لا جبال فيه ولا أدغال واسعة ولا مناطق وعرة، والوضع الجغرافي أكثر ملاءمة للتدخل العسكري من الوضع في البوسنة حيث يحتاج الامر الى خوض حرب حقيقية ضد القوات الصربية لفرض السلام، اما في الصومال فلا حاجة الى حرب حقيقية بل الى نوع من "العملية البوليسية" لضبط الجماعات المسلحة. اضافة الى ذلك فالصومال ليس لديه أي حليف قوي يمكن ان يعارض، فعلاً، التدخل الاميركي. هذه العوامل كلها شجعت بوش على اتخاذ قرار ارسال القوات الاميركية الى هناك. لكن هذا لا يمنع من وجود بعض الاصوات الاميركية التي تحذر من خطر ان تواجه القوات الاميركية "حرب عصابات" أو "حرب شوارع" تخوضها ضد عناصر صومالية مسلحة. وقد لفت الانتباه، في هذا المجال، ان السفير الأميركي في كينيا سميث همبستون بعث بتقرير الى الادارة الاميركية حذر فيه من اخطار تواجه القوات الاميركية في الصومال ومنها "الكمائن" و"الهجمات المفاجئة" و"عمليات الخطف".
ايران والسودان
سادساً: اثبتت عملية "اعادة الأمل" مرة أخرى، ان ما تريده الولايات المتحدة يحصل. فدول العالم كانت طوال الأشهر الماضية "تتفرج" على الصوماليين يموتون جوعاً ولا تفعل شيئاً ملموساً سوى ارسال مواد اغاثة يستولي المسلحون على معظمها، او قوات تابعة للأمم المتحدة لا تستطيع ان تؤمن سلامة طريق واحدة. لكن حين اتخذ بوش قرار التدخل عسكرياً في الصومال، بعد مشاورات واتصالات مع زعماء عرب وأوروبيين وأفارقة وجهات دولية اخرى، انقلب الوضع: فقد اصدر مجلس الامن قراراً يعطي شرعية دولية للتدخل الاميركي، وأبدت اكثر من 15 دولة استعدادها لارسال قوات الى الصومال في اطار عملية "اعادة الأمل" مما سيؤدي الى رفع عدد القوات المشاركة الى اكثر من 40 الف جندي. ومن الدول التي ستشارك في العملية: فرنسا وإيطاليا وكندا والامارات العربية المتحدة والكويت وبلجيكا وأوستراليا والمغرب وموريتانيا وتونس والنروج وباكستان والسويد ومصر ونيوزيلندا ونيجيريا وغيرها. بينما قررت دول اخرى كبريطانيا واليابان والمانيا تقديم مساعدات مالية او عسكرية. بالطبع، اعترضت دول وجهات، هنا وهناك - وان كان عددها قليلاً هذه المرة - على هذا التدخل الاميركي، لكن هذه الدول والجهات هي، نفسها، كانت تطالب بالقيام بتحرك دولي لانقاذ الصوماليين من الموت. لذلك لا يغير اعتراضها شيئاً في الموقف.
سابعاً: هذه العملية، بجوانبها المختلفة، ليست مجرد عملية انسانية، ولا تقتصر حدودها على الصومال، بل انها في الواقع عملية ذات ابعاد وأهداف - غير معلنة - سياسية واستراتيجية تطال ليس فقط منطقة القرن الافريقي والبحر الأحمر، حيث الصومال، بل مناطق اخرى في العالم. والواقع انه اذا كانت الولايات المتحدة استطاعت ان تؤمن غطاء دولياً وشرعية دولية ودعماً عسكرياً ومالياً وسياسياً للتدخل في الصومال - حيث السلام العالمي ليس مهدداً وحيث لا اخطار جدية تهدد مصالح الدول الكبرى - من اجل اطعام الصوماليين وإنقاذهم من الموت، وهذا في حد ذاته هدف نبيل وعظيم، فان الولايات المتحدة تستطيع، بالتالي، ان تتدخل عسكرياً أو تهدد بالتدخل العسكري - وتؤمن غطاء دولياً لمثل هذا التدخل - لمواجهة اخطار حقيقية او محتملة في مناطق حيوية وذات اهمية استراتيجية كبرى بالنسبة الى العالم، سواء في الشرق الاوسط او في اماكن اخرى. من هذا المنطلق تشكل عملية الصومال تحذيراً مبطناً الى دول أو قوى معينة تحلم بالتوسع والهيمنة في دول او مناطق "ذات اهمية حيوية واستراتيجية"، مفاده ان الولايات المتحدة قادرة على التحرك عسكرياً لمنع توسع هذه الدول او وضع حد لمساعي الهيمنة لديها. كما ان عملية الصومال تشكل رادعاً لدول معينة، في هذه المنطقة او تلك، لتبقى ضمن حدودها وتضع حداً لأية أعمال او تصرفات أو مواقف تهدد دولاً او مناطق ذات اهمية حيوية واستراتيجية.
وفي هذا المجال أكدت مصادر مسؤولة في ادارة بوش لپ"الوسط" ان من الجوانب غير المعلنة في عملية الصومال، جانب يتعلق بايران والسودان. فقبل اتخاذ قرار التدخل العسكري تلقى بوش تقارير عدة عن مساعي ايران والسودان لپ"التمدد" الى الصومال وتقوية نفوذهما فيه عن طريق تقديم الدعم والمساندة الى "مجموعات مسلحة من الاصوليين والمتشددين" في هذا البلد. وأبرز هذه المجموعات "حزب الاتحاد الاسلامي" الذي له نفوذ في شمال الصومال، وأيضاً في صفوف الصوماليين الذين يعيشون في اثيوبيا وكينيا. ويملك هذا الحزب معسكرات تدريب في شمال الصومال وعلى الحدود الصومالية - الاثيوبية ويسعى الى "توحيد" الصوماليين المنتشرين في جيبوتي وأثيوبيا وكينيا، وهو يتلقى دعماً مالياً وأسلحة من ايران والسودان ومن بعض الجهات "المتشددة" الاخرى، وفقاً للمعلومات التي وصلت الى واشنطن. هذا النفوذ الايراني - السوداني في الصومال اثار قلق المسؤولين في مصر وبعض الدول الاخرى. وقد عرضت مصر، مثلاً، ارسال قوات الى الصومال تحت رعاية الأمم المتحدة لحماية امدادات الاغاثة ومتابعة النفوذ السوداني، المدعوم ايرانياً، عن كثب في هذا البلد والسعي الى تطويقه. وهناك مخاوف في واشنطن من ان يسعى "الاصوليون الصوماليون"، المدعومون من ايران والسودان، الى الدخول في مواجهات مع القوات الاميركية. هذا العامل الايراني - السوداني كان له دور ما في تشجيع بوش على التدخل في الصومال. وليست صدفة أن ايران والسودان انتقدا بشدة التدخل الاميركي، اذ قالت الاذاعة الايرانية في تعليق لها: "ان عملية الصومال سابقة مؤسفة قد تؤدي الى تدخلات اميركية جديدة في اجزاء اخرى من العالم".
الوصاية الدولية على الصومال
ثامناً: اظهرت عملية الصومال ان عملية تحرير الكويت ومنع العراق من تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط ليست آخر العمليات العسكرية التي لعبت فيها الولايات المتحدة دوراً رئيسياً. وتظهر، ايضاً، ان الدور الاميركي لن يكون دوراً منعزلاً ومنغلقاً على نفسه، وان المؤسسة الاميركية تنوي اعطاء توجهات وأهداف جديدة لدور الولايات المتحدة في العالم، معتمدة على كون اميركا هي القوة العظمى الوحيدة في الساحة الدولية. صحيح ان بوش هو الذي اتخذ قرار التدخل في الصومال، لكنه فعل ذلك بعد التشاور مع الرئيس المنتخب بيل كلينتون ومع زعماء الكونغرس والمسؤولين العسكريين، مما يعني ان القرار صادر عن "المؤسسة الاميركية الحاكمة" وليس عن بوش وحده.
تاسعاً: الجانب المعلن من أهداف عملية الصومال هو ايصال المواد الغذائية وإمدادات الاغاثة الى الصوماليين. لكن الواقع ان ذلك يشكل جزءاً من عملية الصومال، اذ ان الجزء الآخر يتعلق بايجاد حل سياسي لمشاكل هذا البلد، اذ لا يمكن ضبط الاوضاع بشكل مستمر وحماية الصوماليين من الموت جوعاً أو قتلاً الا بايجاد حل سياسي شامل للمشكلة الصومالية، وليس فقط بتأمين امدادات الاغاثة ثم الانسحاب بعد بضعة اشهر وترك البلاد تتخبط مجدداً في دوامة العنف والفوضى. ويحرص بوش على القول علناً انه لا يريد فرض حل سياسي في الصومال او التدخل في الشؤون السياسية لهذا البلد. لكن الواقع ان لا مفر من ايجاد حل سياسي للمشكلة الصومالية. وقد بعث روبرت غيتس مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية وبرنت سكوكروفت مستشار بوش لشؤون الامن القومي بتقارير الى الرئيس الاميركي جاء فيها أنه "لا يمكن انقاذ الصومال بعملية عسكرية قصيرة المدى"، بل لا بد من "عملية عسكرية وسياسية طويلة المدى". ويتفق غيتس وسكوكروفت على القول ان "الصومال لا يستطيع ان يحكم نفسه بنفسه" وانه لا بد من "وضع الصومال تحت وصاية الأمم المتحدة وإشرافها لفترة طويلة من الزمان، يتم خلالها تعيين حكومة موقتة أو مجلس استشاري حاكم، وإنشاء قوات بوليس وأمن صومالية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الأساسية، وعقد مؤتمر مصالحة، وإجراء انتخابات عامة تنبثق عنها سلطة يختارها الشعب باشراف الأمم المتحدة لكي تحكم البلاد". ويقول عدد من المعنيين بشؤون الصومال ان "لا مفر" من تدخل الأمم المتحدة "بقوة وفعالية" لمساعدة الصوماليين على استعادة بلدهم وإعادة بنائه كدولة موحدة قابلة للحياة والاستمرار. لكن قرار التدخل الاميركي في هذه المسألة متروك، على الأرجح، للرئيس المنتخب كلينتون بعد ان يتسلم مهامه رسمياً في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني يناير المقبل.

خلال أيام قليلة تحولت مقديشو الى "عاصمة عالمية" بسبب تدفق مئات الصحافيين من مختلف انحاء العالم لتغطية انباء التدخل الاميركي، المدعوم دولياً، هناك. لكن الواقع ان عملية "اعادة الامل" اكبر من الصومال، بل هي "محطة مهمة" في استراتيجية اميركية ستتبلور ملامحها اكثر وتتضح معالمها مع الرئيس كلينتون.
والسؤال الكبير في المنطقة اليوم هو: أين ستتدخل اميركا بعد الصومال وأية دولة ستكون هدف "العملية" الاميركية المقبلة وكيف سيكون شكل وطبيعة هذه العملية المقبلة؟ هذا السؤال ستجيب عنه الأسابيع المقبلة. لكن يبدو واضحاً من بعض ردود الفعل ان عدداً من الدول والجهات في الشرق الاوسط ومناطق اخرى "فهمت" مغزى وأبعاد عملية "اعادة الأمل".
الصومال
يقع الصومال على المحيط الهندي وعند مدخل البحر الاحمر، وتبلغ مساحته 637 ألفاً و657 كيلومتراً مربعاً. حدوده البرية مع جيبوتي وأثيوبيا وكينيا، ويبلغ عدد سكانه - وفقاً لأحدث الاحصاءات - 7 ملايين و700 ألف نسمة وهم من المسلمين السنة. يعيش في العاصمة مقديشو - اكبر المدن الصومالية - حالياً 800 ألف نسمة. والصومال هو البلد الافريقي الوحيد الذي يتحدر سكانه من اتنية واحدة هي الاتنية الصومالية. ويعيش عدد كبير من الصوماليين في كينيا وجيبوتي وأثيوبيا، وهو ما أدى الى نشوب "حربين" في منتصف الستينات ونهاية السبعينات لسبب مطالبة السلطات الصومالية بمقاطعة أوغادين في اثيوبيا حيث يعيش اكثر من مليوني صومالي. حكم الرئيس السابق محمد سياد بري الصومال من 1969 الى كانون الثاني يناير 1991 حين تمت اطاحته. وبدأ الصومال يعيش منذ ذلك الحين رحلة "الحروب الداخلية" الدامية مع ما رافقها من مجاعة وأهوال وسقوط عدد كبير من الضحايا ولجوء مئات الآلاف من الصوماليين الى الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.