السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باريس تعرض الأزياء الراقية لپ1992 - 1993 . شتاء المرأة طويل يصرخ من شدة الأناقة
نشر في الحياة يوم 10 - 08 - 1992

الربيع يعيد الضحكة الى شفاه الازهار والخضرة الى صدور البراري. وتتنافس في الشتاء وحشة الضباب مع حشرجة الشمس. الصيف يرتل اناشيد الوداع لأهازيج الأيام الطويلة ويستعد لدخول محبسة الخريف والرضوخ لسلاسله التحولية في دورة الطبيعة المعتادة. غير ان للفصول جمالها الابداعي في كواليس دور الازياء الباريسية الكبرى وفي محترفات الألبسة العملية التي تبتكر لكل موسم ما يناسب اهواءه المناخية. الصيف يتهيأ لدخول محبسة الخريف والشتاء، فتستعد الموضة لمواكبة تحولاته بالأبهى من فنون وقص المبتكرين. الشتاء يضب عواصفه وأمطاره وينسحب امام هجمات رقة الربيع وثورة النجوم على ضبابية الغيم، فتكون عروض الازياء المناسبة في الانتظار.
التحول الجمالي يلف الطبيعة ككل عبر فصولها الدائمة، ويلقي بأوامره على قامات العارضات في اجمل الفنادق والأماكن التاريخية الباريسية وضمن اجواء اشهر انواع الابتكارات والتفنن. باريس عاصمة الموضة العالمية لكن الايطاليين يهجمون عليها بالتصاميم وينافسون جيرانهم في عقر الدار. كذلك يرتكب اليابانيون الإثم الجمالي ذاته ويأتي بعض الخارجين على التقاليد "الكيمونية" ليزرعوا في باريس بذور موضة حديثة وأنيقة وجذابة.
بين هذه التحولات جميعها ترضخ "الركبة" لزعيق العواصف وتندثر. المقصات قررت الانحناء امام لهجة البرد الجدية وراوغت عليها بالجمالية. على إيقاع الموسيقى وفي مواجهة مئات العدسات والعيون، وفي الأروع من الفنادق والمسارح، تهاوت العارضات رقصاً. الاحتفال باستقبال خريف وشتاء 1992 - 1993 كبير.
المصممون في ميدان الاحداث. والحياة يجب ان تتابع مسيرتها بحشرجة او بدونها. وليس الاحتفال الجمالي هو للاحتفال فقط. فالشأن الاقتصادي هو أساس في تحريك اللعبة الابتكارية. وكثير من عباقرة الخلق والابداع يتنازلون عن بعض جشعهم الابتكاري ويتعقلون إزاء ملء الجيب ليشبع النظر وترتوي الروح.
في التصريحات الصحافية بصدد دخول الازياء الراقية احياء الشتاء المقبل والتربع في اجمل صروحها، هناك تلميح من البعض الى ان هذا الفن الموضوي العريق صار يكلف كثيراً. ولم تعد روزنامة الابتكار تلبي الالتزامات التجارية وحساباتها. وذهب عدد من هؤلاء "البعض" الى الأبعد في القلق وطرحوا السؤال حول مصير الأزياء الراقية لأن الإقبال عليها يقل. ثم ان بيار كاردان الذي يملك ثمانمائة وخمسين رخصة عمل في 110 بلدان، ويلعب بمبلغ مليار دولار في حقل مشاريعه الأزيائية وسواها، هو أول من اطلق الصرخة. وراح يردد ان عرض ازياء واحد يكفي في السنة بدل العرضين الموسميين المعتادين، واحد من اجل ازياء الصيف وآخر من اجل الشتاء. وبين الإثنين فترة ستة أشهر بالتمام والكمال.
وقد طبق كاردان القول بالفعل، ودفع الى خشبة العرض بمئتي وثمانين موديلاً، تهادت بها عارضات خبيرات. وخلط في عرضه بين الازياء الراقية والألبسة الجاهزة. ولأول مرة في تاريخ هذا النوع من العروض المخصصة للفخامة عادة ولأروع فنون الابتكار. الروح التجارية تحصره بالرغم من ملايينه. ويبرر فكرته الجديدة بقوله: "نحن لا نبيع من الازياء الراقية غير فساتين السهرة. ويجب تلبية متطلبات القارات الخمس التي زرعت فيها صناعة الموضة وسواها. ان رفع مستوى الالبسة الجاهزة صار في رأس اهتماماتي". على كل لم يكن هذا المصمم الذي أمضى خمسين عاماً من حياته في حقل الموضة، أتى بجديد في خطوط موضته الاساسية. كعادته، لعب لعبة الأكمام الهندسية ولعبة الارداف وجاذبية الثنيات التي تحمل زنانير عريضة جداً على الخصور. وكسواه، اسقط الطول حتى منتصف الساق عبر تنانير واسعة. إنه على عتبة السبعين، ولا يعرف ما اذا كان المستقبل امامه، لأنه يدير امبراطوريته "الأعمالية" لوحده. ولا يثق بأحد يوكله ببعض المهام كما انه لم يطرح على الساحة خلفاً له. إنه من الأوائل في ساحة الموضة الراقية، هناك اعتراض عليه وعلامة استفهام. غير ان هذا لا يبرر عدم الاشارة اليه، ولو كانت الاشارة من باب الاعتراض.
زعقات التغيير
لهذا، تبقى الرغبة في الحلم مسيطرة حتى اللحظة مع الأربعة وعشرين عرضاً هائلاً في الابتكار والتفنن الموضوي الذين شغلوا باريس على مدى ستة ايام متواصلة. إن فن إبداع الأزياء الجميلة هو في صلب الحلم. ثم ان اختفاء الموضة الراقية يجر وراءه إختفاء مهنة قائمة بذاتها، وبالتالي فهو يؤدي الى انهيار اقتصادي كبير في مجاله. وهنا يطرح سؤال حول الذي يريد القضاء على الازياء الراقية. ليكن كلام إذاً عن إعادة نظر في المهنة. يجب على الموضة ان تتغير. فعليها تتوقف ديمومة صناعة هي خفيفة وسهلة في الظاهر، لكنها ثقيلة بكل الاعمال التي تتطلبها وبكل النشاطات التي تثيرها وبكل المهن الفنية التي تتفرع عنها وتتطاول. إذاً، ممنوع المراوحة في المكان وإلا توقف البيع ونام الفن.
في إطار التغيير، لجأ مصممون كبار الى استبدال بعض خياطيهم بآخرين. تارلازي عند غي لاروش. كلود مونتانا في دار لانفان سابقاً. "جيافرانكو فيري" عند ديور. لكن، لماذا لا يعمل هؤلاء "الجدد عند الكبار" باسمهم الخاص؟. هذا هو شعور "جاك موكليه" رئيس الاتحاد الفرنسي للخياطة. قال: "لماذا لا نفتح الباب امام المصممين الاكبر موهبة بين امثالهم؟. إنني أرى مونتانا وموغلر ومبتكرين آخرين يدخلون هذه السرايا العظيمة". مونتانا على الطريق، بعد ان ترك لانفان وانطلق لوحده.
كانت كوكو شانيل تردد دائماً "نادراً ما تكون الركب جميلة". وهذه اشارة منها الى وجوب اسقاط الثوب او التنورة عليها، فتغلفها وتغطيها. ووصلت العبارة كاملة الى آذان المصممين مع إقبال الموسم الخريفي والشتائي لعام 1992 - 1993، وترددت فيها بعدما كانوا اهملوها لفترة. وخاصة في المواسم القريبة الماضية، حيث كشف الابتكار عن "الركبة"، وبالغ الى حدٍّ ما. جميعهم قبلوا بالطويل جزماً. وتحيا الموضة التي تسقط حتى منتصف الساق وربما اكثر. في الخريف والشتاء سيهبط الثوب حتى الرسغ، ويشد خطوطه على الجسم.
موضة بوفوار وسارتر
لخص أوليفيه لابيدوس الموضة الجديدة عنده بقوله: "إن شعار لابيدوس في الموضة الراقية الخريفية والشتوية هو السان جيرمان دي باري بعد الحرب العالمية الثانية. اي طقم رشيق يتألف من تنورة طويلة وجاكيت نصفها الأعلى مكوّر وخصرها مخنوق. تماماً كشكل سيمون دي بوفوار الكاتبة الكبيرة وهي تنتظر جان بول سارتر في مقهى الدوماغو، لب الحي اللاتيني في السان جيرمان المذكور".
طبعاً، لم يكن هذا القول يعني سكب الطويل على القامة لحصرها في اسوار تفصيلات جامدة. على العكس، وحسب تعبير اوليفيه لابيدوس، فان الطويل هو الجذاب في تألق الانيقة عبر خطوطه المتناهية في الرشاقة والذي يعتمد على الشفافية. انها اناقة أجواء جامعة السوربون في حينه، وكتب جان بول سارتر باللونين الأبيض والأحمر على التايورات السوداء. أيضاً، خارطة السان جيرمان المصغرة مجهرياً، ومقهى "لافلور" ملتقى الأدباء ومطعم "ليب" مأوى المفكرين، طرحت تفاصيلها على ثوب العروس. الفكرة هائلة، وأكثر منها الوردة الحمراء هدية لكل من حضر حفلة العرض.
نعم، إنه شتاء الطويل، لكن في قصات فنانة وتقطيعات موضوية تجعل الرؤوس تهتز إعجاباً بعفوية.
أثواب صوفية عند غي لاروش. الطويل سائد وهذا حسن. كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً حين بدأ العرض في قاعة "واغرام"، على خطوات من قوس النصر. السيدة برناديت شيراك في مقدمة الحضور. معاطف كبيرة "بربرية" تمتد عليها رسوم "الطوطم"، وهو حيوان يعتبر ذا صلة خاصة بقرد او بقبيلة فيتخذ بذلك رمزاً. من قماش الصوف الحار هي، وقد حلّت محل الفراء من مبدأ المحافظة على البيئة. شيئاً فشيئاً تآلفت العين مع الطويل، و"أنجلو تارلازي" وضع كل موهبته في تلطيف مظهره ونجح في ذلك. ومن "التايور" الكلاسيكي الاسود، الى "المفذلك" منه وإلى اكمام كأنها مشالح. وكأن "تارلازي" يتسلى بالانظار خاصة حين ارسل الى خشبة العرض بتنورة واسعة ذات بطانة داخلية قاسية تحافظ على انتفاخها. وقد ملأها "تارلازي" بفوانيس الرابع عشر من تموز/يوليو، وهو عيد تذكار الثورة الفرنسية الوطني. وكان غي لاروش فخوراً بعرضه.
القامة الجديدة
تنانير مخيّطة بحذاقة عند جيفنتشي. وهي لبعد الثامنة مساء، وحين تنشدّ الاثواب صوب الأسفل بحكم متطلبات السهرة، وتفسح مجالاً لموضة الظهر ان تنفرج عن اسارير متحررة. كذلك عرّف جان لوي شيرر القامة الجديدة او موضتها بالاحرى، بالعبارة التالية: "إنها طويلة الاعضاء بخصر دقيق. الجسم مُقَوْلب ومحكم الصنع حتى ربلة الساق. لا مجال للكشف عن الركبة". والحق يقال ان شيرر بدا هذه المرة "شبه متقشف"، لكن مع خبطة معلّم في إبراز خطوط موضة تزاوج بين البيج والأسود. الجاكيت طويلة ومغلقة عند العنق. المعطف واسع ومشدود بزنار قاس يجبر الخصر على ان يكون نحيلاً. القامة مرسومة بدقة، بالمليمتر. كان هذا جديد شيرر الذي اوقف الجاكيت البيج المقولبة جيداً على تنورة سوداء. وجعل الأسود سيد المساء في موضة "الرادنكوت"، ودون ان يستبعد مرور لمسات فضية وذهبية على سهرة منتصف الليل.
كريستيان ديور جاء بقامة شتائية جديدة. كانت رشيقة تفصيلاته على عارضات يخبطن مسرح العرض بكعوب عالية عريضة امام أنظار السيدتين برناديت شيراك وكلود بومبيدو. "التايور - البنطلون" بياقته التي تحيط بالعنق وبلونه الكحلي وأزراره الذهبية، سرق الكثير من الاعجاب. وعلى غير تشاؤم البعض بالنسبة للموضة الراقية، كان تحدي ديور كبيراً. أثواب ذهبية من "عيار 18" حسب ما جاء في تفصيل العرض. وهذا ما أكد على اللامبالاة بتحركات البورصة العالمية.
كان "برسبورك" مثل ديور تقريباً. فهذا استعار خصر "شابة رومانسية" وأطلقه على موديلاته عبر زنانير تشده من نوع المزركش القيطاني. وهو الزنّار المحبّك من خيوط حريرية ومعدنية. التنورة "البرسبوركية" من موضة 1950 بتفصيلتها الكبيرة. الفخامة "اولمبية" وكتحية للكثير من استيحاءات برشلونة. ولوحظ عند تورنت مخالفة نسبية للآخرين، وتكمن في حق الاختيار بين الطويل والقصير. لأن الهم ليس هنا، بل في "البطرشيل" او فروة الكتفين من الفيزون تنزلق على "تايورات من التويد والإيكوسيه الإنكليزي المطرز". وللسهرات الكبيرة، تهادت الأثواب الطويلة الموشاة بذهب "عيار 18" وعلى غرار ديور وإن كان أقل بهرجة.
ديتريش غاربو وبرج إيفل
كان رئيس الوزراء الفرنسي بيار بيريغوفوا وزوجته في مقدمة حضور عرض نينا ريتشي. مصمم أزياء هذه الدار، جيرار بيسبار، ذهب في موضته الشتائية صوب اناقة مارلين ديتريش وغريتا جاربو اللتين طبعتا عصرهما بالطقم الرجالي. ولم يعجز "بيبار" الذي يعمل عند ريتشي منذ ثلاثين عاماً عن إبراز موهبة جديدة في الموضة الراقية سنة بعد سنة. ولقد سيطر هذه المرة على المزاوجة بين الاناقة النسائية والرجالية بقدرة كبيرة. "البرنس" الواسع والمعطف الطويل من الفراء والجلد بلون بيج غامق وبرتقالي تغاوى كل منهما على "تايور رجالي" فخفف من الخشونة وأباح للأنوثة مجالاً لصرخات أنيقة. وكان ختام المسك أثواب مخططة للسهرة بألوان زهرية وزرقاء وبيضاء مع عقدة كبيرة على الظهر.
ساد المعطف الطويل في عرض "بالمان" وبمقص مصممه "هيرفية بيار". كان المعطف الارستقراطي البالغ الفخامة ينحني على كتفي تايور يصل الى منتصف الركبة من قماش مشغول على شكل مربعات أو سعف النخل. استخدم هيرفية قماش مراكش واستوحى تاريخ العصور الوسطى في خطوطه.
توجه مقص "ألجاندرا سوليتزر" في دار كارفن نحو إمرأة نشيطة وعملية في عصر يصارع لهاثه. التفصيلات قريبة من القامة والطول يرتاح تحت منتصف الساق. تقول كارفن بهذا الصدد: "هذا الطول الجديد يجعل الانيقات اكثر اناقة". وفي سبيل ان تكون اكثر إلتصاقاً بالواقع، اختارت عارضات يتماثلن طولاً. اي لا يتجاوزن المئة والسبعين سنتمتراً في إمتداد القامة الجميلة.
لوي فيرو كان متطرفاً في الابتكار حين دقّ رأس عبقريته ببرج إيفل ومال في ترنحه صوب قوس النصر ودار أوبرا باريس. طبّق هذه الأقانيم الهندسية التاريخية الأكثر شهرة في العالم، على موضته. كتفان ضيقان كرأس برج إيفل وانحدار واسع ومتضخم كقوس النصر الرازح ثقلاً على المستديرة الكبيرة التي توزع بدايات الجادات الارستقراطية على صدر باريس. مع تطريزات على المعاطف تحمل الأقانيم المذكورة، وكذلك على أثواب السهرة الغارقة في دموع نجومها. كل هذا دلّ على ان "فيرو" ليس على علم بالزمن الصعب الذي يجتازه العالم. لقد غرق في الألوان المسحوبة من شمس اميركا الجنوبية وفي الأزهار الضاحكة بالرغم من عبوس الأجواء.
البنطلون - التنورة
أطل البنطلون بقوة في عروض الازياء الراقية هذه وتحت عناوين متعددة. فهو واسع في قماش الكريب الصوفي. عند شانيل، وهو بثنيات في الأعلى، على طريقة مارلين مونرو، عند نينا ريتشي، او هو مستقيم ومغلق بأزرار عند كارفن. وكان من المترددين في فرضه، كريستيان لاكروا. وحتى لا يبتعد عن اجتياح فكرة موضة البنطلون للشتاء المقبل، عمد الى التقرب من خطوطه دون ان يأخذ به كلياً. أتى بالبنطلون - التنورة "واسع ومخصور" من قماش التويد الانكليزي ومن القماش المحبوك واللامع، وكذلك من "البروكار" وبعنوان "الوحشي". فعلاً كانت ازياؤه تقطع الأنفاس جمالاً. ولا تمييز بين النهار والمساء اناقة، استنفد الموزاييك استعمالاً والأزهار استيحاء والذهب ضياء.
الألوان، بالاجماع، تركزت على الأسود. فرض نفسه هذا اللون الانثوي وكنجم الموسم. الأثواب السوداء تسقط حتى الرسغ، لكن على جزمة او حذاء فخم يعيد عز الأربعينات الى كامل سطوته. قال إيمانويل اونغارو: "في المساء أرى المرأة في تنورة من التول الأسود تحت صدرية مؤشاة وفوقها معطف من الحرير المطبوع بعينين زرقاوين واسعتين". أونغارو بالذات تابع تعليقه على اناقة المرأة الشتوية. فهذه يريدها امرأة عسكرية في النهار ولا تقاوم في المساء. بعض الاستيحاءات من روسيا الكبرى في المخمل الاسود والأكتاف العسكرية. أونغارو عثر على صورة لدوق وندسور مأخوذة له سنة 1920. وهذه اعطته مدى في الابتكار قادم من بلاد "الإيكوس" ليغاوي اجمل القامات ويتدلل عليها. "أنوك إيميه" الفنانة الشهيرة كانت في الصف الأول. وكانت تردد، حقاً انه رائع.
في قاعة مسرح "شايو" بالتروكاديرو، إلتقت النخبة من اجل عرض شانيل المنتظر. زعيق على باب الدخول بسبب الزحام بينما كانت العارضات يتهادين بجرأة في تصاميم "لاغرفيلد" على خشبة العرض. لاغرفيلد، مصمم أزياء شانيل منذ ان تسلّم "الادارة الفنية" في دارها سنة 1983، لا يهدأ ولا يتعب. ويقال ان أجره مرتفع جداً ولا يمكن ان يحلم به مصمم آخر. المرأة في تصاميمه الجديدة متألقة ومتحررة. إنها المرأة التي تحب المجوهرات والريش و"التايورات بتنورة غير طويلة او بنطلون واسع".
درس في الأناقة
فيليب فينة أعطى في اثناء عرضه درساً صارماً في الأناقة. أنيقاته معروفات. ومنهن تدوم داره وتتابع سيرها في عالم التصاميم المتعرج. فهو لا يملك عطراً باسم داره ولا يبتكر الألبسة الجاهزة. لذا فإن كل تصميم قدمه كان مدروساً. المعطف بوجهين. والشتاء مقبل مع قنطان برزت أناقة تفصيلاته وبرفقة أثواب طويلة تصل حتى قبل الرسغ بقليل. وبخلاف ما صممه للسهرة، فالتنورة تقف عند الركبة. "فينة" يبيع موديلاته لأميركا، وهذه تعيش اليوم أزمة. الأميركيات يتأنقن بحرص. إذاً، ها هو يساير التيار ويبادل المشاعر. من معاطفه الزهرية والزرقاء، تهادت أثواب غامقة ومحتشمة، منها الأسود طبعاً ومن قماش الساتان والأورغنزا. لا جنون في موضته كما فعل البعض. لكن أي درس في الأناقة باغت فيه الحضور والإعلام.
هناي موري، اليابانية المحلقة اليوم في اجواء كبار المصممين الباريسيين، هي نجمة هائلة بين النساء اللواتي يرغبن في موضة محتشمة. ومن منطلق هذه الموضة، اختارت لأمسيات الشتاء "تايورات سموكنغ"، في حال الرغبة بتنورة بدل البنطلون، فهذه تغطي الركبة. الألوان السائدة في موضتها هي الأسود والأبيض. "هناي" فخورة اليوم بتوقيعها الإتفاق المنتظر مع دار ساغا السكندينافية لتحقيق أزياء فرائية خاصة لها. ولهذا حملت عارضاتها على قاماتهن بعض افكارها عن التصاميم الفرائية المقبلة. ومثلاً، فراء "الفيزون" المحلوق والمشغول بتقطيعات هندسية مقلمة ومربعة. طبعاً، حيّت هناي موري اليابان على طريقتها الموضوية وذلك عبر الكيمونو الذي صممته بالرجوع الى وثائق تاريخية قديمة.
المعدنية لا تلغي الرصينة
كان "باكو رابان" صرعة في ابتكاراته. ودار همس بين الحضور حول موضته المعدنية الخارجة عن المألوف الذي يمكن التعامل معه في الاناقة الحديثة لعل "باكو" يهيئ منذ الآن لقامة إمرأة فضائية تدور اناقة بين النجوم والأقمار في سنوات ما بعد الألفين. ربما من هذا المنطلق تردد كلام عن وجوب استدعائه لتدشين الألعاب الاولمبية التي ستجري سنة 1996 في اطلنطا الاميركية. وكما حدث في افتتاح الألعاب الأولمبية في برشلونة لصيف 1992، حيث تهاوت عارضات بأجمل ابتكارات المصممين الإسبان أمام الجمهور من ضمن برامج الإحتفال. "باكو رابان" استعمل في تصميم أزيائه، المطرقة والكماشة بدل الإبرة. ثلاثة ايام من اجل نحت ثوب واحد. إنه "حداد" الخياطة الراقية. وقد افتتح عرضه بستة معاطف منفوخة ككرة القدم. الأنفاس تشهق حين تتركز العيون على أشكال أزيائية أساسها زجاجات على شكل زجاجات مياه "سان يور" المعدنية. وعلى ثوب ضيق مصنوع من "الدانتيل الكاوتشوكي"، وثوب "الملكة الأفريقية" المرصع بالمعدن واللآلئ". اكثر من ذلك، فقد برزت خصوصية باكو رابان في إختيار شكل "الطيارة الورق" للقامة وبطول يقف تحت منتصف الساق.
إذا كان باكو رابان قدّم هذه الموديلات الصرعة في مادتها وشكلها، وقال في ما قال: "أحب الأبيض والأسود كثيراً، والمعدن أكثر"، فإن إيف سان لوران جاء بالإتقان في البساطة. خمسون موديلاً فقط، لكنها تلخص ذهنية سان لوران في مقاييس الأناقة العصرية. منتهى الجمال في الأبسط من الخطوط المنحدرة هادئة على كل عارضة كانت تسير بهدوء كتسريحتها الارستقراطية. تايور جديد يتألف من جاكيت طويلة تنحدر على الجسم بتفصيلات دقيقة، فوق تنورة لا تغادر الركبة تقريباً. الياقة عسكرية عالية. معاطفه قصيرة ومربعة دون ياقة من الصوف الزهري او الأسود. للمساء اختار سان رولان البنطلون وفوقه قميص صغير من الدانتيل. اللون احمر فاقع. ايضا وجد "السموكنغ" مكاناً أصيلاً بين مجموعته التي قدمها للسهرة. ثم ان سان لوران هذا عرف كيف يؤالف بين الألوان على طريقة الرسام الشهير "مانيه".
كانت كاترين دونوف، نجمة دار سان لوران وصديقته الكبيرة، في مقدمة الحضور. وكان هناك المصمم كنزو والمصممة الفنانة سونيا ريكييل. الجميع كان موافقاً على ان سان لوران سيّد "القصات الجميلة" المطلق.
تنافس على الابتكار، استعراضات مدهشة، زحام وإعلام، واستعداد من الآن لموسم الربيع والصيف المقبل. وشكراً لهذا المهرجان الموسمي الذي يلغي العبوس عن وجه العالم لبعض اللحظات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.