بدأت اسرائيل تتحدث عن "آفاق التعاون الاسرائيلي مع سورية" وكأن السلام بين البلدين اصبح قريباً وحتمياً ولا مفر منه. وقد نشرت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية في مطلع هذا الشهر - وبالتحديد يوم 2 تشرين الأول اكتوبر الجاري - نص دراسة اسرائيلية هي الاولى من نوعها تتحدث، بشكل مفصل، عن آفاق وإمكانات التعاون بين سورية واسرائيل بعد توقيع اتفاق سلام بين البلدين. الدراسة صدرت عن "صندوق ارمان هامر للتعاون الاقتصادي في الشرق الاوسط، التابع لجامعة تل ابيب، وأعدها الدكتور غيل بايلر الذي يعتبر احد ابرز الخبراء الاسرائيليين في القضايا الاقتصادية الشرق أوسطية ويعمل محاضراً في جامعة تل ابيب وباحثاً في "مركز الدراسات الاستراتيجية" التابع لجامعة "بار ايلان" في تل ابيب. "الوسط" حصلت على نص هذه الدراسة كما صدرت في "معاريف" وتنشر في ما يأتي مضمونها الذي يكشف جانباً مهماً من خطط اسرائيل تجاه سورية. ذكرت هذه الدراسة ان هناك آفاقاً واسعة للتعاون المستقبلي بين اسرائيل وسورية تلخصها النقاط الآتية: 1 - هضبة الجولان: بامكان اسرائيل وسورية الاتفاق على تحويل هضبة الجولان الى منطقة تجارة حرة مهما كانت هوية الجهة التي ستفرض سلطتها على هضبة الجولان وإعداد برامج لاقامة مبانٍ سكنية وافتتاح فروع لمعامل صناعية ومصارف ومراكز سياحية فيها، فضلاً عن بناء مطار في مركزها. ومن شأن هذه المنطقة التجارية الحرة ان تجلب ارباحاً هائلة للدولتين عبر توسيع مجالات التبادل التجاري بينهما والتصدير الى دول اخرى. وبالنسبة الى اسرائيل فان اقامة المنطقة التجارية الحرة ستمكنها من زيادة صادراتها. 2 - المواصلات: امتد جهاز المواصلات الاقليمي خلال العهد العثماني وعهد الانتداب البريطاني الى مدن عدة في فلسطين كانت شكلت مراكز تجارية مهمة بالنسبة الى سورية. فقد تم تصدير غالبية الانتاج الزراعي لمناطق جنوب سورية عبر ميناء حيفا. ولكن في اعقاب قيام اسرائيل توقف جهاز المواصلات المتشعب والواسع بين اسرائيل وجيرانها عن العمل، واقتصر استخدامه منذ ذلك الحين على المستويات المحلية. ولكن، بفضل السلام، اصبح بامكان دول المنطقة اعادة ترميم هذا الجهاز وتشغيله خلال فترة قصيرة. وفي ما يخصّ جهاز المواصلات بين اسرائيل وسورية فانه سيتوزع على ثلاثة مجالات: مجال المواصلات البحرية: تعتمد غالبية الصادرات والواردات السورية على المواصلات البحرية، وتتم عملية شحنها او تفريغها عبر ميناء اللاذقية شمال سورية وميناء بيروت في لبنان. ولكن بوسع ميناء حيفا ان يتحول الى مركز مهم لشحن وتفريغ البضائع الآتية من مناطق جنوب سورية او الموجهة اليها، مما سيؤدي الى توفير مبالغ طائلة. كما يشمل مجال المواصلات البحرية نقل مسافرين بين الموانئ السورية والاسرائيلية لأغراض السياحة والتجارة والحج الى الاماكن المقدسة. مجال المواصلات البرية: ان اعادة ترميم خط سكة الحديد الذي يربط بين حيفا ودمشق سيعود بفوائد جمة على كل من سورية وإسرائيل. اذ ستمر عبره اعداد غفيرة من المسافرين بين البلدين لأغراض السياحة والتجارة والحج الى الاماكن المقدسة. وقد انشئ هذا الخط قبل مئة عام واستمر العمل به حتى عام 1948، ويعتقد الخبراء ان باستطاعتهم ترميمه وإعادة تشغيله خلال فترة اشهر قليلة. وكان من المفترض ان يزور المنطقة في منتصف 1991 وفد من خبراء الأممالمتحدة لدراسة مشروع مد شبكة سكك حديدية بين بعض دول المنطقة. ومن شأن تطبيق هذا المشروع ان يسهل، على سبيل المثال، عملية نقل المياه من تركيا الى الاردن واسرائيل. كما ان مد خط سكة حديد على طول شاطئ البحر المتوسط بين تركيا ومصر سيزيد النشاطات التجارية والسياحية بين سورية واسرائيل. وكان البريطانيون مدوا خط سكة حديد بين الموانئ الرئيسية في المنطقة، وهي بيروت وحيفا وطرابلس، وما زال هذا الخط يعمل على المستويات المحلية على سبيل المثال بين حيفا وتل ابيب في اسرائيل. ومن شأن ترميم هذا الخط وإعادة تشغيله ثم ربطه مع اوروبا عبر تركيا ان يتحول الى احد اهم المصادر التجارية والسياحية لدول المنطقة عامة، وسورية واسرائيل خصوصاً. مجال المواصلات الجوية: شهدت سوق الملاحة الجوية تغييرات عدة خلال السنوات الاخيرة. ففي اوروبا تنوي المجموعة الاوروبية اتباع سياسة ليبرالية تسهل لشركات الطيران الاجنبية المرور بحرية في الاجواء الاوروبية، بينما تواجه هذه السياسة معارضة شديدة من الكونغرس في الولاياتالمتحدة. وفي هذا السياق بامكان دول المنطقة استغلال المكانة الخاصة التي تحظى بها اسرائيل في اسواق الطيران الاوروبية والاميركية لتطوير شبكة مواصلات جوية اقليمية تكون اسرائيل مركزها. كما تعتبر اسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي ترتبط باتفاقات تجارة حرة مع المجموعة الاوروبية والولاياتالمتحدة مما يؤهلها لأن تتحول الى جسر يربط بين دول الشرق الاوسط عموماً وسورية خصوصاً وبين الولاياتالمتحدة وأوروبا. 3 - السياحة: تعتبر منطقة الشرق الاوسط وجهة رئيسية للسياح الاجانب نتيجة تعدد الاماكن المقدسة وآثار الحضارات القديمة بين بلدانها. وبامكان سورية واسرائيل التوصل الى اتفاق تعاون شامل بينهما في مجال السياحة، خصوصاً ان الدولتين لم تستغلا حتى الآن كافة قدراتهما في هذا المجال، اذ تتميز سورية بجاذبية هائلة للسياح، ولكنها لا تقدم خدمات سياحية كافية، كما تحتاج الى المزيد من الفنادق وبيوت الضيافة الاخرى. ومن بين المراكز السياحية والاثرية في سورية تبرز دمشق وحماة وطرطوس. وقد وصل معدل عدد السياح الذين زاروا سورية سنوياً قبل حرب الخليج الى حوالي 2،1 مليون سائح، وبلغ معدل انفاقهم السنوي حوالي 477 مليون دولار. وبامكان اسرائيل وسورية التوصل الى اتفاق، في البداية، لتطوير اماكن التزلج على الثلج في جبل الشيخ وتنظيم رحلات مشتركة لسياح اجانب ومحليين تشمل التنقل بين الاماكن الدينية والأثرية في البلدين. 4 - العلوم والتكنولوجيا: تتركز خطط التطوير العلمية السورية، التي يشرف على مهام تطبيقها المجلس الاعلى للعلوم في سورية، في مجالي الزراعة والصناعة، بينما تمتد خطط التطوير العلمية في اسرائيل الى مجالات علمية وتكنولوجية عدة. وتم بفضل هذه الخطط اقامة مراكز ابحاث علمية عدة ومعامل لانتاج اجهزة علمية وتكنولوجية تبلغ قيمة صادراتها السنوية، المعلوماتية والصناعية بلايين الدولارات. ويعود تفوق اسرائيل على سورية في المجال العلمي - التكنولوجي الى اتساع التوجهات الغربية في اسرائيل وتعدد مراكزها ومعاهدها العلمية، بينما لا توجد في سورية مؤسسة علمية واحدة تحظى بسمعة دولية. ولكن على رغم هذا التفوق هناك امكانية للتعاون بين الدولتين في مجال الحاسبات والعقول الالكترونية، خصوصاً ان عددا قليلاً فقط من الجامعات السورية ينظم دورات متقدمة في هذا المجال بينما تملك اسرائيل طواقم عدة من الخبراء التي تستطيع تدريب وإرشاد طواقم سورية في كافة المواضيع المرتبطة بهذا المجال، كمقدمة لاتفاق الدولتين على اقامة مشاريع مشتركة لانتاج الحاسبات والعقول الالكترونية وتسويقها في الدول العربية. 5 - علوم البحر: بامكان سورية واسرائيل جني فوائد كثيرة من خلال تعاونهما في مجال العلوم البحرية. ولن يقتصر هذا التعاون على اجراء دراسات مشتركة لوقاية مياه البحر من التلوث، وإنما يشمل ايضا تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات تطوير الزراعة البحرية وتربية اسماك وحيوانات بحرية وغيرها. 6 - الطب: تملك اسرائيل خبرة واسعة في المجال الطبي، وبامكانها التوصل الى اتفاقات طبية عدة مع سورية وبالذات في مجال معالجة الاطفال وذلك نتيجة ارتفاع نسبة الوفاة بين الاطفال في سورية، مقارنة بنسبتها في اسرائيل. فضلاً عن استقبال مرضى سوريين في المستشفيات الاسرائيلية، والاتفاق على مشاريع ابحاث طبية مشتركة وبالذات في مجال الطب الوقائي. اضافة الى تصدير اجهزة طبية حديثة وأدوية من انتاج اسرائيلي الى سورية. 6 - التعليم والتربية: ان تطوير علاقات التعليم والتربية مع سورية يعتبر عاملاً اساسياً بالغ الاهمية من شأنه ان يساهم كثيراً في تطوير مجالات العلاقات الاخرى. وتتميز سورية بمستوى ثقافي عال مقارنة بدول عربية اخرى، وذلك بفضل خطط التعليم الواسعة التي طبقت خلال العقود الاخيرة. ولكن على رغم هذه الخطط فان ثلث المواطنين السوريين لا يزال أمياً. وبالنسبة الى اسرائيل فقد ارسلت خلال العقود الاخيرة حوالي 3000 خبير في مجالات عدة الى حوالي 60 دولة نامية لمساعدتها على رفع مستوى معاهدها التعليمية وتطوير قدرات انتاجها الصناعي. كما التحق الوف الطلاب الاجانب بمعاهد اكاديمية وعلمية اسرائيلية. وبامكان سورية واسرائيل التوصل الى اتفاقات لتبادل بعثات طلابية وإعداد ابحاث اكاديمية وعلمية مشتركة، فضلاً عن قيام الفرق الموسيقية الاسرائيلية بتنظيم حفلات في سورية، وتبادل المعارض الاثرية بين الدولتين وتشجيع ترجمة الاعمال الادبية العربية والعبرية ونشرها بواسطة دور نشر رسمية في الدولتين او بواسطة دور نشر تجارية. استثمارات اسرائيلية في سورية 7 - الزراعة: تعتبر الزراعة بمثابة الركيزة الرئيسية للاقتصاد السوري، الا ان سورية ما زالت تستخدم طرقاً تقليدية غير حديثة لمحاولة زيادة انتاجها الزراعي. بينما تمكنت اسرائيل من تكديس خبرة زراعية هائلة، وبالذات في مجالات استصلاح المناطق الصحراوية والوعرة وطرق استخدام المياه، كما صدرت منتجات زراعية الى عدد من الدول العربية. وبالتالي بامكان اسرائيل ان تساهم بصورة عملية في تطوير وتحسين قدرات الانتاج الزراعي السوري. 8 - التجارة: بامكان اسرائيل تنويع مصادر استيرادها النفطية عبر استيراد كميات من النفط من سورية بعد ان تحولت سورية الى دولة منتجة للنفط خلال السنوات الاخيرة، فضلاً عن الاعتماد على منتجات معامل تكرير النفط السورية لتشغيل الصناعة البتروكيماوية في اسرائيل. وفي المقابل بإمكان اسرائيل تصدير منتجات النفط المكررة الى سورية. ويتبين من هيكل الاقتصاد السوري على رغم انخفاض معدل الدخل الفردي في سورية، الا ان هناك نسبة معينة من السوريين يزيد دخلها على هذا المعدل، ومن المحتمل ان تتحول الى "سوق" للصادرات الاسرائيلية. ولكن، في الوقت ذاته، من شأن انخفاض معدل الدخل الفردي في سورية وانتاج مواد استهلاك أولية رخيصة اغراق السوق الاسرائيلية ببضائع رخيصة مما سيؤدي الى الحاق اضرار بقدرات ومستوى الانتاج الصناعي الاسرائيلي. وبالتالي من الضروري اتفاق اسرائيل وسورية على تشكيل لجنة مشتركة لتنظيم كافة جوانب التبادل التجاري بين الدولتين. وتشكل مواد الاستهلاك الاولية غالبية الصادرات السورية، بينما تشكل المنتجات الصناعية والتكنولوجية الحديثة 80 في المئة من مجمل الصادرات الاسرائيلية والتي تسوق في الدول الغنية. وبصورة اخرى تدل هذه المعطيات على انه سيكون من الصعب خلال المراحل الاولى اقامة علاقات تجارية واسعة بين اسرائيل وسورية. 9 - الانتاج المشترك: يرتكز الاقتصاد السوري الى قوة عمل رخيصة بينما يرتكز الاقتصاد الاسرائيلي الى قدرات علمية وتكنولوجية حديثة. وفي ضوء ذلك بامكان الدولتين الاتفاق على تنفيذ مشاريع مشتركة ترتكز الى الخبرة الاسرائيلية واليد العاملة السورية، ولكن من دون اظهار التفوق التكنولوجي والعلمي الاسرائيلي نظراً الى الحساسية السورية تجاه هذا التفوق. ومن المفضل الاتفاق على مشاريع يتم خلالها اطلاع الجانب السوري على الخبرات العلمية والتكنولوجية الاسرائيلية وتدريبه على استخدامها. كما من المفضل ايضاً، خلال المراحل الاولى على الاقل، اقبال رجال اعمال اسرائيليين على الاستثمار في مشاريع في سورية، وذلك ليس لجني ارباح مالية فقط وانما ايضاً لخلق احتكاك واتصالات بالسوريين. وتعتبر الدراسة الاسرائيلية التوتر السياسي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط بمثابة السبب الرئيسي لتقليص قيمة الاستثمارات الاجنبية في دول المنطقة. وتضيف انه في اعقاب توصل مصر واسرائيل الى اتفاق سلام بينهما فان التوتر الذي ما زال سائداً بين سورية واسرائيل يشكل حالياً اهم سبب يحول دون قدوم الثروات الاجنبية الى هاتين الدولتين. وتقول ان مصر واسرائيل تمكنتا من جني ارباح بفضل اتفاق السلام الذي ساهم في زيادة قيمة الاستثمارات الاجنبية في مصر، وتتوقع ان يؤدي التوصل الى اتفاقات سلام اخرى الى زيادة هذه الاستثمارات والى تطوير المنطقة.