* الزيات : السادات سبق الجميع حين اعتبر ان اميركا هي القوة الوحيدة في العالم * تحسين بشير: السادات أدرك ان القومية العربية انتهت فاستعاد سيناء * اللواء المجدوب : انهارت الجبهة السورية بسرعة فضعفت مصر وتدخلت اميركا * حجازي : مشكلتنا مع اسرائيل ليست نفسية بل تضارب مصالح كبرى مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية الجارية حالياً مهدت لها، في الواقع، حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 التي أعادت الى العرب ثقتهم بأنفسهم. وما جرى بعد هذه الحرب من جهود ديبلوماسية، أميركية ومصرية وسورية وعربية، كان بمثابة خطوات أولى الى المفاوضات المباشرة الجارية حالياً بين الأطراف العربية المعنية مباشرة بالنزاع مع اسرائيل وبين الدولة اليهودية. من هنا أهمية "الجانب السياسي والديبلوماسي" من حرب 1973 التي يصفها المشير عبدالغني الجمسي بأنها "اكبر الحروب العربية المعاصرة". والاسئلة كثيرة عن مرحلة ما بعد حرب 1973: كيف انهار "حلف اكتوبر" بين مصر وسورية ولماذا؟ وهل لعبت اميركا دوراً في ضرب هذا الحلف؟ وهل كان الرئيس الراحل انور السادات على حق ام على خطأ حين سعى الى استعادة سيناء وحدها؟ وكيف ولماذا راهن السادات على أميركا وتعامل معها، منذ ذلك الحين، على أساس انها "القوة العظمى الوحيدة في العالم"؟ هذه الاسئلة وسواها كانت محور ندوة خاصة عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة وأدارها عمرو عبدالسميع وشارك فيها أربعة من أبرز الخبراء الديبلوماسيين والسياسيين والعسكريين في شؤون "مرحلة حرب اكتوبر" وهم: الدكتور محمد حسن الزيات، وزير الخارجية المصري خلال فترة الاعداد لهذه الحرب بين أيلول - سبتمبر - وتشرين الأول أكتوبر 1973 ثم مستشار السادات بين 1973 و1975. السفير تحسين بشير المتحدث الرسمي باسم مصر بين 1969 و1976 ومندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربية من 1976 الى 1979. اللواء طه المجدوب رئيس تخطيط هيئة العمليات في القيادة العامة للقوات المصرية خلال حرب 1973، عضو وفد مصر الى مؤتمر جنيف للسلام في كانون الأول ديسمبر 1973، عضو الوفد المصري الى المفاوضات مع اسرائيل لتحقيق اتفاق فك الارتباط الأول والثاني عام 1974 و1975. وترأس المجدوب الوفد العسكري المصري المشارك في المحادثات التي أدت الى توقيع معاهدة كامب دايفيد مع اسرائيل في آذار مارس 1979 وتم تكليفه بعد ذلك بمتابعة تنفيذ بنود المعاهدة. السفير وفاء حجازي: ديبلوماسي وسفير سابق ومساعد سابق لوزير الخارجية المصري ومؤلف عدد من الكتب عن الصراع العربي - الاسرائيلي. وقدم عمرو عبدالسميع في بداية الندوة ورقة عمل هذا أبرز ما فيها: شهدت الفترة ما بين نشوب حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 وتوقيع اتفاقية فصل القوات الثانية المصرية - الاسرائيلية في أيلول سبتمبر 1975 جذور عملية السلام العربية - الاسرائيلية الراهنة. فعلى رغم ان جهود التسوية السلمية بدأت قبل ذلك في اعقاب حرب 1967 وصدور قرار مجلس الامن الرقم 242 الذي يشكل الأساس الوحيد المتفق عليه لهذه العملية، فقد افتقدت تلك الجهود للجدية حتى نشوب حرب 1973. وأكدت حرب 1973 اكثر من أي حدث آخر في تاريخ الصراع انه غير قابل للحسم بالقوة المسلحة. لقد شاع الاعتقاد في بعض الدوائر ان التحرك السياسي العربي، وبصفة خاصة المصري، لم يحسن استثمار النتائج العسكرية لحرب 1973، بل ذهب البعض الى حد الحديث عن اهدار تلك النتائج وتبديد أول انتصار عسكري عربي على اسرائيل. لكن يبدو ان هذا التقييم يتعرض لاعادة نظر الآن نتيجة التطورات الدولية الاخيرة وما فرضته من منهج معين لتسوية الصراع العربي - الاسرائيلي يعتبره البعض تأكيداً لبعد النظر الذي انطوى عليه ذلك التحرك المصري. وما زالت ثمة حاجة للبحث في عوامل التراجع السريع للتنسيق المصري - السوري الذي اثبت فعالية في الحرب، فكيف نشأت فجوة الثقة، وهل كانت امتداداً لتركة ما قبل "حلف اكتوبر"، وكيف اصبحت عناصر عدم الثقة هي السائدة على صعيد العلاقة بين كل اطراف "المواجهة" في ذلك الوقت، باضافة الاردن ومنظمة التحرير وحتى لبنان الذي نشبت الحرب الاهلية فيه في نيسان ابريل 1975، بما يفرض التساؤل ايضاً عن تأثيرها على التفاعلات العربية في تلك الفترة؟ على الصعيد الدولي أثرت السياسة الاميركية وديبلوماسية كيسنجر وزير الخارجية الاميركي خلال حرب 1973 وبعدها اساساً، على التحرك السياسي العربي خلال تلك الفترة، في الوقت الذي اخذت العلاقات العربية - السوفياتية في التراجع السريع. والسؤال الرئيسي هنا هو عن حدود تأثير تلك الديبلوماسية على التفاعلات العربية خصوصاً بين مصر وسورية، والمدى الذي اسهمت به في تفكيك حلف اكتوبر، وتحديداً هل كانت هذه الديبلوماسية هي العامل الأساسي في احداث الشرخ العربي جينئذ؟ أم ان التناقضات العربية كانت كامنة وجاءت حرب اكتوبر كحدث استثنائي جمدها بشكل موقت، وكان من الطبيعي ان تظهر للوجود من جديد، وبالتالي لم يكن لديبلوماسية كيسنجر من دور سوى استغلالها؟ - السفير تحسين بشير: لكي نناقش التحرك السياسي الذي أعقب حرب 1973، لا بد من العودة الى بداية عملية الاقتراب المصري من الولاياتالمتحدة بعد حرب 1967. كانت هناك عملية بناء جسور بين مصر وأميركا بدأت من أول يوم، واصطدمت بتوجه عبدالناصر الذي حاول ان يستخدم اميركا ككبش الفداء من خلال تأكيد انهم شاركوا فعلياً في حرب 1967. والاميركيون اصروا على انه اذا لم يعدل عن اتهامهم بأنهم اشتركوا بطيارات او بطيارين فلن يتعاملوا معنا. فاضطر عبدالناصر في احدى خطبه للتراجع عن هذا الاتهام، وأصبح السؤال بعد ذلك هو: كيف نتعامل مع اميركا؟ وفي الأممالمتحدة بدأت عملية المعادلة التي انتهت الى مؤتمر الخرطوم. المرحوم الدكتور فوزي كان طرفاً في هذا. وكان من الضروري تأمين الوضع الداخلي وتثبيت استقرار مصر "عشان نشوف نحل ازاي". كان واضحاً لنا حدود موقف الاتحاد السوفياتي وتأكيده على الحل السياسي والامم المتحدة. وقبلنا القرار 242 بعد ان رفضنا مقترحات لاتينية افضل منه، وبدأنا عملية مفاوضات شاقة جداً وطويلة عن طريق الأممالمتحدة، لكن وراءها اميركا. وتبين لنا ان عملية تحريك الأممالمتحدة عن طريق مبعوث الأممالمتحدة يارينغ والامين العام للمنظمة الدولية واللجان المختلفة لم تؤد الى شيء والقرار 242 الذي وافقنا عليه تحول لأن يصبح عنصراً من عناصر المفاوضات. وفي الوقت نفسه كنا نبني الجيش المصري وعلى الأقل الطاقة الدفاعية المصرية ونوقشت مبادرة وليم روجرز وزير الخارجية الاميركي صيف 1968 وكانت الآراء مختلفة، وقبلها عبدالناصر حتى يؤمن دخول الصواريخ المصرية. ويوم نجاحنا في حرب 73 قال لي محمود رياض، ان الذي نجح هو الكتاب، أي كتاب الجيش بمعنى الدروس العسكرية التي اتبعناها فنجحنا. ففي حرب 1973 لم يكن هدف الجيش المصري استرداد كل سيناء، فالهدف العسكري لم يتعد عبور قناة السويس وتعزيز مواقعنا. لم يكن هناك تقرير يرى انه بامكاننا اخذ الممرات، وقد قامت حرب الاستنزاف بدور جوهري في استعادة الثقة واثبتت بعد ايام قليلة جداً من الهزيمة العسكرية، ان قواتنا وسلطاتنا عندما تعمل بعقل تحقق نتائج. فحرب الاستنزاف استعدنا بها قدرتنا القتالية وثقتنا بأنفسنا لأن 1967 ضيعت ثقتنا بأنفسنا. وعندما جاء أنور السادات ماذا كان هدفه؟ ان يستعيد الأرض العربية المحتلة وهذه كانت، بالنسبة اليه اولوية واضحة. عملية القومية العربية ومسؤولية مصر عن كل العالم العربي انتهت في حرب 1967، وكان مدركاً لذلك ومستعداً لأن يحصل على أقصى ما يمكنه، ولكن اولوياته واضحة: استعادة الأرض المصرية سيناء والمساعدة فقط على استعادة الأرض الاخرى. هل كان الطرف الآخر في حلف اكتوبر على علم بهذه الاولوية او ترتيب الاولوية لديه؟ - تحسين بشير: نأتي الى الطرف الآخر. لم تكن حرب 73 حرباً عربية على رغم اننا نقول انها حرب عربية، ولكي نسمي الاسماء بمسمياتها كان هناك تفاهم مصري - سوري، ونوع من الدعم العربي العام والمشروط. الرأي العام كان دعماً تظاهرياً وكان الجميع خارج مصر يتصورون ان الحرب تستمر اياماً طويلة جداً. وأنا بالنسبة اليّ انتهت الحرب في اليوم الثالث بعدما عبرنا القناة. وبعد ذلك لم نستطع ان نعمل الكثير بالنسبة الى علاقتنا مع الطرف الآخر اي سورية فلم تكن هناك قيادة موحدة. وكان بيننا تفاهم في جوانب وعدم وضوح وإبهام وغموض في جوانب اخرى، ولا أريد الدخول في النقاط الخلافية التي نشأت في الأيام الاولى من الحرب. بعد الأيام الأولى قال لنا الروس، ان السوريين يريدون وقف اطلاق النار، والسوريون قالوا لم نطلب هذا، لكن الذي حدث انهم رموا بكل قواتهم في الأيام الاولى، ومن يفعل هذا لا ينوي ان يحارب وإنما يريد اخذ ارضه والسعي الى وقف اطلاق النار. وحدث ما حدث في غيبة الدولة العربية الموحدة سواء كانت فيدرالية او كونفدرالية وفي غيبة قيادة موحدة مثل "الحلف الأطلسي" فجميع الاطراف لها مصالح وأولويات مختلفة، وبالتالي بينها مساحات من الاتفاق ومساحات من الاختلاف. كيف كانت العلاقة المصرية مع الولاياتالمتحدة في هذا السياق؟ - تحسين بشير: الإعداد الجيد للحرب ما كان له ان ينجح من دون تحديد المسرح السياسي أي الولاياتالمتحدة. كان هم السادات أولاً ان يكسب الولاياتالمتحدة. كيف؟ بعدم شن الحرب الا بعد ان قام بكل جهد ممكن لتحريك السلام فبدأ يقبل تقسيم عملية السلام الى خطوات لأنه ايقن ان كيسنجر والرئيس نيكسون لن يقبلا الحل الشامل الدائم في صفقة واحدة. وبدأ السادات اتصالات منذ جنازة عبدالناصر واستمر في ارسال تصورات الى واشنطن وبعث بعد ذلك مستشار الامن القومي حافظ اسماعيل مرتين الى الولاياتالمتحدة وقابله كيسنجر، ولكن كيسنجر في كلامه الحقيقي لم يقدر هذه الزيارة وأعتقد ان حرب 73 كان يمكن تفاديها لو كان له تقدير مختلف للقدرات المصرية ومعها القدرات العربية. كانت الاولوية عند السادات - كمصري فلاح - للأرض. وهذا يمثل الوطنية المصرية. الأرض تعطي الحياة، والأرض هي الوطن، ومصر هي أم العرب والمحافظة على الأم ضروري، والأرض لها معنى جوهري، بلاد زراعية ثابتة مستقرة مثل مصر. وكان هذا واضحاً جداً في تفكير السادات. كان غرض السادات ان يقول للاميركيين: سأحارب في ارضي ولاستعادة أرضي وليس للقضاء على اسرائيل. لكن كيف؟ باستخدام القوة العسكرية لتحريك الاوضاع السياسية للوصول الى حل سياسي افضل. وأول ما قام به في 1973 انه اوضح ان هدفه لا يتجاوز استعادة الأرض العربية. وانهارت الجبهة السورية بسرعة نأتي بعد هذا الى النقطة الثانية وهي قرار السادات بطرد الخبراء السوفيات والذي اثار دهشة الكثيرين لكنه اراد من وراء هذا القرار ان يؤكد للأميركيين ان أية حرب ستقوم بها القوات المصرية ليست جزءاً من الحرب الباردة، وليست انتصاراً لأنصار موسكو على انصار اميركا، لأن اميركا لم تكن تسمح بهذا. ومن دون هذا التأكيد كان رد الفعل الاميركي سيختلف. لهذا حاولنا اذن في 1973 ان نؤمن الاميركيين ونحيدهم، مع التأكيد على ان المصريين والعرب يريدون ارضهم. وقد اكد نيكسون اخيراً عدم صحة ادعاء كيسنجر بأنه هو الذي أرسل المساعدات لاسرائيل وقال "انني كرئيس لأميركا لم اسمح لأحد ان يهزم دولة حليفة لنا، ودولة نصفها جزءا من السياسة الاميركية الثابتة". وكان السادات حريصاً جداً لأن ما ينساه الناس هو ان السادات لو دخل الحرب وفشل لكان سيتعلق كخائن في ميدان التحرير. فبعد هزيمة 1967 لم يكن هناك عذر لأي زعيم مصري يدخل حرباً ويهزم، ونجح السادات في العملية بذكاء شديد جداً، أسرع بمقابلة كيسنجر وأحدث تغييرات في المحيطين به نتيجة هذا. وكان السادات يدرك الحاجة الى تغيير نظرة اميركا، ولذلك قصد ان يأخذ كيسنجر الى مكان في مصر، من اسوان الى القناطر حتى يرى الطقم الصحافي والاعلامي والتلفزيوني المرافق له ان مصر بلد متحضر. وفي اسوان وقف كيسنجر وقال "ان احد اخطاء اميركا الكبرى كانت عدم تمويل السد العالي"! اذن بدأ يتعامل مع كيسنجر وعملنا فك الارتباط الأول، ولكن ظهرت صعوبات مماثلة في فك الارتباط الثاني. والسادات لم يكن رجل ديبلوماسية ولكن كانت عنده رؤية سياسية فهو رجل صاحب رؤية، لكنه فوجئ بأن الرئيس نيكسون الذي خرج له المصريون من القاهرة الى الاسكندرية واستقبلوه استقبالاً عظيماً ذهب وجاء محله رئيس جديد هو جيرالد فورد وفي سجله انه أكبر رئيس أيد اسرائيل طوال حياته الانتخابية. وتوقفت المفاوضات. قمنا باتصالات حتى تم اللقاء بين السادات وفورد في النمسا عام 1975 ولم تكن لفورد معرفة عميقة بالسياسة الدولية، وإنما كان إبن بلد اميركاني، فتحدث مع السادات بمنطق بسيط، وقال له: "انني اعرف ان الاسرائيليين لا يثقون فينا ولهم الحق في ذلك من وجهة نظرهم. وأنا لا أثق فيهم ومن وجهة نظري عندي اسباب كثيرة جداً لهذا ولكي أحل لك المشكلة اقترح ان تقف اميركا بين مصر واسرائيل بوضع قوات اميركية في سيناء". وانتهت هذه العملية بفك الارتباط الثاني وأهم ما في هذه العملية اساساً انها سعت الى تغيير المسرح الدولي الفعّال، لأن المفاوضات ليست قضية حجج ولكن ديبلوماسية. - اللواء طه المجدوب: أبدأ بنقطتين صغيرتين تعرض لهما الأخ تحسين. كان لي الشرف ان أكون رئيس التخطيط في هيئة عملية القوات المسلحة لحرب اكتوبر، ثم بعدها رئيس التخطيط لعملية السلام من الناحية العسكرية، يعني فيما بعد حرب اكتوبر حتى وقّعنا المعاهدة. فأنا كنت موجوداً الحقيقة بحكم هذا الموقع في دائرة القرار في حالات كثيرة جداً. والجيش المصري طبعاً حقق نصره بقدرات ابنائه وبسواعد ابنائه وفكر ابنائه، وقد تعبنا كثيراً جداً في الدراسات والتجارب. يعني عملية الاختراق لخط برليف عملنا لها 503 تجربة كي نختار الاسلوب المناسب. موضوع هدف العمليات ايضاً تعرض له الأخ تحسين من ناحية انه كان من المقرر ان تنتهي العملية بالعبور، وهذا خطأ، انا آسف لأن خطة العمليات كنا نعملها بأيدينا وكانت تتضمن الوصول حتى شرق المضائق على مرحلتين وعبور المضائق .... بالنسبة الى موضوع سورية وفجوة الثقة مع مصر، طبعاً مشكلة الثقة بين العرب مشكلة قديمة من ايام 1948. لم تكن هناك ثقة بين الجيوش، فعلى رغم ان سبعة جيوش كانت تحارب في فلسطين، الا انها لم تتعاون، وبالتالي ضاعت فلسطين وقامت اسرائيل. الثقة ظلت مفقودة الى ان جاء جمال عبدالناصر وتمت وحدة مصر وسورية، وأنا حضرتها لأنني كنت هناك منتدباً في قيادة الجيش السوري قبل الوحدة كخبير مصري في شؤون المدرعات. بعد الانفصال تعمق جداً شعور عدم الثقة، وبالذات بيننا وبين السوريين ثم بدأت العلاقات تعود بالتدريج في الستينات وتتحسن الاوضاع، الى ان جاءت حرب 67 وجمعت بيننا الهزيمة. وما أدى الى عودة الثقة مع السوريين بالذات او عودة العلاقات الى مجاريها هو هزيمة 67 فهي التي اكدت حقيقة انه لا بد ان نتعاون. حدث اتصال بعد ذلك بين القيادات المصرية والسورية وكنا نتزاور ونتدارس الخطط ويتم الاتفاق. وتم الاتفاق على تحديد يوم الحرب ثم جرى تعيين قائد واحد هو احمد اسماعيل كقائد للقيادة المشتركة للجبهتين وتشكلت هيئة عمليات مشتركة كان يرأسها اللواء بهي الدين نوفل. واعتبر ان موضوع فقدان الثقة والخلل الذي حصل بدأ في الجانب السوري... كيف؟ كانت الخطة المشتركة في حرب 1973 تقضي بأن تجمد القوات السورية في الجولان جزءاً كبيراً من القوات الاسرائيلية مما يسمح للقوات المصرية بتطوير الهجوم في سيناء بعد ذلك. ولكن ما حدث للأسف الشديد هو انه بعد ايام قليلة من اندلاع الحرب انهارت الجبهة السورية واستردت اسرائيل الجولان بالكامل بل وتوغلت في أرض لم تحتلها من قبل لمسافات كبيرة، حتى اصبحت على بعد 25 كيلومتراً من دمشق. يعني بالمدفعية تضرب دمشق. ولولا التدخل الاميركي كان الموقف سيتأزم اكثر. المهم ان هذا التطور أخلّ بالتوازن الكامل بين الجبهتين المصرية والسورية والذي لم يكن متوقعاً. وكان له رد فعل عسكري استراتيجي خطير في مصر. فبعد اختلال التوازن، كان السؤال هو كيف نستطيع تطوير عملنا؟ هذا الخلل كان من الصعب ان نتغلب عليه في عمقه مع قوة الجسر الجوي الاميركي. كيف أدى ذلك الى تنامي الشكوك بين مصر وسورية؟ - كان من الضروري ان تعزز خطوطتنا اكثر لكي نقابل ما سيأتي من الجبهة السورية بعد الانهيار الذي حصل فيها، وبالتالي كان يقابل هذا الضغط الاستراتيجي ضغط سياسي من سورية مفاده ان مصر لا بد ان تكمل وان تطور عملياتها حسب الاتفاق السابق. لكننا كنا متفقين على ان تتطور العمليات في ظروف قتال افضل بكثير من ظروف القتال التي حدثت نتيجة لخلل ما في الجولان لا نعلم سببه. يعني كل شيء كان مخططاً بمنتهى الدقة، والخلل الذي بدأ في الجولان كان السبب وراءه ثغرة الدفرسوار عندنا. هذه الضغوط اضافة الى الضغوط السياسية من الجبهة السورية والبرقيات والاتصالات مع الرئيس السادات ادت الى احداث تغيير جزئي في خطة الهجوم. وما حدث بعد ذلك انه نتيجة الدعم الاميركي وانكشاف الخطة ونتيجة للحشد الاسرائيلي الذي اخذ يتركز ضد الجبهة المصرية تمهيداً لعملية الثغرة بعد سقوط الجبهة السورية، فشلت عملية التطوير وتحملنا خسائر كبيرة لم تحدث من اول الحرب بلغت 250 دبابة. طبعاً كنا دمرنا للاسرائيليين اكثر من هذا بكثير يعني كانت خسائرهم اكثر. ولذلك صدرت تعليمات في نهاية اليوم بانسحاب القوات وعودتها الى الخطوط التي كانت عندها، وكانت هذه فرصة لعملية التسلل الاسرائيلي وبدأوا يعبرون عند نقطة اتصال البحيرات المرة بقناة السويس. ماذا كان تأثير ما سمي بديبلوماسية هنري كيسنجر في تعميق او عدم تعميق فجوة عدم الثقة بين مصر وسورية؟ - اللواء المجدوب: هذه التطورات كلها التي بدأت من الجبهة السورية وانتهت عند السويس وضعتنا في موقف ليس خطراً لكنه حرج لأنه اصبح هناك فرقتان في الشرق معزولتين تماما. لا نستطيع تزويدهما بامدادات وبخدمات طيبة، ولو ان الامدادات والمخزونات لدى هذه القوات كانت تكفيها لفترة طويلة، لعدة اسابيع، ولكننا كقيادة كنا طبعاً في قلق لا نستطيع ان نعتمد على هذا والى متى؟ فكان لا بد ان نخرج من هذا المأزق بسرعة، وكان هذا سبب وجود كيسنجر، وقبولنا لاتفاقية وقف اطلاق النار. وكان ذلك حلاً لموقف عسكري انساني كان لا بد ان يحدث ولكنه فتح الطريق لديبلوماسية الخطوة خطوة التي قام بها كيسنجر. وما دمنا عملنا هذه الخطوة فلنعمل التي بعدها، وما دمنا فتحنا الطريق فكان لا بد ان نخلي الضفة الغربية من القوات المصرية بأي ثمن. وعقد مؤتمر جنيف في كانون الأول ديسمبر 1973 وكنت مندوب القوات المسلحة في الوفد المصري، ثم كان المؤتمر الذي لم تحضره سورية انطلاقاً من فجوة الثقة مع مصر. الحقيقة ان حلف اكتوبر لم ينهر تماماً لكنهم في دمشق بدأوا يتخذون خطاً مخالفاً. وفي كانون الثاني يناير 1974 تم توقيع اتفاق فك الارتباط الأول بين مصر واسرائيل. وطالب السوريون بتوقيع اتفاق مماثل مع اسرائيل، وهذا ما حدث في جنيف في حزيران يونيو 1974. لكن فك الارتباط بين مصر واسرائيل الموقع في ايلول سبتمبر 1975 هو الذي أدى الى القطيعة بين المصريين والسوريين وهاجمونا بشدة واعتبروه اتفاقاً سياسياً او شيئاً من هذا القبيل على رغم اننا رفضنا ان يكون اتفاقاً سياسياً. ماذا قال البكر؟ - الدكتور حسن الزيات: اعتقد ان الموضوع المطروح هو تقييم الاختلاف الذي حدث بين السياسة المصرية والسياسة العربية، وهل كنا على صواب ام كنا على خطأ، كيف يمكن معالجة مثل هذا الخلاف في المستقبل. وأبدأ بتأكيد انه كان هناك دائماً اتجاه من الخارج لفصل مصر عن العرب. حرب 1973 في رأيي هي القسم الثاني من حرب 1967، هي رد الفعل لحرب 1967 التي كانت اسرائيل تتصور انها ستكون الحرب النهائية التي تستقر فيها في المنطقة، وتتوسع في المستقبل عندما تريد وكلما زاد سكانها، على اساس ان الدولة اليهودية هي دولة اليهود وليست دولة يهودية. لكن حلم دولة اليهود سنة 1967 واجه مقاومة العرب، ومقاومة مصر، فقد قاومت مصر الهزيمة وقالت انها ستحارب من جديد. الفترة بين 67 و73 هي فترة المقاومة والاعداد لرد الحرب وتصحيح نتائج حرب 67، وكل حرب لها ثلاث مراحل، او يجب ان يكون لها ثلاث مراحل، المرحلة الاولى الاعداد السياسي للحرب، العالم لا يحب الحرب وعندما يسمع ان مصر عملت حرباً يكره مصر، فلا بد من اعداد سياسي يتبين منه ان مصر لم يكن امامها وسيلة الا الحرب. وفي المرحلة الاولى ايضاً تعد حلفاءك. المرحلة الثانية هي الحرب التي حصلت فعلاً. المرحلة الثالثة استثمار نتائج هذه الحرب، وأقول ان المرحلة الاولى والثانية من حرب 73 ادتهما مصر بكفاءة ممتازة وأصبحت الآن نموذجاً يدرس في الكتب. فقد حصل اعداد سياسي للحرب، ومن هذا الاعداد موقفنا مع العرب، وأود ان اكشف جانباً من ذلك لم ينشر من قبل وهو زيارتي للرئيس العراقي أحمد حسن البكر في بغداد ومعي سفيرنا هناك. حيث قلت له اننا لا بد ان ندخل في حرب، فسأل البكر: "من يقف معكم من البلاد العربية غير سورية، كما ان سورية لن تكون مستندة الينا لأننا لا نملك قوة نحمي بها ظهرنا وليس عندي الا فرقة كشافة، لا يوجد لدي جيش". وهذا الكلام بالنص في اوائل عام 1972. وأضاف انه يقول ذلك لأنه يدرك قيمة مصر، وانه اذا سقطت مصر سقط العراق بلا شك. وعلى رغم ان وزير الخارجية العراقي طلب مني ان نقابل صدام حسين لأن كلام البكر لم يرق له، الا انني اخذت هذا الكلام وشكرته جداً، ولا ازال اشكر هذه الصراحة التي تكلم بها البكر، مع انه في النهاية ارسل بعض القوات. ومع ذلك حاولنا اقامة تحالف عربي ونجحنا مع سورية، لكن بدخول الحرب انهار الجانب السوري بسرعة وبدأ الخلاف من هنا. وفي الوقت نفسه كان العرب، في معظمهم، غير مقتنعين بالحرب قبل بدايتها، على رغم انهم وافقوا عليها واشتبكوا فيها وأيدوها، انما لما دخلنا الحرب فعلاً ونجحنا حصل تأييد عربي ليس له مثيل. ما أود ان اقوله هو ان العالم العربي يتحد عندما يشعر بالثقة بنفسه، وعندما تكون مصر قوية وقادرة تستطيع ان تجمع العرب، وإذا كانت غير قادرة ينفرط عنها العرب، وهذا شيء طبيعي جداً. كان السادات مقتنعاً بأنه توجد دولة كبرى واحدة فقط في العالم هي الولاياتالمتحدة وقد سبق الجميع وتوقع المرحلة الحاضرة قبل وقوعها. وانطلاقاً من ذلك كان السادات مقتنعاً بأن الحل عند اميركا. ما هو الحل؟ الحل شيء مهم جداً وأنا اوافقه عليه تماماً وتكلمت معه 20 مرة بوضوح جداً. الحل ان نفرق بين الحركة الصهيونية وبين الدولة اليهودية. الحل ان افرق بين دولة اليهود وبين الدولة اليهودية، والدولة التي قامت في فلسطين الآن باسم دولة اسرائيل من الصعب جداً ان تنتهي كدولة في العالم، لكن يمكن ويجب ان نضع لها حدوداً وان تكون لها حدود مشروعة ويعترف بها، لكن لا تتمدد جغرافياً. لكن يظل من الممكن ان تمدد اقتصادياً من خلال التطور التكنولوجي. وممكن جداً انه بالكومبيوتر داخل اسرائيل تستغل كل عالم الشرق الاوسط من اوله الى آخره، وهناك بالفعل كتابات اسرائيلية تتحدث عن ان اسرائيل سيكون عندها الكومبيوتر والصناعات الالكترونية، وان مصر عندها صناعات السيارات، وان العراق عنده صناعة البتروكيمائيات، فاذن يمكن ايقاف اسرائيل بأن نقبل الدولة اليهودية وان نرفض دولة اليهود ان نقبل الدولة المحدودة بحدود باقية فيها وتكون هذه الدولة من دول المنطقة، مصلحتها هي مصلحة المنطقة. كيف يمكن اذاً تحويل اسرائيل الى دولة من دول الشرق الاوسط تعيش مع دول الشرق الاوسط وتتعاون معها وتصل الى انها تكون موجودة؟ الصراع الحقيقي الاسرائيلي - العربي هو الصراع على مستقبل من سيسيطر على المنطقة حضارياً، وليس من يسيطر عليها عسكرياً. ماذا عن مرحلة الاعداد السياسي لحرب 1973؟ - محمد حسن الزيات: المرحلة الاولى للحرب وهي الاعداد السياسي بطيئة جداً. "نخطئ مع العرب أفضل..." قالت المشير احمد اسماعيل بناء على طلب السادات قبل ان اسافر لحضور الجمعية العمومية في ايلول سبتمبر 1973، وسألني اذا كان من الافضل ان تقوم الحرب اثناء انعقاد الجمعية العمومية ام بعدها، فقلت له: ما هي حدودكم، اولاً قبل ان نتكلم عن الحرب نعرف قدرتنا؟ فقال لي سنصل الى حيث تحمينا الصواريخ. وإذا نحن نجحنا في الحرب 100 في المئة، كما ان كيسنجر قال لغولدا مائير رئيسة الحكومة الاسرائيلية آنذاك: "لقد خسرتم الحرب وأنتم الخاسرون بغير شك لأنكم احتجتم الينا اثناء الحرب". المهم اذن أدرنا المعركة السياسية والعسكرية بمهارة حتى جاءت معركة استغلال واستثمار نتائج الحرب. هنا أقول بكل تواضع ان الانسان الذي يدعي انه يرى كل شيء ليس لديه التواضع اللازم. انا كنت وزير خارجية أرى الاوضاع حتى مستوى معين ورئيس الدولة يرى ابعد من هذا وقد قلت لكيسنجر ان هدفنا في غاية البساطة هو الخروج عن الأرض التي احتلت 1967 وقبول قرار التقسيم وقبول ما اخذته اسرائيل قبل 1967 يعني تنازلات عربية ضخمة جداً ومحاولة ان تكون لاسرائيل حدود حتى تصبح دولة من دول المنطقة. فقال تأخذ الخطوة الاولى فقط او لا نفكر في الثانية. وسواء كان كيسنجر اميركياً ام اسرائيلي التوجه بالاساس، ام كان الاثنين معاً، فالمهم اننا في مصر قبلنا لسبب مهم جداً وهو ان نتيجة الحرب كانت اكثر مما توقعنا بالنسبة الينا وقلنا الحمدلله على ما تم ولا نريد حرباً اخرى، لا نعرف ما يمكن ان يحدث فيها. تقبلنا الكلام الذي قاله لنا كيسنجر ووعد فيه بخطوة ثانية وخطوة ثالثة، وأصبحنا معلقين بعد الخطوة الاولى، وحصل عندئذٍ انقسام مع سورية الحليفة وبدأنا نتبادل الاتهامات، حول من المخطئ. ان تراجع الثقة بين مصر وسورية له اسباب منها انه كانت هناك مشاريع قرارات قبل صدور القرار 242 احسن جداً من القرار 242 كان هناك مشروع اميركا اللاتينية العودة الى خطوط الخامس من حزيران يونيو 1967 بالنص، والذي منع قبولنا هذا المشروع هو ابراهيم ماخوس وزير خارجية سورية يومها، فقد عمل خطبة حماسية ضد مشروع القرار لأنه كان به اعتراف ضمني باسرائيل. وكان معه وزير خارجية الجزائر، وأنور السادات عرف هذا الكلام، وأحس احياناً ان المبالغة الوطنية العربية هي ضد المصلحة الوطنية الحقيقية. ما يحصل اليوم توقعه انور السادات، لما فكر في ان يأخذ الطريق الذي يؤدي الى حل مصري منفرد. وأنا استقلت وقدمت استقالة لم ارد نشرها اطلاقاً لأني وجدت انه يرى شيئاً وأنا ارى شيئاً آخر، ولا بد ان اعطيه حقه في انه يرى ما لا اراه. فأنا رأيت ان ننتظر حتى نخطئ معاً كعرب ولا نكون على صواب منفردين، وقلت له هذا، ان نجلس مع العرب ونخطئ معهم افضل من ان نكون على صواب منفردين. المشكلة مع اسرائيل ليست حاجزاً نفسياً - السفير وفاء حجازي: جوهر القضية هو المشروع الصهيوني لم تكن هناك ازمة في منطقة الشرق الاوسط الا بعد ان قرر المؤتمر الصهيوني في بال ان ينشئ دولة في الشرق الاوسط اسمها اسرائيل، والمشروع الصهيوني هذا ليس مشروعا ثابتاً او جامداً ولكنه مشروع ديناميكي فعلاً له نقطة بداية، فهو يتحرك باستمرار ولا يتوقف عند حد النقطة التالية: اننا نعيش اليوم ازمة ادراك عربي لحقيقة المواقف وحقيقة القضايا التي نعالجها، فعلى سبيل المثال حين يُدس علينا ان المشكلة بيننا وبين اسرائيل هي حاجز نفسي، ارى ان هذه مسألة مضحكة، فلا يمكن اختزال الموضوع بهذا الشكل الدراماتيكي، ويقال انها مسألة نفسية بينما في اساسها تعارض مصالح قومية عربية ومصرية كبرى مع مصالح تراها اسرائيل انها قومية وخاصة بالمجتمع اليهودي. وما زال هذا التعارض قائماً، وإلا ما كانت استمرت الازمة حتى الآن. والسؤال الآن هو كيف نعالج هذه الحقائق من موقف واقعي وعملي، نتصدى لها ولا نصورها في غير حقيقتها؟ فهي في الاصول تصادم مصالح، مصالح عربية مصرية او مصالح مصرية عربية مع مصالح اجنبية تتمثل في الكيان الصهيوني من ناحية وفي المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للقوى المتحكمة في النظام العالمي والتي تمثلها اليوم الولاياتالمتحدة. فلا بد ان يجري نوع من الاجلاء لبصيرة الادراك العربي ويجري نوع من التوضيح حتى يتضح هذا الادراك. لا بد من توحيد الموقف العربي باعتبار ان هذا التوحيد نقطة انطلاق لاسترداد الحقوق العربية الضائعة ولتطوير الاوضاع العربية والمصرية بابعادها المختلفة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. ثم اود ان اتكلم عن نقطة مهمة جداً، وهي ما يتعلق بالعلاقات السوفياتية - العربية او العلاقات السوفياتية - المصرية. في الحقيقة هناك كلام قيل كثيراً حول هذه العلاقات وكلام متضارب جداً لكن كنت احد الشهود الذين حضروا معظم الجلسات بين المصريين والسوفيات. حضرت ثلاث جلسات لعبد الناصر وجلستين لأنور السادات مع السوفيات، احب ان اسجل انه منذ البداية كان الموقف السوفياتي واضحاً وقالوا لجمال عبدالناصر: "نحن لا نريد ان ندخل في مواجهة مع الولاياتالمتحدة الاميركية اطلاقاً. مستعدون ان ندعم قدرات مصر ونؤيدها من اجل تحرير الأراضي العربية". كان ذلك بعد 67. الموقف السوفياتي كان واضحاً، والتحول الوحيد الذي حدث في هذه العلاقات حينما ذهب جمال عبدالناصر في كانون الثاني يناير 70 في زيارته السرية الشهيرة لموسكو بعد ضرب مصنع ابو زعبل ومدرسة بحر البقر، ذهب عبدالناصر وقال ان الموضوع تحول الى ضرب عمق مصر، فالمقصود بهذا اسقاط النظام، اي لا استطيع ان اتحمل مسؤولية كارثة قومية بأن اظل حاكماً لمصر اذا لم تتوافر لدى مصر القدرات الدفاعية الكافية التي تمكنها من الرد على اسرائيل. وهنا تم الاتفاق للمرة الاولى على ان يقوم الاتحاد السوفياتي بتزويد دولة صديقة بقوات ووسائل دفاع جوي وإرسال قوات مقاتلة، ولكن كلها كانت متركزة في الدفاع الجوي. بالنسبة الى التقييم الصحيح لحرب 1973 أقول ان حرب اكتوبر كانت تجربة عملية اظهرت ان مصر معتمدة على قدراتها وبدعم من الموقف العربي تستطيع ان تسترد حقوقها وتدافع عن هذه الحقوق. يجب الا نتصور ان مصيرنا كله يتقرر في ضوء ما تريده القوى العالمية الكبرى وما لا تريده لنا. ان اعتمادنا على قدراتنا وعلى الحشد العربي الذي وقف حولنا كان وراء الانتصار في حرب 1973. هذا ما يجب ان نحفظه من حرب 1973. الاسبوع المقبل: الحلقة الثانية