ينفرد الموقع الإلكتروني للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات والذي دشنته مكتبة الإسكندرية على الإنترنت في إطار توثيق تاريخ مصر الحديث والمعاصر، بنشر مجموعة من الوثائق المفصّلة في فترة ما قبل حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973 وما بعدها، وتتعرض الوثائق لمذكرات ولرسائل سرية. وتنفرد حرب تشرين الأول عن سائر الحروب الحديثة بأنها الحرب التي كان يمكن تجنبها، لو أن إسرائيل أبدت قليلاً من التعقل، واتسم موقف القوتين العظميين بالحياد والموضوعية. ولكن تلك الحرب كانت ضرورية، ليستعيد العرب حقوقهم، ويحرروا أراضيهم ويستردوا كرامتهم، بعدما فشلت المساعي السلمية، التي قامت بها الأممالمتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، والمنظمات والدول ذات التأثير. وزاد الموقف اشتعالاً ذلك الاتفاق بين القوتين العظميين في قمة موسكو (22-25 أيار/ مايو 1972) الذي نص على: «ضرورة خلق نوع من الاسترخاء العسكري في منطقة الشرق الأوسط»، وكان ذلك يعني تثبيت الأوضاع في الشرق الأوسط، من دون النظر إلى آمال الشعوب العربية في استعادة أراضيها المحتلة، مع إعطاء إسرائيل الحق في استمرار احتلال الأراضي، وتغيير ديموغرافيتها، وتحويل قناة السويس إلى خط هدنة جديد والقضاء نهائياً على آمال الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. من هنا كان الحل الوحيد لتحرير الأراضي المحتلة استخدام القوة العسكرية، من خلال حرب محدودة ومؤثرة. ونذكر من وثائق السادات: 1 - وثيقة: الحوار بين حافظ إسماعيل وهنري كيسنجر، الأحد 20 أيار 1973 من الساعة 10:15 إلى 3:20. يناقش إسماعيل و كيسنجر مسألة زيارة إسماعيل إلى الولاياتالمتحدة لمناقشة موضوع الحرب، ورأي كل منهما في تلك الزيارة والآراء التي نشرتها الصحف المصرية والأميركية عن تلك الزيارة. ويسأل إسماعيل عن موقف البيت الأبيض، وما دوره حيال تلك المسألة، وهل تتخذ إسرائيل موقفاً ايجابياً أو سلبياً، وهل هم فعلاً مهتمون بالتوصل إلى السلام وتأكيد هذه النية، وهل هم على علم بقراراتنا ومناقشتنا؟ فبناء على ذلك ستقرر مصر إن كانت ستكمل مناقشاتها أم لا. فيجيبه كيسنجر: ان البيت الأبيض من أهم الأطراف التي تهتم بمشكلة الحرب بين مصر وإسرائيل، وأن إسرائيل على استعداد للدخول في مناقشات إذا تم التوصل إلى حلول ونقاط مرضية. ويدخل الاثنان في الكثير من المناقشات حول التصريحات التي أدلى بها السيد سيسكو حول: أن العرب ليست لديهم السلطة الكافية وليسوا في موقع قوة كاف لطرد الإسرائيليين من الأراضي التي تحتلها، لذا فلتبق الأوضاع على ما هي عليه. وفي الصفحات الأخيرة من الوثيقة، هناك تلخيص لأهم النقاط التي ناقشها إسماعيل وكيسنجر والتي من أهمها: تساؤل السيد إسماعيل عن أقصى ما تستطيع مصر أن تأخذه من إسرائيل، فأجاب كيسنجر: انها قد توافق على منح مصر السيادة الإسمية فقط في سيناء مع إبقاء مراكز الأمن الإسرائيلية. ورد عليه السيد إسماعيل بأنه يجب عليه الرجوع إلى الرئيس السادات في ذلك الأمر. وأخبره إسماعيل أن مصر على استعداد كي توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل قبل سورية والأردن. واستمرت المناقشات، وفي النهاية قرر الاثنان أنه يجب الرجوع إلى رئيسيهما في كل ما ناقشاه للتوصل في النهاية إلى حل يرضي جميع الأطراف. 2 - وثيقة: مذكرة من هنري كيسنجر إلى رئيس الولاياتالمتحدة بخصوص اجتماعه بحافظ إسماعيل في 20 أيار 1973 – سري جداً. يبلغ كيسنجر الرئيس أن هدف حافظ إسماعيل من الاجتماع كان التحقق من نيات الولاياتالمتحدة في مسألة الصراع المصري - الإسرائيلي وليس التوصل إلى اتفاق في تلك المسألة. واعتبر كيسنجر أن الاجتماع لم يكن مرضياً مثل الذي سبقه، ولكن حدثت به تطورات في ما يخص مسألة إقناع إسماعيل بالموافقة على تسوية ترضي الطرفين. ففي الاجتماع الأول كان هناك شعور بأنه استمع فقط من دون وعي تام وإدراك للمسألة بكل نتائجها، بينما شعر كيسنجر في هذا الاجتماع بأن إسماعيل بدأ في فهم الآثار المترتبة على التوصل إلى تسوية، فقد شرح له كيسنجر أن من الأفضل البدء في التوصل إلى تسوية بدلاً من البدء بمطالبة إسرائيل بالانسحاب، واعتبار ذلك خطوة مبدئية. ولكن حتى الآن لا تعلم الولاياتالمتحدة برد فعل السادات على ذلك الاقتراح، فقد سبق أن رفضه من قبل وهو قد يرفضه مجدداً. فالسادات مهتم بأن يعرف إن كان البيت الأبيض سيستمر في التدخل حتى أن تم تطبيق تلك الخطوة المبدئية وقبول التسوية، أم أن دوره سيقتصر على المرحلة الأولى. والتساؤل هو: إذا كانت خطوة التسوية مجرد خطوة أولية وليست القرار النهائي في المسألة. ثم تتكلم بقية الأوراق عن الحوار بين كيسنجر وحافظ إسماعيل والنقاط التي تمت مناقشتها ورد فعل كيسنجر عليها. وفي النهاية تبقى مسألة الوصول إلى تسوية متوقفة عند السادات وموافقته على الأمر. في الخامس من تشرين الأول 1973 صدر التوجيه الاستراتيجي بصفته وثيقة استراتيجية موجهة من الرئيس السادات إلى الفريق أول أحمد إسماعيل نصت على الآتي: «بناء على التوجيه السياسي والاستراتيجي، قررت تكليف القوات المسلحة تنفيذ المهمات الاستراتيجية الآتية: * إزالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف إطلاق النار، اعتباراً من يوم 6 تشرين الأول 1973. * تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة من الأفراد والأسلحة والمعدّات. * العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية بحسب نمو او تطور إمكانات القوات المسلحة وقدراتها. * تنفذ هذه المهمات بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة، أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية. 3 - وثيقة: توجيه استراتيجي من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الفريق أول أحمد إسماعيل - في 5 تشرين الأول 1971 - سري جداً. موضوعها: نشاط العدو الإسرائيلي على الجبهات العربية في الفترة من 1 إلى 5 تشرين الأول 1973، ومصدرها تقارير وبلاغات الاستخبارات الحربية والاستطلاع. وثيقة تتوقع الحرب قبل قيامها وفيها إخطار إسرائيل لأميركا: تلك الوثيقة عبارة عن رسالة من وزير الخارجية كيسنجر إلى البيت الأبيض - «غرفة الحالات» - ويطلب مرسلها أن يتم إرسالها إلى الرئيس في الساعة 9 صباحاً وأن يتم إيصال نسخة إلى الجنرال «هيغ». وتنص الرسالة على نقاط عدة: إن إسرائيل وصلتها معلومات عن حدوث هجوم محتمل منسق بين الجانبين المصري والسوري وقد يتم خلال 6 ساعات. وتم إبلاغ السيد دوبرينن (سفير الاتحاد السوفياتي في واشنطن) تلك المعلومات وتم التأكيد عليه بأن الولاياتالمتحدة تعلم أن لديها مسؤولية تجاه إسرائيل كونها بلداً صديقاً للولايات المتحدة، وأنه إذا وصلت الى الولاياتالمتحدة أي معلومات بخصوص أي هجوم قريب، فهي ستبلغ إسرائيل في أسرع وقت ممكن، لضمان عدم الدخول في أي نزاع مسلح. وقد طلب من «دوبرينن» أن يبلغ تلك المعلومات إلى موسكو وقام بذلك بالفعل. تتحدث الرسالة عن بقية الاتصالات التي قام بها كيسنجر لإيصال تلك المعلومات الى المراكز القيادية كافة، ومنهم مسؤول في إسرائيل يدعى «شاليف» أكد له أن إسرائيل لن تقوم بأي تدابير وقائية، ومن ثم اتصاله بوزير الخارجية المصري محمد حسن الزيات لمناقشة الأنباء عن احتمال هجمات من الجيشين المصري والسوري الذي أكد له أنه سيجري اتصالات في أسرع وقت ممكن بالقاهرة، وعن إرساله الكثير من الرسائل إلى الملك حسين والملك فيصل وطلبه منهما التدخل لمنع الرئيس السادات من القيام بأي هجمات في المرحلة القريبة المقبلة. تتحدث الرسالة أيضاً عن التدابير التي ستتخذها الولاياتالمتحدة في حال وقوع هجمات من الجيشين السوري والمصري. 4 - وثيقة: في 6 تشرين الأول 1973 - سري جداً - حساس. مدون على الوثيقة كلمة «غاية في السرية» لأكثر من مرة، وتحتوي على نقاط عدة وهي كالآتي: ترحيب إسرائيل بقرار تأجيل عمل مجلس الأمن. عدم موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار طالما هناك جيوش مصرية وسورية عند الخطوط (الجبهات). ترى إسرائيل أن هناك احتمالات بأنها ستتمكن من إزاحة القوات المصرية والسورية وطردها من أراضيها خلال ثلاثة أيام. لن توافق إسرائيل أبداً على أي اقتراحات ستعطي الأفضلية لخصمها وعدوها والمعتدي على أراضيها. لا يمكن القول عن الحالة العسكرية بأنها «غير مرضية». في الخلاصة تحتاج إسرائيل وقتاً لاسترداد قوتها ودفاعها، وحتى ذلك الحين تمكن الموافقة على وقف إطلاق نار ضمني. ويرى أبا إيبان أن من الأفضل إرجاء أي خطة عمل كان سيقوم بها مجلس الأمن حتى يوم الاثنين، وأنه يريد التحدث إلى شخص ما (غير مذكور اسمه) هذا المساء إن أمكن، وأن في الإمكان الوصول إليه في فندق البلازا. وقد طلب من «شاليف» أن يتصل به لإعلامه بآخر التطورات العسكرية. 5 - وثيقة: برقية من حافظ إسماعيل إلى كيسنجر: 7 تشرين الأول 1973 6 - وثيقة: رسالة بتاريخ 8 تشرين الأول 1973 من هنري كيسنجر إلى وزير الخارجية محمد حسن الزيات وفي الرسالة يشكر كيسنجر حافظ إسماعيل على مشاركته إياه بأفكاره وآرائه المتعلقة بالقضايا والتطورات في الشرق الأوسط على رغم انشغالاته الكثيرة. وأنه ما زال على اقتراحه المتعلق بمسألة مساندة الولاياتالمتحدة للأحزاب، خصوصاً في مصر في محاولة منهم لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ولكي تنجح تلك المناقشات بين الطرفين يجب أن تتم في جو يتسم بالهدوء. ويطرح كيسنجر سؤالين متعلقين بالملحوظة التي أرسلها إليه حافظ إسماعيل في 7 تشرين الأول: السؤال الأول: حول النقطة التي طرحها الطرف المصري على أنه يجب على الطرف الإسرائيلي إخلاء كل المواقع التي يحتلها قبل أي مؤتمر لمناقشة الوضع بينه وبين الطرف المصري، أو هل يجب التوصل إلى اتفاق مشترك بين الطرفين في ما يتعلق بتلك النقطة. السؤال الثاني: يتعلق برسالة من السفير الأميركي في طهران يطلب فيها توضيحاً أكثر عن الشروط التي وضعها الطرف المصري في مسألة انسحاب الطرف الإسرائيلي من المناطق التي يحتلها منذ يوم 5 حزيران 1967، وموافقة الطرف المصري على الدخول في مناقشات مع الولاياتالمتحدة في مسألة أن تخضع تلك الأماكن بعد انسحاب إسرائيل منها لمراقبة الولاياتالمتحدة أو لسلطة ومراقبة أي جهة دولية يتم الاتفاق عليها بين الأطراف المعنية. وفي ما يتعلق بشرم الشيخ، فمصر على استعداد أن تقبل أن تكون هناك مراقبة دولية على الملاحة التي تمر بخليج العقبة، ولكن بعد انسحاب إسرائيل منها حتى يتم في النهاية إحلال السلام في المنطقة ووقف القتال. ويسأل كيسنجر عما إذا كان ما أرسله السفير الأميركي في طهران في ما يتعلق بمسألة الانسحاب وخضوع المناطق لمراقبة السلطات الدولية هو نفس ما قاله الرئيس السادات وقرره. وفي النهاية يؤكد كيسنجر أن الولاياتالمتحدة ستقوم بكل ما تستطيع لوقف القتال ووضع حد له والتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين. 7- وثيقة: رسالة من كيسنجر إلى حافظ إسماعيل يبحث فيها إمكان وقف القتال: 10 تشرين الأول 1973. 8 - وثيقة: رسالة هنري كيسنجر إلى الرئيس السادات بواسطة حافظ إسماعيل يعد فيها ببذل جهود ديبلوماسية في حال وقف القتال: 11 تشرين الأول 1973. 9 - وثيقة: رسالة حافظ إسماعيل إلى هنري كيسنجر يبلغه بقصف إسرائيل أهدافاً مدنية: 11 تشرين الأول 1973. 10 - وثيقة: رسالة هنري كيسنجر إلى حافظ إسماعيل : 12 تشرين الأول 1973 إن رغبة القيادة المصرية في وقف إطلاق النار ومن ثم الدخول في مباحثات سلام، ربما نلمحها في الخطاب الذي ألقاه الرئيس السادات في مجلس الشعب المصري في 16 تشرين الأول، وجاء في فقرة منه: «... لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر، بل أعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، ومرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله. أيها الأخوة والأخوات: إن الولاياتالمتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها، خصوصاً بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت إلى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها، لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية، ذلك أنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل. لم يكف الولاياتالمتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط، فإذا هي الآن تتورط في ما هو أفدح وفي ما هو اخطر في عواقبه، بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة، إذ هي تسارع إلى العدو تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه». وفي السابع عشر من تشرين الأول، عقد وزراء خارجية السعودية، والكويت، والمغرب، والجزائر اجتماعاً مع كيسنجر وزير الخارجية الأميركية لمناقشة الوضع، ودور الولاياتالمتحدة، والحل الذي يرتضيه العرب. 11 - وثيقة: مذكرة بتاريخ 17 تشرين الأول 1973. وهي عبارة عن مذكرة بتاريخ 17 تشرين الأول 1973 حول الحوار الذي دار بين الرئيس نيكسون وهنري كيسنجر «مساعد الرئيس في شؤون الأمن القومي»، السفير كينيث روث «نائب وزير الخارجية»، ويليام كليمينت «نائب وزير الدفاع» ، ويليام كولبي «مدير ال CIA»، الأدميرال توماس مورير «رئيس هيئة الأركان المشتركة»، جوزيف ج. سيسكو «مساعد وزير الخارجية في شؤون شرق آسيا وجنوبها»، الجنرال برنت سكوكروفت «نائب مساعد الرئيس في شؤون الأمن القومي» حول الحرب القائمة في الشرق الأوسط بين إسرائيل ومصر وسورية. وتناقش المذكرة: مسألة النفط والموقع الاستراتيجي للولايات المتحدة ومدى الضرر نتيجة الحرب، وكيف يمكن تدارك الوضع، والمناقشات التي قامت بها الولاياتالمتحدة مع زعماء الدول العربية، والخوف من ازدياد قوة الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط. وفي التاريخ نفسه كان وزراء النفط العرب يعقدون اجتماعاً في الكويت قرروا فيه أن يدخل النفط سلاحاً في المعركة وقرروا: تخصيص نسبة من الإنتاج العربي الكلي من النفط 5 في المئة فوراً. تخصيص 5 في المئة من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل 1967. رفع سعر النفط بنسبة 70 في المئة (من 3.1 دولار للبرميل إلى 5.12 دولار للبرميل). قرر بعض الدول العربية حظر تصدير النفط إلى الدول التي تثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولاياتالمتحدة. وتوجد وثائق تؤكد أن كيسنجر بعدما اضطر لاستصدار قرار بوقف الحرب، أوعز الى إسرائيل صراحة بخرق وقف إطلاق النار ومواصلة عملياتها العسكرية، مما أشعل غضب السادات وهو يرى الضمانات الأميركية تتبخر، ويرى الرئيس نيكسون يرد ببرود على صرخاته بالانتهاكات الإسرائيلية. وفي التاسع عشر من تشرين الأول 1973 سافر كيسنجر إلى موسكو لمواصلة مباحثات كانت تجرى عبر القنوات الديبلوماسية مع الحكومة السوفياتية. وفي العشرين من تشرين الأول، قرر الرئيس السادات عزل الفريق الشاذلي من رئاسة الأركان وأن يحل الجمسي مكانه رئيسا للأركان. 12 - وثيقة: مذكرة حول المحادثات في 19 تشرين الأول 1973 وهي عبارة عن مذكرة حول المحادثات دارت في 19 تشرين الأول 1973 في مكتب وزير الداخلية بين هنري كيسنجر وزير الخارجية وجيمس شلسينجر مساعد الرئيس في شؤون الأمن القومي وويليام كولبي وزير الدفاع الأدميرال توماس مرير مدير المخابرات المركزية ومدير هيئة الأركان المشتركة اللواء برنت سكوكروفت ونائب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي. وتتناول المحادثات في شكل أساس المفاوضات والمناقشات التي تتدخل فيها الولاياتالمتحدة لمصلحة إسرائيل، وللتوصل إلى وقف إطلاق النار ومحاولة الدخول في مفاوضات مع مصر لحل النزاع، إضافة إلى الإمدادات الحربية من الولاياتالمتحدة إلى إسرائيل. وأصدر مجلس الأمن قراره 338 بتاريخ 22/10/1973 بعد اتفاق الدولتين العظميين الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة بوقف إطلاق النار في الساعة 18.52 بتوقيت القاهرة وتل أبيب، وتنفيذ ما جاء في قرار المجلس السابق 242 الذي يقضي بانسحاب القوات إلى مواقعها قبل اندلاع الحرب والبدء في مفاوضات بإشراف مناسب، بهدف الوصول إلى سلام عادل ودائم. القيادة المصرية التزمت القرار، لكن القوات الإسرائيلية انتهكت وقف القتال بمحاولة استغلال الإذعان المصري لقرار المجلس – باحتلال مواقع جديدة – وقدمت مصر طلباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة فالدهايم تدعو فيه إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن لبحث الانتهاكات الإسرائيلية لقرار وقف القتال للتحقق ممن التزم القرار. اتخذت مصر بعض الخطوات قبل كامب ديفيد، فما إن توقف القتال، حتى بدأت مصر ومن ورائها العرب بدفع قضية السلام من خلال الجهود السياسية والاقتصادية. فمع نهاية شهر تشرين الأول 1973 كانت مصر قد حشدت طاقاتها السياسية للعمل في ثلاثة محاور، فدخلت في مباحثات متنوعة من أجل تحقيق السلام وهي: الأولى في القاهرة: بدأت مباحثات مصرية – سوفياتية: كان موضوعها الأساس الاتفاق على ترتيبات عقد مؤتمر السلام الدولي الذي اقترحته مصر، وأقره مجلس الأمن في قراره الرقم 338. الثانية في واشنطن: بدأت مباحثات مصرية – أميركية بين هنري كيسنجر، ومبعوث مصر إسماعيل فهمي وزير خارجيتها الجديد، وكان موضوعها الأساس تحقيق اتفاق محدود لفض الاشتباك بين القوات المتحاربة، يتضمن ترتيبات تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة السويس إلى شرق القناة. الثالثة في الكيلومتر 101 على طريق القاهرة: بدأت مباحثات مصرية – إسرائيلية على المستوي العسكري، كان هدفها الأساس الاتفاق حول الإجراءات العملية اللازمة لتأكيد وقف إطلاق النار وإمداد السويس والجيش الثالث وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 338، وتبادل الأسرى والجرحى. وفي نهاية تشرين الأول وصل إلى مصر فاسيلي كزنتسوف النائب الأول لوزير الخارجية السوفياتية للقيام بمشاورات حول عقد المؤتمر الدولي والموقف من عناصر التسوية، مع الاهتمام بعقد مؤتمر لتحقيق التسوية التي تفرضها الظروف الجديدة، لكنه لم يهتم بموضوع عودة القوات الإسرائيلية إلى خطوط 22 تشرين الأول. ولم تترك الولاياتالمتحدة المبادرة تفلت من يدها، وحرصت على تأكيد هيمنتها السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط. وفي واشنطن طرح إسماعيل فهمي عناصر التصور المصري في شكل خطة عامة للمفاوضات تتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط 22 تشرين الأول 1973، وإطلاق أسرى الحرب، ثم انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط داخل سيناء شرق الممرات كمرحلة تالية، على أن تبقى القوات المصرية في مواقعها مع انتشار قوات الطوارئ الدولية بين القوات المصرية والإسرائيلية بعد انسحاب إسرائيل إلى خط فض الاشتباك، على أن تقوم مصر برفع الحصار عن باب المندب في جنوب البحر الأحمر، والبدء في تطهير قناة السويس عقب فض الاشتباك. ولم يتحدد شيء خلال الزيارة واقتصرت نتائجها على التمهيد لزيارة كيسنجر الى القاهرة لمعالجة المسائل التي طرحت في واشنطن. أصبحت القيادة المصرية بالتالي ترغب – وربما تستعجل – وقف إطلاق النار، وحددت له شروطاً قوية وواضحة. وكان كيسنجر في ذلك الوقت في موسكو يبذل كل ما في وسعه للتلكؤ في استصدار قرار لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار، حتى يعطي أطول فرصة ممكنة لإسرائيل لتحقيق تقدم على الأرض. وكانت الجهود السوفياتية الحثيثة (والتي لم تخل من تهديد مبطن) أسهمت في صدور قرار مجلس الأمن الرقم 338 في 22 تشرين الأول ونصه كالآتي: «إن مجلس الأمن: أ) يدعو جميع الأطراف المشتركة في القتال الدائر حالياً إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة، وإنهاء كل الأعمال العسكرية فوراً في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار وفي المواقع التي تحتلها الآن. ب) يدعو جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً بعد وقف إطلاق النار، بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242 (1967) بكل أجزائه. ج) يقرر أن تبدأ فور وقف إطلاق النار وخلاله، مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط». صدر القرار بالإجماع ووافقت عليه كل دول المجلس في حينه وهي (أستراليا، النمسا، فرنسا، غينيا، الهند، اندونيسيا، كينيا، بنما، بيرو، السودان، الاتحاد السوفياتي، المملكة المتحدة، الولاياتالمتحدة الأميركية ويوغوسلافيا). وهناك وثائق تضم مراسلات بين مصر والولاياتالمتحدة قبل قرار مجلس الأمن وبعده لوقف إطلاق النار الرقم 338. كانت هذه المراسلات تتم في وقت حرج للقيادة المصرية، فهي تريد أن تحتفظ بالمكاسب الكبيرة التي حققتها على الأرض، ولا تريد في الوقت نفسه إعطاء الفرصة للثغرة التي انتقل من خلالها الإسرائيليون إلى غرب القناة أن يكون لها تأثير عسكري فعال في تهديد المدن على القناة أو محاولة تطويق الجيش الثالث. 13 - وثيقة: من الرئيس السادات إلى الرئيس نيكسون – 23 تشرين الأول 1973 - الساعة 9:15 مساء. أطلب منكم في شكل رسمي التدخل في شكل حازم وإن أدى هذا الى استخدام القوة من أجل ضمان تطبيق قرار وقف إطلاق النار على أساس الاتفاق المشترك بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. إننا مطالبون بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار على أساس الضمانات المشتركة. إن الحكومة المصرية ستعتبر الحكومة الأميركية مسؤولة بالكامل عما يحدث الآن على رغم ضماناتكم وقرار مجلس الأمن برعايتكم المشتركة مع الاتحاد السوفياتي، إضافة الى قبولها لهذا القرار على هذه الأسس. ما يحدث الآن لا يعطينا الثقة المطلوبة لأي ضمانات في المستقبل. 14 - وثيقة: من الرئيس نيكسون إلى الرئيس السادات – 23 تشرين الأول 1973. إنني ممتن لرسالتكم والصراحة التي تحدثتم بها، وأكون صريحاً معك بصورة مماثلة. إن الذي قمنا بضمانه هو أن نشارك في شكل بناء ومناسب في العملية السياسية التي قد تؤدي إلى تسوية سياسية بصرف النظر عما يمكن أن يكون قد بلغكم من مصادر أخرى. وعلى كل حال، وكدليل على رغبتنا المخلصة في تحقيق تسوية دائمة أمرت وزير الخارجية كيسنجر بالاتصال عاجلاً بالحكومة الإسرائيلية ليطلب منها الالتزام الكامل بقرار مجلس الأمن الرقم 338. * كاتب مصري