تابع الجميع مؤتمر منظمة فتح الفلسطينية الذي عُقد في بيت لحم، بعد أكثر من 20 عاماً مضت على انعقاد آخر مؤتمر لهذه المنظمة، التي رفعت شعار التحرير منذ انطلاقتها في 1 كانون الثاني يناير عام 1965، كمنظمة تحرير، تنتهج الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، واضعة خريطة فلسطين، ضمن عناصر شعارها التحريري ومنطلقة من أقرب الأراضي العربية لفلسطين، في الأردن، لتكسب شعبية كبيرة بين أفراد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، قبل أن يوافق المجلس الوطني الفلسطيني على إلغاء الكفاح المسلح كخيار وحيد لتحرير فلسطين ويعترف بحق إسرائيل في الوجود عام 1998، وينهي خيارات المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين. منذ حرب 1948، وقرار التقسيم لفلسطين وخسارة العرب لتلك الحرب، وكذلك خسارتهم لحرب 1967 والخيار العسكري كان السائد في العقلية العربية، مع إصرار على عدم الرضوخ للحلول السلمية، رغم قبول قرار مجلس الأمن الدولي 242 الصادر بعد حرب 67 ورفضه من إسرائيل، حيث تجلى تطبيق الخيار العسكري في حرب 1973، التي استعاد العرب جزءاً من كرامتهم وثقتهم بعد هزيمتهم في حرب 67، علماً بأن إسرائيل لا زالت تتفوق عسكرياً وسياسياً على العرب منذ تلك الفترة وحتى وقتنا الحالي. بعد انتهاء حرب 1973 بدأت الخيارات الديبلوماسية تصبح مقبولة ومتداولة من الجانب العربي، مع التهديد باللجوء للخيار العسكري من بعض دول المواجهة العربية، إما كان ذلك على شكل حروب استنزاف قبل فك الاشتباك بين القوات العربية والإسرائيلية، أو كان على شكل التهديد بانتهاج القوة لاستعادة الأراضي العربية المحتلة، وما لبث أن تلاشى هذا الخيار بعد توقيع مصر لاتفاق"كامب دافيد"مع إسرائيل عام 1978، وخروجها من خط المواجهة العربية مع إسرائيل، إضافة إلى اتفاق فض الاشتباك من قبلها بين سورية وإسرائيل عام 1974، ما أدى إلى بروز محور عربي يدعو لتشكيل جبهة للصمود والتصدي، ما لبث أن تفكك هذا المحور، ليبرز مدى أهمية مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، ومدى تفوق إسرائيل على العرب بعد خروج مصر من المواجهة سواء سياسياً أو عسكرياً. منذ خروج مصر من المواجهة مع إسرائيل بتوقيع اتفاق كامب دافيد عام 1978 بينهما، وتورط العراق في حرب طاحنة مع إيران استمرت من عام 1980 وحتى 1988، وبعدها احتلاله للكويت عام 1990، أصبحت كل الخيارات العسكرية للعرب ضعيفة، عززتها الخلافات الفلسطينية ? الفلسطينية وانعكاسها على العلاقات العربية، مما يضعف الموقف العربي بشكل عام في مواجهة عدو يملك القوة العسكرية ويحظى بالدعم السياسي والديبلوماسي من الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين بشكل مطلق، وهو ما حدا بالعرب بتبني الخيار التفاوضي والبحث عن سلام عادل يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، ويساعد المنطقة على الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الذي افتقدتهما منذ اندلاع الصراع في فلسطين، حيث تبنى القادة العرب مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، لتكون مشروع العرب المتفق عليه للسلام في فلسطين، ولتنزع من إسرائيل حججها الكاذبة بأن العرب لا يريدون السلام في المنطقة. إن من شاهد فعاليات مؤتمر حركة فتح، والتعليقات التي كانت تصدر عن المشاركين في هذا المؤتمر مثل قولهم"إن نتائج هذا المؤتمر تعتبر عرساً فتحاوياً"، ورد أعضاء حماس عليهم"بأن النصر الحمساوي مستمر"، يستنتج أن الأزمة بين الطرفين عميقة، والمستفيد الوحيد منها هو العدو الإسرائيلي، والخاسر الكبير لهذا الخلاف هو الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعوب العربية والإسلامية، ما جعل الجانب الإسرائيلي يشعر بأنه متفرد بالساحة التي تعج بالخلافات الفلسطينية ? الفلسطينية، وانعكست على تقليل الزخم الدولي للضغط على إسرائيل في المفاوضات بينها وبين الفلسطينيين، وهو ما رأيناه في اجتماع أوباما ? نتنياهو الأخير الذي بيّن حجم التأثير السلبي للخلافات الفلسطينية، من خلال عجز الجانب الأميركي عن الضغط على الإسرائيليين بوقف المستوطنات في الضفة الغربية، وكذلك طلب السلطة الفلسطينية تأجيل التصويت على تقرير"غولدستون"، ما أثار غضب الجميع"فلسطينيين وعرباً"، منددين بهذا الطلب غير المنطقي، الذي يعكس حجم الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية. نحن نشاهد الخلافات بين الإسرائيليين حول عملية السلام في الشرق الأوسط أو غيرها من القضايا، لكن هذه الخلافات لا تصل إلى حد التأثير في المصالح الاستراتيجية لكيانهم، حيث تنحصر خلافاتهم حول الاستراتيجيات التي يجب أن تتبع خلال المفاوضات، مع عدم التفريط بالمصالح العليا، بينما الأشقاء الفلسطينيون، أصبحت خلافاتهم تؤثر في الوجود الفلسطيني ككيان، وتؤثر على مصالح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بشكل مباشر، ما يضعف الخيارات العربية في مشاريع السلام في المنطقة. لقد انحصرت الخيارات العربية في هذه المرحلة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في المبادرة العربية، التي أصبحت المشروع العربي للسلام، الذي اتفق عليه القادة العرب في قمة بيروت عام 2000، بغية إنهاء الصراع مع إسرائيل، وفي ما عدا المبادرة العربية لا يوجد خيار آخر متفق عليه، حيث أثبتت هذه المبادرة والاتفاق عليها من الدول العربية، أن الشعوب العربية مهيأة للسلام في حال أن إسرائيل قبلت بجميع بنودها وانسحبت من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة، علماً بأن اتفاق السلام مع مصر والأردن لم يقنع شعبي البلدين في التطبيع مع إسرائيل بسبب استمرار ممارساتها مع الشعب الفلسطيني وعدم إعطائه حقوقه المشروعة، واستمرار احتلالها لأجزاء من بلدان عربية. في ظل الخلافات العميقة بين الفلسطينيين، التي انعكست على العلاقات العربية، وكذلك السماح بالتدخلات الإقليمية غير العربية من جهة الفلسطينيين، أصبحت الخيارات العربية للسلام محدودة وضعيفة، إذ إن السلام لا يأتي إلا في حال التوازن بين الطرفين، وهذا التوازن مفقود فلسطينياً وعربياً، لذلك تبقى الشعوب العربية مهيأة لقبول المبادرة العربية للسلام كأفضل خيار لإنهاء الصراع بين العرب وإسرائيل، وذلك لعدم وجود أي بديل آخر سواء عسكرياً أو ديبلوماسياً. * أكاديمي سعودي.