على رغم اندثار الكثير من استخداماتها وبعضها أصبح تراثاً، تواصل سيدات من المدينةالمنورة ومن قراها وهجرها القريبة العمل في الحرف اليدوية، بيد أنهن يشاركن بهذه الحرف في المعارض والمهرجانات ويقمن بعرضها للبيع وتسويقها أمام الزوار. وتختلف المشغولات في حرف البدويات عن حرف نساء الحاضرة في المدينةالمنورة، كون البيئة تؤثر تأثيراً كبيراً في ما يقمن بصناعته بحسب الخامات المتوافرة، وحتى بين البدويات أنفسهن تجد أن حرفهن تتناسب وأنماط معيشتهن وأسلوب حياتهن أكنّ يسكنّ القرى أم كنّ من المرتحلات مع أزواجهن. إلا أن النسوة القادمات من القرى القريبة من المدينةالمنورة، والتي تبعد عنها أميالاً، غالباً ما يقمن بالانكباب على صناعة الخوص وكل ما يشتق من هذه الحرفة، في حين تحترف البدويات القادمات من الهجر واللائي يرتحلن في البادية فيقمن بصناعات حرفية متنوعة غاية في الإتقان مما يمتلكن وأزواجهن من قطعان غنم أو إبل، وغالبيتهن يقمن ببيعها في سوق الحرف الشعبية في المركز الشعبي للنساء بالمدينةالمنورة. الحرفية مسلمة الحربي جفت يدها من غزل الليف على رغم نعومته بعد نقعه وحياكته حتى تطوعه في يدها لتغزله بالإبرة الخاصة لغزل الليف، الذي يختلف عن أشكال الغزل الأخرى، مشكّلة منه الجدايل"المُضفرة"ثم تقوم بعرضه للبيع. ويجد الليف إقبالاً كبيراً من الرجال والنساء لما له من فوائد مقوية للجلد ومهم في عملية تنشيط الدورة الدموية، ليس هذا فحسب إذ أن الحربي تقوم بصناعة حقائب جلدية للفتيات وللنساء و"القربة"التي تستخدم في ضخ اللبن وحفظ السمن أو العسل، كذلك تصنع من جلد الأغنام"هميان"جلدي لحفظ النقود وهي تصنعه بناء على طلب البدو الرحل الذين لا يزالون إلى الآن يحفظون نقودهم فيه، بحسب الحربي. الحرفية سلمية علي كذلك تقوم بغزل الصوف، ولغزل الصوف مصطلحات تخبر بها سلمية الحياة قائلة:"أنشز الصوف ثم أحوكه بعد ذلك أبرمه على خشبة مجهزة بطريقة معينة لتلتف عليه الخيوط حتى تتكور كرة الصوف"، إذ تبهر ألوان تلك الكرة الصوفية الناظر بدرجاتها الشرقية ذات الطابع الصحراوي، كما تقوم سلمية بسلخ جلود الأغنام ودبغها لتصنع منه"البدار"و"الجراب"لضخ اللبن والسمن. وتقول سلمية بحكمة وهي تشرح إمكانية عمل المرأة البدوية بسلخ جلد الغنم ودبغه"إن هذه الصناعات لا تموت، ولكنها أصبحت تراثاً، لأن استعمالها قل عن سابق عهدها مع التحضر والمدنية". الحرفية حصة الخيبري التي تعمل منذ 15 عاماً في خيبر، عشقت حرفتها التي علمتها إياها جدتها قبل أن تفارق الحياة، ففتحت لها أبواب الرزق على رغم مردودها الزهيد، فمن يرى يديها وهي تعمل لن يستغرب، فقد اعتادت يديها الناعمتين على خشونة السعف فانعجنت بقوة النخلة. تقول الخيبري:"أقدم تراثنا الخيبري، لأنني أصنع منتجاتي مما ينتجه النخيل الخيبري، بعد نقعه وتلوينه لأصنع منه الخصف، كالمروحة، والمفتة، والمكنسة، والمحدرة والمقفة، والمنفة". وفي وقت تعلّم الخيبري هذه الحرفة التقليدية للراغبات. تتمنى أن تمثل المملكة داخلياً وخارجياً بحرفتها التراثية للتعريف بعراقة ماضيها الأصيل من خلال الأنواع المتعددة من مصنوعات الخوص والجريد. أما الحرفية مرشودة دخيل الله التي تقطن في قرية"خلْص"القريبة من المدينة، فهي تشارك دائماً في أي تجمع للحرفيات في المدينةالمنورة من خلال إعلامها وزميلاتها من الحرفيات حيث تدرس بمدرسة محو الأمية التي تدرس فيها، لتشارك فيها بعرض مشغولاتها بالغة الروعة متقنة الصنع، حيث تنفع أن تكون تحفة فنية"كالبراقع"النسائية التي ترتديها البدويات مجددة بطريقة تراثية حديثة من تزيينها بألوان مبهجة وزركشات ناعمة مع بعض الفصوص اللماعة، إضافة إلى الشنط الجلدية والقرب إذ لا ينقصها إلا أن تكون تحفاً تراثية خالدة. وتتمنى دخيل الله"وجود مكان نسائي مغلق يجمعهن ويوفر لهن الخامات ليتعاملن فيه مع نساء المدينة بحرية أكبر وتضم عزوة الحربي صوتها إليها وتقاطعها قائلة:"نعم نريد أن نتجمع نحن الحرفيات داخل محل نسائي مغلق، كما نود المشاركة بمنتجاتنا في مهرجان الجنادرية". وفي حاضرة المدينة، نجد بيئة المدينة تؤثر في حرف نسوتها وما يصنعنه من منتجات مبتكرة، كالهاوية مريم أبو حسين التي تقوم بعمل لوحات فنية من الخامات المتوافرة في المنزل لتحترف تلك الهواية، فتقوم بعمل لوحات فنية بواسطة"حسك"- قشور- السمك ومن قشور الذرة ومن نوى التمر وبذور الفواكه الاستوائية كفاكهة القشدة وحتى قشور البصل والثوم، إذ تصنع منها لوحات فنية لن يخطر ببال المتفرج بأن تلك اللوحات مصنوعة من تلك الخامات البسيطة. وتقوم مريم بمراحل متعددة قبل بدء تنفيذ العمل، كأن تنقع القشور في مادة الكلور ثم تشكلها على اللوحة ثم تقوم بتنسيقها، على حد قولها. أما صديقة السنارة كما تصف نفسها تهاني شحاتة التي تتقن أعمال الكورشيه منذ ثلاث سنوات، فهي تعشق هذه الهواية وتمتهنها أحياناً عند الطلبيات الخاصة كأن تحيك بعض الأمور العباءات النسائية بإدخال الكورشيه فيها أو"الكنزات"الصوفية والشيلان، كذلك القبعات وحتى الجوارب وغيرها بمقاسات مختلفة ونقشات مبتكرة لا تتشابه في غالب الأحيان. أما الفنانة وفاء يونس التي صقلتها المدينة منذ نعومة أظفارها في العمل الفني واليدوي وعملت في مجال الرسم على الجدران وعلى القماش وبابتكار كوش الأفراح مذ كانت في السادسة عشر ربيعاً، لتقدم من خلال فرشتها وموهبتها الفنية 600 كوشة فرح بتشجيع من والدتها، وتقول يونس"تنبه كل من حولي إلى حسي الفني من خلال أعمالي الفنية التي كنت أقدمها في المدرسة حتى طلبت مني معلمتي الرسم على جدار المدرسة ومن هناك كانت البداية، حتى بدأت أصنع من عملي اليدوي"كوش"أفراح تتناسب مع أذواق كل عروس وحسب طلبها والسعر الذي ترغب"، وتطمح يونس حالياً في المشاركة بالمعارض الداخلية والخارجية من خلال لوحاتها وأعمالها الحرفية.