لعل فقرة"سؤال اليوم"من البرنامج الذي تبثه إحدى قنواتنا الفضائية المحلية، هي الأكثر شفافية وصدقية وشعبية لدى قطاع كبير من الجمهور السعودي، على رغم ما بها - أي تلك الفقرة - من هنات وتداعيات وتناقضات، تضع أكثر من علامة استفهام على شجاعة المواطن السعودي في معرض إجابته عن ذلك السؤال اليومي! وهنا لا أقصد - لا سمح الله - الشجاعة السياسية أو النقدية أو الاحتجاجية، وإنما أقصد - وأقسم على ذلك - الشجاعة الأدبية، فمجرد أن"تدور"تلك الماكينة اللعينة المسماة كاميرا حتى يتلعثم ويرتبك ويصاب بداء الرجفة ويكاد يُغمى عليه كل من يمر أمام تلك الكاميرا - فضلاً عن الوقوف أمامها بغرض الإجابة عن"سؤال اليوم"- في مشهد درامي حقيقي وصادق يكشف بشكل مأسوي مدى الخوف الذي يجتاحنا - نحن السعوديين - كلما تحدثنا أمام الكاميرا، ولا أبالغ إذا قلت إن ذلك الخوف لا يفارقنا أبداً حتى أمام الميكروفون الإذاعي أو آلة التسجيل الصحافي... أما لماذا نحن بالذات هكذا من دون بقية مواطني المجتمعات الخليجية والعربية الأخرى، إذ تجد صغار تلك المجتمعات قبل كبارهم يتسابقون ويتشوقون للظهور أمام الكاميرات للتعبير عن آرائهم وأفكارهم وأحاسيسهم بلغة واثقة وواضحة ومسترسلة لا يجد الخوف أو الارتباك أو التلعثم طريقاً إليهم. وهنا لا أود - طبعاً - الجنوح بعيداً لاستشهد بإمكانات وقدرات المجتمعات الغربية التي يتحدث أفرادها بمختلف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية أمام الكاميرا تماماً، كما يتحدثون في مدارسهم ومصانعهم ومنازلهم وحاناتهم، وما نشاهده في بعض البرامج الحوارية أو الجماهيرية خير دليل على ذلك، بل إن الأمر يتعدى أكثر من ذلك" إذ تُناقش في كثير من تلك البرامج أكثر القضايا حساسية وخصوصية وتُفاجأ - نحن من نتفاجأ طبعاً - بالمستوى الرفيع من الثقافة، والقدرة الفائقة على عرض الأفكار بكل يسر وسلاسة، ومدى القابلية على تقبل الرأي الآخر من دون تجريح أو تعريض، يحدث ذلك على الهواء مباشرة من دون أي تدخل أو مونتاج، بينما نحن نتوارى خوفاً وخجلاً من الكاميرا، على رغم أن معظم برامجنا - وسؤال اليوم منها ?"تمنتج"وتخرج للمشاهد"على سنجة عشرة"، وعلى رغم ذلك تكاد لا تجد سعودياً أو سعودية يملكان حضوراً لافتاً أمام الكاميرا وهو أو هي في طريقهما للإجابة عن سؤال اليوم الذي أشبع تكراراً ومناقشة، سؤال على شاكلة"ما رأيك في قيادة المرأة للسيارة"؟ أو ما الأسباب التي أدت لمشكلات التعليم في بلادنا؟ أو كيف يُنظر للمرأة المطلقة في مجتمعنا؟ أو هل أنت مع السياحة الداخلية أو الخارجية؟ أو هل تشعر بوجود أندية أدبية تنتشر كالجراد على امتداد الوطن؟ أو ما أسباب طغيان الشعر الشعبي على سائر الآداب والفنون؟ أو بماذا تفسر كثرة مهرجانات"المزايين"التي أصبحت أكثر من المزايين وغير المزايين؟ أو هل أنت مع استمرار مسلسل"طاش ما طاش"ليصل للجزء المائة؟ أسئلة كثيرة وبسيطة نحفظها عن ظهر قلب لتماسها المباشر مع حياتنا اليومية، إلا أننا على رغم ذلك لا نستطيع الإجابة عنها، بل إننا لا نملك القدرة على مناقشتها والحديث عنها، فهل الكاميرا اللعينة هي السبب، أم لأن ثقافة الحوار والنقاش والنقد لم تجد طريقها لنا بعد، أم أن هناك أسباباً أخرى؟ لم أكن أظن بأن هذه المقدمة الكئيبة ستطول إلى هذا القدر لتلتهم مساحة المقال بأكمله، ولكن الحديث - كما يُقال - ذو شجون، فقد كنت بصدد الكتابة عن الأسباب غير الصحية أو الغذائية أو الوراثية لارتفاع الضغط الذي يُصاب به غالبية الشعب السعودي، فما - في وجهات نظر القراء - هي أسبابه؟ [email protected]