يتولى عمدة كل حي من أحياء جدة منذ القدم الكثير من المهام والواجبات الأمنية والاجتماعية، التي أكسبته مكانة عريقة وهيبة حاضرة بين أهل الحي، لكنها أخذت في التراجع بعض الشيء. مجلس الوزراء السعودي عند إصداره نظام العمد في المدن عام 1993 أعاد للعمدة مكانته العريقة في المجتمع، وشهدت السعودية منذ ذلك التاريخ ترجمة عملية لهذا النظام عبر تخصيص عمدة لكل حي. كما وسعت مهامهم، وعدلت آليات اختيارهم، وجرى العمل على تخطيط جغرافي جديد للأحياء وتجزئة الحي الواحد الكبير، بحيث يخدم الحي أكثر من عمدة للتسهيل على السكان وللتخفيف عنهم، ولضمان أداء مسؤولياتهم بشكل جيد. تقاربت أقوال وآراء عدد من سكان أحياء محافظة جدة حول معرفتهم لعمد أحيائهم ومدى فاعلية اختيارهم عن طريق الانتخاب. يقول صالح قباء 25 عاماً:"لا أعرف عمدة الحي الذي أسكنه ولا أعرف موقع إقامته داخل الحي، فأنا لست حريصاً على معرفة ذلك، بسبب عدم الحاجة إليه في الوقت الحالي". ويضيف أن"هذا الأمر لا يقتصر عليّ فحسب بل يشمل غالبية سكان الحي، إذ ما تعارف عليه بين سكان الحي عدم الحرص على التعرف على العمدة إلا في حال الحاجة إليه لتوقيع معاملة أو إنجاز بعض الأمور الضرورية". ويؤكد أن هذا التجاهل يعود إلى عدم اختيار أهل الحي للعمدة عن طريق الانتخاب، الأمر الذي يعتبره ضرورياً، لأنه يتيح لأهل الحي التعرف على مرشحيهم أولاً ثم اختيارهم ثانياً،"فالانتخاب يعمق علاقات الأهالي مع العمدة، إضافة إلى تحمل سكان الحي نتيجة انتخابهم له". ويقول فهد الحرندة 30 عاماً:"يجب قبل طرح سؤال عن مدى معرفتي بعمدة الحي الذي أسكنه، التركيز على تفعيل أدوار العمد، إذ من المستغرب والمستنكر ألا يعرف شخص يسكن حياً ما عمدة ذلك الحي"، ويضيف أن"تفعيل دورهم يكون عن طريق انتخابهم كشرط أساس، الأمر الذي يوفر قناعة شخصية عند انتخابه، إضافة إلى محاسبته عنده تقصيره في أداء أدواره". ويذكر أن الشروط الذي يجب توافرها في العمدة لترشحه"التمتع بالقدرة على إدارة شؤون الحي بشكل جيد عن طريق الدراية التامة بأحوال السكان، وأن يكون ممن عرف عنهم أمانتهم وحسن سيرتهم، ليكون محل ثقة لدى الجميع". ويرى ضرورة وجود موظفين يدعمون العمدة ويساندونه في تحقيق أدواره، إذ يصعب على رجل واحد الإلمام بأحوال الحي وأوضاعه كافة، خصوصاً أن هناك الكثير من الأحياء التي يتجاوز عدد سكانها ال 50 ألف نسمة. من جانبهم تباينت آراء العمد حول عملية اختيارهم عن طريق الانتخاب وحول معرفة أهالي الحي بهم، ويقول عمدة حي الرويس طلال الجحدلي:"يحتاج أهالي بعض الأحياء البسيطة التي ينتشر فيها الجهل إلى تثقيف بالعملية الانتخابية، لكي يختاروا الشخص المناسب في المكان المناسب". ويرى أن"الانتخاب أمر جيد يترتب عليه قناعة بالشخص الذي اختير لمنصب العمدة، ويسمح في الوقت ذاته بالتعرف على عمدة الحي الذي أصبح يجهله الكثير في الوقت الحالي، نظراً إلى اختلاف الأنماط الاجتماعية بحيث أن الجار لا يعرف جاره، فكيف له أن يعرف عمدة حيه؟". ويشير إلى أنه في الماضي غالباً ما كان يتم اختيار العمدة عن طريق أهل الحارة، بعد أن تتوافر في هذا الشخص صفات قيادية مميزة تؤهله لتمثيل سكان الحارة. ويلفت إلى أن منصب العمدة قد ينتقل بالوراثة إذا مات"العمدة الأب"وتوافرت في"العمدة الابن"الصفات القيادية نفسها، وعادة ما يهيئ"العمدة الأب"أحد أبنائه وتدريبه مع ضرورة موافقة أهل الحارة واختيارهم. أما عمدة حي النزهة فيصل القريقري فيعتبر أن اختيار العمدة من طريق الانتخاب غير فعال في الوقت الحالي، إذ أن"بعض أهالي الأحياء لا يعلمون ما الأدوار الواقعة على عاتق العمدة تحديداً، ويعتقد معظمهم أن العمدة ينحصر في إطار توقيع المعاملات". ويضيف:"يجب على العمدة أن يحرص على التعريف بنفسه وموقعه في الحي، وطريقة الوصول إليه من خلال خطوات عدة، تشمل تنظيم اجتماعات لجميع سكان الحي وفي وقت مناسب للجميع، يشرح لهم دوره ويناقش معهم حاجاتهم كافة".