كانت العملية الانتحارية التي نفذها عدد من الشبان السعوديين في الرياض وأودت بحياة مجموعة من المدنيين السعوديين والعرب والأجانب، شمال مدينة الرياض في حي غرناطة، أشد وقعاً على السعوديين من تلك التي نفذها شبان آخرون، بينهم 19 سعودياً في مانهاتن. في اليوم والشهر اللذين أصبحا تاريخاً عالمياً! ولذلك فإن الهيئة التي تفاعل بها السعوديون الذين واصل رجال تنظيم القاعدة، إعلان الحرب عليهم عبر استهدافهم في شكل مباشر، مواقع حيوية داخل مدنهم الرئيسة، كان مختلفاً ونوعياً. وفيما شمرت القيادة السياسية عن سواعدها، وأعلنت حرباً على الإرهاب، كانت الجهات الدينية في البلاد هي الأخرى مدركة أن لها دوراً في المواجهة مع الجماعات المسلحة التي تستند في مخططاتها إلى خلفيات فكرية، لا بد من أن تكون كبيرة ومؤثرة، ومثل ذلك معظم الشعب السعودي كافح الإرهاب كلٌّ على حسب قدرته، حتى عادت البلاد اليوم آمنة من خطره، أو على الأقل لم يعد يشكل لها قلقاً، بحسب ما عبر به ولي العهد السعودي الأمير عبدالله الذي جزم أمام رجال المال والأعمال السعوديين والأميركيين أخيراً بأن"السعودية خلفت وراءها فترة المحن". عطفاً على تلك الخلفية نهض مجموعة من الشبان السعوديين وصفوا أنفسهم بالمعتدلين، لتخليص إخوانهم الذين لوثت التنظيمات الإرهابية أفكارهم، كما يقول ماجد المرسال، الذي تحدث إلى"الحياة"مع فريق"حملة السكينة"التي أطلقوها بجهودهم الذاتية، حتى انتزعوا اعتراف وزارة الشؤون الاسلامية بهم، بعد أن بدأت وسائل الاعلام تتناقل مبادرتهم، إثر نجاحهم في إقناع المئات من المنحرفين فكرياً، بالتراجع عن معتقداتهم، والتحول إلى ساحة الوسطية والاعتدال. وهكذا مضت الحملة حتى غدت - كما يقولون -"مهددة لتنظيم القاعدة على الساحة السعودية، ومحجمة لكثير من خططه الرامية إلى استقطاب المؤيدين فكرياً، إن عزّ تجنيدهم عسكرياً، ما دفع بأتباع"التنظيم"إلى مهاجمة حواسيب الحملة وتدمير عدد منها". في خطوة عدها الطرفان انتصاراً. فمثلما اعتبرها مناصرو تنظيم القاعدة غزوة بدرية لأنها عطلت جهد المتحاورين، فترة من الزمان، رأى ناشطو"حملة السكينة"أن مهاجمة أجهزتهم، تحوُّل ينمّ عن مدى نجاحهم في إلحاق ضرر بالغ من الشق الفكري ب"التنظيم"الذي أعاقوا جزءاً من مخططاته. مدير العلاقات العامة والإعلام في الحملة خالد بن عبدالله المشوّح قال:"العمل في الحملة بدأ في مبادرة ذاتية قامت بها مجموعة من الشبان، استشعاراً منهم بالواجب الوطني والديني تجاه من يحملون هذه الأفكار، ورأوا أهمية إقناعهم ما استطاعوا بالحجة والحوار المباشر عبر منتديات الإنترنت التي ترتادها الفئات المستهدفة". وبحسب المشوّح نفسه، فإن المراحل الأولى من نشاط الحملة"مرت في هدوء تام، حتى حظيت بتبنٍ شخصي من وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، الذي تعهد بدعم الحملة، وزاد عدد المشاركين إلى أكثر من 30 رجلاً وامرأة، يحملون تخصصات عدة، يرون أنفسهم معنيين بتقليص امتداد الفكر الإرهابي داخل المجتمع السعودي". فريق الحملة الذي اختصر أهدافه في قيادة حملة مكافحة الفكر المنحرف على شبكة الإنترنت، لم ينكر استلهام المنهج الإداري من التنظيمات الإرهابية التي توزع كوادرها على شكل خلايا، لكل منها تخصص محدد، إلا أنهم على حد تعبير ماجد المرسال لا يحتفظون بمصطلحات التنظيمات الجهادية نفسها،"لدينا فريق علمي لمعالجة الشبه، وفريق لرصدها، وآخر لمتابعة جذور الفكر وامتداداته. نحن دائماً في حال طوارئ، وهذا الذي مكننا من تحقيق نتائج جيدة في وقت مبكر وقياسي". أما في ناحية الأدوار النسائية في هذه الحملة، فلا يتردد نشطاء الحملة في اعتبار العنصر النسائي بينهم حيوياً،"كما أن المتطرفات من النساء أصبحن يلعبن دوراً حيوياً في التنظيمات الفكرية المنحرفة، بل إنهم أصبحوا يخصصون للمرأة زوايا في مطبوعاتهم، فضلاً عن ذلك:"توجد منتديات نسائية خالصة، لا يلقى الذكور قبولاً فيها، وإن دخلوا بأسماء مستعارة، فمع الوقت يجري اكتشافهم". المرسال ومثله المشوّح اللذان تحدثا باسم فريق الحملة على رغم تأكيدهما أن رسائل الرجال أكثر، إلا أنهم أقروا بأن النساء أيضاً"بينهن متطرفات خاضت ناشطات الحملة معهن جدلاً فكرياً صارماً، وأعلن العديد منهن تراجعه عن أفكاره المنحرفة". وتابع المشوّح"من دون ذكر الأسماء الحركية لهن. وجدت نساء ينتمين إلى تنظيم القاعدة، وحركات فكرية منحرفة أخرى، تكفر الدولة، وترى الجهاد فرض عين، ويرين طاعة أسامة بن لادن أهم من طاعة الزوج، ومنهن متورطات في إذاعة ونشر أفكار التنظيمات التي يتبعنها". وتابع:"المذهل أن بينهن سيدات ينتظرن توجيهاً من أمراء التنظيم، بتنفيذ العمليات الانتحارية بأنفسهن. وهذا يمثل تطوراً خطيراً لو حدث. على الأقل في الخليج". 4 ساعات حوار لإجراء عملية تنقية فكرية في حديث فريق الحملة إلى"الحياة"يركزون على ضرورة نشر ثقافة الحوار، فهم ? بحسبهم ? وإن كانوا قلقين من انحراف فئات كثيرة من شبان وطنهم فكرياً"إلا أننا لا نستهدف من لا يرغب في دخول الحوار معنا. ولهذا نسأل ما المصلحة التي يخدمها التراجع عن الحوار. إذا كنت واثقاً من صحة منهجك وما تدعو إليه لماذا تخشى الحوار؟" أما عدد الساعات التي يستغرقها إقناع من يحاورهم فريق الحملة فإن"الناس مختلفون، منهم من يستغرق إقناعه أربع ساعة أو خمس ساعات متواصلة، وربما أكثر من ذلك. لكننا في كل الأحوال نجد صعوبة في إقناع الفئات التي تشربت الفكر الإرهابي، لأنهم لم يدخلوا في الحوار معنا، لشك يجدونه في أنفسهم نحو ما يقومون به من أعمال أو يؤمنون به من فكر منحرف، وإنما لإقامة الحجة علينا، وإثباتهم أننا ضالون عن الصراط المستقيم". ومع إقرار الفريق بأن"قبول الحوار هو الغالب، في جهة من لا ينتمون إلى تنظيمات معينة، وإن كانوا يعتنقون بعض أفكارها"إلا أنه أكد صعوبة"إقناع المتورطين في تنظيمات محددة بالدخول في الحوار ابتداء، لأنهم بايعوا أمراء تلك التنظيمات، ولا يرون دخولهم في أي حوار مشروعاً إلا بإذنهم"! وهل أجرى الفريق حواراً مع شخصيات معروفة محلياً أو دولياً بانحرافها الفكري، أجاب:"هناك حوارات أقيمت مع معظم القيادات المتطرفة، الأحياء منهم والأموات، سواء عن طريق الحملة أو عبر جهود أخرى، إلا أن المتورطين في التنظيم، قل أن يدخلوا في حوار، وإن فعلوا فقليلاً ما يغيرون قناعاتهم، وعلى رغم ذلك نحن حاورنا أناساً يعتبرون رموزاً في التنظير الفكري للمتطرفين". نعتقد أنهم مدعومون خارجياً ويعتبر الناشطون في حملة السكينة تدني ثقافة الحوار في المجتمع السعودي معضلة، وجدوها متأصلة في أذهان السواد الأعظم من المتأثرين بالفكر المنحرف"نحن مع الأسف مجتمع فقير في ثقافة الحوار، فلو كانت هناك ثقافة للحوار في محاضننا التربوية ومنتدياتنا الأسرية، لحققنا قدراً من النتائج أفضل. وجدنا أناساً يتواصون بعدم الدخول في أي حوار، وهذا نتيجة ثقافة اجتماعية غير مقصورة على هؤلاء. أملنا أن تتسع دائرة الحوار عن طريق المحاضن التربوية والأسرة، كي نصنع فكراً نظيفاً معتدلاً". وحول المرجعيات الفكرية للفئات المتحاورَة يضيف أبرز المحاورين المرسال:"الفكر ليس واحداً وحتى الإرادات مختلفة. هناك متأثر بهذا الفكر نتيجة شبهٍ تلقاها، مثل أن يظن أن هذه طريقة نصر الاسلام، وهناك من هو مجند يشعر أو لا يشعر. ومنهم من نظنه يلقى دعماً من جهة أو جهات، قد تهيئ له ما يريد". أما السمات الشخصية للفئات المتأثرة فكرياً ممن تحاورهم الحملة فقال عنها:"صغر السن ويمكن أن نلمسه سريعاً، ان أكثر من تأثر بثقافة الانترنت صغار السن، بدليل أن الأحداث التي حدثت كان أكثر المتورطين فيها صغاراً. ضعف العلم الشرعي: تنطلي عليهم أضعف الشبه، ضعف القوة العقلية والنقدية نتيجة ضعف ثقافة الحوار، هذا الضعف يجعله لا يستطيع أن ينقد." ولا يتردد الناشطون في تحميل الخطاب الدعوي"عبر منابره المختلفة في المدارس والجامعات والمساجد، مسؤولية ظهور جيل ضعيف الشخصية، ركيك البنية الفكرية، الأمر الذي جعل البعض ممن حاورناهم يظهر التأثر عليهم بخطاب دعوي عام يستغله الآخرون بإنزال مفرداته على واقع المجتمع السعودي. عندما يتحدثون عن الجهاد ? مثلاً ? فإنهم لا يتعرضون لضوابطه وشروطه، والمصالح والمفاسد، والقواعد الشرعية والمنطقية التي رعتها الشريعة الإسلامية في الذهاب للجهاد وعدمه. فهناك خطاب تعبوي يستغل هؤلاء الشباب". لكن الفريق اعتبر تجربة السعوديين الماضية نحو تحريض دعاتهم على جهاد لا يقع على أرضهم، كلفت المجتمع والدولة الكثير، إلا أن"طبيعة المجتمعات أن تمر بتجارب، تستفيد منها في تصحيح أنماط حياتها، ونرجو أن تكون التجارب المرة التي جناها مجتمعنا، كافية لتصحيح الخطاب الدعوي الذي يهيئ هؤلاء إلى قبول أشياء تتلبس بلبوس الدين، كما أنه لا بد من مراعاة أحوال المخاطبين". تقديم استشارات حوارية لأسر تلاحظ انحرافاً في سلوك أبنائها تقوم فكرة الحملة على الانتشار في مواقع ومنتديات ومجموعات الانترنت، وذلك عبر فريق عمل مختلف التخصصات، يحقق بتكامله أهداف الحملة عبر الوسائل والأساليب المناسبة والمؤثرة. على أن تكون صفة الانتشار والتعامل مع الجمهور صفة شخصيته، لأن المتلقي قد لا يقبل الحق إذا علم أن مقدمه ينتمي إلى حملة رسمية. أهداف الحملة: إفشاء المنهج المعتدل وتكريس قواعده وضوابطه ومفاهيمه. التصدي للأفكار والمناهج المنحرفة المؤدية إلى العنف والغلو. بناء شخصية إسلامية متوازنة منتجة وإيجابية لا تستخفها الأهواء والأفكار المتطرفة. الأهداف الخاصة: بث المفاهيم والقواعد الشرعية التي تكرس المنهج المعتدل. كشف الشبهات التي يعرضها أصحاب الاتجاهات المنحرفة بين الشباب. مناقشة الشباب والتحاور معهم في القضايا المشكلة. التصدي لمن يبث أفكاره المنحرفة. تعميق صلة الشباب بالوطن. تفعيل بيانات وخطابات ولاة الأمر والعلماء والمخلصين وتقديمها للشباب بالصورة التي تناسبهم ويقبلونها. معالجة الأسباب التي تؤدي إلى الغلو والانحراف سواء كانت فكرية أو اجتماعية أو نفسية. تقديم استشارات وحلول منطقية للأسر التي تلاحظ انحرافاً في سلوك أحد أبنائها لاستدراك الوضع بالطريقة المناسبة. وسائل تحقيق الأهداف : التركيز على أكبر الشبهات وأكثرها انتشاراً بين الشباب وتفنيدها، عبر طرح المواضيع في المواقع المختلفة والدخول في حوارات عامة. مناقشة الشباب والتحاور معهم عبر الماسنجر والرسائل الخاصة أو داخل غرف الحوار. إرسال رسائل تحقق أهداف الحملة لمرتادي الانترنت، وذلك لتحقيق هدف التطعيم ضد الأفكار المنحرفة، وتحقيق هدف الروح الوطنية . التصدي لدعاة الأفكار المنحرفة، ومحاورتهم في المنتديات والرد عليهم وكشف شبهاتهم التي يعرضونها. جمع وترتيب وتنسيق بيانات وخطابات ولاة الأمر والعلماء، ثم إرسالها بالبريد الإلكتروني، أو إرسالها في شكل مناسب إلى المجموعات والقوائم البريدية. مخاطبة أصحاب المواقع الجماهيرية والوصول إلى تفاهم ودي حول مسألة إثارة الفتن والتحريض خصوصاً في هذه المرحلة. تصميم صفحات الويب، وعرض الفلاش، والفرونت بيج، وتصميم التواقيع وبثها في الانترنت، التي تحمل عبارات تخدم أهداف الحملة. نشر الروابط الصوتية للعلماء والدعاة التي تعالج المسائل المهمة. أقسام الحملة: الإشراف والتخطيط، الرصد، العلمي، النشر، التصميم الاجتماعي والنفسي، خدمة مواقع الانترنت، العلاقات العامة والإعلام.