كانت المرأة قبل الإسلام مهمشة مسلوبة الإرادة، لا قيمة لها، تعامل وكأنها سلعة رخيصة، بل في أحايين كثيرة تجبر على البغاء والرذيلة. ثم جاء الإسلام فوضع المرأة في مكانها اللائق، وأعاد لها حقوقها الضائعة، وفي الجانب الآخر حرم عليها كل أمر ينتقص من كرامتها وعفتها. فكان أول دين سماوي ينهض بالمرأة من الحضيض إلى درجة رفيعة، فأصبحت تمارس حقوقها المشروعة التي فرضها الإسلام وفق الأطر الشرعية الملائمة. فمارست التجارة والطب ورواية الأحاديث وغيرها، وأعظم مثال في ذلك أمهات المؤمنين خديجة وعائشة رضي الله عنهما. بل إن التاريخ سجل مشاركتها مع الرجل في الحروب الإسلامية، فكانت تداوي الجرحى، وتنهض بهمة المقاتلين وتمدهم بمستلزمات القتال. إلا أن تمسّك البعض بعد ظهور الإسلام بالعادات والتقاليد البالية التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية حالت دون تعاملهم الصحيح مع أمورها، واختلط الأمر لديهم في حقيقة تصرفاتهم المتوارثة، التي يلبسونها لباس الإسلام. ومروراً بالمراحل المختلفة للحكم في هذه البلاد، فقد انقسمت الغالبية حول المرأة إلى فريقين: - أحدهما متشدد، يسلب كل حقوق المرأة بداعي مراعاة التعاليم الإسلامية، وهو في الحقيقة لا يعدو أن يكون متمسكاً بتقاليد خاطئة، التبس فهمها لديه مع حقيقة الإسلام. - والآخر متحرر، متأثر بأفكار دخيلة اكتسبها، يريد للمرأة السعودية الانحلال بدعوى الحرية والتقدم. وبقي بين هذين الفريقين فريق مناضل، يريد للمرأة حقوقها التي شرعها الإسلام من دون إجحاف أو تفريط. المرأة السعودية والمحاماة: اعتدنا في هذه البلاد محاربة كل جديد يأتي لمجتمعنا والتخوف منه، لمجرد انه جديد من دون النظر في حيثياته وما قد يحمله من فوائد، فأصبحت عقدة الجديد وراثة بين أجيالنا. ويتضح ذلك جلياً عندما بدأ تعليم البنات في السعودية وما صاحب هذه البداية من تذمر ورفض شديد وإطلاق الدعوات التي تصور تعليم المرأة على أنه نزع لحياء المرأة وإفساد لأخلاقها. وها نحن نرى اليوم الفوائد الجمة التي نجنيها من تعليم المرأة، بل أصبح الذين كانوا يعارضون بشدة بالأمس هم اليوم المؤيدون بشدة. أقول ذلك ونحن نرى المعارضة لعمل المرأة السعودية في المحاماة من دون سبب مقنع، وعندما تحاول البحث في أسباب الرفض يقابلك أصحاب الرفض بنظرة الغضب، ويتعامل معك كأنك ارتكبت ذنباً تستحق عليه العقاب. المرأة الآن تمارس دورها في المجتمع، فأصبحنا نرى المعلمة والطبيبة والإعلامية والمهندسة وغيرها، فما الفرق بين هؤلاء والمرأة المحامية؟ بل إن عمل الطبيبة على سبيل المثال أكثر إرهاقاً واختلاطاً من المحاماة، ولا يوجد فرق بين المرأة المعلمة أو الطبيبة أو غير ذلك وبين عمل المرأة في المحاماة، فجميع هذه الأعمال تتطلب الخروج من البيت والانخراط مع المجتمع بكل أطيافه. فكيف إذاً نرفض عملها في المحاماة ونجيز ما سوى ذلك؟ إن العاقل المنصف يرى اليوم أن ممارسة المرأة للمحاماة لا يشوبها أية شائبة دينياً ولا اجتماعياً. وهو حق مشروع لكل امرأة مؤهلة لذلك، بل إن لعمل المرأة في المحاماة فوائد جمة ودرءاً لكثير من المفاسد والأخطاء، وفي حقيقة الأمر أن المرأة أصبحت تمارس المحاماة في كثير من الأحيان بصفتها الأصيلة. فهي تذهب للمحاكم وتقيم الدعاوى وتحضر الجلسات، وتمارس حق المرافعة والمدافعة عن نفسها، وهذه الأعمال جميعها هي صلب المحاماة. ومن المثير للاستغراب ادعاء البعض أن المرأة تقوم بذلك لمرة واحدة فقط، ولا يستدعي هذا حضورها الدائم للمحاكم، وهذا ادعاء واه. فالمرأة قد تواجه مشكلات أسرية وعملية تضطرها للجوء للمحاكم مرات كثيرة. ولا نغفل في هذا الجانب أن هناك جيلاً من النساء السعوديات اللاتي يرغبن في العمل في مجال المحاماة والاستشارات القانونية، خصوصاً أنهن صقلن أنفسهن بالتعليم الأكاديمي الكافي، وربما اضطررن للعمل بعيداً من مجال اختصاصهن. بلا شك أن صدور تشريع يخول للمرأة ممارسة المحاماة هو إنصاف لفتيات هذا البلد. ولعمل المرأة السعودية في مجال المحاماة فوائد كثيرة نذكر هنا بعض منها على سبيل المثال لا الحصر: - أن الكثير من النساء السعوديات ليس لديهن دراية كافية بالأنظمة والقوانين، وبالتالي تضيع الكثير من حقوقهن بسبب هذا الجهل الشرعي والنظامي. ومن الضروري أن يكون هناك من بنات جنسهن من تزيل اللبس وتنير بصيرتهن. - من طبيعة الحياة أن المرأة أسرع في تفهم الأخرى، وهي أقدر على البوح بمشكلاتها وأسرارها لبنات جنسها، وربما أوضحت أموراً خفية قد لا تستطيع إيضاحها للرجل، تساعد في سير الموضوع وإيضاح الحقائق. - إن وجود مكاتب نسائية للمحاماة متعاونة مع المكاتب الرجالية أو فروع لها سيسهم في حل كثير من المشكلات الأسرية، التي تتطلب تدخل الطرفين الرجالي والنسائي المتسلح بالمعرفة الشرعية والنظامية. - إن العديد من الحالات الأسرية تعاني فيها الزوجة من ظلم الزوج، ما يصعب معه أن تبوح بتفاصيل هذه المشكلات لرجل آخر. خوفاً من الزوج الذي ربما فهم تدخل الرجل الآخر بمفهوم عكسي، قد يؤدي لتدهور الأمور. وعند وجود المكتب النسائي الذي تلجأ له المرأة في هذه الحالة سيؤدي ذلك إلى رفع الظلم والحرج عن حالات زوجية عدة. وأنني في نهاية هذه الوقفة على قناعة بأن المرأة السعودية سيصرح لها بممارسة المحاماة في المستقبل غير البعيد، لعدم وجود سبب شرعي يمنعها من ذلك، خصوصاً ان السعودية مقبلة على الانفتاح على العالم بصورة أوسع، فعسى أن ندرك دوران عجلة الوقت السريعة ونصدر هذا القرار الصائب في فترة قياسية.