أساور جلدية وقماشية تزيّن معصمه، شعر طويل أو بضفائر، عقد جلديّ حول عنقه، ثيابه فضفاضة، قبعته ملونة، وحذاؤه رياضي... تلك هيئة مختلفة لشاب يمني عن المظهر السائد لأقرانه، لكنها تتماشى مع ما يعتبره رسالة فنية، تُوافق رغبته، ولا تتعارض مع"الأخلاق"المعممة قيمهاز وما دامت لا تضر بأحد فلم لا تكون"نيولوك"اختاره لنفسه؟ لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه البساطة. فلا بد لكل من يقرر تغيير مظهره هنا، أو معاكسة التقليدي، أن يتعرض للرفض ويتلقى النصيحة بالعدول عن خياره، وربما تثار حوله التساؤلات، وهو قطعاً سيُرشق بالانتقادات، لكنه أحياناً قد يجد من يتقبله كما هو. "فضائيون!"... كلمة علقت في ذاكرة شادي ناشر، وهو عضو في فرقة فنية شبابية يمنية تسمى 3 Metres Away على بعد 3 أمتار، ويقول:"عندما كنا في ساحة التحرير خلال الثورة، كنت وأصدقائي في الفرقة نوصف بالفضائيين، لأننا اخترنا إطالة شعر رؤوسنا وغيّرنا في ملبسنا". ويختار شادي اليوم أن يظهر بشعر معقود إلى الخلف كذيل حصان"قصير"، وعلى كتفيه كوفية صوفية ملونة. شادي وأعضاء فرقته التي تتناول في أغانيها قضايا اجتماعية، بروح نقدية، لم يظهروا على الناس بملابس فضائية، فقط خالفوا المألوف. لم يرتدوا بنطالاً وقميصاً أو"شميز"كما يُسمى في اليمن، وتخلّوا عن"المعوز"قطعة قماش تُلفّ حول الخصر وتتدلى حتى أسفل الركبة، والثوب الأبيض مع السترة. وبدلاً من"عصبة الرأس"أو الشال، وضعوا كوفيات ملونة واختاروا مظهراً مغايراً لشعرهم. يقول أحمد عسيري، عضو الفرقة الذي يعقد ضفائر شعره على طريقة مغني الريغي العالمي بوب مارلي:"أحب أن أظهر في هذا الشكل، وكثيراً ما وصف شعري بأنه"قعشة"شعر غير مسرّح بحسب اللهجة اليمنية واخترته لأنه لا يتعارض مع رسالتي ويتوافق مع رغبتي الشخصية"، ويضيف أن"في كل ضفيرة تجربة وأغنية". ويرى أن تغيير الشكل أو الملابس خيار شخصي له دلالاته، وهم عامّ في الوقت ذاته:"نحن نتعاطى الفن، ونتعامل مع الناس أيضاً. عندنا رسالتنا التي نحاول تقديمها". وطاولت انتقادات كثيرة شَعر أحمد، ويتذكّر منها بوضوح ما قاله له شخص وصفه بأنه أقرب الناس إليه:"إذا كانت لديك رسالة فنية، فالمفروض أن تكون محترماً وأن يكون شكلك محترماً وشعرك محترماً"، ويعلّق أحمد:"وأتذكّر أن هذا ما دفعني إلى التفكير في معنى الشعر المحترم والشعر غير المحترم". يتفق أعضاء فرقة"على بعد 3 أمتار"على أن الفن لا تحكمه أيديولوجيا أو حدود جغرافية أو فكرية، لا يفترض أن يحدّه زمان أو مكان. أحد أعضائها، عمر سعد، إلى جانب أعضاء من دول أفريقية وأوروبية، يؤكد هذه الفكرة:"ليس للفن حدود، ولأننا وجدنا أنفسنا في إطار محدود، أردنا توسيعه، ناقشنا في أغانينا مواضيع معينة، وإن كنا نقدم اليوم أغنيات باللغة الإنكليزية، وقدمنا بلوز وريغي، فربما في الغد القريب نغني الصنعاني". مُعضلة الشَّعر كنوع من ال"نيولوك"ينوي عمر إطالة شعره لأن"الفكرة هي أن الاختلاف أساسي، ومن القواعد التي يجب أن نفكّر فيها هي كيف نختلف، ويجب أن نحترم خيارات الآخرين، وما دمت لا أضرّ أحداً ولا أسبّب الأذى لإنسان فلماذا لا أغيّر في مظهري؟". والنمطية، بحسب عمر، هي البعد عن الخيارات المتاحة، ويرى أنه ورفاقه في الفرقة لم يخرجوا على الإطار الذي وضعه المجتمع نفسه:"نحن لم نكسر الأطر، فقط نحاول أن نوسعها، وبدلاً من أن تكون ضيقة وتزداد ضيقاً نوسعها لتتضمن كل الهيئات وكل الناس. المظهر هنا إشارة إلى تقبّل الاختلاف، رمز، ونحن نعلم أن الحكم على الشخص لا يكون من خلال شكله الخارجي". هذا ما يوافقه عليه صديقه شادي:"مظهري لا يتعارض مع أخلاقي، أتلقى تعليقات كثيرة لكنها لا تعيق تقدمنا". التعليقات لا تفارق أعضاء الفرقة، أو من ينتهجون تغيير مظهرهم حتى إذا لم يكونوا مغنين، ويصبح عبورهم في أي شارع لافتاً، يجذب الانتباه ويحرك الألسنة. يتقبّل أعضاء الفرقة هذا الأمر، ويقول أحمد:"الرسالة ليست مجرد شكل، بل طريقة تفكير، في هذه اللحظة أرى شعري جميلاً هكذا، لكني في يوم ما قد أحلق شعري، الأمر مفتوح". "مشروع حياة"هو الشعار الذي يرفعه أعضاء الفرقة كتعبير عمّا يفعلون وكيف تتطور أفكارهم. لأجله يبذلون الكثير، لا يحصرون أنفسهم في الغناء في المسارح أو المناسبات، ينفذون أيضاً أعمالاً طوعية، لا تخلو من مواقف طريفة بسبب مظهرهم المختلف. يقول شادي:"كان لدينا نشاط مع متضرري الحرب من الأطفال، وسأل بعضهم صديقي عن جنسيتي، وعندما حدثتهم باللهجة اليمنية، التفوا حولي وعبّروا عن إعجابهم بشكلي". وفي إحدى زياراتهم للسوق لشراء احتياجات منزلية، حدّثهم البائع بالإنكليزية على أساس أنهم أجانب، وكان ينطق الأسعار بالأجنبية، وعندما ردوا عليه بالعربية فوجئ! من جهة أخرى، قد يظهر البعض إعجابهم بمظهر أعضاء الفرقة. يقول أحمد:"في إحدى الحفلات التي أحييناها في الشارع، مرّ بنا رجل ستيني وأبدى إعجابه بشعري، قال لي إن الرسول كان يطيل شعره، وطلب مني بلطف أن أدعو الرجل الأجنبي الذي بصحبتي إلى الإسلام". قد يتلقى الشباب نصيحة بالعودة إلى الشكل اليمني"المألوف"، ما لا يقبله عمر:"لدي اقتناع بأنه لا بدّ من الاختلاف للتحفيز على التفكير في المسلّمات". ومع ذلك، يرفض فكرة ما يقال عن الفرقة بأنها تروّج ل"ستايل جديد"، ويقول:"هذا المظهر لنا نحن فقط، لا أوافق على فكرة أننا نروج له"، ويتدخّل شادي قائلاً:"شباب كثيرون يعجبون بمظهرنا ويسمونه كول cool".