إيلون المجنون يغضب منافسه ألتمان    ظهور الدلافين قرب شواطئ «رأس محيسن» بمنطقة مكة المكرمة    القرار بين الانطباعات والتقييم    من سكة الحديد إلى الذكاء الاصطناعي    التحالف الإسلامي العسكري نموذج يحتذى    مقتل 15 شخصا على الأقل بعد تزاحم في محطة قطارات بنيودلهي    جبال السعودية حصن فلسطين    "الفيصل" يُتوّج البريطاني "رولاند" بلقب الجولة الرابعة من سباق جدة فورمولا إي بري 2025    ابعد بعيد.. «العميد» الأول    التايلاندية "جينو تتيكول" تتوج بلقب بطولة صندوق الاستثمارات العامة السعودية الدولية للسيدات    الفتح يوضح حقيقة ضم زيزو مجانا    بلان يتحدث عن المخاطرة قبل الكلاسيكو    ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الإتحاد على الوحدة    فجوة الحافلات    تحول الإعلانات إلى قوة ناعمة    لونك المفضل.. يكشف مهنيتك في العمل    تآلف الفكر ووحدة المجتمع    تكساس تشهد أسوأ تفش للحصبة    تسويق السياحة السعودية    برعاية محافظ الزلفي: تعليم الزلفي يحتفي بيوم التأسيس    الرياض تسجل أعلى كمية ب14.7 ملم في الدوادمي    حالة مطرية على مناطق المملكة    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده يعد بالمشاركة في الاستحقاقات اللبنانية المقبلة    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    843 منافس في مسابقة شاعر الابداع بعنيزة    الهوية الصامتة    غوارديولا: تألق مرموش كان مجرد مسألة وقت    فريق «مايك تايسون» يسيطر على ملاكمة المملكة    قصة الدواء السحري    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يجري عملية متقدمة لتصحيح العمود الفقري    احتمالات اصطدام الكويكب 2024 YR4    إسرائيل.. الفكر الاستعماري من التهجير إلى محاولات تصفية القضية    عيد الحب: احتفاء بالمعنى الأزلي للحب    قصة نجاة في الصحراء !    بينالي الفنون الإسلامية    سوريا.. الانتقال الصعب..!    كود.. مفتاح الفرص    السعودية و«النقد الدولي» يطلقان مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    السعودية تحتضن لقاء ترامب وبوتين    الحيوانات تمرض نفسيا وعقليا    جازان: القبض على 4 مخالفين لتهريبهم (67) كيلوجراماً من نبات القات    القيم مشرفاً على مشيخة الإقراء بالمسجد النبوي    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن يزور جمعية كسوة الكاسي في جازان ويتسلم العضوية الشرفية    " 140 " مستفيد وحالة مستكشفه من أركان يشفين الصحية بقلوة    أمطار وسيول على 8 مناطق    مفتاح حل المشاكل    الشام وخطوة الاتصال اللحظي أو الآني    الذوق العام تطلق مبادرة "ضبط أسلوبك" بالتزامن مع تسوق شهر رمضان المبارك    سعود بن نهار يستأنف جولاته التفقدية للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    Big 5 Construct Saudi ينطلق اليوم ويستمر لأسبوعين لتسليط الضوء على الابتكار والاستدامة والريادة في الصناعة    أمير الباحة يعزّي الزهراني بوفاة ابنه    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    «الداخلية»: ضبط 22,663 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن آل سعود يزور معالي الشيخ علي بن شيبان العامري    في يوم النمر العربي    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرآة المكسورة
نشر في الحياة يوم 17 - 11 - 2011

يرى الفيلسوف كانط أن الإنسان مولود باستقلالية عن القانون، وبخاصية الشطط في استعمال الحرية، وهو ما يفسر"نوعاً ما"خروج تلك الصورة العارية على النت للفتاة المصرية علياء، فتلاحظ مثلاً أن الرضيع لا يطيع سوى ميوله الحيوانية، ولا يخضع إلاّ لنزواته فيكون مستبداً بالآخرين الذين يجدون له ما يبرر استبداده باعتبار سنه الغضة. فالاستبداد إذاً هو حالة طبيعية للإنسان، وتعبير فوري عن إرادة لا تخضع ولا ترغب للتقنين، وعليه، وكي يصير الإنسان كائناً غير مستبد فلا بد من ترويضه. أمّا أصول هذا الترويض وغربلتها انحيازاً لمصلحة الإنسان أولاً فهي الخطوة الأهم في تربيته المتوازنة، فهل تربّت شعوبنا العربية؟ أم أخضعت قهراً باسم الترويض بلا أصول، بلا أساسيات انتصاراً لمنافع المهيمنين؟ وللجواب يحضرني رأي ل"بوركهارت"، زميل نيتشه في جامعة"بال"، حين استشعر البربرية القادمة من التعليم العام فوصفها عام 1846 بقوله:"القرن التاسع عشر سيعرف ذات يوم بالقرن المتعلِّم، إذ تتطاير نحو كل إنسان مهما كانت درجة غبائه، شرارات من نيران التربية العامة التي تزداد انتشاراً، فقبل أزمنة كان كل واحد حماراً على مسؤوليته الخاصة، أما اليوم فالمرء يعتبر نفسه متعلِّماً فيشرع بنسج نظرته الخاصة إلى العالم ويبدأ بإلقاء المواعظ على الأقربين من حوله. وهكذا تُقيم التربية كل يوم لها صرحاً من مخادعات، تتحرك ضمنها في ما بعد فئات كاملة من المجتمع، تدفعها إلى ذلك حماسة زائفة".
فماذا لدينا؟ كائن مستبد مولود باستعداد فطري للفوضى، ونظام تعليم أوهم هذا الكائن بالتعلّم والتربية، مع أن التعلّم غير العلم وغير التربية، فنحن شعوب عربية قد تتلقى العلم في مؤسساتها التعليمية نعم، ولكنها لا تتعلم ولا تتربّى، إلا أنها تظن أنها تعلّمت وتربّت، فتخرج للعالم بهذه الأوهام المتصوّرة عن نفسها، وعند الاختبار والموقف يتضح لها ولنا حجم الزيف الذي نعيشه. فنظام ساهر السعودي للمرور برهن على أن الإنسان السعودي بسلوكياته لم يحظَ بأشواط تُذكر في تربيته وتحضّره لا في بيته ولا في مؤسسته التعليمية، فالقائمون على تربيته هم أنفسهم قد فاتهم قطار التربية، فكيف يطالبون بشرح شامل عن رحلة في قطار لم يركبوه! وللإنصاف، في عالمنا العربي، قليل هم من سافروا على متن قاطرة التربية هذه.
لأعترف أنني ابتسمت لعبارة بوركهارت ونبرته في التحسّر على أيام ولّت كان فيها المرء حماراً على مسؤوليته الخاصة، العبارة التي ذكرتني بنقاش جاد كنت فيه أحد أطراف الحوار فإذا بمحدِّثي يصف أحدهم بالحمار الدولي، فسألته عن الفرق بين الدولي والمحلي، فأجاب بأن الحمار الدولي هو حمار في كل مكان، أما المحلي فأمامه فرصة لو خرج من محليته أن ينظف عقله ويتغيّر تفكيره، ولا تملك إلاّ أن تعترف له بمنطقه. أمّا الإشكالية فهي أن تجد حماراً قد ضيّع هويته فلا يدري أنه يحمل أسفاراً، أو كما المثل الأجنبي"لنقل أن مرآة البيت مكسورة". ولا أحسب أنظمتنا العربية في التربية والتعليم إلاّ ذات مرايا مشروخة، وهو المعقول بعد التحقيق، فالمربِّي في البيت والمدرسة أخذ على عاتقه أن يُحترم حتى آخر قطرة، خوفاً أو تملقاً، لا ينشغل بالسبب، بل بالنتيجة، لا تهمه الآلية طالما أنها ستُفضي إلى ما يريد، فينشأ الإنسان العربي متظاهراً بالتربية منافقاً لها في المجالس، ولكنها لم تدخل في تركيبته النفسية ولا العصبية، مجرد قشرة يتجمل بها للقبول والتمدّن الاجتماعي، وبسهولة يتخلى عنها، ألا تذكر؟
أجيالنا المتعبة هذا ما كان من نصيبها في التربية، وقد تسيطر على انفجارها وجموحها بضبط القوانين، ولكن يبقى الأمل الأكبر معقوداً في تهذيب الأجيال القادمة، في توازنها ما طبيعتها المنطلقة من القيود، والتربية التي تعينها على طبيعتها وتحميها منها، بحيث يكون الحافز نابعاً من احترام النفس لذاتها ولو غاب القانون، ولن يكون ذلك إلاّ بإعادة تقويم الأسلوب التربوي العربي بعد تفكيكه وتشريحه، فلو كان يجدي نفعاً لما استيقظت فينا نوازعنا المنفلتة بهذا الاقتناع، ولو كانت بأوامر الأسد فاميلي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.