ما معنى كلمة فيلسوف؟ تعني أنه إنسان يحاول إيجاد أجوبته الخاصة عن مسائل معينة يختارها فيطرحها على نفسه، كما تعني أن هذا الإنسان قد لا يمتلك فلسفته الخاصة لكنه ملم بتاريخ الفلسفة وتراثها، وبهذا التعريف كان الفيلسوف الألماني إمانويل كانط المولود عام 1724 يحمل المعنيين، فمن شغل أول كرسي للفلسفة في الجامعة، لو اقتصر في عمله على كرسي التدريس وترديد فكر الفلاسفة الآخرين، لما احتل موقعه في تاريخ الفلسفة. عقل الانسان يشكّل أساس كل معرفة برأي العقلانيين وعلى رأسهم ديكارت، في حين أن المسألة على خلافها عند التجريبيين المؤمنين أن حواسنا هي التي تسمح لنا بمعرفة العالم، ومنهم هيوم وبيركلي، فأتى «كانط» ليجد كلا الفريقين على خطأ وعلى صواب، فالقضية في النهاية قضية معرفة، ومعرفة العالم بالمناسبة تعتبر بمثابة المشروع المشترك بين الفلاسفة منذ ديكارت إلى يومنا، فهل هي معرفة يدركها عقلنا أم حواسنا؟ هذا هو السؤال! تقبل «كانط» من التجريبيين فكرة أن الحواس هي أساس كل معرفة، لكنه أضاف أن العقل هو الذي يملك الشروط لتحليل كيفية إدراكنا. ولمزيد من التبسيط، لو وضعنا على أعيننا «نظّارة» ظلها بني اللون، فكل ما سنراه من خلالها سيكون لونه بنياً، ذلك أن «النظّارات» هي التي حددت لنا كيف نرى العالم الخارجي، فليس صحيحاً بحال الادعاء أن العالم أسود أو بني لأننا نراه كذلك، فكيف نراه، تلك هي قضية «نظّارات»، وبهذا المعنى يعتقد «كانط» أن عقلنا بما يمتلك من قدرات هو ما يحدد تجاربنا الحسية، ولأننا لا نستطيع أن نخلع «نظّارات» العقل، فنجد أن لكل منا «نظّارته» ونظرته. والآن لو تخيلنا أننا نجلس في مكان ما، فتدحرجت أمامنا كرة، فما هو رد الفعل المتوقع؟ سيلتفت الإنسان ليرى مصدر الكرة ومن دحرجها، أما الهر فسيجري وراء الكرة، فالكائن البشري يتساءل عن سبب ما يحدث له وحوله لأن قانون السببية يدخل في تركيبته البشرية، فهل سيلتفت الطفل أيضاً ليتساءل عن مصدر الكرة؟ يرى «كانط» أن العقل لا يكون نامياً ومتطوراً بما فيه الكفاية لدى طفل لم يتعرض لعدد من تجارب توسّع وتسرّع من عملية نمو عقله وتطوره. وهكذا هو عقل كل إنسان ينشأ في بيئة تغلّق عليه الأبواب ولا تسمح له باكتساب الخبرات، وهكذا هو عقل المرأة في بيئة فرضت عليها باسم الوصاية ألا ينمو عقلها، وحين لا ينمو العقل فكيف يكون إدراك العالم الخارجي؟! المرأة العربية التي لا تزال ترزح تحت أوامر تعاملها ككائن لا يحق له المطالبة أو المخالفة، لا يحق له الخروج عن سير طريق رسم له، لا يحق له تقرير مصيره بنفسه ليصيب ويخطئ ويتعلم من عثراته ولا يرجم بها، هذه المرأة ستكون كالهر أمام الكرة، تجري وراءها ولا تسأل من دحرجها ولم دحرجها وكيف دحرجها، (لذا تجدها تقع في الخطأ أكثر)، هذه المرأة ستظل تلهث وراء المغريات كلما عرضت أمامها، وهذا بالضبط ما يريح الرجل ويطمئنه، فعقل يسهل التحكم به، غير عقل يملك أدوات تحرره، فهذا الأخير قد يتحمل الرجل وجود صاحبته في العمل، مع تقييدها بحدود سلطته طبعاً، لكنه نادراً ما يتمناها شريكة له في بيته وحياته، ثم يأتي ويشتكي من عقل المرأة الصغير! ولا يتكلم عن دوره في تحجيم هذا العقل إلى حدوده الدنيا! ولأن عقلنا كما يرى «كانط» هو ما يفسر لنا تجاربنا الحسية، فلا تستغرب أيها الرجل إن لم تشعر بك المرأة، فعقلها الذي حرصت على تقزيمه أصغر من أن يناقش معاناتك ومشاعرك، عقلها تعود - فاكتفى - أن يقفز وراء الكرة، فاشرب من كأسك. [email protected]