عانى من بقع بيض على جذعه تحوط بها مناطق حمر لازمته فترة طويلة. استشار العديد من الأطباء قبل أن يعرف أنه مصاب بمرض يعرف بتصلب الجلد. وتصلب الجلد مرض مشتق من اللغة اللاتينية"سكليروديرميا"التي تعني تصلب الجلد أو تيبسه، وهو مرض نادر نسبياً، يصيب واحداً من بين كل ألف شخص، ويطاول النساء أكثر من الرجال بنسبة من 3 إلى 5 أضعاف، خصوصاً صاحبات البشرة السمراء. ويشاهد المرض عادة في المرحلة العمرية من 30 إلى 60 عاماً. والتصلب الجلدي مرض مزمن يلازم صاحبه طوال حياته. إن سبب تصلب الجلد لا يزال مجهولاً، ولكن هناك شبهات كبيرة بأنه مرض مناعي ذاتي، إذ يقوم الجسم بتوليد أجسام مضادة تهاجم مختلف الأنسجة السليمة مؤدية إلى إنتاج فائض من ألياف الكولاجين التي تحط رحالها على مختلف أعضاء الجسم مؤثرة سلباً على وظائفها. وهناك بعض الدلائل على وجود اضطرابات صبغية قد تشكل استعداداً وراثياً لدى أصحابها، كما يمكن لبعض العوامل الميكروبية أن تكون وراء اندلاع المرض مثل فيروس الهربس والفيروس المضخم للخلايا. وهناك حالات من التصلب تم ربطها بالتعرض الخارجي إلى عوامل كيماوية مثل التعرض للإشعاع أو لغبار السيلكا أو لتناول بعض العقاقير. والعلامة البارزة في مرض تصلب الجلد هو النمو غير الطبيعي للنسيج الضام في البشرة والأوعية الدموية وفي بعض الأعضاء الداخلية كالقلب والكلية والرئة. ومهما كان السبب المؤدي إلى مرض تصلب الجلد فإن آلية المرض تعتمد على حدوث ثلاثة أمور: الأول، إصابة البطانة الوعائية للأوعية الدموية. الثاني، الخلل المناعي. والثالث، التليف. ويتظاهر مرض تصلب الجلد على شكلين: الأول موضعي يصيب الجلد، والثاني منتشر يطاول الجلد والأوعية الدموية والأعضاء الحشوية كالقلب والرئتين والمعدة والأمعاء والكلية. وفي تصلب الجلد الموضعي تقتصر الإصابة على الجلد والنسيج الضام الذي يقع تحته، ولا تتأثر الأعضاء الجهازية في هذه الحالة، وهناك صورتان لهذا المرض: - تصلب الجلد المحدود، ويتظاهر على شكل مناطق حمر جلدية سميكة بيضاوية الشكل تتصلب في ما بعد، ومع مرور بعض الوقت يتحول وسط هذه المناطق إلى اللون العاجي وتكون حوافها بنفسجية اللون، وتخلو هذه المناطق من الشعر ويقل التعرق فيها بسبب إصابة الغدد العرقية. وفي العادة يشاهد التصلب المحدود على الصدر والظهر والبطن وقد يطاول أحياناً الأطراف والوجه. وفي بعض الحالات قد يخرج تصلب الجلد المحدود عن طوره فيشغل مساحة كبيرة من سطح الجسم. وفي شكل عام يمكن القول إن التصلب المحدود يتلاشى خلال 3 إلى 5 سنوات ليترك مكانه مناطق ذات لون داكن على البشرة. - تصلب الجلد الخطي، وفيه تظهر الإصابة على صورة خطوط سميكة ذات لون غير طبيعي تمتد على طول الذراع أو الساق وأحياناً منطقة الجبهة، ويشاهد هذا النوع من التصلب عند الأطفال والشباب. وأغلب حالات التصلب الموضعي تترافق مع ظاهرة"رينو"، وهي حالة مؤلمة يحصل فيها بطء في تدفق الدم إلى أصابع اليدين والقدمين عند التعرض للبرد، فيعاني المريض عند التعرض للبرد أو الانفعال من شحوب في الأصابع يترافق مع ألم وازرقاق وبرودة فائقة، وبعد عودة تدفق الدم يصبح لون الأصابع أحمر، وفي الحالات الشديدة تحدث التقرحات الجلدية على أطراف الأصابع، وقد تحصل الغرغرينا في بعض الحالات. وتشاهد ظاهرة رينو بشكل كبير عند المدخنين. أما تصلب الجلد المنتشر فهو يطاول واحداً أو أكثر من أعضاء الجسم الداخلية إضافة إلى الجلد، وهذا النوع خطر للغاية لأنه قد ينتهي بمضاعفات فتاكة، فإذا أصاب التصلب الكليتين فإنه يسبب تلفاً في أوعيتها الدموية محدثاً ارتفاعاً كبيراً في أرقام ضغط الدم. وإذا أصاب الرئتين فإن المشاكل التنفسية تبدأ في الظهور إلى العلن خصوصاً ضيق التنفس والالتهابات الرئوية. وفي حال استوطن التصلب في المريء يعاني المصاب من عسر البلع عند إصابة الجزء العلوي منه، ومن ارتداد المفرزات المعدية المريئية لدى إصابة الجزء السفلي للمريء. أما إصابات المعدة والأمعاء فتحصل نتيجة تأذي عضلات القناة الهضمية الأمر الذي يسبب ضعفاً وتكاسلاً في قيام هذه القناة بعملها، وفي إعطاء الفرصة للجراثيم المستوطنة في الأمعاء للنمو والتكاثر في شكل أكبر فيعاني المريض من حزمة من الشكاوى الهضمية المتمثلة في الحرقة المعدية، والإسهال، والإمساك، والنفخة في البطن. ويعتمد تشخيص مرض تصلب الجلد على التاريخ المرضي والفحص السريري للمريض، وقد يحتاج الطبيب إلى إجراء بعض الفحوص المخبرية والشعاعية التي تساعد على التشخيص. وقد يلجأ إلى قياس أضداد نوعية تجول في الدم، ولكن غياب هذه الأضداد لا ينفي الإصابة بالمرض، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأضداد قد تشاهد في أمراض أخرى مثل الذئبة الحمامية الجهازية، وداء الأنسجة الضامة المختلطة، والتهاب المفاصل الرثياني، والتهاب العضلات العديد، ولا حاجة للصوم قبل قياس أضداد تصلب الجلد، وهناك بعض العوامل التي قد تساهم في رفع مستوى تلك الأضداد مثل حامض الأمينوساليسليك والأيزونيازيد والميثيل دوبا والمضاد الحيوي البنسلين وبروبيل تيويوراسيل والستريبتومايسين والتتراسكلين. ما العلاج؟ لا يوجد علاج يشفي من مرض تصلب الجلد، ولكن في جعبة الطبيب ترسانة تسمح بالسيطرة على العوارض الناتجة منه وتبعاً لنوع المرض والدرجة التي وصل إليها. وفي شكل عام يتم العلاج على الشكل الآتي: - الأدوية المضادة للالتهاب التي تساعد في التخفيف من وطأة الألم والالتهاب والتورم والتصلب. -الكورتيزون، الذي يعتبر من العلاجات المهمة التي يحتاج إليها كثيرون من المرضى، وطبعاً يجب التقيد حرفياً بتعليمات الطبيب عند تناول هذا الدواء. - الأدوية المثبطة للمناعة، وتفيد هذه في لجم جهاز المناعة عن إنتاج الأجسام المضادة التي تهاجم الأعضاء الداخلية للجسم. ويجب التحلي بالصبر عند أخذ هذه الأدوية لأنها تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تعطي مفعولها. - علاجات أخرى بحسب نوع الإصابة. وينصح المصاب بالتوقف عن التدخين، ووضع المطريات الجلدية المناسبة، ولبس القفازات والجوارب في الطقس البارد، خصوصاً للمرضى الذين يعانون من ظاهرة رينو، واستعمال الدموع الاصطناعية في حال الشكوى من جفاف العين، وفي حال إصابة المريء وحدوث صعوبة في البلع يوصى المريض بمضغ الطعام جيداً. وفي السنوات الأخيرة ظهرت علاجات واعدة تحمل الأمل لمرضى التصلب الجلدي من بينها طريقة نقل الخلايا الجذعية وزرعها. والمهم في تدبير مرض تصلب الجلد هو المتابعة الدورية لرصد تطورات المرض، وتقويم فاعلية الأدوية المستخدمة. كما تسمح المتابعة بكشف التبدلات في وظائف الأعضاء لاتخاذ التدابير الطارئة من أجل تصحيحها أو على الأقل الحيلولة دون تدهورها. أخيراً إن التشخيص الدقيق لمرض تصلب الجلد ليس سهلاً وقد يستغرق التوصل إليه وقتاً طويلاً خصوصاً أنه مرض نادر وقليلون من الأطباء من لهم دراية أكيدة به، عدا هذا ففي المراحل المبكرة منه يشبه العديد من الأمراض. ومرض تصلب الجلد ليس معدياً كما يشاع عنه، أي أنه لا ينتقل من شخص إلى آخر عن طرق العناق أو التقبيل أو الاتصال الجنسي أو لمس دم وسوائل جسم المصاب، أو من طريق الهواء أو العطاس أو السعال. والمهم أن المرض ليس سرطانياً إطلاقاً.