أوركسترا مؤلفة من 02 عازفاً، عازف فيولون يلعب أيضاً دور قائد الأوركسترا، ثلاثة مغنين بلباس أنيق، مسرح عادي وشاشة لنقل الترجمة... وحدها هذه العناصر البسيطة كانت كفيلة لتدخلنا إلى عالم ساحر وجذاب، إلى عالم الحب والعشق كما نظر إليه المؤلف الألماني يوهان أدولف هاسي 9961-3871 عام 8671 عندما كتب أوبرا"Piramo e Tisbe"والتي أديت للمرة الأولى في فرنسا الاسبوع الماضي، ضمن فعاليات مهرجان مونبيلييه الموسيقي بعد مرور أكثر من مئتي عام على تأليفها . لم يلزمنا الكثير لنغوص في حكاية بيرامو وتيسبي، ولنتابع بشغف تطورات القصة مع علمنا المسبق بوفاة البطلين. التفسير سهل: القصة والدراماتورجيا محبوكة بشكلٍ رائع، الموسيقى المرافقة للنص بغاية الروعة، والأداء مذهل لواحدة من أبرز الفرق الأوركسترالية المتخصصة في موسيقى الباروك. في هذا العمل ألحان معبرة، أنغام تعكس الخوالج وتتحدث عن الذات الإنسانية، تلك الخاصة بالفرح، بالحب، باستحالة اللقاء، بالفراق، بالموت واللقاء مجدداً. انها قصة حب تغنى بها كتاب وشعراء وملحنون في كافة العصور والحقبات. القصة التي قرأناها عند شكسبير والتي تأثر بها عدد كبير من المؤلفين كجونو وبيليني وبرليوز وتشايكوفسكي وبروكوفيف وصولاً إلى برنشتاين وعمله WEST SIDE STORY، والذي لم ينجح التاريخ في حفظ ما تركه هاسي قبل وفاته بوقتٍ قصير. هي قصة الشاب والشابة المنتميين إلى عائلتين متخاصمتين واللذين، أمام قوة الحب، وضعا جانباً مشاكل الماضي ليتبعا ما يمليه القلب. قصة"انتحار"الحبيب بعد اعتقاده بوفاة تيسبي. فما معنى الحياة من دونها؟ امام سوء التقدير هذا، وعند رؤية تيسبي حبيبها وهو ينازع، تقرر بدورها أن تقتل نفسها لكي تنضم إليه في تلك اللحظة الأخيرة وترحل معه. "علاقة حب مع المؤلف" على رغم جمال القصة والموسيقى ، لم ينجح هذا العمل في أن يعزف إلا مرات قليلة خلال فترة عيش وبعد وفاة هاسي الذي كان يعتبر في وقته من أبرز مؤلفي حقبة الباروك وصاحب أكثر من 06 أوبرا. فأوبرا"Piramo e Tisbe"من هذه الأعمال العظيمة التي نسيت من التاريخ ولم تنل حقها من النجاح. فابيو بيوندي، عازف الفيولون الإيطالي، واحد من أهم الموسيقين المتخصصين في حقبة الباروك، والذي كان لتسجيله ل"الفصول الأربعة"لفيفالدي عام 3002 نجاحاً عالمياً، أخذ على عاتقه إعادة الحياة إلى هذا العمل. يقول بيوندي ل"الحياة"بأن"هذا العمل هو أجمل ما كتبه هاسي، فيه إنسانية غير موجودة في أي من اعماله الأخرى. لطالما جذبتني قصة روميو وجوليت في الأدب والموسيقى، فهي قصة لم تستخدم كثيراً خلال القرن الثامن عشر. انها تراجيديا قريبة منا، يمكن أن تحدث في زمننا الحالي مع أي كان". أوركسترا Europa Galante التي قادها بيوندي، عرفت كيف تغني العمل بألوان الحب والعشق، فرافقت كل خاطرة، كل تعبير بطريقة سلسة، بصوتٍ دافئ وحنون. عرفت كيف تداعب هذه المشاعر، كيف تثقلها وتحملها بخفة. فانعكس ذلك على أداء المغنيين الثلاثة وخاصة على بطلي الأوبرا: المزو - سوبرانو Vivica Genaux والسوبرانو Desiree Rancantore ، ليأتي اداؤهما متكاملاً ومتجانساً مع الأوركسترا ومع رؤية بيوندي للعمل. عندما يتطرق بيوندي إلى موضوع عزف هذه الأعمال التي نسيها التاريخ، يتحدث عن"علاقة حب"تنشأ بينه وبين المؤلف والعمل. ولكن كيف يقيم ما يقوم به كموسيقي؟"أنا أعشق عملي. أن أعيد الأضواء إلى مؤلف وضعه التاريخ جانباً هو سبب وجودي. في اليونان القديمة أبشع الأشياء كانت أن يترك الشخص بعد وفاته على الشاطئ ليؤكل من الطيور. بالنسبة لي، عملي يقضي بجمع"رفات"بعض المؤلفين وبإعطائهم"قبراً"يليق بهم. مكافأتي الحقيقية تكون عندما"التقي"بهؤلاء المؤلفين، عندما أعطيهم المكانة التي تليق بهم. هذا ما قمت به في مهرجان مونبلييه مع أدائي لأوبرا هاسي بعد مرور مئتي عام على رحيل المؤلف، وهذا أمر رائع. بالإضافة إلى هاسي، هناك عشرات المؤلفين والأعمال القيمة غير المعروفة من الجمهور تحتاج إلى أن نعيد الحياة إليها". مهمة طويلة وشاقة يستمر بها بيوندي مع ادائه لأعمال هاسي والعديد من المؤلفين الايطالين الأخرين، والتي يواكبها مهرجان مونبلييه الموسيقي في برمجته للأعمال"المتروكة".