قدمت أوركسترا القاهرة السيمفونية حفلة مميزة بقيادة المايسترو نادر عباسي دمج فيها بين الحداثة والكلاسيك عبر مقطوعات أبرزت تفوق عازفي الأوركسترا الذين قدم بعضهم عزفاً منفرداً ضمن الأمسية الموسيقية الأخيرة. استهل عباسي الحفلة بشرح واف باللغة العربية لإحدى المقطوعات تعزف للمرة الأولى في أمسية تتكامل فيها الثقافة الموسيقية مع الاستمتاع بفقرات ثلاث تشاركت في «بداية أسماء مؤلفيها بحرف الباء» (بنجامين- برامز- برنشتاين) في صدفة أشار إليها عباسي في مقدمته للجمهور. انطلقت الحفلة التي حملت عنوان «دليل الأوبرا» بمقطوعة أولى عنيت بشرح مؤلفات واحد من أهم رموز الموسيقى الكلاسيكية الإنكليزية في القرن العشرين بنجامين بريتن (1913 إلى 1976)، عبر تنويعات موسيقية كتبها برتين بتكليف من وزارة التعليم البريطانية في إطار فيلم تعليمي قصير للتعريف بآلات الأوركسترا، عُزف العمل للمرة الأولى في أوبرا ليفربول العام 1946، وفيها استخدم بريتن أحد ألحان هنري برسيل (1659 - 1695) أحد أعلام عصر الباروك الإنكليزي لنسج أفكاره الموسيقية والتنويع عليها. على رغم صعوبة أداء تلك المقطوعة لدرجة تجنب عزفها من فرق عدة لما تحتاجه من عازفين على درجة عالية من المهارة، برعت أوركسترا القاهرة في تقديمها خصوصاً عازفي الآلات المنفردة، كذلك المجموعات الآلية لاسيما في الجزء الأخير حيث يقوم المؤلف بتجميع مجموعات الأوركسترا المختلفة داخل النسيج الموسيقي المتعدد الأصوات للفوجة. تبدأ الأوركسترا بعزف اللحن ثم يعاد بواسطة المجموعات الآلية المختلفة النفخ الخشبي والنحاسيات والوتريات والإيقاع، ثم يعمق المؤلف الشق التعليمي بتوظيف بعض آلات المجموعات المنفردة فنستمع ل «البيكلو، الفلوت، الكلارينت....»، ثم الآلات الوترية «الفيولينا، الفيول، التشيللو، الكونترباص، الهارب». وبالنسبة للآلات الإيقاعية جاء استخدامها في إطار بعض التغييرات حتى يدرك المستمع التباين في نوع الصوت الخاص بكل آلة من آلات الأوركسترا. انتقلت الأوركسترا من الكلاسيكية إلى الرومانسية في فقرة أخرى قدم فيها الكونشيرتو الثنائي للفيولينة والتشيللو في سلم لا الصغير مصنف 102 للمؤلف الألماني برامز(1823 -1897) الذي يعد أحد أقطاب المدرسة الرومانسية، يعد الكونشيرتو آخر أعمال برامز الأوركسترالية والذي قدم للمرة الأولى في ألمانيا العام 1878. لعب عازف الفيولينا المنفرد حسن شرارة وعازف التشيللو محمود صالح الكونشيرتو بإجادة، إذ استطاعا أن يحافظا على مواطن الجمال فيها سواء في تبادل الحوار بين الأوركسترا وكل آلة على حدة، أو خلال الحوار المتبادل بين الآلتين في الحركتين الأولى والثانية، وكذلك في التباين الدرامي في الحركة الثالثة والتي تحتاج إلى مهارة وتعبيرية في الأداء لتوصيل الفكر الموسيقي المتجدد لهذا المؤلف الذي استخرج من هذين الآلتين نغمات صوتية ذات رنين غير معتاد. برز تفوق قائد الأوركسترا في تلك المقطوعة، خصيصاً عبر التوازن بين العازفين والأوركسترا. وصلت الحفلة في الختام إلى عالم الميوزكال عبر مقطوعة رقصات سيمفونية من «قصة الحي الغربي» للمؤلف الأميركي برنشتاين (1919-1999) والذي يعد من أوائل قادة الأوركسترا الأميركيين الذين ذاعت شهرتهم في كل أنحاء العالم وكان المدير الفني لأوركسترا نيو يورك الفلهارموني، وتعد قصة الحي الغربي من أشهر مؤلفات برنشتاين، فهي موسوعة لموسيقى وإيقاعات الجاز تقدم محاكاة لموسيقى شوارع نيويورك القديمة حيث تدور مواجهات بين مهاجرين من أميركا الجنوبية وسكان الحي الأصليين، وفي إطار هذا الصراع تنمو قصة حب بين شاب وفتاة هم أبطال العمل الفني. قُدت المقطوعة في تسعة أقسام تعبر عن حوادث العمل الدرامي نجح فيها المايسترو عباسي في تفسير فكر المؤلف الموسيقي، مع إيضاح مميزاته من الأفكار المبتكرة في استخدام الآلات بما يتوافق مع الدراما.