1 دعونا نتفق أولاً على التعريف الحقيقي للإنسان الناجح، فهو ليس ذلك الذي يفرح بتحقيق نجاحاته الشخصية، بل هو المسكون بحب النجاح حتى لو كان على أيدي آخرين. النجاح هو عطر الحياة... وسواء وضعناه نحن أو وضعه آخرون، فكلنا سننعم برائحة النجاح الزكية المنتشرة في المكان حولنا. أتحدث هنا عن"الآخر"بمفهومه الواسع... فكيف إذا كان الآخر هو شقيقك أو صديقك أو جارك؟! 2 حين كان يطلب منا مدرس الجغرافيا، ونحن صغار، أن نعدد له أسماء دول الخليج كنا نذكر فوراً: الكويت والبحرين، ثم نبدأ شيئاً فشيئاً بتذكر الدول الأخرى، أما قطر فكانت آخر دولة تخطر على بالنا! الآن أجزم أن ترتيب دول الخليج في درس الجغرافيا قد تغير وتبدل في أذهان الطلاب الصغار... فكيف به في أذهان الطلاب الكبار؟! قطر... حكاية نجاح، تستحق الدراسة والتمعن في المنطقة العربية. وحين نقول حكاية نجاح لا يعني هذا خلو الحكاية من شوائب أو منغصات... مثل كل التجارب الناجحة. والذين كانوا يتندرون بقولهم:"قطر من قناة الجزيرة"، عوضاَ عن"قناة الجزيرة من قطر"، لا بد أنهم أدركوا الآن أن قطر ليست قناة"الجزيرة"فقط، بل هي أكثر من ذلك. وربما خفي على البعض أن النجاح الإعلامي القطري / العابر للعرب / لم يبدأ ب"الجزيرة"، فقبل ثلاثين عاماً كانت أهم ثلاث مجلات عربية تصدر من قطر: مجلة"الدوحة"الثقافية مجلة"الأمة الإسلامية" مجلة"الصقر"الرياضية. لكن المجلات الثلاث توقفت فجأة، وما زال توقفها يشكل لغزاً للقراء العرب!. قناة"الجزيرة"وحدها تكفي للحصول على شهادة نجاح وتفوق، فكيف وقد توالت نجاحات قطرية أخرى: منتدى الدوحة العالمي... الخطوط الجوية القطرية... الثورة الإنشائية العمرانية في الدوحة... المؤسسات التعليمية والثقافية والرياضية العالمية الكبرى؟. ما الذي جرى في قطر؟! أصدقاء نظرية المؤامرة يحيّدون المؤامرة في الحالة القطرية ويقولون أن السبب هو التغيير السياسي والتغير الاقتصادي، وتوظيف هذين التحولين في عجلة الإصلاح التنموي. أعداء نظرية المؤامرة، الساخرون دوماً من تعاطي المؤامرة كتفسير للأحداث العالمية، هم في تفسير الحالة القطرية يبيحون لأنفسهم استخدام نظرية المؤامرة، فقطر لم تحقق هذه النجاحات المتوالية بسبب قدراتها الذاتية... بل بسبب القوى العظمى التي جعلت من قطر أداة في خلخلة المنطقة من خلال قاعدة العديد"الدفاعية"وقناة"الجزيرة""الهجومية"... مدعوماً هذا بسلاح"الغاز"! نسي أولئك التآمريون أن قطر ليست الدولة العربية الوحيدة التي توجد فيها قاعدة عسكرية أميركية، كما أنها ليست الدولة العربية الوحيدة التي لديها نفط وغاز، كما أنها ليست الوحيدة التي لديها قناة فضائية"مدعومة"! إذاً ما هي حكاية النجاح القطرية... هل هي من الغاز أو ألغاز؟! بينما سينشغل آخرون تآمريون بفك ألغاز النجاح ستنشغل قطر، وسينشغل معها العالم البعيد والقريب، خلال الاثنتي عشرة سنة المقبلة بتحقيق مزيد من النجاحات والمفاجآت، ليس على المستوى الرياضي فحسب، ففوز قطر بتنظيم كأس العالم لعام 2022م ليس خبراً رياضياً، بل هو خبر سياسي واقتصادي وثقافي. هو، بإيجاز، خبر تنموي. 3 إذا كانت قطر حققت هذه النجاحات بسبب دعم القوى"الإمبريالية"، فإن النجاح القطري دليل أن القوى الإمبريالية يمكن أن تنقل الدول الصغرى"المتبريلة"إلى دول ناجحة، وعليه فيجب على الدول"المتبريلة"الأخرى أن تطلب من القوة العظمى تمهيد طريق النجاح لها. الاحتمال الآخر لتفسير النجاح القطري هو دافع داخلي نابع من قيادات قطرية ناجحة وبارزة بأسمائها الآن في سماء النجاح الدولي. والخلاصة، أن أية دولة عربية إذا أرادت أن تكون ناجحة فهي قادرة على ذلك... سواء بدعم خارجي أو بعزيمة وتخطيط داخلي. المهم أن تتوافر... الإرادة. الإدارة بالإرادة... هي سر نجاحات قطر، التي بدأت قبل قناة"الجزيرة"ويبدو أنها لن تنتهي عام 2022، فهنيئاً لها وهنيئاً للعرب، المتشوقين للنجاح، بها. * كاتب سعودي [email protected] www.ziadaldrees.com