يحاول الصابئة المندائيون، اقدم الطوائف العراقية، الحفاظ على وجودهم الآخذ في الانحسار، وممارسة طقوسهم الخاصة بعدما تعرضوا لأعمال عنف، في ظل الفوضى التي سادت البلاد في الاعوام الاخيرة. وعاد ابناء الطائفة في بغداد للاحتفال بأقدس مناسباتهم الدينية"عيد الخليقة"الذي بدأ أمس، وسط اجواء هادئة نسبيا بعد نزوح اعداد كبيرة منهم الى كردستان والخارج. ويقول الشيخ ستار جبار الحلو، رئيس الطائفة مرتديا الزي الابيض استعدادا للاحتفال بالعيد ان"للصابئة المندائيين أربعة اعياد، هذا ابرزها إذ تزول الحواجز بين الاحياء والاموات. لذا نصنع الملابس النورانية الطاهرة التي لم يحصل الانسان عليها وهو في الحياة". ويضيف:"وفقا لعقيدتنا، يجب تعميد المندائي قبل وفاته اما في حالة عدم حصوله على العمادة واللباس الخاص بها، فنصنع له لباسا في هذه الايام المباركة يرتديه حيا كتشبيه لما كان يجب ان يحدث". ويقرأ احد الكهنة وسط رائحة البخور العابقة في المكان مقاطع من الكتاب المقدس لدى الصابئة"كنزا ربا"او"الكنز الكبير". ويضع المصلون تقديماتهم التي تتضمن برتقالا وتفاحا وقطعا من الدجاج قبل ان يغطسوا في مياه النهر. ويقيم الكاهن طقوسه منتعلا حذاء من القصب الجاف المجدول، ممسكا بعصا خشبية. وخلفه المصلون ينتظرون اشارة كاهن آخر لتغطيسهم في مياه النهر الموحلة والملوثة كل بدوره. وتجلس نساء تحت سقف خشبي، بينما يسكب احد الكهنة مياه دجلة في كاس برونزية ليتناولن منه جرعتين قبل ان يرش بعض النقاط على الكتف من جهة الشمال من اجل مغفرة الخطايا. وبعد ذلك، يتم ربط غصن صغير من الريحان على شكل حلقة تضعها النسوة في خنصرهن. وديانة الصابئة مزيج من المعتقدات البابلية والمسيحية والفارسية. ويكن الصابئة احتراما كبيرا للنبي يوحنا المعمدان الذي عمد السيد المسيح في مياه نهر الاردن، وغادروا القدس في القرن الثاني الميلادي باتجاه بلاد ما بين النهرين هربا من اضطهاد اليهود المتشددين لهم. ويقول الحلو:"امنيتنا ان يعود الصابئة من المهجر لأن هذا بلدنا وارثنا وحضارتنا وثقافتنا لكن من خرج فعل ذلك لاسباب قاهرة فالظروف كانت قاسية وليس لدينا ميليشيات تحمينا". ويضيف الشيخ صاحب اللحية الطويلة الكثة:"ليس لدينا منطقة جغرافية محددة لحماية انفسنا فيها ... نصلي لكي لا يفرغ العراق من الصابئة والمسيحيين والايزيديين والشبك لأن هذا التنوع اغناء للبلد لكن الخوف لا يزال كامنا داخل الكثير منا". يشار الى ان عدد الصابئة المندائيين كان بين 30 و35 الفا قبل عام 2003، لكنهم لا يتجاوزون الثمانية آلاف حاليا. ويتابع الحلو:"نرجو من الحكومة ان تعطي الطائفة حقوقها المشروعة"، مشيرا الى وجود"فتاوى على الانترنت لبعض رجال الدين تؤكد ان الصابئة ليسوا من اهل الكتاب مما يشكل خطرا علينا ويعرضنا للابتزاز والخطف والقتل". من جهته، يقول غزوان يحيى يوسف 25 عاما، من المكتب الاعلامي للصابئة المندائيين والموظف في وزارة حقوق الانسان ممثلاً الطائفة:"تتحدر اصولنا من جنوبالعراق، حيث الاهوار، واينما توجد مياه جارية يوجد الصابئة". ويضيف ان"عيد الخليقة، عيد البرونايا باللغة الآرامية، يمتد خمسة ايام تجري خلالها طقوس التعميد والثواب ونسميه طعام الغفران ويرتدي كل مندائي راغب بالعمادة اللباس الابيض". وتعتبر"الايام الخمسة البيض"احدى الفترات الاكثر قداسة. ويتابع:"للمرة الاولى نحتفل منذ خمس سنوات، مع هذا العدد الكبير من المندائيين، نتيجة تحسن الظروف الامنية، وحضر اليوم مئتا شخص لكن حوالي الألف شاركوا امس، اول ايام الاحتفال بالعيد". ويتابع:"هذا المكان القادسية، غرب بغداد هو المقر الرئيسي. ولدينا مقرات اخرى في العمارة والبصرة والناصرية واربيل وكركوك". يذكر ان الصابئة يعيشون في ايران واستراليا والسويد وكندا ويبلغ عددهم في العالم، فضلا عن العراق، حوالي 33 الفا. وعلى ضفة دجلة، يوجد كوخ صغير مبني من الطين يرمز الى"المندى"، معبد الصابئة في الزمن القديم. وحصل الصابئة على منصب مدير عام في ديوان الوقف المسيحي كما استطاعت الطائفة الحصول على مقعد واحد في مجلس محافظة بغداد بحسب نظام الكوتا لتمثيل الاقليات سياسيا. ويوضح يوسف:"نريد حقوقنا الدينية لنمارس طقوسنا بحرية، ... لدينا علاقات طيبة مع الجميع، لغتنا المندائية مهددة بالانقراض لذا يجب ان يكون هناك معاهد لتعليم اللغة الآرامية وهي اللغة الدينية". بدورها، تقول ميسون عودة 60 عاما وهي أم لثلاثة أولاد، وترتدي اللباس الابيض"هذا اليوم شهد تكون الخليقة وهو مهم جدا ... اتمنى عودة كل الصابئة لأن الوضع الامني جيد". اما سينا قاسم 23 عاما، فتؤكد ان"هذا العيد مختلف فهناك عدد كبير من ابناء الطائفة. نحتفل بهذا اليوم لغسل ذنوبنا انه يوم مقدس بالنسبة إلينا". نشر في العدد: 16785 ت.م: 19-03-2009 ص: 9 ط: الرياض