يوم أدى القسم الدستوري في 2 شباط فبراير 1999، تعهد الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز بإنجاز"التحولات الديموقراطية الضرورية"كي تصبح فنزويلا دولة عصرية. عشر سنوات مرّت على انتخاب تشافيز، وفنزويلا لم تعد كما كانت، بعدما أحدثت رئاسة المظلي السابق في الجيش تحولات عميقة في البلاد، وجعلت من فنزويلا لاعباً مؤثراً في أميركا اللاتينية والعالم. لكن"الثورة البوليفارية"التي أرساها تشافيز، نسبة إلى سيمون بوليفار محرّر أميركا اللاتينية، بالكاد بدأت، والرئيس الفنزويلي يتعهد بإكمال المسيرة التي بدأ نموها يكتمل مع إتمامها سنتها العاشرة:"لا أريد ولا يجب أن أرحل. عليّ أن أبقى على رأس الحكم 10 سنوات أخرى على الأقل، ويقرر الله بعدها". ومن سيقرر بقاء تشافيز بعد انتهاء ولايته الثانية والأخيرة عام 2012، هو الشعب المدعو للمشاركة في استفتاء في 15 من الشهر الجاري، لتعديل الدستور وإلغاء تحديد الولايات في المناصب المنتخبة. يعتبر تشافيز أن السنوات العشر لحكمه"تتلخّص في ثلاث كلمات: الثورة والاستقلال والاشتراكية". لا شك في أن عهده أحدث تغييراً جذرياً في البلاد، عبر تنفيذه إصلاحات اقتصادية واجتماعية وبنيوية شكّلت تحولاً في مسار فنزويلا، وراعت خصوصاً الفئات الأكثر تهميشاً وحرماناً والطبقات الفقيرة. والأرقام لا تكذب. فخلال عهد تشافيز، تقلّصت نسبة الفقر من 50 في المئة عام 1998 إلى 33 في المئة عام 2008، كما انخفضت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر من 20 الى 9 في المئة. وطبّق الرئيس الفنزويلي برامج اجتماعية وفّرت الطبابة والتعليم المجانيين للسكان، كما قضى على الامية. وارتفع الحد الأدنى للأجور من 118 دولاراً عام 1998 إلى 286 دولاراً حالياً، وهو الأفضل في أميركا اللاتينية، فيما تراجعت البطالة إلى 6.1 في المئة، في مقابل نسبة 7.2 في المئة في الولاياتالمتحدة ذاتها بحسب إحصاءات وزارة العمل الأميركية! واستعاد تشافيز نحو مليوني هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة ووزعها على المزارعين، كما أدت سياساته إلى ارتفاع صافي الناتج القومي من 99 بليون دولار عام 1999 إلى 227 بليوناً عام 2007، من دون إغفال العامل الحاسم لارتفاع أسعار النفط. وأقدم تشافيز على خصخصة قطاعات اقتصادية استراتيجية كانت في قبضة شركات متعددة الجنسيات، لاسيما منها النفط والاتصالات والطاقة. وفي موازاة هذا النهوض الاقتصادي، حقق تشافيز انعطافاً حاداً في السياسة الخارجية للبلاد التي باتت قلعة معادية ل"الإمبراطورية"الأميركية، وركناً أساسياً بين دول أميركا اللاتينية التي أحدثت ما يشبه"الثورة"الحمراء في القارة التي تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية. تشافيز الذي يُعتبر"الابن الروحي"للزعيم الكوبي فيدل كاسترو، رعى هو نفسه قيادات يسارية جديدة في أميركا اللاتينية، مثل إيفو موراليس في بوليفيا ورافاييل كوريا في الإكوادور، كما أرسى تحالفات إستراتيجية مع كوباوبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا والباراغواي وهندوراس والأرجنتين والبرازيل وروسيا والصين وإيران. قد يكون الانقلاب المدعوم أميركياً الذي نجا منه تشافيز في نيسان أبريل 2002، اللحظة الأكثر دراماتيكية خلال رئاسته، إضافة إلى صموده في مواجهة إضراب نفذّه عمال قطاع النفط واستمر شهرين عام 2003، متسبّباً بخسائر اقتصادية بقيمة 10 بلايين دولار. وثمة تحدٍ حقيقي ينتظره في استفتاء الخامس عشر من الشهر الجاري، خصوصاً أن الهزيمة الوحيدة التي مُني بها في صناديق الاقتراع، تمثلت في فشله في استفتاء مماثل أجري في 2 كانون الأول ديسمبر 2007 يسمح بتعديل الدستور لإلغاء القيود على الترشّح للرئاسة لولايات غير محددة. وعلى رغم أن استطلاعات الرأي العام تُرجّح فوز تشافيز في الاستفتاء، إلا أن المعارضة تعتبر أنها لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، خصوصاً أنها ترى في الرئيس الفنزويلي مجرد زعيم شعبوي قضى على فصل السلطات في البلاد وسيطر على المحكمة العليا والهيئة الانتخابية والادعاء العام، كما يُبذّر الأموال العامة سعياً إلى نفوذ في الخارج. من هنا، يحذّر تشافيز من أن"الحرب ستنشب إذا وصلت المعارضة إلى الحكم". لكن مجلة"ذي ايكونوميست"اعتبرت السنوات العشر"ضائعة"، ونعتت تشافيز بال"المستبد". وأكدت أن تراجع الفقر يعود إلى ارتفاع أسعار النفط، مشيرة إلى أن الفنزويليين سينأون بأنفسهم عن تشافيز ما أن ينتهي مفعول الذهب الأسود. وعلى غرار المعارضة، تتربّص الولاياتالمتحدة أيضاً بتشافيز الذي اعتبر الرئيس الأميركي باراك اوباما أنه يشكّل"قوة أعاقت التقدّم في المنطقة"، مُتهماً فنزويلا ب"تصدير نشاطات إرهابية". تشافيز الذي أقرّ مطلع السنة الحالية ب"ارتكاب أخطاء"، يرى أن"الثورة تحوّلت إلى حكومة والشعب بات السلطة". لكن"اشتراكية القرن الواحد والعشرين"التي رفع الرئيس الفنزويلي لواءها، تحتاج سنوات إضافية كي تصبح حقيقة راسخة. يوم قام تشافيز بانقلاب عسكري فاشل في 4 شباط 1992، لم يكن يدرك أنه سيقوم بعد سنوات بانقلاب من نوع آخر، انقلاب سياسي واجتماعي واقتصادي، دفعه إلى القول مزهواً:"أنجزنا خلال 10 سنوات ما لم يحققوه خلال قرن". نشر في العدد: 16745 ت.م: 07-02-2009 ص: 12 ط: الرياض