اعلن المجلس الوطني للانتخابات في فنزويلا ان الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز فاز في الاستفتاء الذي أجري فى 15 آب أغسطس الجاري للاستمرار في ولايته الرئاسية بنسبة 59.25 في المئة من أصوات الناخبين مقابل 40.74 في المئة لمعارضيه. وقال التقرير النهائي للسلطات الانتخابية، الذي تلاه رئيس المجلس فرانشيسكو كاراسكويرو مساء أول من أمس، ان حوالى عشرة ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم من اصل 14 مليون ناخب. وحصل شافيز الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 2006 على تأييد 5800629 ناخباً مقابل 3989008 ناخبين للمعارضة التي ما زالت تتهم الحكومة بالتزوير. واعترف المراقبون الدوليون التابعون لمنظمة الدول الاميركية ومركز كارتر والأسرة الدولية بنتائج الاستفتاء. انتصار هوغو شافيز في استفتاء الاحد الماضي ستعقبه فترة وجيزة من الصخب الدعائي والدعوات الى المصالحة الوطنية. لكن الواقع سيفرض حضوره بسرعة، فانتصاره سيؤدي الى التسريع بتنفيذ أجندته الثورية وجعلها اكثر تطرفاً. وسيتضمن ذلك قمع المعارضة، خصوصاً موظفو الحكومة وغيرهم من الفئات التي تعتمد على القطاع العام وستعاني اشكالاً اوسع من التمييز والاقصاء. ومن بين الاجراءات المحتملة الاخرى فرض قيود اكبر على حرية الصحافة، خصوصاً بالنسبة الى محطات التلفزيون الخاصة التي وفرت منبراً مفيداً للمعارضة المناهضة لشافيز. وسيستخدم شافيز السنتين المتبقيتين من رئاسته للقضاء على تأثير بقايا المعارضة وضمان اعادة انتخابه بسهولة في سنة 2006. وستجري مثل هذه الانتخابات في وضع يسوده الخوف وتتخلله التهديدات والترهيب بهدف الحد من مشاركة الناخبين ومنع المعارضة من تنظيم صفوفها سياسياً بفاعلية. وكان ائتلاف"المنسق الديموقراطي"الذي يضم احزاب المعارضة، حتى الآن، موحداً ضد شافيز ولكنه منقسم في شأن كل ما عدا ذلك تقريباً، ما سمح باضعافه باستمرار من قبل الحكومة. وما لم تتمكن المعارضة من تقديم ادلة لا تدحض على التحايل والتلاعب في الاستفتاء، سيكون خيارها الوحيد ان تركز الاهتمام على الانتخابات الرئاسية سنة 2006. ومع امتلاكها فترة سنتين كي تنظم نفسها وتحصل على قيادة ذات صدقية وبرنامج سياسي مقنع، يجب ان تتوجه لاجتذاب فئات واسعة من المجتمع الفنزويلي. يجب ان تقدم زعيماً ورسالة تحظيان بتأييد الفنزويليين العاديين. وينبغي ان تكون لهذه الزعامة صلات محدودة جداً مع حكومات مرحلة ما قبل شافيز. ويجب ان تخلو الرسالة من الخطاب الدعائي المتطرف الذي يشيع الانقسام. والأهم من ذلك، يتعيّن عليها ان تجتذب غالبية فقراء فنزويلا المهملة تقليدياً، التي تمكن شافيز من فرض سيطرته عليها بشكل فاعل عبر تلبية حاجاتها والاستجابة لهمومها ومخاوفها. وعندما كانت معدلات شعبية شافيز تبلغ نحو 30 في المئة قبل عام، اطلق مبادرة"مهمات اجتماعية"التي خصصت ما يزيد على 1.7 بليون دولار من عائدات النفط لدعم برامج التعليم والصحة والغذاء المجاني للفقراء. وعلى رغم ان هذه المبادرة كانت متهورة نقدياً وغير قابلة للإدامة اقتصادياً على المدى البعيد، فانها جلبت الاصوات الضرورية لضمان الانتصار في الاستفتاء. ومن الواضح ان المعارضة تواجه تحديات ضخمة على الطريق الى الانتخابات الرئاسية سنة 2006. وفي غياب اثباتات على التلاعب والتزييف، لم يكن امام منظمة الدول الاميركية ومركز كارتر اي خيار سوى التصديق على نتائج الاستفتاء. وكانت الهيئتان لعبتا دوراً اساسياً في جهود الوساطة بين شافيز والمعارضة التي قادت الى الاستفتاء. وكان للديبلوماسية الصبورة والبارعة للامين العام لمنظمة الدول الاميركية سيزار غافيريا دور حاسم في الحؤول دون اراقة الدماء. لكن مهمة منظمة الدول الاميركية في فنزويلا لم تنته، ففي ايلول سبتمبر المقبل، سيتولى الرئيس الكوستاريكي السابق ميغيل انجيل رودريغز منصب الامين العام للمنظمة لولاية مدتها خمس سنوات. ويجب ان تبقى فنزويلا في موقع الصدارة في لائحة اولوياته ويتعين عليه ان يأخذ المبادرة لضمان ان يفي شافيز بالتزامات فنزويلا بموجب"الميثاق الديموقراطي للاميركتين"، الموقع في 11 ايلول عام 2001، الذي يضمن ويحمي الحريات المدنية لكل مواطني الاميركتين. والاخفاق في تنفيذ الالتزامات يمكن ان يؤدي الى الطرد من منظمة الدول الاميركية. ويتعيّن على اعضاء المنظمة ان تدعم امينها العام في مساعيه. وسيتوقف نجاحه على قدرته على الاقناع، كما ان فاعلية قيادته ستكون رهناً بمدى ما يسمح به اعضاء المنظمة، خصوصاً الاكثر نفوذاً بينهم مثل الولاياتالمتحدة والمكسيك والبرازيل والارجنتين وشيلي. بالاضافة الى ذلك، يجب ان تبقى المنظمات غير الحكومية النافذة، خصوصاً تلك المؤيدة لحقوق الانسان، يقظة وعلى صلة وثيقة بالوضع في فنزويلا كي تقدم تقارير عن الانتهاكات والتجاوزات الى المجتمع الدولي. ويمثل انتصار شافيز حدثاً مثيراً للازعاج بالنسبة الى دول كثيرة في المنطقة، بشكل اساسي دول الانديز كولومبيا واكوادور وبيرو وبدرجة اقل بوليفيا. وتستمر التوترات على الحدود بين فنزويلاوكولومبيا. وما تزال الادعاءات بدعم شافيز لمتمردي حركة"فارك"في كولومبيا قضية خلافية كبيرة بين البلدين اللذين يعتبر زعيماهما خصمين ايديولوجيين. ولن تتحسن العلاقات في وقت قريب. ومستوى التأييد الشعبي لزعيمي الاكوادور وبيرو لا يزيد على 10 في المئة حسب استطلاعات الرأي، وهما مهددان من جانب حركات شعبية يسارية ناشئة سيلهمها كثيراً انتصار شافيز. وسيكون لانتصار شافيز، في المستقبل القريب على الاقل، تأثير اقل على بوليفيا التي تملك ثاني اكبر احتياط للغاز في القارة خارج فنزويلا وما تزال افقر بلد في اميركا الجنوبية. وكسب الرئيس كارلوس ميسا، الذي تولى منصبه إثر تنحي سلفه بعد احتجاجات عنيفة في تشرين الاول اكتوبر الماضي، استفتاءً اجري اخيراً في شأن النفط والغاز سيمكنه من الحصول على تفويض صريح واستقرار ضروري ليحكم البلاد على المدى القريب. لكن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو يبقى، من بين كل زعماء نصف الكرة الغربي، الاكثر احساساً بالرضا، خصوصاً ان رفيقه شافيز الذي يشاطره قناعاته الايديولوجية ما يزال مسيطراً بقوة على السلطة، الى جانب ما يعنيه ذلك من استمرار تزويد كوبا بالنفط. وفي الفترة التي سبقت الاستفتاء مباشرة، كانت الولاياتالمتحدة سلمت بفوز شافيز. ولاسباب ترجع جزئياً الى انشغال الولاياتالمتحدة بمهمات في اماكن اخرى وعدم وجود معارضة فاعلة وموثوقة في فنزويلا، اتبعت واشنطن سياسة آنية تقود من ازمة الى اخرى. وعلى رغم ان واشنطن غير راضية عن نتيجة الاستفتاء وما تزال العلاقات متوترة، فانها بالتأكيد تشعر بارتياح لآفاق استعادة فنزويلا استقرارها الداخلي، على الاقل الى الانتخابات الرئاسية سنة 2006. وتزود فنزويلاالولاياتالمتحدة بحوالي 14 في المئة من حاجتها للنفط. وتمثل الصادرات النفطية حوالي نصف عائدات فنزويلا، وتستهلك الولاياتالمتحدة ثلثي هذه الصادرات. وتبقى الولاياتالمتحدة مستهلكاً قريباً من الناحية الجغرافية وموثوقاً. بالاضافة الى ذلك، تحتاج فنزويلا منفذاً الى المصافي الاميركية كي تحوّل نفطها الخام وتحصل على استثمار اجنبي لتحديث قطاعها النفطي من اجل الاحتفاظ بقدرة تنافسية على الصعيد العالمي. وتحتاج الولاياتالمتحدة الى امدادات نفطية ثابتة لضمان الاستقرار في الاسواق العالمية وتجنب الحاق الاذى باقتصادها الذي يسترد عافيته ببطء، وهو ما سيؤثر قطعاً في الناخب الاميركي في انتخابات الرئاسية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. ومقابل ذلك يحتاج شافيز الى عائدات نفطية مستقرة لتقديم الدعم المالي لثورته البوليفارية التي يتوقف نجاحها في النهاية على سعر النفط. وعلى رغم ان التدفق المستقر للنفط يبقى اولوية وهماً مشتركاً للولايات المتحدةوفنزويلا، يتعيّن على واشنطن ان تؤكد ان حقوق كل مواطني الاميركتين، ومن ضمنهم الفنزويليون العاديون، مصانة عبر التحرك بتعاون وتنسيق وثيقين مع منظمة الدول الاميركية وبقية الدول الاعضاء. وبعد سنين من الحرب والعنف السياسي تعم الديموقراطية ارجاء الاميركتين مع استثناء وحيد هو كوبا. ويجب الحفاظ على هذه الانجازات وتعزيزها، لكن لا يمكن القيام بذلك الاّ بمكافحة الفساد المتفشي ومعالجة التفاوت الاجتماعي الحاد وتعزيز حكم القانون ومؤسساته في ارجاء الاميركتين. * مدير دراسات اميركا اللاتينية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في واشنطن.