رغم التاريخ القصير الذي يميز القارة الأمريكية الجنوبية إذا ما قورن بالتاريخ الطويل الموغل في القدم الذي تتميز به القارات الاخرى ،فإن شخصيات عظيمة وبارزة استطاعت أن تبصم ببصماتها على تاريخ العالم الجديد وشعوبه، من قبيل محرر القارة سيمون بوليفار، وأرنستو تشي غيفار، وآل ليندي، وفيديل كاسترو ،والتي باتت أركانا رئيسية في التاريخ الأمريكي اللاتيني. ومع بداية القرن ال21 الميلادي ، القرن الخامس بعد اكتشاف القارة الأمريكية ستضاف شخصية الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز المثيرة للجدل الى عقد هذه الشخصيات ، والتي كانت مؤخرا محور ندوة شهدتها العاصمة المغربية الرباط. هوغو شافيز واسمه الكامل هوغو رفائيل شافيز فارياس رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية (الاسم الرسمي للبلاد) جاء من عالم القوات المسلحة كواحد من أبرز قادة الجيش الفنزويلي، طمعا في استثمار نجاحه العسكري، في مجال السياسة والحكم، ولانقاذ البلاد من الانهيار، بسبب مشاكل اقتصادية كادت تهدد السلم الاجتماعي، وليصبح شافيز وقبعته العسكرية الحمراء، رمزا للإرادة القوية في تحويل شعارات التغيير والعدالة الاجتماعية إلى واقع يومي معاش. ورغم العراقيل التي وضعتها أمامه قوى داخلية ممثلة في البرجوازية المحلية المدعومة من واشنطن ممثلة في الشركات المتعددة الجنسية فإن مسيرة التغيير مازالت مستمرة في كراكاس لتلقي بظلالها على باقي بلدان أمريكا اللاتينية التي تعاني من نفس المشاكل، وهو ما تمثل بالأساس في الانقلاب السياسي الشهير الذي عرفته البرازيل كبرى بلدان القارة والبلد المجاور، إثر انتخاب النقابي لولا ذي سيلفا رئيسا للبلاد. ولأهمية ما يجري في هذا البلد الذي يشترك معه المغرب في اللغة والثقافة الإسبانية وفي الإطلالة على مياه المحيط الأطلسي، وربما حتى المشاكل، احتضنت جامعة محمد الخامس بالرباط محاضرة كان محورها "الرئيس شافيز وفيزويلا" ألقاها المحامي الفنزويلي الدكتور اللبناني الأصل ريمون قبشي الأستاذ المحاضر في جامعة كراكاس، والمكلف أيضا بزيارات الرئيس هوغو شافيز إلى العالمين العربي والإسلامي. في بداية المحاضرة عاد ريمون قبشي بالحاضرين إلى زمن الاكتشافات الجغرافية التي قادها كرستوف كولومبس، وما تلى ذلك من أحداث قادها محررون عظام من أمثال سيمون بوليفار الذي يرجع له الفضل في تحرير فنزويلا وبوليفيا اللتين مازالتا تحمل اسمه إلى اليوم والأرجنتين، وجورج واشنطن، وسان مارتين، وأرتيغن وأوهيهز، مرورا بتشي غيفارا وفيديل كاسترو، وصولا إلى الزعيم الفنزويلي الحالي هوغو شافيز. إضافة إلى ذلك أشار الدكتور ريمون قبشي إلى مسارات فنزويلا خلال العصر الحديث وبالضبط منذ بداية القرن العشرين حيث تم اكتشاف البترول بهذا البلد الذي يتربع على القسم الشمالي من الجزء الجنوبي للقارة الأمريكية. وفي الفترة ما بين العام 1958 والعام 1998 تناوب حزب العمل الديمقراطي والحزب المسيحي الديمقراطي فيما يشبه الديموقراطية على حكم البلاد لكن عبر أجهزة بوليسية استخباراتية يقول ريمون قبشي. كما أن فنزويلا خلال هذه الفترة خضعت لإملاءات قوى "الليبرالية الجديدة" مما أدخل البلد في أخطر أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية في تاريخ البلاد الحديث، وهو ما نتج عنه انخفاض معدل الدخل الفردي وازدياد المديونية الخارجية والداخلية بمعدلات جنونية، مما أدى بالعملة الوطنية البوليفار الفنزويلي إلى خسران قيمتها بشكل مرعب، وصلت معه نسب الفوائد البنكية إلى 100% ، أما سعر البرميل الواحد من النفط فلم يعد يتجاوز سقف 7 دولارات، كل هذا أدى إلى تململ الشارع فكانت ثورة 27 و28 فبراير من العام 1989 التي تصدت لها قوى الأمن والجيش وبأوامر عليا تم القضاء على الآلاف من المتظاهرين دون رحمة أو شفقة ، لتتفاقم الأحوال والأوضاع بشكل أكبر على كافة المستويات حتى حدود العام 1992 الذي تميز بحدوث انقلابين عسكريين فاشلين قاد الأول منهما الرئيس الحالي شافيز شخصيا، وكان آنذاك ضابطا مغمورا. وتميزت السنوات التي سبقت العام 1998 بانهيار الشركات الكبرى بعد إفلاسها الواحدة تلو الأخرى، كما أن عدد المؤسسات المالية والمصرفية التي أعلنت إفلاسها زاد على السبعين مما أدى إلى حدوث ضائقة اقتصادية واجتماعية إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية للعام 1998 التي شارك فيها شافيز كمرشح مستقل بدون أي دعم حزبي، بل على العكس من ذلك تحالفت ضده غالبية الأحزاب. في خضم كل هذه التحولات السلبية يقول الدكتور قبشي فاز الرئيس هيغو شافيز بالرئاسة العام 1998 بنسبة زادت على 60 % من الأصوات المعبر عنها. ليجد نفسه أمام وضعية كارثية في بلد اضطر لصرف ما يعادل القيمة المالية لأكثر 30 مرة من تكاليف مشروع مارشال الأمريكي الشهير الذي عمر القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، ما نتج عنه إفقار الشعب حيث أصبحت نسبة الطبقة الوسطى لا تتجاوز 15% بعد أن كانت تصل إلى 50% من مجموع السكان، وكانت أولى خطوات شافيز البدء في عملية الإصلاح السياسي التي تمثلت في تعديل الدستور الفنزويلي الذي صوت لصالحه 92% من أبناء الشعب الفنزويلي، وحسب ريمون قبشي ، فإن النصوص المعدلة من الدستور جاءت لتدعيم وصيانة السياسات الإصلاحية الممثلة في سن حوالي 50 قانونا جديدا قلبت مفاهيم العلاقات الإنتاجية والاستهلاكية، مثل قانون الأرض والطاقة والاستثمار والتعليم والصيد. وكانت أولى نتائج السياسة الشافيزية تحقيق عدد من النتائج غير المسبوقة على المستوى الاقتصادي لم تعرفه فنزويلا منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، حيث أنه ومنذ يوم الجمعة الشهير في فبراير من عام 1983 المعروف شعبيا حيث بدأ انهيار عملة البوليفار المحلية أمام الدولار، لم تعرف فنزويلا نموا اقتصاديا كالذي حققته "فنزويلا الرئيس شافيز" العام 2001 في كافة الميادين وهذا ما يفسر حسب المحاضر خفايا سياسات المعارضة وتآمرها ورغبتها في إراقة الدماء وشل البلاد لاتخاذها ذريعة لتمرير مؤامرتها باتهام شافيز بالدكتاتورية والقمع ووصف الوضع بأنه مأساوي بالتلفيق والكذب والافتراءات التي لا صحة لها وذلك بالترويج لها من قبل وسائل الإعلام التي توجد في ملكية البرجوازية المحلية. وهكذا فقد حققت فنزويلا في عام 2001 نموا لم يسبق له مثيل تعدى 12.6% ونموا حقيقيا تعدى 3% وهي أعلى نسبة حققها بلد في أمريكا اللاتينية. في هذه السنة زادت الرواتب والأجور بنسب تتعدى لأول مرة نسبة التضخم التي انخفضت إلى 12% بعد أن وصلت سابقا إلى 107% وكذلك انخفضت نسبة البطالة، ودفعت الدولة مليارات الدولارات من ديونها الخارجية وبعض الديون الداخلية التي كان قد مر عليها عشرون سنة، وارتفع الاحتياطي الفنزويلي من العملات الصعبة ليصل إلى عشرين بليون دولار وهو رقم قياسي تم تعديه مرة أخرى خلال العام 2003 الذي شهد بيع ما يقارب 216 ألف سيارة، كما عرف تشييد مئات المدارس، وتحقيق عدد من المكاسب الاجتماعية للطبقة الدنيا في ميادين الصحة والسكن والتعليم والرياضة، وتشييد آلاف المساكن الشعبية وغيرها، كما تم كبح جماح الشركات متعددة الجنسيات بعد أن كانت تعتبر حكومة فوق الحكومة" ودولة ضمن الدولة بتعريضها للمراقبة والمحاسبة. لترتكب بذلك حكومة المحظور والمحرم وهكذا بدأت المأساة يقول ريمون قبشي في محاضرته، ورغم ذلك استمر الرئيس هوغو شافيز في سياسته احتراما لوعوده الانتخابية، خاصة تلك المتمثلة في رغبة الحكومة في إعادة سيطرة الدولة على قطاع البترول وتخليصه من قبضة الشركات الأجنبية خاصة الأمريكية. كل هذا أدى الى إرباك حسابات البرجوازية الإقطاعية في فنزويلا المتحالفة عضويا مع الشركات المتعددة الجنسية ، مما دفعها إلى التأثير عبر رجالاتها في الجيش الفنزويلي لتنفيذ انقلاب أبريل لعام 2002 الذي لم تتجاوز مدته 74 ساعة، لجأ خلالها الضباط المتآمرون إلى إصدار بيان فاشي ونازي حسب كلمة ريمون قبشي غيروا خلاله اسم الجمهورية بجرة قلم مسقطين عنها الصبغة البوليفارية نسبة إلى سيمون بوليفار وألغى الدستور الذي صوت له 92% من الناخبين وسرح مجلس الأمة، وتمت إقالة قضاة محكمة العدل العليا والمدعي العام والمفتش العام والمدافع عن الشعب والمحافظين والعمدة الموالين لشافيز، وبكلمة واحدة تم إلغاء كل المؤسسات الدستورية. ولهول ما جرى يقول المحاضر تحرك الشعب وعلى مرأى من العالم بقوة ، لتعود الشرعية الدستورية في "فنزويلا البوليفارية" على أكتاف 6 ملايين مواطن حملوا شافيز على أكتافهم نحو القصر الجمهوري وسط العاصمة كراكاس. واشار الدكتور ريمون قبشي في نهاية محاضرته إلى أن حكم ابن فنزويلا البار نصير الفقراء "هوغو رفائيل شافيز فارياس" سيستمر رغم اللوبيات التي تضايقه بين الفينة والأخرى. كاسترو العدو الحقيقي لامريكا ورمز كوبا الاوحد