اعتاد الفلسطينيون على متابعة مجريات الحملة الانتخابية الاسرائيلية باهتمام كبير، مفضلين حزباً، او زعمياً على آخر، تبعا لمواقفه من الحل السياسي. لكنهم لا يبدون اي اكتراث يُذكر في هذه الانتخابات التي لديهم تجارب دموية وقاسية مع المتنافسين الرئيسيين فيها، وآخرها حربهم الجماعية على قطاع غزة. فعقب توقيع اتفاق"اوسلو"العام 1993، فضّل الفلسطينيون حزب"العمل"على حزب"الليكود"اليميني الرافض للاتفاق وللحل التفاوضي. لكن هذا الحزب تعرض لسلسلة انتكاسات، بدأت باغتيال زعيمه اسحق رابين العام 1995، ثم سقوط خلفه شمعون بيريس في انتخابات العام 1996 امام منافسه اليميني بنيامين نتانياهو زعيم"الليكود". وفي الانتخابات التالية، العام 1999، لم يخف الفلسطينيون تفضيلهم لزعيم حزب"العمل"، ايهود باراك الذي حقق فوزا ساحقا، لكنه فشل في التوصل الى اتفاق سلام. وفي العام 2001، فضّل الفلسطينيون باراك على منافسة اليميني ارئيل شارون، رغم اندلاع الانتفاضة في عهده، أملا في استكمال مشروع مفاوضات"كامب ديفيد"و"طابا"التي حققت تقدما لافتا. وكذلك الامر في عهد اولمرت زعيم"كاديما"المنشق عن حزب"الليكود"الذي خاض الانتخابات عقب الانسحاب الاسرائيلي احادي الجانب من قطاع غزة، ضمن مسعى لايجاد حل سياسي متفق عليه في الضفة الغربية. لكن في هذه الانتخابات التي يتنافس فيها القادة الثلاث، ايهود باراك، وتزيبي ليفني، خليفة اولمرت، وبنيامين نتانياهو، لا يجد الفلسطينيون فرقا جوهريا لافتا بين المرشيحن الثلاثة. وقال قدورة فارس احد قادة"فتح"في الضفة الغربية:"الثلاثة نتانياهو وليفني وابراك اخذوا فرصهم في المفاوضات، ولم يكونوا جديين في التوصل الى حل سلمي". واضاف:"هنا لا يوجد أفضل وأسوأ، وانما سيئ وأكثر سوءاً. باراك سيئ للفلسطينيين، وكذلك ليفني، لكن نتانياهو اكثر سوءاً". ولا يخفي بعض الفلسطينيين تفضيلهم اليمين على اليسار في اسرائيل في هذه الانتخابات، لانهم يرون في اليسار جهة قادرة على القمع، مع الاحتفاظ بلغة مرنة في مخاطبة العالم الخارجي، بينما اليمين يمارس القمع بوجه مكشوف. وقال فارس:"ربما يكون فوز نتانياهو مصلحة فلسطينية، اذ انه يقدم اسرائيل للعالم بوجهها الحقيقي، وهو وجه القمع والاحتلال". واعلن نتانياهو، وهو صاحب الحظ الاوفر في هذه الانتخابات التي ستجرى في العاشر من الشهر الجاري انه سيعطي اهتماما للتنمية الاقتصادية وليس للحل السياسي. وتعهد ايضا بعدم التنازل عن اي جزء من القدس، وبمواصلة الاستيطان. اما ليفني، التي تأتي في المرتبة الثانية، فتعهدت بالعمل مع الرئيس الاميركي الجديد للتوصل الى حل سياسي. لكن الفلسطينيين يرون ان ليفني قاصرة عن التوصل الى مثل هذا الحل استنادا الى تجربتهم التفاوضية معها خلال العام الماضي الذي قادت فيه الوفد الاسرائيلي المفاوض. وقال الدكتور علي الجرباوي استاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت:"لا أرى فرقاً جوهرياً بين المرشحين الثلاثة". واضاف:"ليس بين الثلاثة من هو مستعد لتسوية سياسية على اساس الحقوق الفلسطينية" وواصل جميع قادة اسرائيل الاستيطان، بدرجات متساوية، خلال فترات المفاوضات ما جعل الفلسطينيين لا يرون كبير فرق بينهم. ففي مرحلة حكومة حزب"العمل"، وهو الحزب الذي بدأ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة عقب احتلالها عام 1967 تضاعف الاستيطان مرات عقب اتفاق"اوسلو". وفي عهد حكومة اولمرت - ليفني الشريكة مع حزب"العمل"، تضاعف البناء داخل المستوطنات بنسبة 60 في المئة خلال العام الماضي لوحده. وفي المفاوضات التي جرت طيلة العام الماضي، عقب مؤتمر انابوليس، قدمت حكومة اولمرت - ليفني صيغ حل بعيدة جداً عن تطلعات الفلسطينيين. وقال رئيس الوفد المفاوض الفلسطيني احمد قريع في لقاء أخير مع وسائل الاعلام ان اسرائيل عرضت على الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات حلا يقوم على اجراء تبادل اراض يتيح لها ضم 6.8 في المئة من مساحة الضفة، وتأجيل بحث موضوع القدس الى مرحلة لاحقة. وتشكل القدس، وفق الخرائط الاسرائيلية، عشرة في المئة من مساحة الضفة. وقال قريع ان الجانب الفلسطيني رفض العرض الاسرائيلي لان ضم المساحة المشار اليها يحول دون اقامة دولة فلسطينية متواصلة. وتشمل الكتل الاستيطانية التي تنوي اسرائيل ضمها تحت عنوان"تبادل اراض"كلأ من"ارئيل"و"غبعات زئيف"و"معاليه ادوميم"و"غوش عتصيون". وتضم كتلة"ارئيل"18 مستوطنة تتركز جنوب غربي نابلس، وتفصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها. اما كتلة"معاليه ادوميم"فتفصل الوسط عن الجنوب، وتعزل الجزء الاكبر من القدس. وقال قريع ان موافقة الجانب الفلسطيني على العرض الاسرائيلي يعني عمليا"ان اهم المناطق قد ضمت لاسرائيل، والباقي لا يشكل كيانا فلسطينيا". واضاف:"لدينا كتلة ارئيل التي تفصل الضفة الغربية لانها تدخل اكثر من 22 كيلومترا في عمق الضفة الغربية، ثم هناك جبعات زئيف الممتدة غرباً باتجاه تل ابيب وجنوباً باتجاه بيت حنينا لتصل مع باقي المستوطنات المقامة على أراضي القدس. اما كتلة معاليه ادوميم فهي حزام استيطاني يعزل القدس عزلا تاما، وسيضع اكثر من من 80 الف فلسطيني داخل غيتو، والكتلة الرابعة غوش عتصيون تعزل بيت لحم وتفصل الخليل". نشر في العدد: 16741 ت.م: 2009-02-03 ص: 13 ط: الرياض