"اسكنوا في قلب الارض"، كان هذا الشعار الذي اطلقه مجلس المستوطنات في الأراضي الفلسطينية عقب اتفاق اوسلو عام 1993 بهدف تشجيع اليهود على الاستيلاء على اكبر مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية قبل التوصل الى اتفاق سلام نهائي. ومع انتهاء الفترة الانتقالية التي حددها الاتفاق بخمس سنوات، كان عدد المستوطنين قد تضاعف ومعه عدد الوحدات السكنية ومساحات الاراضي التي يسيطر عليها المستوطنون. وعندما توصل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى اتفاق"واي بلانتيشن"مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، أطلق وزير الخارجية في حينه آرئيل شارون الذي شارك في التوصل الى الاتفاق، شعاره الشهير الموجه الى المستوطين:"اصعدوا الى التلال"، وهو يقصد تلال الضفة الغربية. ولدى وصول شارون الى مطار تل أبيب قادما من مزرعة"واي بلانتيشن"حيث وُقِّع الاتفاق، خاطب المستوطنين قائلا:"ما نسيطر عليه اليوم سيكون لنا، وما لا نسيطر عليه سيكون لهم"، اي للفلسطينيين. وبعد ايام قليلة من مؤتمر انابوليس الذي قبل فيه رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت تطبيق المرحلة الأولى من"خريطة الطريق"التي تنص على وقف النشاط الاستيطاني، بما فيه النمو الطبيعي، أعلنت حكومته عن عطاء جديد لبناء اكثر من 300 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة"هارحوما"المقامة على اراضي جبل ابو غنيم الفاصل بين مدينتي القدس وبيت لحم. وبرر المتحدثون باسم الحكومة القرار قائلين ان هذا البناء يقام في القدس، عاصمة اسرائيل، وليس في الاراضي الفلسطينية. ويقول الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي الذي شارك في جميع المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية في شأن الاستيطان:"اسرائيل تتبع سياسة تقوم على فرض الحقائق على الارض لتستخدمها مبررا في عدم التوصل الى اتفاق سياسي". واضاف:"في جميع المراحل كانت المفاوضات محركا اضافيا للنشاط الاستيطاني". وكان عدد المستوطنين في الضفة من دون القدس عام 1993 عندما وُقِّع اتفاق اوسلو، يبلغ 105 آلاف مستوطن، لكن هذا العدد ارتفع خلال السنوات ال14 الماضية الى 280 ألف مستوطن. وقال التفكجي:"لقد اضافت اسرائيل منذ اتفاق اوسلو نحو 40 ألف وحدة سكنية جديدة في الضفة، واقامت 116 بؤرة استيطانية". ويرى الفلسطينيون في قرار الحكومة الاسرائيلية اقامة حي جديد في مستوطنة جبل ابو غنيم فقط بعد ايام قليلة من مؤتمر انابوليس خطوة استباقية للمفاوضات التي اتفق الجانبان على اطلاقها بعد عودة وفدي الطرفين من المؤتمر. وقال التفكجي:"اسرائيل ماضية في تنفيذ مشروعها الاستيطاني في القدس، وكل ما تفعله المفاوضات هو تسريع تنفيذ هذا المشروع". والمشروع الاسرائيلي المعلن في القدس هو ضم التجمعات الاستيطانية في المدينة ومحيطها التي يعيش فيها 185 ألف مستوطن، وإخراج بعض الأحياء العربية المكتظة من المدينة، وإعطاؤها للفلسطينيين لإقامة عاصمتهم عليها. ويضم غلاف مدينة القدسالشرقية التي احتلت عام 1967 والتي يطالب الفلسطينيون بإعادتها لهم ليقيموا عليها عاصمتهم، ثلاث كتل استيطانية هي: كتلة"معاليه ادوميم"وتضم ثماني مستوطنات، وكتلة"غفعات زئيف"وتضم خمس مستوطنات، وكتلة"غوش عتصيون"وتضم 14 مستوطنة. وهذه الكتل جزء من اربع كتل استيطانية كبرى في الضفة يعيش فيها 75 في المئة من المستوطنين، وتعلن اسرائيل انها ستضمها في اي حل سياسي قادم عبر ما تسميه"تبادل أراض". والكتل هي كل من كتلة"ارئيل"الواقعة جنوب غرب نابلس وتضم عشر مستوطنات كبيرة، بينها مدينة استيطانية هي"ارئيل"، وكتلة"ريحان"الواقعة قرب الخط الاخضر شمال الضفة قرب مدينة جنين، وكتلة"اللطرون"وسط الضفة، وكتلة"غوش عتصيون"التي تضم مستوطنات القدس وبيت لحم. وشارفت اسرائيل على الانتهاء من بناء جدار طويل يفصل تلك الكتل الاستيطانية ومحيط واسع من الاراضي حولها يساوي نحو عشرة في المئة من مساحة الضفة، عن باقي اراضي الضفة. ويقول منسق اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار جمال جمعة:"اسرائيل أقامت الجدار من أجل ضم المستوطنات"، مضيفا:"وفي كل مرة نشهد فيها مفاوضات، تسرِّع اسرائيل من البناء الاسيتطاني بهدف خلق حقائق جديدة على الارض". وثمة كتلة استيطانية خامسة تقع على امتداد اراضي الاغوار بمحاذاة الحدود مع الاردن، وتمارس اسرائيل في هذه الكتلة الاستيطانية الكبيرة بأراضيها مقامة على 28 في المئة من اراضي الضفة، لكنها صغيرة بعدد مستوطنيها اذ تضم خمسة آلاف مستوطن فقط، نشاطا استيطانيا اقتصاديا، اذ تقيم شركات اسرائيلية مشاريع زراعية كبرى. ويمتد البناء الاستيطاني في الكتل الاستيطانية الاربع على مساحة تساوي 1,6 في المئة من اراضي الفلسطينية، لكن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة طالبت بضم ما بين 6 و8 في المئة من اراضي الضفة التي تحيط هذه المستوطنات. اما الفلسطينيون، فأبدوا استعدادت في المفاوضات السابقة والراهنة لقبول تبادل أراض بنسبة 2,3 في المئة من الضفة. ويتوقع الفلسطينيون ان تستخدم اسرائيل الحقائق الاستيطانية الكبيرة القائمة على الارض في رفض مطالبهم الانسحاب منها. وقال تفكجي:"عندما كنا نتفاوض معهم الاسرائيليين حول المستوطنات، كانوا يقدمون لنا خرائط للمستوطنات القائمة قائلين: اننا لا نستطيع ان نزيل كل هذا الواقع الاسيتطاني الضخم". ودأب القادة الاسرائيليون على تبرير مطلبهم ضم الكتل الاستيطانية بالحاجة الى تجميع المستوطنات وسكانها في كتلة استيطانية واحدة بعيدة عن التجمعات الفلسطينية. ويشكل الاستيطان الملف الابرز امام المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية التي استؤنفت اخيراً بعد نحو سبع سنوات من التوقف. فموافقة اسرائيل على إزالة المتسوطنات واعادة كامل الاراضي المحتلة عام 1967 للفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة عليها، ستفتح الطريق امام مصالحة ومساومة تاريخية بين الجانبين. وبقاء هذا الاستيطان حتى بشكله الحالي القائم على تجميع المستوطنين في كتل استيطانية ضخمة تسيطر على مساحات واسعة من اراضي الضفة وتفصل بين مناطق الشمال والوسط والجنوب، سيعيق اي فرصة للتوصل الى تسوية سياسية. وقال تفكجي:"الامر واضح، الاستيطان يمنع اقامة دولة فلسطينية متصلة".