إنها المرة الثانية، في عشرة أعوام، التي تخسر فيها حكومة غانية الانتخابات الرئاسية، وترضخ للنتيجة. وفي المرتين تنتقل السلطة من غير عثرة ولا معوق. فجون آتا ميلز، من المؤتمر الديموقراطي الوطني، تقدم بفرق بسيط نانا أكوفو - ادو، من الحزب الوطني الجديد، وهو الحزب الحاكم، فجمع الأول 50.23 في المئة من الأصوات نظير 49.77 للثاني. وعلى خلاف العنف الذي ساد أخيراً عدداً من الانتخابات الأفريقية، لا سيما كينيا في كانون الأول ديسمبر 2007، وزيمبابوي في شباط فبراير 2008، لم يعكر الحملة الغانية إخلال بالأمن. وعلى رغم النتائج المتقاربة، والمنافسة الشديدة في الدورة الثانية، هنأ كلا المرشحين الآخر. وجون آتا ميلز 64 سنة ترشح الى الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة تباعاً. وفي 7 كانون الثاني يناير يتولى السلطة. ووعد ب"بناء غانا خيراً مما كانت عليه". وهدد الحزب الوطني الجديد، الخاسر، بالاحتكام الى القضاء في نتائج الانتخابات. ولا يقلق التهديد إيمانويل جييماه ? بوداي، العامل في مركز التنمية الديموقراطية بغانا. وهو يعلل اطمئنانه بالقول:"في بلد أفريقي آخر لا ينصرف الناس الى إحصاء أوراق الاقتراع بل يحصون ذخيرتهم". ويوافقه الرأي كريس فومونيوه، من"ناشْنَل ديموكراتيك انستيتيوت"بواشنطن:"في بلد أفريقي غير غانا، حين إعلان نتيجة بفرق بسيط مثل هذا، يكفي تشكيك واحد لينفجر عنف يؤدي الى خسائر مادية وبشرية". ولعل السبب في السكينة النسبية هذه هو تاريخ غانا. فهي أحد أغنى بلدان غرب أفريقيا، وأول مستعمرة بريطانية، الى الجنوب من الصحراء الكبرى، تحصل على الاستقلال. فرسا مركب غانا وقد نفخت في أشرعته"رياح التغيير"التي تغنّى بها رئيس الوزراء البريطاني يومها هارولد ماكميلان، في ميناء الحرية. وانتهى عهد بطل الاستقلال وداعية الوحدة الأفريقية، كوامي نكروما، الى الفوضى. وخلفته ديكتاتوريات عسكرية صحب عهودها عنف كبير. وفي 1982، استولى على الحكم جيري راولينغز، ملازم أول في القوات الجوية، واحتفظ به قرابة 20 سنة، قبل أن ينسحب طوعاً من الحياة السياسية وبعد أن جمع ثروة عظيمة. ويذهب مارك أشورت، مدير"أفريكا ريسورش انستيتيوت"بلندن، تتقدم غانا سائر دول أفريقيا أشواطاً في مضمار التنمية الديموقراطية، على رغم انتشار الفساد."فحمامات الدم لا تزال عالقة في الذاكرة، وبلغ من دمويتها أن أحداً لا يرغب في تجددها". ويقول أشورت:"بعد حقبة من الاضطرابات، اضطلع جيري رولينغز بدور راجح في استقرار البلد. وتولى حزبه العسكري تنظيم الانتخابات بعد تخليه، وهو، في نهاية المطاف، تخلى غير مكره". ورعى الرئيس السابق، جون كفيور، بعد أن هزم حزب جيري رولينغ، في العام 2000، استقلال اللجنة الانتخابية. وهو ترك الرئاسة بعد ولايتين، على ما ينص الدستور، ودعا المرشحَيْن الى احترام النتيجة. وهو قانوني اختصاصي في الحق الدستوري، ويميل الى المدرسة البريطانية القديمة. ورفضه التدخل في عمل الهيئات والمؤسسات يحتسب له. ولا ريب في أن أهل غانا فخورون بصيتهم وريادتهم. فهم اختبروا وكابدوا أوقاتاً قاسية، ولكنهم أول بلد ترك حاكمه السلطة طوعاً بعد استيلائه عليها بالقوة. عن سيباستيين بيرغر، "دايلي تيليغراف"البريطانية، 5 /1/ 2009 نشر في العدد: 16735 ت.م: 2009-01-28 ص: 24 ط: الرياض