كاد اليوم الأول للمؤتمر الرابع للحائزين على جوائز نوبل الذي افتتحه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مدينة البتراء الأثرية الأردنية أمس أن يمر من دون إثارة، لولا السجال الحاد والقصف السياسي المتبادل على حفل الغداء بين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وفاجأ بيريز الحضور بالخروج عن محاور المؤتمر التي كانت محصورة هذا العام بقضايا التحدي الاقتصادي والعولمة وارتفاع الأسعار والتعليم والشباب، متهماً العرب بأنهم"لا يعملون من أجل السلام". وحاول استفزاز الحضور بالمطالبة ب"مبادرة عربية لكسر الجليد"بين الطرفين، مذكرا بزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات القدس، وبعدها معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية. وأعرب بيريز عن أمله في توقيع اتفاق سلام قبل نهاية العام، كما شكر العاهل الأردني الذي لم يكن بين الحضور في حفل الغداء على دوره في التوصل إلى التهدئة التي رعتها مصر مع حركة"حماس". وتحدث عن معاهدتي السلام مع المصريين والأردنيين"الأبطال الذين ذهبوا إلى السلام". وقال:"لن أحلل الأخطاء التي وقعت، لكنني أود الحديث عن عنصر واحد كان حاسماً في انجاز السلام، وهو كسر الجليد بين الطرفين". وطالب العرب ب"مبادرة حسن نية". وشدد على أن"كل شيء له ثمن. وإسرائيل دائماً كانت ترد على حسن النيات العربية". ودعا الرئيس السوري بشار الأسد إلى"أن لا يكون خجولاً في توجهه نحو السلام". وتساءل:"لماذا يصر الأسد على أن تبدأ إسرائيل؟ لماذا لا يدفع الطرفان السلام قدماً؟ لماذا لا يقف الاسد ويعلن استعداده للسلام ويقول هذا موقفي وهذا موقفكم؟ دعونا نتكلم وجهاً لوجه". وخاطب الأسد قائلاً:"إذا كنت تريد السلام، لماذا تؤجل الامر؟". وعندما أنهى بيريز الشق السياسي في كلامه، خرج موسى من قاعة الطعام محتجاً. ولحق به وزير الخارجية الأردني صلاح البشير الذي أعاده وأعطاه الحق في الرد على الرئيس الإسرائيلي. وقال موسى لبيريز:"ما هي المبادرة السلمية التي قدمتها إسرائيل للعرب؟ هناك مبادرة سلام عربية عرضت السلام من 22 دولة على أساس مبادلة الأرض بالسلام، لكن لم نسمع رد إسرائيل عليها ولم تتجاوب معها إسرائيل، وأنتم لا تريدون السلام الحقيقي، لماذا لا تعلن اسرائيل دعمها للمبادرة العربية؟". وأضاف:"نحن منزعجون من الإجراءات الاستيطانية الإسرائيلية. كيف يمكن الجمع بين المستوطنات والسلام؟ وعلى ما نتفاوض ولماذا لا تردون على مبادرتنا؟ أنت أستاذ في الكلام، ونحن لسنا مغفلون لنصدقك وهنا صفق الحضور من العرب نحن نريد فعلاً وليس قولاً". وعاد بيريز إلى المنصة مرة أخرى للرد على موسى. وقال:"نحن أزلنا المستعمرات، وسحبنا جيشنا من قطاع غزة، ولكن حركة حماس لا تزال تطلق الصواريخ علينا"، فرد موسى من مكانه:"وأنتم تطلقون النار والصواريخ". وطالب بيريز العرب"بالقدوم إلى الكنيست وتقديم المبادرة العربية للبرلمان الإسرائيلي... وإذا ضمنتم أمن إسرائيل ووقف الهجوم وإطلاق النار علينا، فسنبادلكم ذلك بشيء"، فرد موسى:"أوقفوا بناء المستعمرات أولاً". وكان العاهل الأردني حذر في افتتاح المؤتمر من خطر"إطالة أمد النزاع وترسيخ الانقسام بين شعوب المنطقة". وقال إن"التطرف يتغذى على العنف والاحباط، وإذا لم يتم وقف هذه التوجهات، فإن خطرها لن يقتصر على تهديد استقرار المنطقة والتنمية فيها، بل سيمتد لشمل الأمن على مستوى العالم أيضاً". ودعا"الشرق الأوسط إلى الخروج من دائرة الخطر واتخاذ خطوة في هذا الاتجاه"عبر تحقيق السلام و إيجاد تسوية شاملة للنزاع العربي - الإسرائيلي، معتبراً أن"من الخطأ الكبير تفويت الفرص المتاحة هذا العام لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة وقابلة للحياة إلى جانب إسرائيل آمنة ومعترف بها في منطقة موحدة تنعم بالسلام". وقال:"في وقت تركّز العناوين الرئيسية للأخبار في أيامنا هذه على النزاع والجدال، يبقى الجانب الفعلي الجدير باهتمامنا هو الحاجة إلى تغيير حياة الناس على الأرض". وأضاف أن"ملايين الناس في جميع أرجاء الأردن وفي مختلف أنحاء المنطقة، يتطلعون إلى أن يكونوا جزءاً من شرق أوسط مستقر ومعتدل". واعتبر أن ذلك لن يتم إلا من خلال التعاون عبر الحدود في التصدّي للتحديات المشتركة من تحقيق النموّ الاقتصادي ومعالجة القضايا البيئية وضمان الحصول على الموارد وتحسين الظروف المعيشية من المجتمعات الصحراوية إلى المدن الحضرية المُكْتظّة ورفع الدَخل وخلق فرصٍ وتمكين الشباب ومنحهم الثقة التي يحتاجونها. وحض حائزي نوبل الذين حضر منهم 30 شخصاً على دعم التغيير الإيجابي في العالم. وقال:"ليست هناك مجموعة يمكنها أن تقدّم إسهاماً في هذا الشأن أقوى من إسهامكم أنتم". واضاف:"خبرتكم مصدر قوّتكمَ. فاجتماعاتكم يمكن لها أن تنهل من نظرات ثاقبة متعددة، وتؤطّر القضايا بطرق جديدة، وتجد مقاربات إبداعية خلاقة". ودعا المشاركين في المؤتمر إلى"توفير الفرص للنظر في مجالات مُحدّدة أخرى تحتاجها المنطقة، وتطوير آليات العملية الإبداعية التي ستخلق التغيير من خلال تنمية اقتصادات توسّع إمكانية التوصّل إلى الازدهار، وايجاد وسائل أفضل لإدارة الموارد الطبيعية الشحيحة، وضمان إمكان الوصول إلى الغذاء وتوفير الرعاية الصحية بكُلْفة يمكن للمواطن أن يتحمّلها".