يرتاح عبدالله 37 سنة إلى الجلوس على شاطئ بحر جدة، فهو يحب قضاء وقته هناك من الخامسة عصراً وحتى التاسعة ليلاً يدخن سيجارته متأملاً البحر. "أحس كأنني جالس مع طفل بكل تلقائيته ومرحه في النهار، وأدخل في أجواء الرومانسية عند المغيب عندما تمتزج الألوان في السماء". وعبدالله الذي يفضّل العيش في المدن الساحلية، يرى في جدة"روحاً شابة مرحة ومنفتحة، تجعل من يعيش فيها يحبها". ولكن، بعيداً من شواطئ البحر يعتبر نفسه من"أكثر الناس تضرراً من طريقة عمران جدة ومبانيها"، مشيراً إلى"عشوائية الطرز والألوان والارتفاعات"، إضافة إلى عدم العناية بالتناسب بين الكتل الإسمنتية وبين الطبيعة بأشجارها والمساحات الخضر". ويضيف عبدالله:"أشعر بانتقال هذا الاضطراب في شكل المدينة إلى نفسي خلال عودتي من عملي"، ويرى أن"كل شخص هنا يبني ويعيش وفقاً لقانونه ونظامه الخاص، بعيداً ممن حوله". ويزيد:"أكثر ما يوتر أعصابي، هو مداخل جدة التي تتصف بالفوضوية، ففي مدخلها الشمالي نرى منطقة صناعية بكل ما فيها من حدادين ونجارين منتشرين بطريقة عشوائية، وفي الجنوب نرى المساكن العشوائية وحلقات الغنم، إضافة إلى منطقة صناعية أخرى"، الأمر الذي يعتبره"مزعجاً، إذ يجب الاعتناء بمداخل المدينة أكثر، كونها واجهة للزائرين". إلا أن عبدالله يجد في وسط البلد جدة القديمة"مكاناً مفعماً بالحيوية والنشاط، فهي تنبض بالحياة الحقيقية". ويزيد:"هناك ترى كل شيء بوضوح"، ويضيف عبدالله:"ترى الصدق والأمانة والمحبة. وتستطيع حتى تمييز الكذب والنفاق بسهولة. فلا يمكنك أن تشعر بالزيف الموجود في مدينة جدة الحديثة، إلا عندما تزور وسط البلد"، مشيراً إلى أن التكلف والاعتناء بالمظاهر يلف سكانها بصرف النظر عما تكلفهم. "شغل، بيت، مقهى وأربعة أيام في الأسبوع أذهب إلى ناد رياضي"، هكذا يصف حامد 25 سنة حياته في جدة معظم أيام السنة، موضحاً:"أستيقظ صباحاً لأذهب إلى عملي، وعندما أعود إلى المنزل يتصل بي أصدقائي لنذهب إلى مكان نجتمع فيه، وعلى رغم أننا نختار كل مرة مكاناً مختلفاً، إلا أنني أشعر بأنه المكان نفسه". يجلس حامد وأصدقاؤه كل يوم يتحدثون في القضايا نفسها، ثم يختارون بعد دقائق الطعام المفضل الذي يطلبونه دائماً،"النرجيلة نفسها، والقهوة نفسها، وعندما ننتهي يدفع كل واحد حسابه ويذهب إلى منزله". وحامد الذي عاد إلى جدة بعد إكمال دراسته في الخارج، لا يرى خيارات كثيرة تستطيع المدينة تقديمها له،"لأنني شاب 70 في المئة مما أريد فعله ممنوع"، ويقول:"معظم الأماكن الجميلة هنا لا يستطيع الشبان وحدهم الذهاب إليها، إذ يجب عليهم اصطحاب عائلاتهم لدخولها، وأنا بطبعي شخص أحب الحرية، وأريد أن أتنقل من مكان إلى آخر من دون قيود". ويتمنى حامد أن يُفتح المجال أمام الشبان لارتياد أماكن أكثر. وخلال ذهابه إلى عمله ورجوعه، يصف شوارع مدينته ب"السيئة المزدحمة بالحفريات المتناثرة هنا وهناك من دون تنظيم"، الأمر الذي أدى برأيه إلى ازدحام الشوارع الأخرى، إضافة إلى مشكلة الأشخاص الذين يقودون السيارات بفوضوية. وعلى عكس حامد، لا يستطيع غسان 22 سنة العيش خارج جدة، فهو يشتاق إليها حتى لو كان غيابه عنها أربعة أيام فقط، معتبراً أن لجدة أجواءً"ممتعة". ولا يجد"أي عوائق تمنعه من ممارسة نشاطاته بالطريقة التي يريدها". ويقول:"أستطيع أن أتمشى، وأذهب إلى الأسواق كيفما شئت، فأنا لم أصادف كثيراً من يمنعني من هذا، خلافاً لما أسمعه من أصدقائي". ويعتقد غسان أن سبب سهولة معيشته في جدة، هو نمط معيشته، فهو يقضي معظم وقته مع أهله وأقاربه من النساء والرجال، فبذلك يستطيع الذهاب مع الأشخاص الذين يحبهم، إلى المقاهي والمطاعم التي يريدها. المكان الذي يجذب غسان للذهاب إليه هو البحر، فهو يمارس الكثير من الرياضات البحرية، مثل"الغوص، والسباحة"، وينطلق مع أصدقائه لممارسة تلك الهوايات كل أسبوع أو أسبوعين، فيقضي ما يقارب الساعات الست تحت الماء، مستمتعاً ب"الشعب المرجانية". "الدخان كثيف جداً في المقهى، وأثاثه رديء، أما أكله فهو سيئ أيضاً"، هكذا يصف سعيد 36 سنة احد مقاهي المنطقة الصناعية في جدة، ويضيف:"يعتمد مستوى الخدمة على مدى معرفتك بصاحب المقهى". ويجلس سعيد في مقاهي المنطقة الصناعية بين فترة وأخرى مع أصدقائه لتبادل الحديث ومشاركة الهموم، ووضع حلول لها و"غالبيتها غير منطقية"بوصفه. وعلى رغم شكاواه، فهو إما هناك وإما في بيته أو في عمله، إذ يعتبر أن الخيارات التي توفرها جدة له محدودة. ويقول سعيد:"المقاهي في قلب أحياء جدة مليئة بالعمالة الوافدة، وأحس بأنني غريب داخلها، لذا لا أذهب إلى هناك"، ويضيف:"كنت في السابق أذهب مع عائلتي إلى البحر المفتوح، لكن تغير هذا الآن، فلم يعد هذا المكان متوافراً". وسعيد الذي يستنزف ارتياد المقاهي والمطاعم في مناطق أخرى في جدة موازنته، يكسر الروتين أحياناً بذهابه في رحلة إلى الصحراء للتخييم، وإعداد الطعام مع الأصدقاء، ولعب الورق، على أمل بوجود أماكن أكثر لتكون متنفساً له، مثل نواد رسمية رياضية ليذهب من يريد إليها.