ما الذي يحمل المجتمع السعودي على كل هذا السخط على المقاهي وروادها من "الشباب" بالذات؟ ما الذي يدفع أب الى رفض تزويج ابنته من شاب لمجرد انه عرف عنه زيارته المتكررة للمقهى؟ لماذا لا يرى الأهل في المقهى غير "الشيشة ورفقة السوء"؟ ما الذي يدفع السلطات في مدينة "مكة" الى اصدار قرار يقضي باخراج المقاهي كلها خارج حدودها؟ مَنْ المسؤول عن هذا التهويل الاجتماعي؟ يرى رئيس قسم علم النفس في كلية اعداد المعلمين في جدة، أحمد درباس "ان المقهى يشبه الحاجات النفسية من الحب والتقدير والتقبل وتأكيد الذات، وحيال ذلك يجد الشاب نفسه مضطراً الى اللجوء الى المقاهي منتمياً الى جماعة يستمعون الى مشكلاته ويستحثهم العون في ساعات الضيق". وأضاف: "نظرتنا الى المقهى تحكمها ثقافتين، الاولى ترى انه مركز للتضامن الاجتماعي والثقافي، والثانية تراه مكاناً يرتاده المتسكعون والعاطلون من العمل، وأعتقد ان المقهى بديلاً مناسباً من المنزل، إذ يبدو مكاناً ملائماً للأحاديث العابرة وللتخفيف من الضغوط الشخصية". واختلفت آراء الشباب الذين التقتهم "الحياة" لمعرفة آراءهم في المقاهي. فنضال ابو نواس 28عاماً يقول: "لا أرى في المقهى أي عيب أو نقص، فهو مكان يتجمع فيه أناس ليتجاذبوا الحديث عن مشكلاتهم وأوضاع اوطانهم ومن ثم التسلية في لعب الورق او الطاولة". ويرى ابو نواس انه ينظر للمقهى على انه مكان للعاطلين أو الخارجين على الأدب العام والسبب وجود المقاهي خارج الأحياء الصغيرة ... لذلك غدا من الصعب على الطبيب أو المدرّس أو المهندس... الخ الذهاب الى اطراف المدينة لإرتباطه بدوام العمل الباكر". ويستطرد: "لكن تخيّل معي لو كان في كل حي مقهى خاص بأهل الحي يفتح ابوابه عصراً ويغلقها في منتصف الليل، ستجد كل ابناء الحي يجتمعون في مقهى واحد يقوّي أواصر المحبة بينهم ويصنع من رواده اسرة ثانية". ويضيف: "يجب ألا يغيب عن اذهاننا ان فكر امة كان يقاد من على كراسي المقهى، وأصدق النماذج نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم". ويؤيد بدر الغامدي 22عاماً الفكرة قائلاً: "نجتمع انا وأصدقائي اسبوعياً في هذا المقهى يوم الثلثاء لنشاهد سوياً احد البرامج التلفزيونية وليس لنشاهد حفلاً راقصاً مثلاً. أنا لا أدخن الشيشة، اصدقائي يفعلون ولكن لا أرى عيباً في ذلك ... وهل كونها مضرّة سبباً كافياً لإحتقار صاحبها؟ المشروبات الغازية ايضاً مضرّة لما لا يُنظر لمن يشربها النظرة نفسها؟ جلسة المقاهي لا تؤثر سلباً على مستوياتنا الدراسية فهي ثابتة والعام المقبل سيشهد تخرجنا. أخي يحمل شهادة ماجستير في الهندسة ويتردد على المقاهي مع مجموعة من زملائه المهندسين، هل نستطيع أن نقول انه غير راشد هو وزملاؤه؟ ... أظنها نظرة بالية حان الوقت لتغييرها". وللنصف الآخر من المجتمع ايضاً رأي يبدو أكثر جرأة من المعتاد. فتقول ريهام البسيوني التي التقتها "الحياة" في احد المقاهي العائلية ... ان لها تجربة تستحق الذكر فقبل اشهر تقدم لها شاب عمره 26 عاماً بدخل مميز، ووسيم، كانت على وشك الارتباط به لولا اكتشاف والدها لما سماه بالمصيبة وهو تردد الشاب على المقاهي. وتضيف: "لا أدري ما الإشكال في ذلك؟ بعد هذا الحادث لا اعرف ما الذي بات يحفزني على ارتياد هذه المقاهي وأن ادخن "النارجيلة". الغريب انني اعرف ايضاً فتيات لم يكتمل ارتباطهن بعد معرفة الخطاب انهن من مرتادات المقاهي". فيما سيطر على وجهة نظر نادية الرأي التقليدي السائد فتستنكر صورة الفتاة وهي في المقهى وفي يدها "النارجيلة" ولا تفضل الارتباط بشاب اعتاد الذهاب اليها.