لم تبدد عودة الهدوء الى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين المتاخم لصيدا في جنوبلبنان، بعد صدامات متقطعة بين حركة"فتح"الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن وتنظيم"جند الشام"المنحل، المخاوف لدى جهات رسمية لبنانية نافذة من المحاولات الدؤوبة لقوى اقليمية على رأسها سورية لاقحام الورقة الفلسطينية في النزاعات الداخلية اللبنانية. وفي معلومات خاصة ب"الحياة"من مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في بيروت، أن الاشتباك الذي اندلع في عين الحلوة بين"فتح"وتنظيم"جند الشام"على خلفية اعتقال المسؤول الفتحاوي محمود عبدالحميد عيسى الملقب ب"اللينو"المسؤول البارز في"جند الشام"المدعو حسام معروف وتسليمه الى استخبارات الجيش اللبناني في صيدا للتحقيق معه في مجموعة من الاتهامات أبرزها الاعتداء على قوات"يونيفيل"في جنوبلبنان، سرعان ما توسع لتشارك فيه مجموعات فلسطينية متشددة على رأسها"عصبة الأنصار"بقيادة أبو طارق السعدي شقيق أحمد عبدالكريم السعدي"أبو محجن"المحكوم عليه بالإعدام غيابياً في جريمة اغتيال الرئيس السابق لجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية في لبنان الأحباش الشيخ نزار الحلبي. وبحسب المعلومات، فإن دخول"عصبة الأنصار"طرفاً اساسياً الى جانب"جند الشام: شكل مفاجأة لمعظم الفصائل الفلسطينية في الجنوب ولعدد من الأطراف اللبنانيين انطلاقاً من أن أبو طارق السعدي كان وراء تصفية الوجود العسكري ل"جند الشام"في حي التعمير المجاور لمخيم عين الحلوة، وأن عناصره قادوا حملات الدهم التي أدت الى مصادرة سلاحهم وتوقيف العشرات منهم. كما أن بعض الفارين من وجه القضاء اللبناني ممن كانوا شاركوا في حوادث جرود الضنية ضد الجيش اللبناني تزعموا معظم المجموعات المسلحة التي انتشرت في أحياء الصفصاف وجامع النور وحطين في المخيم دعماً ل"جند الشام"في مواجهة المجموعات التابعة ل"فتح". وفي هذا السياق تردد أن المدعو أبو رامز السحمراني كان على رأس احدى المجموعات التي اشتبكت مع"فتح"اضافة الى عناصر آخرين تابعين ل"الحركة الاسلامية المجاهدة"بقيادة الشيخ جمال خطاب وهو شقيق المدعو حسين خطاب الفار من وجه العدالة بعد اتهامه في الاشتراك في جريمة اغتيال الشقيقين محمود ونضال المجذوب من حركة"الجهاد الاسلامي في صيدا". أما لماذا سارع بعض التنظيمات الاسلامية الى الوقوف الى جانب"جند الشام"على رغم أن المسؤولين فيها كانوا دانوا ممارسات التنظيم المتشدد في عين الحلوة والأحياء المجاورة، وسارعوا الى رفع الغطاء السياسي عن عناصره ما سرّع في إعلان حله ومنعه من القيام بأي نشاط سياسي أو غيره في المخيم؟ في الإجابة عن السؤال لا بد من التوقف أمام اعتبار التنظيمات المتشددة اعتقال معروف سابقة خطيرة. مع الإشارة الى ان معروف كان يعمل سابقاً في صفوف"الجبهة الشعبية ? القيادة العامة"بزعامة أحمد جبريل في عين الحلوة، وهو شقيق جهاد معروف الذي يتزعم التنظيم التابع للأخير في المخيم. وقالت مصادر فلسطينية رفيعة: إن مجرد موافقة"فتح"على تسليم حسام معروف الى استخبارات الجيش اللبناني في الجنوب يعني من وجهة نظر المجموعات المتشددة أن الباب قد يفتح أمام تكرار المحاولة ضد عناصر آخرين موجودين في المخيم ومطلوبين بجرائم ذات طابع إرهابي في ضوء ما تردد عن أن توفيق طه وهو فلسطيني لجأ أخيراً الى المخيم بعدما وجهت اليه تهمة الاشتراك في الإعداد لاستهداف"يونيفيل"في جنوبلبنان. ولفتت المصادر الى أن هذه المجموعات على رغم الاختلاف القائم في ما بينها، تداعت الى نصرة"جند الشام"في"جهادها"ضد"فتح"بغية توجيه إنذار الى الأخيرة للامتناع عن التعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمصلحة ضبط الوضع في عين الحلوة وقطع الطريق على محاولات العبث بأمنه أو تهديد علاقته بجواره، أي صيدا والجيش اللبناني. وكشفت عن أن تنظيم"جند الشام"يتمتع، كما هو معروف عنه، بإمكانات عسكرية وبشرية متواضعة، لكن الصدام الأخير أظهره وكأنه تمكن من إقامة توازن عسكري في وجه"فتح"التنظيم الأقوى في المخيم وهذا ما يفسر حجم الدعم اللوجستي وبالعتاد الذي أتاح له خوض صدام ضد"فتح"في أكثر من حي فيه. وأوضحت: أن"جند الشام"وبدعم مباشر من بعض التنظيمات المتشددة، أراد أن يختبر مدى قدرة"فتح"على الصمود في وجه القوى المناوئة لها في المخيم وبالتالي حاول أن يفرض شروطه في اجتماعات لجان المتابعة في مقابل موافقته على وقف اطلاق النار. وقالت: إن من أبرز الشروط التي طرحها"جند الشام"موافقة فتح على تسليم"اللينو"الى اللجان الأمنية للتحقيق معه في مسألة تسليمه حسام معروف الى استخبارات الجيش من دون العودة الى وجهاء المخيم والقوة الأمنية المشتركة، على أن يسبق هذه الخطوة إعلان قيادة"فتح"في الجنوب رفع الغطاء السياسي والتنظيمي عنه. لكن"فتح"كما تقول مصادر نفسها رفضت الرضوخ للشروط أو التسليم بها، ما اضطر بعض المجموعات الى التراجع عن دعمها"جند الشام"لتلافي الإحراج الذي ستواجهه فلسطينياً ولبنانياً في حال ثبت من خلال التحقيقات مع معروف تورطه في جرائم قتل وأعمال إرهابية، لا سيما أنه خبير في تركيب العبوات ومن أصحاب السوابق في عدد من الحوادث المخلة بالأمن. وفي المقابل تتعاطى المصادر نفسها مع تداعيات مبادرة"فتح"الى تسليم معروف باعتبارها فرصة أولى لاختبار مدى الانسجام السياسي والتنظيمي في داخل"فتح"خصوصاً بين أمين سر الحركة في لبنان العميد سلطان أبو العينين ومسؤول عين الحلوة فيها منير المقدح. والواضح أن الانسجام قائم على مستوى قيادة"فتح"من دون أن يعني ذلك أن قدرتها في الدفاع عن قرارها تسليم معروف ستدفع خصومها الى اعادة ترميم صفوفهم، حتى لو أدّى الأمر الى التحالف بين الأضداد كما حصل بين"جند الشام"و"عصبة الأنصار". تصرفت"عصبة الأنصار"وكأن"جند الشام"هو الشقيق الأصغر لها، ووفرت له كل أشكال الدعم بذريعة أنها في حاجة الى حشد الصفوف ضد"فتح"لمنعها من تكريس مرجعيتها المطلقة في المخيم، خصوصاً بعدما خسرت المجموعات المتشددة ورقة مخيم نهر البارد في المواجهات التي قادها بالنيابة عنها تنظيم"فتح الإسلام"ضد الجيش اللبناني، علماً ان مجموعات لزعيمها الفار شاكر العبسي أخذت تتمدد في اتجاه مخيمات الجنوب.