بدد الاستيطان المتواصل في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً في مدينة القدس، آخر آمال الفلسطينيين في التوصل إلى حل سياسي العام الحالي تنفيذاً لتعهد الرئيس جورج بوش في مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. ودعت السلطة واشنطن واللجنة الرباعية إلى إجبار الدولة العبرية على وقف الاستيطان، محذرة من أن استمراره سيكون"تخريباً متعمداً لعملية السلام". وكانت إسرائيل تعهدت في أنابوليس، وتحت إلحاح الراعي الأميركي، تطبيق المرحلة الأولى من"خريطة الطريق"التي تنص على تجميد الاستيطان، بما فيه النمو الطبيعي في المستوطنات القائمة، وإزالة البؤر الاستيطانية، وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينيية المغلقة في مدينة القدس. لكن ما ان عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت من المؤتمر حتى صادق على سلسلة عطاءات لبناء أحياء استيطانية في 11 مستوطنة من ال17 المقامة في المدينة المقدسة، كان آخرها الأسبوع الماضي. وجاء قرار أولمرت عقب تحديد موعد الاجتماع الأول للآلية الثلاثية الأميركية - الإسرائيلية - الفلسطينية التي تتولى مراقبة تطبيق الجانبين التزاماتهما بموجب"خريطة الطريق"، ما شكل عامل إحباط للسلطة الفلسطينية التي كانت تأمل في أن يشكل اللقاء فرصة لإلزام اسرائيل بتجميد مشاريع التوسع الاستيطاني التي"زادت في الشهرين الماضيين عن تلك التي أُعلنت في عام كامل"، بحسب رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور سلام فياض. لكن ما سمعوه قبل الاجتماع واثناءه بدد آخر آمالهم، فقبل الاجتماع بساعات، أعلن وزير الدفاع إيهود باراك ممثل إسرائيل في الآلية عدم مشاركته، وأوفد ضابطاً في الوزارة هو عاموس غلعاد الذي برر مواصلة الاستيطان بقوله ان"هذه مشاريع توسع داخل التجمعات الاستيطانية القائمة". ودأبت اسرائيل على استخدام مصطلح"التوسع داخل التجمعات القائمة"لتبرير مشاريع التوسع الاستيطاني التي لا تنتهي. لكن مراقبين فلسطينيين للعملية الاستيطانية يقولون إن الدولة العبرية أقامت منذ بدء العملية السلمية عشرات المستوطنات الجديدة التي تضم عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية، وأطلقت عليها أسماء أحياء اسيتطانية بدل اسماء مستوطنات جديدة تجنباً لإثارة الرأي العام الدولي. فمستوطنة"قدوميم"شمال نابلس، على سبيل المثال، تضم اليوم سبع مستوطنات تحمل أسماء"قدوميم أ"وقدوميم ب"و"قدوميم ج"، وهكذا. وقال عضو الوفد المفاوض أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه إن الجانب الفلسطيني ذهب إلى الاجتماع حتى بعد اعلان باراك عدم مشاركته"بهدف إفهام العالم أن الفلسطينيين يقومون بكل ما هو مطلوب منهم من أجل انجاح المسيرة السلمية، وان الإسرائيليين هم من يفشلونها". ومن خبرته التفاوضية الطويلة، يجزم عبدربه أن"إسرائيل لا تريد سلاماً، ولا تبحث عن حل سياسي، وكل ما تريده وتسعى إليه هو ضم أكبر مساحة ممكنة من الاراضي بعد ملئها بالمستوطنات، وإبقاء الفلسطينيين في تجمعات سكانية مقطعة الأوصال". لكن عبد ربه الذي لا يراهن على حدوث أي تقدم في المفاوضات لا يدعو إلى وقفها، ويرى أن"علينا ألا نعطي إسرائيل ذريعة لمواصلة سياستها، وعلينا مواصلة العمل السياسي كي يعرف العالم من هو الطرف المعتدي، ومن يريد السلام ومن لا يريده"، معتبراً أن هذه الطريقة ستدخل الولاياتالمتحدة في المعادلة و"تجعل من فشل المفاوضات فشلاً للسياسية الأميركية، وليس فشلاً للفلسطينيين". ودعا أمس رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض أحمد قريع اللجنة الرباعية الدولية والإدارة الأميركية إلى"إجبار"إسرائيل على وقف الاستيطان في الضفة والقدسالشرقية. وقال في مؤتمر صحافي بعد استقباله وفداً برلمانياً ألمانياً في رام الله أمس:"المطلوب من أميركا واللجنة الرباعية أن تصدراً أمراً لإجبار إسرائيل على وقف كل النشاطات الاستيطانية". وأضاف:"إذا استمرت إسرائيل في بناء وتوسيع المستوطنات، فإننا نعتبر أنها تريد، عن سبق إصرار وترصد، تخريب وتدمير وقتل عملية السلام، وأي جهد فلسطيني وعربي ودولي لدفعها". واعتبر التحركات الأخيرة"استهتاراً اسرائيلياً بكل الجهود التي تبذل". وأشاد برفض الاتحاد الأوروبي ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التوسع الاستيطاني. ورأى أن"عدوان إسرائيل على غزة والضفة والاغتيالات والاعتقالات هي ضربات متواصلة للعملية السلمية". وأكد أن الجانب الفلسطيني يمر"الآن بمرحلة تقويم لكل الممارسات الإسرائيلية ولموضوع المفاوضات". ورأى أن امتناع باراك عن حضور اجتماع الآلية الثلاثية"أمر مؤسف". وحسب تقرير أخير لحركة"السلام الآن"الإسرائيلية، فإن قرارات التوسع الاستيطاني التي أعقبت مؤتمر أنابوليس الدولي للسلام في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، شملت 11 مستوطنة في محيط القدسالشرقية، تضمنت إنشاء ألف وحدة سكنية في مستوطنة"عطاروت"، و1300 في"راموت"، و250 في"ريخس"، و1200 في"نفي يعكوف"، و750 في"بسغات زئيف"، و250 في"معاليه أدوميم"، و400 في"تلبيوت"الشرقية، و400 في"نوف صهيون"، و50 في"هار حوما"، و4000 شقة في"غفعات همتوس"، و50 وحدة في"غيلو". وأحدثت هذه العطاءات أزمة في المفاوضات وصلت حد تهديد الجانب الفلسطيني برفض فتح أي ملف تفاوضي غير القدس. وبهدف تهدئة الزوبعة التي رافقت تلك المشاريع، سعى أولمرت إلى طمأنة الرئيس الفلسطيني بأن أي مشروع استيطاني جديد لن ينفذ ما لم يحصل على مصادقته الشخصية. لكن سرعان ما اكتشف الفلسطينيون أن اولمرت صادق على رزمة كبيرة من المشاريع الاستيطانية في المدينة.