رأى زعماء كوسوفو أن يوم إعلان استقلال الإقليم تاريخي. وفي هذا الزعم مبالغة كبيرة. فألبان كوسوفو أعلنوا استقلالهم منذ أعوام، وأصدروا بيانات تتناول هذا الاستقلال، وأجروا استفتاءً تلو الآخر. ويفوق إعلان الاستقلال مكانةً وأهمية اعترافُ الدول الغربية الرئيسة به. وعلى بلغراد وموسكو المعترضتين على الاستقلال ألا تعتبرا الاستقلال هزيمة أو فشلاً، على ما يشعر بعض السياسيين الروس والصرب. فموسكو نجحت في تأجيل إعلان استقلال الإقليم الانفصالي عاماً كاملاً، وعرقلت جهود الغرب. وفي هذا العام، تغير المزاج الدولي العام، وأيد نحو ثلثي أعضاء المجتمع الدولي موقف موسكو. ولن تعترف هذه الدول بالكيان الجديد. والحق أن موسكو فازت بورقة رابحة جديدة مع صدور هذا الإعلان. وهذه الورقة هي"جوكر"مهم في وسع موسكو التوسل به عند معالجة ملفات الأقاليم الانفصالية في الفضاء السوفياتي السابق. وأبرز هذه الأقاليم هي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بجورجيا. ولا ريب في أن"النضال"الروسي ? الصربي المشترك ضد استقلال كوسوفو وطد علاقات موسكو وبلغراد، وارتقى بها إلى مستوى جديد. وثمة ما يشير إلى أن صربيا حليف إستراتيجي وازن لموسكو. ولا تقتصر العلاقات بهذا الحليف على علاقات أخوية وتقليدية وتاريخية يحكمها الانتماء إلى عرق واحد. فالشركات الروسية تحظى اليوم بأفضلية لم تعهدها من قبل بصربيا. والحق أن توقيع اتفاق النفط والغاز الأخير بين البلدين، وهو أضخم اتفاق من نوعه في تاريخ العلاقات الصربية - الروسية، يعبّد طريقاً جديداً أمام روسيا في سوق الطاقة الأوروبي. وبموجب هذا الاتفاق، بيعت الحصة الراجحة من أسهم كبرى شركات الطاقة الصربية،"أن أي أس"، إلى عملاق الغاز الطبيعي الروسي،"غاز بروم"، من دون إجراء مناقصة تتنافس فيها"غازبروم"مع غيرها من الشركات. والحق أن ملف كوسوفو هو ورقة استعملتها موسكو للتغطية على سجالات مختلفة مع الغرب. فجاء الخطاب الروسي في موضوع كوسوفو، حاداً ومبالغاً فيه. فهذا الخطاب تجاهل ملفات أخرى تعمدت موسكو إرجاعها إلى المرتبة الثانية. وبلغت المبالغة الروسية ذروتها عندما هدد وزير الخارجية، سيرغي لافروف، باحتمال"معاقبة"موسكو الدول التي تعترف بالكيان الناشئ. وجنت صربيا من ملف كوسوفو مكاسب كثيرة لا يساويها ضياع الإقليم ويعوضها. فهي، في الواقع، فقدت السيطرة على هذا الإقليم منذ وقت طويل. ولن يعترف المجتمع، ومنظماته الكبرى، بإقليم كوسوفو المستقل. وفي وسع صربيا أن تعلن أن الدولة التي لا تحظى باعتراف المنظمات الأممية ليست دولة، وأن مواطنيها لا يحظون بأوراق ثبوتية. وإثر اعلان استقلال كوسوفو، قد يتوقف الساسة الصربيين عن استخدام ملف هذا الإقليم لتسويغ صراعاتهم الداخلية. وفي وسع صربيا أن تنصرف الى حل مشكلات مواطنيها الأساسية وأن تخرجهم من نفق الماضي الصعب، وتنقلهم إلى العالم المتمدن . عن زورينا بويتش، "كوميرسانت"الروسية، 18/2/2008