ينقسم المؤرخون بين تيارين، الأول إجمالي وجمعي يميل الى ربط القضايا بعضها ببعض، والثاني تجزيئي يميل الى فصل القضايا، ومعالجتها واحدة واحدة، وعلى حدة. ويحتذي صانعو السلام بالشرق الأوسط على المؤرخين. فيدعو بعضهم الى ميثاق سلام يعالج مشكلات المنطقة دفعة واحدة بالعراق ولبنان وسورية وإسرائيل وفلسطين وايران. وبعضهم الآخر يشير بفصل المشكلات الواحدة عن الأخريات. فوزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، ألقى خطاباً دعا الى حل القضية الفلسطينية مقدمة لإعادة تكوين التحالفات بالشرق الأوسط كلها. ويرى ميليباند، الإجمالي والجمعي، أن مشروع ايران النووي لا يتهدد اسرائيل فحسب، بل استقرار الشرق الأوسط. والحق أن فكرة حل مشكلات الشرق الأوسط خطوة واحدة جذابة، ولكن حظوظ نجاحها ضعيفة، على رغم ترابط مشكلات هذه المنطقة. فمثل هذه السياسة تغالي في التفاؤل، وترجئ حل حلقة من مشكلات الشرق الأوسط الى حين تذليل المشكلات كلها. فيخرج منتهج هذه السياسة خالي الوفاض. وتضع هذه السياسة صاحبها أمام معضلة الخطوة الأولى التي تمهد لمعالجة مشكلات الشرق الأوسط، على ما حصل مع المحافظين الجدد، وهم من أنصار هذه السياسة. وبحسب هؤلاء، بدا العراق المدخل الى تغيير الوضع بالشرق الأوسط. وأما ميليباند، فشأن سياسيين أوروبيين كثر يرى تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي مفتاحاً لعقدة الشرق الأوسط. وتفترض هذه السياسة تسوية مشكلة في منطقة من الشرق الأوسط شأنها أن تكر سبحة تسوية بقية المشكلات. فهل يفضي عدول ايران عن مشروعها النووي الى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ لا ريب أن هذا مستبعد. وهل تتخلى ايران عن مشروعها النووي، في حال أفرج الإسرائيليون عن بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ الأرجح أن الجواب هو بالنفي. والحق أن ربط الملف الإيراني بالنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي سياسة ايرانية تخدم مصلحة ايران. فهو يشرّع دورها في غزة ولبنان. ولا شك في أن النهج الإجمالي السياسي يفتقر الى التواضع، على خلاف النهج التجزيئي. وقد تعظم التسوية في ميدان ما فرص تسوية مشكلة أخرى. ففي حال تقربت الولاياتالمتحدة من ايران، قد تعدل هذه الأخيرة عن تمويل"حماس". وتبعث هذه الخطوة الاطمئنان في نفوس الإسرائيليين، ما يعزز فرص إرساء السلام بالشرق الأوسط. وشأن قيام دولة فلسطينية تنفيس غضب الشرق الأوسطيين على الغرب، وتقويض، أسس النظام الإيراني المعادي للغرب، تالياً. ولكن هل نهج الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، إجمالي جمعي أم تجزيئي؟ فأغلب الظن أن يكون أوباما تجزيئياً. ومن المتوقع أن ينصرف أوباما الى معالجة الاقتصاد الأميركي المتأزم، وليس الى تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أو العراق أولاً، وأفغانستان، والاحتباس الحراري، وايران، والاقتصاد العالمي، وروسيا. وقد يرى أوباما أن معالجة الملف النووي الإيراني هو أولوية إدارته، على رغم طمأنته ديبلوماسيين أوروبيين انه لن يهمل المشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية. ويخشى الأوروبيون أن يكرر أوباما خطأ سلفيه، جورج بوش وبيل كلينتون، وأن يرجئ بدء مسار عملية السلام الإسرائيلي - الفلسطيني الى نهاية ولايته. عن جدعون راشمان،"فايننشل تايمز"البريطانية، 18/11/2008 نشر في العدد: 16665 ت.م: 19-11-2008 ص: 28 ط: الرياض