لن يُعرف، بشكل نهائي، اسما المرشحين الديموقراطي والجمهوري اللذين يتنافسان على الرئاسة في الانتخابات المقررة في نهاية السنة، قبل مطلع حزيران يونيو مع المرحلة الاخيرة من الانتخابات التمهيدية في ولاية داكوتا الجنوبية. لكن محطات أساسية في هذه الانتخابات تؤشر الى أسماء الأوفر حظا في السباق الى البيت الابيض وخلافة الرئيس جورج بوش مطلع السنة المقبلة. من هذه المحطات، انطلاقة الحملة التمهيدية التي جرت في ولاية آيوا في الثالث من الشهر، و"الثلثاء الكبير"في الخامس من شباط فبراير المقبل حيث تطاول الانتخابات التمهيدية 20 ولاية. ومن الواضح ان الانتخابات التمهيدية تعكس الاتجاهات داخل كل حزب وليس في الرأي العام. ما يعني ان الاختيار يطول أساسا شخصية المرشح وقدرته على اجتذاب المستمعين، اكثر من البرنامج السياسي الذي لن يتبلور الا خلال الشهرين الأخيرين اللذين يسبقان الانتخابات العامة. مع العلم ان حساب الاصوات لاختيار المرشح في المجامع الانتخابية كوكوس مسألة معقدة، وتتضمن مفاجآت على نحو يجعل الاستطلاعات تتضمن هامشا كبيرا من الخطأ، ويصعب بالتالي الركون اليها في التقديرات. ومع ذلك، توقف المحللون والخبراء كثيرا أمام النتائج في ولاية آيوا ليستخلصوا منها اتجاهات عامة وداخل الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وعموما تنعكس مثل هذه الخلاصات في المراحل اللاحقة، بما قد يجعلها مؤشرات جدية، وإن لم تكن نهائية، في الخيارات الأخيرة للناخبين. فالولاية الريفية الطابع وذات الكثافة الساحقة من البيض 95 في المئة، تعتبر أفضل تعبير عن العمق الاميركي وهمومه المباشرة وتطلعاته من وراء الانتخاب الرئاسي. لقد أعطى ناخبو الولاية من الحزبين، وبشكل كثيف، الافضلية لوجوه جديدة بعيدة عن المؤسسة المركزية في واشنطن، عبر السناتور الديموقراطي باراك اوباما والحاكم السابق لولاية اركنسو القس اليميني الجمهوري مايك هاكابي. وذلك بعد حملة غابت عنها القضايا الخارجية، وركز خلالها اوباما على ضرورة التغيير ووحدة الاميركيين فيما شدد هاكابي على القيم الاميركية التقليدية. واظهرت الاستجابة لمثل هذا الخطاب ان ثمة ازمة مجتمعية داخلية، وان الناخب تشغله هذه الازمة بدليل الاقبال التاريخي على التصويت. وربما هذا الجانب من المعركة والحرب على العراق يشكلان عنصري الاستقطاب الأساسي للناخبين، داخل كل من الحزبين اولا وفي الاقتراع العام لاحقا. ويبدو ان كل المرشحين الجمهوريين ينطلقون من نقطة الضعف التي تمثلتها ادارة الرئيس بوش. فهم يتحملون مسؤولية، معنوية على الاقل، عن ضعف هذا الادارة. وفي الوقت نفسه غير قادرين على الخروج نهائيا من تحت عباءة البيت الابيض ما دام الرئيس الحالي في معركة الدفاع عن سياسته. ولذلك يصعب التكهن باتجاهات الرأي داخل الحزب. لكن كثيرين يتوقعون ان يدفع مرشح الحزب، في النهاية، ثمن هذه السياسة. أما في الجانب الديموقراطي، فبدا اوباما، منذ نتائج آيوا، المرشح الجدي القادر على خوض منافسة قوية مع السناتور هيلاري كلينتون التي ترشحها الاستطلاعات للفوز بترشيح الحزب. وفي هذا السياق، سيكون الاهتمام الاساسي منصبا على تطورات هذه المنافسة التي تحدد نتيجتها، ربما، اسم الرئيس المقبل للولايات المتحدة. وفي الحالين ستكون البلاد أمام سابقة، امرأة او رجل أسود في البيت الابيض. لقد فضلت اميركا العميقة رجلا، وإن كان شابا غير مجرب ودخل معترك السياسة قبل سنوات قليلة واسود، على إمرأة، وإن كانت صاحبة خبرة طويلة من خلال وجودها ثماني سنوات في البيت الابيض الى جانب زوجها بيل كلينتون صاحب الشعبية الواسعة. وإذا تقارب المرشحان بحجم الاموال التي جمعها كل منهما لحملته حوالي مئة مليون دولار، فإن اوباما استطاع ان يحول نقطة ضعفه الاساسية كمرشح اسود الى نقطة قوة من خلال رفضه تبني"قضية"السود في اميركا وتركيزه على المواطنة ووحدة المواطنين، إضافة الى رفضه الصريح، ومنذ البداية، للحرب على العراق. وذلك عبر قدرة خطابية وشخصية كارزمية استقطبت الشباب والنساء من دون ان تنفر التقليديين. الى حد ان كثيرين يشبهونه بالرئيس الراحل جون كينيدي. اما كلينتون فتنطلق من نقطتي ضعف أساسيتين: تأييدها للحرب وشخصيتها المتهمة بالتسلط والعنجهية ومحاولتها تجيير رصيد الادارة الديموقراطية السابقة التي قادها زوجها الى مصلحتها.