يصعب على المتجول في شوارع القاهرة وأسواقها أن يتخيل اي موسيقى تصويرية تملأ خلفية جولته باستثناء الأصوات المنبعثة من محل أو سيارة أو مطعم، حاملةً نانسي عجرم مغنية"شخبط شخابيط"أو عمرو دياب محطم قلوب الفتيات ب"انا عاشق"أو حتى شعبولا وكرهه لإسرائيل أو أم كلثوم تشدو"أنت عمري"أو عبد الحليم مناجياً"أهواك". وفي بعض الظروف الاستثنائية قد تنبعث موسيقى خفيفة أو صوت شاكيرا، لكن أن يتنامى إلى مسامعك السيمفونية الثلاثين لموتسارت أو سوناتا"ضوء القمر"فهذا أمر نادر الحدوث. وعلى رغم ذلك فإن في مصر رصيداً ضخماً وقاعدة قوية للفن الكلاسيكي الذي يحق للمصريين أن يفخروا به. وعلى رغم عودة تاريخ نشأة أوركسترا القاهرة السيمفونية إلى عام 1959ومعرفة نسبة كبيرة ،لا سيما من المتعلمين ومتابعي قنوات الإعلام المختلفة للموسيقى الكلاسيكية، حقيقة وجودها الفعلي ، يبقى هذا الفن بعيداً عن آذان الغالبية. وفي دار الأوبرا المصرية مكتب صفير وأبعاد هندسية غير تقليدية، صاحبه يتبوأ منصباً فنياً غير معتاد. هو المايسترو نادر عباسي 44 سنة المدير الفني والقائد الأساسي لأوركسترا أوبرا القاهرة. وعباسي الحاصل على شهادتي دكتوراة في آلة"الفاغوت"الخشبية وفي الغناء الأوبرالي من جنيف، يقول:"في السنوات بين حريق دار الأوبرا المصرية القديمة 1971 وافتتاح الدار الجديدة ابتعدنا عن فنون عدة مثل الباليه والموسيقى الكلاسيكية والأوبرا". وعلى رغم اعترافه بالدور الذي لعبته منافذ فنية أخرى مثل مسرح الجمهورية ومسرح سيد درويش خلال تلك الحقبة في تقديم أشكال راقية من الفنون، إلا أن ذلك الجهد لم يكن كافياً لتاسيس مرحلة فنية جديدة. لكن عدم إقبال المصريين على"تذوق"الموسيقى الكلاسيكية له أسباب كثيرة تبدأ من أسلوب التعليم في المدارس وأولوياته، وتمر بالتخمة الفنية حسب المقاييس السائدة حالياً، وتنتهي بالعوائق النفسية والاجتماعية المصطنعة... يقول عباسي:"معظم المدارس المصرية لا تدمج الفنون الكلاسيكية في نظم تعليمها ، لذا يشب الأطفال غير مدركين لهذه الأنواع من الموسيقى والغناء". ويرفض عباسي مقولة إن الفن الأوبرالي بعيد عن المصريين نظراً للبعد الجغرافي والثقافي لنشأته الايطالية، ويوضح أن أميركا والصين واليابان بعيدة عن منشأ الأوبرا، لكنها أدخلتها إلى المدارس، لذلك ينشأ الأطفال في مثل هذه الدول وهم قريبون إليها ومعتادين عليها. من جهة أخرى، فإن اهتمام الدولة الشديد والواضح بدعم الفنون في دار الأوبرا للدرجة التي يصل فيها سعر التذكرة إلى خمسة جنيهات للطلاب في العروض التي تكلف آلاف الجنيهات، لا يواكبه اهتمام من كل القطاعات، اضافة الى برامج التلفزيون القليلة مثلا التي تقدم مقاطع من الأوبرات العالمية في صورة رديئة. ويشير عباسي إلى اسلوب ذكي يساعد على تقديم الفنون الكلاسيكية للجمهور بأسلوب يجمع بين تخفيف الجرعة و تنويع المحتوى وهو ما يتمثل في ال gala concert وهي الحفلات التي تضم فقرات متعددة من أشهر الأوبرات والباليهات. ويقول:"هي طريقة مثلى لتقديم هذه الأعمال إلى الجمهور، وبدلاً من الاستماع ومشاهدة العمل بأكمله، يستمع إلى فقرات عدة ويمكنه حينئذ أن يختار الجزء الذي يعجبه ومن ثم يسعى إلى مشاهدة العمل كاملاً في المرة المقبلة". يشار إلى أن حفلات المسرحيات الموسيقية التي تقدم أعمالاً مثل"شبح الأوبرا"وغيرها من الأعمال الشهيرة وحفلات الموسيقار عمر خيرت تكون كاملة العدد في معظم الأحوال. المايسترو نادر عباسي يعتبر أن عزوف الشباب عن الموسيقى الكلاسيكية ليس ظاهرة مصرية وحسب وانما عربية. في دول أوروبا يتجه الشباب إلى أنواع موسيقى البوب المختلفة، لكن بدءأ من سن ال25 تقريباً يبدأ الاتجاه إلى أنواع أخرى من الموسيقى قد تشمل الموسيقى الكلاسيكية التي اعتادوا على سماعها في الطفولة واختزنوها في ذاكرتهم واستحضروها حين أصبحت ظروفهم العمرية والاجتماعية والنفسية جاهزة لذلك. ويبدو أن المشكلة لا تكمن في تذوق المصريين للموسيقى الكلاسيكية والأوبرا، انما في كيفية دفعهم إلى تذوفها. الوجه الآخر للمشكلة الأوركسترالية في مصر مادي بحت، فعازف الأوركسترا على رغم رقي الموسيقى التي يقدمها سواء تذوقها المتلقون أو لم يتذوقوها في حاجة إلى مستوى دخل يتيح له العيش في مستوى معقول، لكن العازفين الذين أفنوا عمرهم في تعلم آلة موسيقية وإتقان العزف عليها يواجهون صعوبات في هذا الشأن. وهم يعلمون أن نظراءهم من العازفين في فرق الدول الأخرى يتقاضون اضعاف ما يتقاضونه من رواتب. يقول عباسي إن ذلك يدفع غالبيتهم إلى البحث عن مصادر أخرى للدخل بالإضافة إلى عملهم الرئيس مثل العمل في تسجيلات أغاني المطربين، ما يؤثر سلباً على جهدهم وقدرتهم على التركيز على عملهم الرئيس. شريف محيي الدين ونادر عباسي تأسست أوبرا القاهرة عام 1994، و استطاعت أن تلعب دورا بارزا على الساحة الموسيقية فى مصر. شغل المايسترو شريف محيي الدين منصب مدير الأوركسترا فى عام 1995 وأتيحت الفرصة للموسيقيين المصريين الموهوبين للإلتحاق بها.ولم تلبث الأوركسترا أن أخذت على عاتقها مهمة توسيع مجال أنشطتها الثقافية والفنية وذلك عبر تقديم سلسلة من الحفلات السيمفونية المسائية بعنوان"الموسيقى للجميع"وحققت نجاحاً كبيراً. ومع موسم 2002/2003 تم تكليف المايسترو نادر عباسي بتولي منصب القائد الأساسي والمدير الفني لها. ونظراً لخبرته الواسعة استطاع تحقيق رؤية جديدة كان لها أثر واضح في إضفاء الحيوية والتناغم الموسيقي بين عازفي الأوركسترا. وتعاقب على قيادة أوركسترا أوبرا القاهرة أسماء عالمية مثل: باتريك فورنيلييه ودومينيك رويتس فرنسا، روبرت لو الولاياتالمتحدة، إيفان فيليف بلغاريا، جيورجيو كروتشي ايطاليا .