تُعدّ حفلة أوركسترا القاهرة السمفونية التي قادها المايسترو نادر عباسي في دار الأوبرا المصرية أخيراً، وشارك فيها عازف البيانو محمد شمس، من أهم حفلات هذا الموسم. ليس لأنها حظت بإقبال جماهيري كبير ولا لأنها تمثل عودة للإثنين بعد غياب كونَ الأول يعيش في سويسرا والثاني يكمل تعليمه في أميركا، بل لأن برنامج الحفلة اختير بعناية ويحمل رؤية ويعد هدية لعشاق الموسيقى، وبالتحديد رواد هذه الفرقة الذين يترددون على حفلاتها بانتظام. وقدمت الفرقة فقرات لها قيمة فنية عالية في التراث الموسيقي العالمي، وامتازت بالتنوع في الشكل وبأعمال صعبة فيها استعراض للمهارة، فضلاً عن أن غالبية فقراتها فريدة ولا تقدمها الأوركسترات المصرية. البرنامج جاء مناسباً للاحتفالات التي تقام حالياً في مصر لمناسبة مرور 70 سنة على العلاقات المصرية الروسية، وباستثناء المقطوعة الأولى المصرية جاء البرنامج من المؤلفات الروسية وبدأ بمقطوعة «روندو بلدي» من مؤلفات الراحل جمال عبدالرحيم. وعلى رغم صياغة البرنامج في قالب أوروبي، فإنه كان مشبعاً بالروح المصرية. الفاصل الثاني من البرنامج لم يكن سمفونية كعادة هذه الحفلات، إنما قدم عملين كبيرين، العمل الأول «جزيرة الموتى» للمؤلف الروسي سيرغي رخمانينوف. وهذا العمل استلهمه المؤلف من لوحة تحمل هذا الاسم للفنان التشكيلي السويسري أرنولد بوكلين، شاهدها عام 1907 وتأثر بها. والعمل الثاني مقطوعة موسيقية «بولينز مصنف 24» من أوبرا تشايكوفسكي الشهيرة «أوجين أنوجين» التي كتبت انطلاقاً من مقتطفات من قصة للشاعر الروسي بوشكين. أما العمل الرئيسي في هذه الحفلة التي قدمت في ختام الفاصل الأول، فهو كونشرتو البيانو والأوركسترا رقم 3 في سلم «دو» الكبير مصنف 26 للمؤلف الروسي سيرغي بروكوفييف. وعزف هذه المقطوعة على البيانو محمد شمس الذي جعل الجمهور يشعر بالفخر أن في مصر مثل هذا الشاب الموهوب والمجتهد. فقد وصل في هذا العمل، إلى حالة من النضج تؤكد أنه يخطو نحو العالمية. العمل يتكون من 3 حركات تصدره عزف رائع من شمس ومن الأوركسترا بقيادة من المايسترو عباسي الذي قدم لنا بحرفية تفسيراً جيداً لهذا العمل التاريخي. وقد اتضح ذلك منذ بداية العزف مع آلات الكلارينت التي قدمت اللحن الرئيس بغنائية، قبل أن تشارك فيه الآلات الوترية. وعندما وصل اللحن الى الذروة دخلت آلة البيانو بطريقة مفاجئة كسرت اللحن الغنائي، وأدى العازف جزءاً براقاً واستخدم بعض ملامح اللحن الأساسي. الحركة الثانية تعتمد على لحن بسيط في 5 تنويعات قدمت في شكل جيد جداً من خلال الأوركسترا والعازف. لكن الحركة الثالثة والأخيرة كانت ذروة الاستمتاع والاختبار الحقيقي للعازف وللفريق وللمايسترو. وحقق العازف المنفرد والفريق والمايسترو نجاحاً استحق تصفيقاً من الجمهور وصيحات إعجاب ممزوج بالفخر.